مِنْ غُرَرِ الحِكَمِ لـ: بشار بكور
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد فهذه مجموعة من الحكم، بل من درر الحكم وغرر الكلم تخيرتها من شتات تراثنا العربي والإسلامي العريق. و قد جمعت هذه الحكمُ بين جزالة اللفظ و فخامته، وبين شرف المعنى وسموه. ولو كان هناك كلامٌ يُؤْتَدم به لكانت هذه الحِكَمُ مما يؤتدم بها، و كأن الجاحظ رحمه عنى أمثال هذه الحكم النيرة بقوله: "وأحسنُ الكلام ما كان قليلهُ يُغْنيك عن كثيرِه، ومعناه في ظاهر لفظِه، وكان اللُّه عزّ وجلَّ قد ألبسَه من الجَلالة، وغَشّاه من نُور الحكمة على حَسَب نيّة صاحبه وتقوَى قائِله، فإذا كان المعنى شريفاً واللفظُ بليغاً، وكان صحيح الطبع بعيداً من الاستكراه، ومنزَّهاً عن الاختلالِ مصوناً عن التكلُّف، صنَعَ في القُلوب صنيعَ الغَيث في التُّربة الكريمة، ومتى فَصَلت الكلمةُ على هذه الشّرِيطة، ونفذَتْ من قائلها على هذه الصِّفة، أصَحبَها اللَّهُ من التوفيق ومَنَحَها من التأييد، ما لا يمتنع معه من تعظيمها صدورُ الجبابرة، ولا يذهَل عن فهمها معه عقولُ الجَهَلة."[1] وقد سقت هذه الحكم كيفما اتفق دون ترتيب معين، كحال اللؤلؤ المنثور، راجياً أن يعم نفعها والعمل بمقتضاها.
• الرافعي: "إذا لم تزِد شيئاً على الدُّنيا كنْتَ أنتَ زائداً على الدُّنيا".
• الرافعي: "أنتَ عجزتَ أيها الإنسانُ فأيقنتَ أنَّك لا تستطيع أن تغيِّر أطوارَ الدُّنيا، ولكن كيف نسيتَ الذي يستطيع أن يغيّرها، وهو يغيّرها كلَّ طرفة عين."[2]
• الرافعي: "يأتي الغرورُ من ضَعْف النظرِ إلى الحقيقة، لو أن للنملة عيناً وسُئِلتْ عن الذبابة كيف تراها لقالتْ: هذا فيلٌ عظيم."[3]
• الرافعي: " إنَّ الباطلَ لا يجد أبداً قوَّتَه في طبيعتِه، بل تأتيه القوةُ من جهةٍ أخرى فتُمْسِكُه أنْ يزولَ، فإذا هي تراخَتْ وقع، وإذا زالت عنه اضْمَحَلَّ. أما الحق فثابتٌ بطبيعته قويٌّ بنفسه."[4]
• ابن المعتز:" الحوادث المُمِضة مُكْسِبةٌ لحظوظٍ جزيلةٍ: من صوابٍ مُدَّخَرٍ، وتطهيرٍ من ذَنْبٍ، وتَنبيهٍ من غَفْلة، وتعريفٍ بقَدْرِ النِّعمة، ومُرُونٍ على مُقَارَعَةِ الدَّهر." [5]
• الشَّدائد تُصْلِحُ من النَّفْس بمقدار ما تُفْسِدُ من العيش، والتَّرَفُ يُفْسِدُ من النَّفْس بمقدر ما يُصْلِحُ من العيش.
• عقول الرجال في أطراف أقلامها. [6]
• لا يزال المرء مستوراً، وفي مندوحة ما لم يصنع شعراً أو يؤلف كتاباً؛ لأن شعره تَرجُمانُ علمه، وتأليفَه عنوانُ عَقْله.[7]
• حَقٌّ على العاقل أنْ يتَّخِذَ مِرْآتينِ، فينظرُ من إحداهما في مساوِئ نفسه فيتصاغَرُ بها و يُصْلِحُ ما استطاع منها، وينظرُ في الأُخْرَى في مَحاسِنِ النَّاس، فيُحَلِّيهم بها ويأخذُ ما استطاع منها.[8]
• الحكيم لا يخوض نهراً حتى يعلمَ مقدارَ غَوْرِه.
• حين يكون المرءُ شريفاً في مجتمعٍ تسوده السرقةُ فإن شرَفَهُ يصبح عقوبةً له، وقليلٌ أولئك الذين يتحمّلون تلك العقوبةَ إلى ما لا نهايةَ.[9]
• ابن المُقَفَّع: "الدَّيْنُ رِقٌّ فانظرْ عند مَن تضَعُ نفسَك."[10]
• ابن الجوزي: "ينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غايةِ ما يمكِنُه، فلو كان يُتَصَوَّرُ للآدميِّ صعودُ السماوات لرأيت مِنْ أقبحِ النقائصِ رضاه بالأرض. ولو كانتِ النُّبوَّةُ تحصُلُ بالاجتهادِ رأيتَ المقصِّرَ في تحصيلها في حضيضٍ. " [11]
• ابن مالكٍ النحويُّ: "وإذا كانت العُلُومُ مِنَحَاً إلهيةً ومواهبَ اختصاصيةً فغيرُ مستبعَدٍ أن يُدَّخَر لبعض المتأخِّرين ما عسُرَ على كثيرٍ من المتقدِّمين، أعاذنا الله من حسدٍ يسدّ بابَ الإنصاف ويصدّ عن جميل الأوصاف." [12]
• مَرارةُ الدُّنيا حَلاوةُ الآخرةِ، و حلاوةُ الدُّنيا مَرارةُ الآخرةِ.
• مَن لاحَ له حالُ الآخِرة هان عليه فِراقُ الدُّنيا؛ تذكَّرْ حلاوةَ الوصال يهُنْ عليك مُرُّ المجاهدَة.
• خَيْرُ المَعروفِ ما لم يتقدَّمْهُ مَطْلٌ، ولم يَتْبَعْهُ مَنٌّ.[13]
• أَرْضَى النَّاس بالَخَسارِ بائعُ الدِّيْنِ بالدِّينار.
• إسحاق نيوتن: "إذا كنتُ أستطيع أن أرى أبْعَدَ مِنَ الآخرين فلأني إنما أقِفُ على أكتاف العمالقة."
• إذا كان الرأيُ عند مَنْ لا يقبَلُه، والسلاحُ عند من لا يستعمله، والمالُ عند من لا ينفقه ضاعتِ الأمورُ.
• إذا كان للمُحْسِنِ منَ الثَّوابِ ما يَنْفَعُهُ، وللمُسِيء من العِقَابِ ما يَقْمَعُهُ، بَذَلَ المُحْسِنُ ما عنده رغبةً، و انْقَادَ المسيءُ للحقِّ رَهْبةً.[14]
• أَجْمِلْ في الطَّلَبِ تَكْفِكَ المَقَاديرُ ما هو كائنٌ، فما كانَ لَكَ أتاكَ على ضَعْفِكَ، وما كان عَليك لم تَدْفَعْهُ بقوَّتِكَ.[15]
• الابتسامة أقلُّ كلفةً من الكهرباء، وأكثرُ إشراقاً منها.[16]
• إذا حلَّتِ المقاديرُ ضَلَّتِ التَّدابيرُ.
• إنما يُستجَادُ الشيءُ ويُسترذَل لجودته ورداءته لا لقِدَمِه وحُدُوثِه.
• لولا ظُلْمَةُ الخَطَأِ ما أَشْرَقَ نُورُ الصَّوَابِ في القُلُوبِ.[17]
• الزُّهور لا تحتاج إلى ألوانٍ تزيّنها.
• إذا فشِلْتَ في التخطيط فقد خطَّطتْ للفَشَل.
• على المرء أن يتذكَّر أن كلَّ فشلٍ يمكن أن يكون خُطوةً نحو تحقيقِ شيءٍ أفضلَ.
• السَّعيدُ مَنْ زادَتْ مَجَاري القَدَرِ في اسْتِبْصَارِه، ووقَعَتْ حوادثُ الغيرِ مَوْقِعَها من اعتِبَاره.[18
• أكثرُ ما يُفْسِدُ الدُّنيا نِصْفُ متكِّلم، ونِصْفُ متفقِّه، ونصفُ متطبِّبٍ، ونصْف نحويٍّ، هذا يفسد الأديانَ، وهذا يفسد البُلدانَ، وهذا يفسد الأبدانَ، وهذا يفسد اللسان.[19]
• لا تجعلْ غايةَ همَّتِكَ ومنتهى قصدِكَ أن تمرَّ على الماء، أو تطير في الهواء؛ يصنع الطيرُ والحوت ما أردت؛ طِرْ بجناحِ هِمَّتِكَ إلى ما لا غايةَ له.[20
• احْذَرْ مَنْ لا يُرجَى خيرُه، ولا يُؤمَن شَرُّه.
• أَحْمَدُ النَّاس عَقْلاً مَن إذا نزلتْ به النازلة ُكان لنفسه أشدَّ ضبطاً، وأكثرَهُمُ استماعاً من أهل النُّصْحِ حتى ينجوَ من تلك النازلة بالحِيلة والعَقْل والبحث والمُشاورة.[21]
• بارِقةُ الحقيقةِ تَظْهَرُ من مُصَادَمة الأفكارِ.
• رُبَّ بعيدٍ لا يُفْقَدُ بِرُّه، وقريبٍ لا يُؤْمَنُ شَرُّهُ.[22]
• تعلّمْ درْساً من البعوضة، فإنها لا تنتظر أبداً فتحة تنفذ منها بل تصنع واحدةً.
• ابن هُرْمُز: "ينبغي للعالم أن يُورث جُلَسَاءَه قَوْلَ "لا أدري" حتى يكونَ ذلك أصْلاً يفزعون إليه."[23]
• إنَّ مَنْ عرف فَضْلَ قوَّته على الضعفاء، فاغترَّ بذلك في شأن الأقوياء، قياساً لهم على الضعفاء، كانت قوتُه وَبالاً عليه.[24]
• إذا طُعِنْتَ مِنَ الخَلْفِ فاعلمْ أنَّك في المقدِّمة.
• إنَّ مَنْ لم يفكِّرْ في العواقب لم يأمَنْ من المصائب، وحقيقٌ ألا يسلمَ من الَمعاطب.[25]
• إنّ مَنْ يخوّفك حتى تلقى الأمنَ أشفقُ عليك ممّن يؤمّنك حتى تلقى الخوفَ.
• العِلْمُ يستطيع أن يُفَسِّرَ الأشياءَ، ولكنَّه لا يستطيع أن يقول: لماذا وُجِدَتِ الأشياءُ، أو ما هي الغاية من الكون.
• لاَ تَكُنْ رَطْباً فَتُعْصَرَ، ولاَ يَابِساً فتُكْسَرَ، ولا تَكُنْ حُلْواً فتُسْتَرَطَ[26]، ولا مُرَّاً فَتُلْفَظَ.
• سهل بن هارون: " إذا كان الحُبُّ يُعمِي عن المساوئ فالبُغْض أيضاً يُعمِي عن المحاسِن، وليس يَعْرف حقائقَ مقاديرِ المعاني، ومَحْصولَ حدودِ لطائف الأمور، إلاّ عالمٌ حكيم، ومعتدلُ الأخلاطِ عَليمٌ، وإلا القويُّ المُنَّة، الوَثيقُ العُقْدةِ، والذي لا يمَيل مع ما يستميل الجمهورَ الأعظمَ، والسوادَ الأكبر." [27]
• إنَّ العاقِلَ يدبِّر الأشياء ويَقيسها قبل مباشرتها، فما رجا أن يتمَّ له منها أقدم عليه، وما خافَ أن يتعذر عليه منها انحرف عنه، ولم يلتفت إليه.[28]
• ابن الجوزي: " مَنْ عَايَنَ بعينِ بصيرتِه تَنَاهِيَ الأمورِ في بِداياتها، نَالَ خيرَها، ونجا مِنْ شَرِّها. و مَنْ لم يَرَ العَواقبَ غَلَبَ عليه الحِسُّ، فعادَ عليه بالألم ما طَلَبَ منه السَّلامةَ و بالنَّصَبِ ما رَجَا منه الرَّاحةَ.[29]
********************************************************
[1] البيان والتبيين 1/83.
[2] كلمة و كليمة، ص 61.
[3] كلمة و كليمة، ص 42.
[4] تحت راية القرآن، ص314.
[5] زهر الآداب 1/599.
[6] عيون الأخبار1/ 107.
[7] العمدة في صناعة الشعر ونقده1/181.
[8] الأدب الصغير، ص 50.
[9] عصرنا والعيش في زمانه الصعب، ص 75.
[10] البيان والتبيين 3/ 267.
[11] صيد الخاطر، ص 163-164.
[12] مقدمة كتابه تسهيل الفوائد و تكميل المقاصد، ص 2.
[13] البصائر والذخائر1/ 170.
[14] التذكرةالحمدونية 1/297.
[15] البصائر والذخائر2/ 128.
[16] المتحدث الجيد، ص 18.
[17] البصائر والذخائر4/ 169.
[18] البصائر والذخائر6/ 170
[19] مجموعة الفتاوى 5/77.
[20] البرهان المؤيد، ص 47.
[21] كليلة ودمنة، ص 306.
[22] البصائر والذخائر5/ 20.
[23] سير أعلام النبلاء 8/ 77.
[24] كليلة ودمنة، ص 225.
[25] كليلة ودمنة، ص 337.
[26] أي: تبتَلع.
[27] البيان و التبيين 1/ 90.
[28] كليلة ودمنة، ص 158.
[29] صيد الخاطر، ص15.
منقول عن منتديات الألوكة