أوراق قديمة

29/04/2010

أخبرتها زميلتها أن رئيس التحرير يطلبها على الفور ، سرت رعدة في
جسدها ، ركض الدم مجنوناً في عروقها ، وفار على صفحة وجهها ، وارت وجهها وارتباكها
عن فضول زميلتها، وخرجت من المكتب .

في الرواق ترددت خطواتها بين مكتبه والباب الخارجي للصحيفة ، وحين
استقر رأيها على الهرولة للتنفس في ضوضاء الشارع ، أطل بقامته المديدة في الرواق ،
وقال بصوته الآسر :

-
مرحباً بصحفيتنا الناجحة
.

كفه لا زالت موطناً للدفء ، ونظرات عينيه لا زالت عالماً يحاصرها
في حدوده

-
لا تزالين جميلة !

علق وهو يقدم لها كرسياً لتكوم عليه جسدها المتخاذل ، مد لها ظرفاً
كبيراً أبيض ، وحين تساءلت عينيها ، قال :

-
هذا قلمك طوال عشر سنوات
كنت أرتشف حروفك مع فنجان قهوتي الصباحي، ثم أعزلها بالمقص واحتفظ بها هنا .

ربت على الظرف بين يديها ، فهوى
قلبها بين الضلوع ، وقال وهو يستثير دموعها المصادرة في المآقي:

-
كم كان متهوراً قرار
الفراق ؟

عصفت بها الذكرى ، فدارت بها
الدنيا ، نشلها من الدوامة دخول أحد الصحفيين ، استغلت تحاورهما ، وجرت خطواتها
خارج المكتب ، لم تجرؤ على الاستجابة لندائه المتناثر خلفها .

حين احتواها الرواق من جديد ،
نبت في عقلها قرار ، ستقدم استقالتها ، سترمي بهذا الظرف في سلة المهملات ، وسترمي
معه كل نجاحها الوظيفي ، ستلازم بيتها ، وتتفرغ لأولادها ، وتغدق حبها لزوجها
وحده....آه زوجها ، كم تشتاق إلى وجوده في تلك اللحظة، ستعانقه حال لقاءه وستطبع
قبلاتها على وجهه .

شعرت بشيء من القوة ساعدتها في
عبور الباب الخارجي للصحيفة ، أشارت لسيارة أجرة ، وهي في الكرسي الخلفي للسيارة
انتابها فضول لفض الظرف ،وتبعثرت حولها الأسئلة : هل أختار مقالات معينة ؟، هل
أستوعب كل ما كتبت طوال عشر سنوات ؟ وكيف كانت طريقة القص ؟ ، هل علق بقلمه على
الحاشية كما هي عادته القديمة؟..هل ...هل ؟

أجلت مشروع إعدام الظرف ، سيكون
مكان التنفيذ البيت .

صعدت الدرج بسرعة ولهفة ، عند
باب الشقة كان يقف زوجها بكامل أناقته ويحمل حقيبته في يده :

-
إلى أين ؟

امتزج السؤال بالرجاء ، فقال في
عجلة وهو يجتازها:

-
كما ترين ، مسافر.

-
ولكن ....

-
أعرف ...لم آت من السفر
سوى البارحة...اسطوانتك القديمة ، لكنه العمل يا عزيزتي .

قاطعها ، وهو يكمل النزول ، وقبل
أن تبتلعه البوابة الخارجية للعمارة ، نظر إلي الأعلى حيث كانت تبعثر وراءه الأمل
، وقال :

-
تذكرت ، الأولاد لم
يتناولوا شيئاً منذ الصباح .

وغادر دون أن تتمكن من عناقه أو توزيع قبلاتها على
صفحة وجهه .

احتضنت الأريكة جسمها المنهك ،
وقلبها الحائر ، أحاط بها طفليها ، عبثت أصابعهم الصغيرة بالظرف :

-
ما هذا يا أماه ؟

تناولت الظرف ، احتضنته بقوة ،
تنهدت وقالت :

- لا شيء ...مجرد أوراق قديمة .
أوراق قديمة 368613