ما الفلسفة ؟
سؤال مشروع يطرح نفسه اليوم بقوة على كل طارق لباب الفلسفة، هاته الاخير التي تحدثنا عنها في السابق انها عمل عقلي تأملي مجرد لكن مفهوم هاته الفلسفة لم يبقى على حاله بل تطور وتغير عبر الزمان او حسب اللحظة التاريخية التي أنتجته، فاذا كان اليونان قد وسموه بمفهوم يعرفه العامة والخاصة بمحبة الحكمة فإن فيثاغورس هو اول من أطلق هاته الكلمة، كما اخبر عن ذلك شيشرون.
واذا اردنا ان نتكلم عن المفهوم بعمومه فنجد ان الفلاسفة الطبيعيين قد فهموا الفلسفة في انها تحديد لطبائع الاشياء وحصروها في الوحدة والكثرة واصل الوجود بين الماء والهواء والتراب والنار، وجاء بعدهم السفسطائيين واعتبروها كما قال الدكتور "كامل حمود" (ضربا من الجدل والتلاعب اللفظي الذي يمكن المجادل من التغلب على الخصم)هذا عند السفسطائيين، اما عند ابو الفلاسفة "سقراط "الذي اتجهت فلسفته نحو الإنسان كان شعاره (اعرف نفسك بنفسك)ويكون بهذه المقولة قد سبق الوجوديين في اعطاء قيمة للذات البشرية والانسان لايستطيع ان يمتلك الفضيلة مالم يكن عارفا بماهية وحقائق الأشياء وهو ماركزعليه في فلسفته.
ليواصل مسيرته تلميذه افلاطون الذي لولا ماهية سقراط مااستطاع بلورة المثل الذي بنى عليه انتاجاته الفلسفية الجمهورية والحوارات المختلفة اما ارسطو فقد جاءنا بمنطقه الذي هو الة عاصمة للذهن من الخطأ كما هو معروف عند الكثيرين.
واستمرت مسيرة الفلسفة لترتبط بالدين وتحاول ان تصبغ الدين بصبغة فلسفية فعرفت الفلسفة اليهودية على يد فيلون الاسكندري الذي كان ماهرا في التاويل والمسيحية التي تزعمها توماس الاكويني واوغسطين فاختلق في ظل الفلسفتين افكار ومفاهيم جديدة بقيت راسخة الى اليوم.
ثم جاءت الفلسفة الاسلامية ممثلة في اول فرقة من فرقها وهي المعتزلة والجبريين وغيرهم من الفرق التي نشطت الساحة الفكرية العربية في مايسمى علم الكلام وكانت بذلك بداية للتفلسف داخل الحقل المعرفي العربي وبدات المعاناة في قضايا مختلفة منها خلق القرأ ن والامامة وغيرها من القضايا المرتبطة بالفلسفة كما عرفت الفترة العربية مجموعة من الفلاسفة من بينهم الفارابي الذي عرف بالمعلم الثاني تبعا للمعلم الاول ارسطوا والكندي وابن رشد وحتى الغزالي وفيها بدات الترجمة في عهد المامون علي يد موسى بن ميمون فكان بعد التاثير والتاثر بالميراث اليوناني انتاج فلسفي اسلامي عربي اصيل على يد الفلاسفة الذين ذكرناهم.
ومما لاشك فيه فان مسيرة الفلسفة تواصلت مادامت هنا ك ذات مفكرة في قضايها رغم ماعرفته هذه المرحلة من سيطرة الدين ومافرضه من مبادئ وفرائض يجب على من يريد ان ينتج قولا فلسفيا ان يتقيد بها تبعا للنص المقدس - الا ان جاءت الثورة المعرفية الجديدة- في العصر الحديث لتحاول تغيير وضعية الفلسفة بالقطيعة مع السابق محاولة انقاذ الفلسفة من الموت الذي يواجهها فبعد خروج علم النفس وغيرها من العلوم من دائرة الفلسفة لتاسس نفسها كعلم قائم بذاته وتبقى الفلسفة تنتظر النهاية فجاء المخلص فرانسيس بيكون الذي اقام القطيعة مع المنطق الارسطي لياتينا بمغاير له وهو الاستقراء نظرا لان المنطق لايعدو سوى لغة لاتنتج فناتئجه هي مقدماته و عن ذلك عبراستاذنا الشيلي امحمد عندما كنا ندرس في الثانوية معتمداعلى مقولة ابن تيمية ان المنطق لحم جمل غث فوق جبل وعر لاسهل فيرتقى بمعنى ان لافائدة من هذا المنطق فالممارس له يبذل جهدا بين المقدمات والنتائج والتحرز من الوقوع في التناقض الاانه في النهاية لاياتينا بجديد فهو عقيم عن الانتاج وصلاحيته انتهت مع المناهج الفلسفية الجديدة التي اصبحت تحكم الحكم مثل الفرضي والاستناجي والتمثيلي والبنيوي والتفكيكي وغيرها من المناهج المستعملة فاستطاعت الفلسفة ان تخرج من عنق الزجاجة بفضل غيرتها من العلم الحديث لا لكي تكون مثله وانما لتراعي موقعها وتحفظ ماء وجهها فاصبحنا نسمع فلسفة العلوم والسياسة والقانون والاخلاق والاقتصاد والتاريخ واصبحت الفلسفة محاكية بحق للواقع تضم مشكلالته الى مشكلاتها لتعطي رايها فيه كما تطورت اسئلتها وافكارها تبعا للتحولات العالمية.
فاذا اخذنا مقولة طه عبد الرحمن فيلسوف مغربي يقول على السؤال الفلسفي القديم انه (عبارة عن فحص ) بمعنى ان المحاورات السقراطية هدفها التوليد والتهكم فهو يطرح السؤال ويبتغي من خلاله اجابة ويوقع عليها بالايجاب ثم يواصل طرح اسئلته لينتهي في النهايه لابراز التناقض والخطا الموجود فيها ,اما اليوم فتغير السؤال فاصبح باعتباره (نقد) كيف؟أي ان لايسلم الانسان المفكر باي قضية من القضايا وانما عليه ان يفككها ويقلبها على جميع الاوجه ثم في الاخير يحكم هو بصدقها ومثال ذلك بابو الحداثة الفيلسوف الالماني كانط هذا الاخير الذي قدم لنا مجموعة من الانتاجات الفلسفية مثل نقد العقل الخالص وملكة الحكم وغيرها من الكتب فاصبحت المساءلة للاداة التي نفكر بهاوهي العقل وكثيرة هي الاعمال الفلسفية التي تبدا بكلمة نقد وحتى في الفكر العربي الاسلامي الحديث نجد عندالجابري نقد العقل السياسي واركون نقد العقل الاسلامي فالتغير الحاصل في السؤال الفلسفي فجعل الفلسفة تنتقل من فقه الفحص الى فقه النقد بعد ان اثبت الفحص عدم فاعليته في الحوار الفلسفي الذي هو اساس اخر حاكت به الفلسفة الواقع في ماهومطروح راهنا والمتمثل في سؤال الحوار الذي نعتبره قضية عالمية نعيشها متمثلا في الحوار بين الحضارات بل واكثر من هذا الحوار بين الاثنين وقد اعجبني التساؤل الذي طرحه "الاستاذ بلال موقاي "في مقاله هل نحن حقيقة نتحاور ؟ سؤال مشروع يفرض نفسه اليوم علينا بقوة لان عدم فهم الاخر سيؤدي الى خصام ففي اعتقادي ان الالتزام الذي طرحته الفلسفة الوجودية والمسؤولية كذلك هي كفيلة براب الصدع بين المتحاورين من خلال الالتزام بالمبادئ ورفض الشروط في أي حوار لان وجودها هو من يعرقله فكيف اتحاور معك ؟وانت تفرض علي اولاشروط فانا التزم بالمبادئ لكن لاالتزم بالشروط اذن مسالة الحوار سواء داخل المجتمع او بين الحضارات هي ضرورة لتجنيب الاسرة والمجتمع والعالم الموت فالحاجة الى الحوار كما يقول الدكتور نابي بوعلي في احدى مقالته المنشورة في مخبر الابعاد القيمية للفلسفة(ان اشكالية الحاجة الى حوار الاديان يفرضهاالقلق المتنامي وتصاعد دورة العنف والحروب ومظاهر اللاتسامح والتمييزوصناعة ثقافة الكراهية واضطهاد مجتمعات الاقليات الدينية وعودة العصبيات واشكال التطرفات الدينية في الوقت الراهن لقد اصبح التعصب ونبذ الاخر السمة المميزة لعصرنا)اذن يتبين لنا ان المشكلة هي من صنع الانسان بالدرجة الاولى هذا الاخير الذي اصبح ينفي الا خر كيف ما كان واصبح يعيش دوغمائية كما يقول اركون في احدى لقاءته الفكرية فانا وورائي الطوفان واتذكر في هاته اللحظة التي اكتب فيها مقولة لشيخنا رحمه الله البشير الابراهيمي الذي جعل الاخوة ليست دما فقط بل ودينا وعرقا وانسانية فالذين يعيشون في العالم اليوم هم اخوتنا في الانسانيةاحببنا ام كرهنا فالعالم يعيش اليوم راهنا صعبا بسبب غياب الحوار فمصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر سابقا واليوم كذلك تزهق الارواح وترمل النساء لذا علينا ان نعطي الحوار بعدا حيويا ونجعله قيمة مضافة لقيم الانسانية والا سنفقد السعادة والمحبةاللذين تركز عليهما الفلسفة حتى كتب احدهم فلسفة الضحك.
قراءة لمجرى تحولات الفلسفة من القديم الى الحديث تابعونا في مقالنا اللاحق انشاء الله (فلسفة الاخلاق والواقع)*
اخوكم عبدالله بعثمان