العدول في النصّ القرآني في ضوء الدرس اللساني أ.د. حسن منديل العكيلي
هل تصلح طروحات علم اللغة الحديث ونظرياته من حداثة وما بعد الحداثة والاسلوبية الحديثة والمناهج النقدية الحديثة درساً وتحليلاً وتطبيقاً على النصّ القرآني كما هي من غير اعتبار لخصوصية النصّ القرآني ونظامه الذي ينأى عن أنظمة اللغات الغربية ولاسيما الإنجليزية والفرنسية وغيرهما مما كانت ميداناً ومرتكزاً وتطبيقاً للاسلوبية، ناهيك عن الأهداف والغايات التي سعت إليها، ولاسيما موقفها من العدول النحوي والاسلوبي، أو الانزياحات، والأنموذج المعيار لتلك الانزياحات.
انّ مناهج الدراسات اللغوية والنقدية والاسلوبية الحديثة كثيرة ومتشعبة لا يمكن الاحاطة الكاملة بها وبتفاصيلها ودقائقها([1]) أو تطبيقها كما هي تطبيقا تقليدياً على النص القرآني، وليس من وكدنا ذلك بقدر الإطلاع عليها وفهمها والاستفادة مما يصلح منها لدراسة النصّ القرآني والعدول في نظامه التركيبي، وانتخاب ما يلائمه من نظريات الاسلوبية العامة ومناهجها كونها تطبيقاً ألسنياً على الأدب او اللغة الإبداعية. والتركيز على أهمية الاتجاه اللساني في دراسة لغة الأدب لا التناول الأدبي والنقدي الفلسفي في ضوء علوم مختلفة.ولا نكرر ما يملأ كتب النقد الأدبي وعلم اللغة الحديث والاسلوبية، ونركز على ما له صلة بموضوعنا: العدول عن النظام التركيبي في النصّ القرآني وصلته بالدلالة وظلالها التي تسمى بالمعاني الثانية وهي دلالات فنية إبداعية لا تؤديها اللغة المباشرة التي أطلق عليها المعاصرون: اللغة النفعية الايصالية او المثالية.
إذن ثمة مشكل في التناول الاسلوبي ومحاذير ينبغي الوقوف عليها فضلاً عن علمانية الاسلوبية وارتباطها بالفكر الغربي المادي او الديني على وفق العقيدة المسيحية او العلمانية، التي تتقاطع مع الجانب الروحي للنصّ القرآني والنظرة القدسية له وللغة العربية.
نركز على ما له صلة بالألسنية والمنهج الذي يستنبط الدلالة من كل مكونات النص، وهذا هو مفهومنا للاسلوبية هنا في الأقل. وهو أقرب الى مفهوم الاسلوبية الإسلامية او الدراسات التي تناولت اسلوب القرآن مستفيداً من الموروث البلاغي والدراسات الاسلوبية المعاصرة.
الأسلوبية والنقد الأدبي :
إنّ الأسلوبية منهج من المناهج النقدية الحديثة وهي اقرب الى الأدب من الألسنية على الرغم من أنها ولدت من رحم الالسنية ولاسيما لدى سوسير وأتباعه، فان موضوعاتها لغوية في الغالب إلا إنّ تطبيقها على نصوص الأدب من هنا تكون أهميتها فهي جسر بين الأدب وعلم اللغة والنقد الأدبي والبلاغة.
وفي الموروث العربي صلة النقد بالبلاغة وثيقة كونهما فنين يكمل احدهما الآخر والفصل بينهما يؤول الى اضطراب مناهج دراسة الأدب ونقده ولاسيما لدى المتأخرين. وقد أخذ الدارسون المعاصرون على من يفصل بينهما واصطلحوا عليهما اصطلاح (النقد البلاغي)، ولهذا النقد صلة وثيقة باللغة "بوصف الأدب فناً وسيلته اللغة"([2]).
ان النقد البلاغي لم يتقيد ببحث المستوى الصوابي في النصّ الإبداعي بحسب مفاهيم أهل اللغة "وإنما تناول الجانب الفني (فيه) مؤكداً على نواحي الجمال، كما تتجلى في الألفاظ وأصواتها وتراكيبها وموسيقاها والعبارات ورصانتها وجودة سبكها وحسن موقعها في النفوس"([3]).
ليس العلم باللغة وحده كافٍ للنقد البلاغي، فكثير "ممن اشتغلوا باللغة وخبروا العربية لم يقفوا على مواطن الجمال والبلاغة في النصّ الأدبي"، لكن اللغة قد استحوذت على الاهتمام الأكبر من نقاد العرب([4]).
انّ الأدب تعبير عن الإنسان وحياته المتغيرة، فيتغير تبعاً لها زماناً ومكاناً وفلسفة وأيدلوجيات وأنظمة المجتمع. وان جوهر الأدب لغته، والأدب مادة النقد، وللنقد صلة وثيقة بالعلوم الإنسانية كالفلسفة والتاريخ وعلوم اللغة والاجتماع وعلم النفس وعلم الجمال وغير ذلك. وكان النقد فرعاً من الفلسفة في الفلسفة اليونانية، وزاد ارتباطها به في عصرنا الحديث، انقسم تبعاً لها على مذاهب([5]).
بل نجد خلطاً بين النقد والأدب والفلسفة التي مادتها اللفظة لدى ارسطو وقد تأثر الأدب ونقده ومناهجه بالفلسفة ومناهجها: الوجودية والماركسية والجدلية والمادية والمثالية، والبنيوية والتفكيكية والتكوينية وغيرها من الفلسفات التي انتقلت الى مناهج النقد الحديث([6]).
و" ألأدب تميز قبل كل شيء باستعمال خاص للغة"([7])، ومادة النقد هي الأدب تذوقاً وتحليلاً ولغة وتاريخاً وجنساً، وتصنيفاً واستجابة، فتعدد المعالجة بتعدد قضايا الأدب ومضمونه وقراءته وتنوع النقد نفسه الى اتجاهات ومدارس ونظريات وبحسب تأثره بالعلوم..
ولغة الأدب مرتبطة بالتجربة الإبداعية وما يتصل بذلك من ثقافة المجتمع وعلومه0إذن تحديد علاقة موضوعنا بالنقد والبلاغة هو لغة الأدب او ما سماه الدكتور سعد مصلوح بـ: النقد اللساني، او الاسلوبية العربية نحاول اتخاذها منهجاً لدراسة العدول ولاسيما ان لغة الأدب تُبنى على العدول او ما سموه بالانزياح والانحراف الذي يحدث في دلالة النصّ لا تركيبه كالاستعارة والكناية وغيرهما([8]) مما يتصل بلغة الشعر في الأغلب وهي تختلف عن العدول التركيبي في النصّ القرآني. وعن الضرورة الشعرية لدى القدماء0
والنقد العربي الحديث متأثر بالنقد الغربي ومتابع له ومتطفل عليه ولاسيما بالفلسفات المادية، على الرغم من تراثه الغني المبني على النصّ القرآني خاصة. والنقد الغربي الحديث مبني على نصوص الأدب العالمي كجان جاك روسو وغيره وعلى إحياء أساطير تبناها الأدب المعاصر فإذا كان التقاؤهم في الأدب الإنساني والتجربة الإبداعية للأديب لكنهم لا يلتقون في تحليل النص القرآني وخصوصيته وارتباطه بالعربية ونظامها المحكم الذي يختلف عن أنظمة اللغات الأخرى. النصّ المرتبط بالخالق عزّ وجل (المرسل) وبالجانب الروحي لدى (المتلقي) و(الرسالة) المنقولة من الغيب.
"ورغبة من النقد العربي المعاصر في مواكبة الاتجاهات النقدية العالمية الحديثة، حاول ترجمة هذه الدراسات النظرية، وقليلاً ما قام بتطبيقها بالصورة السليمة والموضوعية على النصّ العربي، ومن هنا برزت مشكلة التنافر وعدم التآلف – في اغلب الأحيان- بين المادة المترجمة والإبداع العربي، بين المنهج الغربي وأدبنا في مختلف البلدان العربية([9]). ويبدو ان جل الدارسين العرب ينظرون للطرح الغربي في اللغة والنقد نظرة إعجاب وإكبار لما شهده الغرب من تطور في الميادين العلمية المختلفة. وهذا قد لا ينطبق على علوم اللغة فالموروث اللغوي والبلاغي والنقدي العربي لا يقل أهمية عما يطرحه الغربيون المعاصرون.
الأسلوب :
الأسلوب Stylistic سمة شخصية لا يمكن أخذه ولا نقله ولا تعديله، باعتباره خاصية في الأداء اللغوي لا يمكن تكرارها، فالاسلوب مرتبط بمبدعه بل هو نفسه وبعضهم ربط بين الاسلوب والعبقرية ورصده من خلال اللفظ والعبارة والفقرة او القطعة المكتملة ومنهم من يرى استقلالية النصّ عن مبدعه، وآخرون يربطونه بالمتلقي، وان المبدع يحاول تلوين اسلوبه بحسب المتلقي وغايته التأثير فيه([10]). ويكاد يتفقون على ان الاسلوب سلسلة من المنبهات والاستجابات ينبغي التركيز عليها باعتبارها انحرافاً عن القاعدة([11]).
لكنهم لم يتفقوا على تعريف محدد له. لذلك قالوا: "إنّ تعريفاً محدداً للاسلوب لما نصل إليه لذا نلجأ الى التقريب"([12]).
فمن تعاريف الاسلوب هو "النمط الذي يتبعه المنشيء في استخدام اللغة على نحو خاص لأداء ما يقصد إليه من تصوير واقتصاد" ونعني بالنمط اختيار الألفاظ بأعيانها وطريقة تركيبها بعضها مع بعض على النحو الذي يشاؤه المنشيء، يستتبع ذلك تصويراً وتأثيراً خاصين، بحيث لا يتفق شخصان على الاسلوب تمام الاتفاق في نقل فكرة ما، أي إن الاسلوب هو الرجل ذاته فلا يتطابق بين رجلين ولو كانا توأماً([13]).
"الاسلوب هو طريقة الأداء للمعاني باللغة بتتبع اللغة والأصوات في هيئة الألفاظ والتراكيب في الصورة النفسية للمعنى بجزئياتها كما تتصور داخل النفس" وهو اختيار الكلمات ووضع الجمل على نحو خاص([14]).
ولدى الشايب ورواد النقد بأنه طريقة يستعملها الكاتب في التعبير عن موقفه والإبانة عن الشخصية الأدبية المتميزة عن سواها ولاسيما في اختيار المفردات وصياغة العبارات والتشابه والإيقاع([15]).
لذلك قالوا: اسلوب الناس شبيه بحياتهم، وتبعاً للتقاليد المتوارثة، والأساليب من حيث الشكل والمضمون مختلفة، فمنها السهل الواضح، والمزخرف، والمعتدل، والاسلوب التجريدي و هو الذي يعبر عن الأفكار عوضاً عن الأشياء الحسية والمشاهد والأشخاص([16]).
والاسلوب "طريقة للتعبير عن الفكر بوساطة اللغة"([17]) وبعضهم يراه فن الاختيار الواعي لأدوات التعبير.
ولكثرة تعريفات الاسلوب والاسلوبية هجر بعضهم هذا الاصطلاح، فقد تنوع مفهوم الاسلوب بحسب المناهج المختلفة و اللغويين وكبار النقاد وبحسب التأثر بالفلسفات والعلوم: علم النفس، الألسنية، النقد، علم الجمال، علم الاجتماع، علم النفس وغيرها. وبحسب المخاطِب والمخاطَب والخطاب([18]).
وتنوع المفهوم العصري لعلم الاسلوب فشمل كل ما يتعلق باللغة من أصوات وصيغ وكلمات، وتراكيب، وتداخل مع علم الأصوات والصرف والدلالات والتراكيب والألفاظ. للإبانة عن الخواطر والانفعالات والصور وبلوغ أقصى درجات التأثير الفني ([19]).
وبعضهم يرى: أن الاسلوب خارج عن مستويات اللغة الصوتي والصرفي والنحوي أي الشكل وهو ظاهرة ذات أصل فردي([20]).
وثمة تعاريف أخرى كثيرة لم تسلم من نقد وغموض وتقاطع([21]): ولسنا ملزمين بها كلها او احدها بل بحسب الموضوع والهدف وخصوصية النص الذي ندرسه. قال باحث معاصر: "إن الاسلوب مفهوم عائم، فهو وجه بسيط للملفوظ تارة، وهو فن واع من فنون الكاتب تارة أخرى. وهو تعبير عن طبيعة الإنسان تارة ثالثة، لذا فهو يتعدى دائماً الحدود التي يدعى بأنه انغلق عليها..."([22]).
وقال آخر: "لا يمكن هنا الادعاء بوجود مفهوم واحد للاسلوب كما لا يمكن القول بوجود طريقة واحدة لدراسته بل إن التعدد كائن في لبنية المفهومية، كما هو كائن في القراءات التحليلية، ولعل ذلك راجع الى تعدد المداخل نفسها إذ هي تتكئ أحيانا على الجانب العاطفي، وعلى الجانب العقلي أحياناً، وتبتعد عن هذا وذاك أحياناً ثالثة لتبدأ من منطقة محايدة..."([23]).
و أنكر جراي شيئاً اسمه الاسلوب ذلك أنها كلمة (تطلق في حقيقة الأمر على شيء بلا صفات خاصة، لم يتم دليل ما على وجوده مطلقاً وإنما نسب إليه خواص تنتمي الى نظم أخرى مما جعل هذه الخواص المزعومة تتراكم وتتناقض...".
ويرى "فكرة الاسلوب نفسها عائقاً في سبيل التقدم العلمي في فهم الأدب ونقده إذ لا يمكن التدليل المعملي على وجوده ولإقامة البرهان العلمي على جدواه"([24]).
وبعضهم يرى الاسلوب زينة وجملة محسنات بديعية من جناسات وطباقات وما شابه ولاسيما لدى القدامى([25]).
الأسلوبية: Stylistique
الأسلوبية علم حديث تأسست قواعدها لدى بالي سنة 1902 مستفيداً من استاذه سوسير الذي أرسى الألسنية الحديثة([26]). فالاسلوبية الأولى لسانية عند بالي ثم تطورت واتجهت اتجاهات مختلفة، ثم أصبحت تعني الانزياح لكنهم لم يتفقوا على معيار يقيسون عليه الانزياح([27]).
في مطلع القرن العشرين ولدت تحت كلمة الاسلوبية مفهومان مختلفان:
الأول: دراسة الصلة بين الشكل والفكرة، خاصة في الخطاب لدى القدماء.
الثاني: الطريقة الفردية في الاسلوب او دراسة النقد الاسلوبي، وهي تتمثل في بحث الصلاة التي تربط بين التعبيرات الفردية او الجماعية([28]).
"إن التناول الاسلوبي انما ينصبّ على اللغة الأدبية، لأنها تمثل التنوع الفردي المتميز في الأداء بما فيه من وعي واختيار وبما فيه من انحراف عن المستوى العادي المألوف بخلاف اللغة العادية التي تتميز بالتلقائية والتي يتبادلها الأفراد بشكل دائم وغير متميز" ([29]).
"فعلم اللغة يدرس ما يقال، والاسلوبية تدرس كيفية ما يقال مستخدمة الوصف والتحليل في آن واحد"([30]).
ولكون الأسلوبية علماً حديثاً ما يزال يتطور لم تكتمل بعد ولوجوهها العديدة وعدم استقرارها وعلمانيتها، كثرت تعريفاتها كما تعددت تعاريف الاسلوب وتقاطعت.
ومن مرتكزات الاسلوبية ما سمّوه بالاختيار "حيث نجد مجموعة من الألفاظ التي يمكن للمتكلم ان يأتي بواحد منها في كل جملة من جمل الكلام التي توجد في الرصيد المعجمي للمتكلم والتي تقوم بينها علاقات قابلة للبدلية، فإذا وقع الاختيار على احدهما انعزلت البقية"([31]) ثم تأتي عملية ترتيب الألفاظ بما يقتضيه علم النحو ومبادئ علم الصرف ويسمى بـ (النظام ألاستبدالي) ولكل لغة نظامها ألاستبدالي الجائز وغير الجائز. عرّف جاكبسون الاسلوب (كونه إسقاط محور الاختيار على محور التوزيع)([32]).
وتهتم الاسلوبية بالكشف عن العلاقة بين الدال والمدلول وهذا يقودنا الى عمليات التوصيل بعناصرها الثلاثة: المرسل والمتلقي والرسالة، وكلها تثري العملية الإبداعية لتشعب الدلالة من خلال اختيار واستبدال الأصوات والألفاظ الى معانٍ طارئة ذات صيغة جمالية فتعدد دلالات الكلمة والصور والمعاني، والاسلوبية تتناول هذه العلاقات الاستبدالية الجمالية في التعبير الأدبي([33]).
وبعضهم عدّ الاختيار خروجاً([34]) عن النمط المألوف الى النمط الفني لكن الاختيار محدود الإمكانيات المتعارفة للغة، والانحراف يبتعد عن طرق التعبير الشائعة والاختيار يوجد في اللغة الجارية من غير ان يكون لها سمة فنية و (يمكن عدهما كجناحي الطائر) للأثر الفني في الاسلوبية([35]).
ويبدو ان الجامع بين تعاريف الاسلوب والاسلوبية ومفاهيمهما انهما اختيار وتوزيع والعدول عن المألوف سواء في البنى والتراكيب والأصوات او في الدلالة، والاهتمام بالتحليل الفني للنصّ.
فالأسلوبية "بحث علمي للطرائق المستعملة في التعبير عن الخواطر، وعلم الاسلوب يرشدنا الى اختيار ما يجب أخذه من اللغة للتوصل الى التأثير في المتلقي شريطة احترام قواعد اللغة"([36]).
"تبحث الاسلوبية عن الخصائص الفنية الجمالية التي تميّز النصّ عن آخر، او الكاتب عن كاتب آخر، من خلال اللغة التي يحملها خلجات نفسه وخواطر وجدانه"([37]) وتحاول الاسلوبية الإجابة عن كيف يكتب الكاتب نصّاً من خلال اللغة؟ إذ بها ومنها يتأتى للقارئ استحسان النص او استهجانه.
و "تنفي (الاسلوبية) عن نفسها المعيارية وإرسال الأحكام التقيمية بالقبول او بالرفض يضاف الى ذلك أنها لا تسعى الى غاية تعليمية البتة، ناهيك عن حرصها الشديد على تعليل الظواهر الاسلوبية في مقارباتها النصوص الإبداعية بشيء من العلمية الوصفية، على النقيض مما تعاملت به البلاغة"([38]).
ولم تسلم الاسلوبية من الانتقادات كما لم يسلم (الاسلوب) فمن الملاحظ التي يمكن ان تلاحظ على الاسلوبية ان الاسلوبيين حدّدوا عملها باللغة الإبداعية وتأثيرها بالمتلقي لا اللغة النفعية التواصلية، لكنّ اسلوبية بالي (رائد الاسلوبية المعاصرة) التي تسمى بالتعبيرية حدّدها باللغة اليومية الشائعة (النفعية).
وعلى الرغم من ان الاسلوبية تعنى بالتأثيرات الجمالية، وتناولها اللغة الإبداعية فان بعض مناهجها تعتمد طرقاً لحساب التكرار النسبي بغية الدقة العلمية واستخدام الحسابات الالكترونية لرسم جداول التكرار للسمات التي يقال عنها انها تصف أسلوباً مميزاً([39]) مغفلاً وظائف المفردات النحوية في سياقها([40]) وهو أمر وان كان علمياً إلا انه يتقاطع مع الجمالية في أحيان كثيرة([41]). واستعمال الجداول الرياضية للجرد الاسلوبي وهو إحصاء الأنماط وقياسية في النصّ واعتمادها على التحليل الوصفي للغة، ثم على النحو التحويلي والبناء السطحي والبناء العميق([42]).
كثير من الدارسين عارضوا الاسلوبية والنظريات النقدية المختلفة التي تتبناها ذلك "بانها صيغت في بيئات وظروف حضارية مباينة كل المباينة لما نحن عليه، وبأن الحاطبين في حبالها ينقلونها الى ثقافتنا غريبة الوجه واللسان ويجعلون من النص العربي قرباناً يسترضون به هذه الصراعات المتلاحقة في بلاد الغرب([43]).
فضلاً عن الإسراف باستعمال المصطلحات الرنانة هدفاً لدى بعضهم ولاسيما الأدباء والنقاد والشعراء غير الاكادميين الذين بنوا ثقافاتهم على الصحف والمجلات لا التخصص الدقيق الاكاديمي وسعة الإطلاع بالموروث العربي الإسلامي.
"النقد الأهم الذي يوجه الى الاسلوبية يتمثل في عدم عدّها علماً لأنها لم تنجح في حصر موضوعاتها ولا مناهجها، من جهة ثانية انتزع تطور اللسانية الاسلوبية من بعض مجالاتها الأصلية محدثاً بذلك إعادة توزيع لجميع الأعمال التي وضعت حتى الآن بأنها اسلوبية في مجالات جديدة... وقد وصل الأمر الى درجة ان اريفي Arrive أعلن موتها"([44]).
الأسلوبية والدرس اللساني الحديث :
أهم أمرين في صلة الاسلوبية بالدرس اللساني الحديث، انها ولدت من رحم ألسنية سوسير وانها تُعنى بانحراف القواعد وخرقها فنياً وجمالياً نابعاً من اللغة ذاتها، وللانتهاك وقبحه وحسنه اتجاهات عديدة في تفسيره من خلال القارئ، النصّ المنشئ، موظفة كل مكونات النص وما حوله والعلاقات بينها وتوزعها لخدمة الدلالة.
"أخذت الاسلوبية من اللسانيات الصفة العلمية الوصفية في دراسة اللغة، غير انها درست الخطاب ككل، وما يتركه هذا الخطاب من أثر في نفس المتلقي، في حين نجد ان اللسانيات قد اتجهت الى دراسة الجملة بالتنظيم واستنباط القواعد التي تستقيم معها والقوانين التي من خلالها تكسب طابع العلمية"([45]).
وقد دعا د. سعد مصلوح الى نقد لساني، ليس النقد اللغوي التراثي ولا التحليل الاسلوبي الحديث المعروف. قال: "إن علم الاسلوب واجرومية النصّ هما ابرز الإسهامات اللسانية في مجال نقد النصّ الأدبي وان كانا لا يستغرقان كل عطائها في هذا المجال، سواء عددنا علم الاسلوب شعبة من اللسانيات العامة تعالج صنفاً بعينه من الكلام او النصوص ذات مواصفات خاصة على قول بعض العلماء، او عددناه علماً قائماً برأسه موازياً للسانيات العامة على قول آخرين فان علم الاسلوب يظل إسهاماً لسانياً متميزاً او منضبطاً في تقديم حلّ علمي لجواب ذات خطر في المشكل النقدي"([46]).
وهي دعوة عامة وان حاول عرضها على إنها أمر جديد فأهم ما بها تميز النقد اللساني او اللغوي (النحوي) عن النقد الأدبي عامة.
يقسم الاسلوبيون المعاصرون –ومنهم العرب-اللغة على مستويين:
- المستوى المثالي في الأداء العادي والإبداعي الذي يعتمد على اختراق هذه المثالية وانتهاكها. ويكون عمل الاسلوبي في رصد هذا المستوى وظواهره وتفسيره. هذا هو علم الاسلوب والاسلوبية لدى كثير من الدارسين العرب ولاسيما في دراساتهم التطبيقية. وهو تفسير غربي معاصر للعدول في اللغة بمستوياتها كافة ولاسيما الدلالية منها المتمثلة بالاستعارات والصور الأدبية وغيرها مما سموّه بالانزياحات والانحرافات والانتهاكات لكنها صحيحة التركيب من حيث قواعد النحو، كقول الشاعر المعاصر:
بين السماء وفي عينيه الغدُ
وجنون قلبٍ عاشقٍ والموعد
ومسافةٌ من لهفته وتشرّدٌ
ومسافر في زرقةٍ ماهمه
اغتيل مني دمٌ وانتحرت يدُ
فالانزياحات في هذه الابيات دلالية من صور واستعارات اما من حيث التركيب النحوي فسليمة مألوفة.
حدّد بالي رائد الاسلوبية الأول مجال عمل الاسلوبية معتمداً على طروحات أستاذه دي سوسير في التقسيم الشائع للغة والكلام في الظاهرة الكلامية على:
لغة الخطاب النفعي ولغة الخطاب الأدبي وصنف الخطاب ما هو حامل لذاته وما هو حامل للعواطف والخلجات الانفعالية.
فاللغة تنطوي على جانب يتّصل بالفكر وجانب يتّصل بالوجدان وقد يطغى احدهما على الآخر. والاسلوبية تتبع ملامح الشحن العاطفي في الخطاب من حيث استخدام اللغة بشكل متجدد يختلف عن النمط التركيبي الذي نلمسه في الخطاب النفعي العادي.
الجانب العاطفي في اللغة يسميه كوهين بالانتهاك خروجاً على النمط، وتحاول الاسلوبية استكشاف المشاعر الذي يتلون بها الخطاب. ولدى كوهين الاسلوبية والانزياح والشعر متقاربة([47]).
ومركز اهتمام الاسلوبية لدى تشومسكي: المظهر الإبداعي للغة حتى على مستوى الاستعمال العادي. وهذا مرتبط بالذات المتناهية التي تنتجها وسائل محدودة، والاسلوبيون يتبعون النحو التحويلي باعتباره المدخل الصحيح لدراسة النص الأدبي من خلال المستوى السطحي والعميق للكشف عن طاقات اللغة([48]).
والأمر نفسه نجده في الموروث البلاغي والنحوي إذ فرقوا بين الشعر والنثر او لغة الأدب وأساليبه وبين النثر العادي وان كان اهتمامهم كله منصباً على اللغة العالية وخاصة الشعر.
وهذا التقسيم تناقلته الدراسات العربية الحديثة ونسبوه الى الموروث البلاغي وأكثره في الإبداع الدلالي الذي لا يرى فيها النحوي عدولاً تركيبياً، فثمة نصوص إبداعية كثيرة فيها عاطفة وإبداع ولها تأثير، نجد فيها المستوى النفعي للغة أيضاً، ونجد العكس وربما في الكلام المباشر السهل نجد انزياحات من غير اثاره ولا إبداع، ذلك ان المستوى الإبداعي في اللغة افتراضي لا وجود له إلا في الخيال.
لقد نسب الدارسون العرب المعاصرون تفسير العدول لدى الغربيين الى الموروث البلاغي العربي بين قولهم بأصل الكلام والمعنى والعدول عنهما([49]) وبين تقسيم الغربيين للغة على مستويين: مثالي في الأداء العادي وإبداعي يعتمد على اختراق هذه المثالية والعدول عن النمط المألوف لتوكيد قيمة جمالية فنية تقوم على أساس الخروج والانتهاك اللغوي لقواعد اللغة تمثل طاقات إيحائية وتكسب الاسلوب ثراءً ومزية، ويقع على محورين:
1- التوزيع، ويتمثل بالعلاقات البنائية للإنسان اللغوية كالتقديم والتأخير وغيره.
2- الاختيار، ويتمثل بالعلاقات الاستبدالية كإسناد الفعل الى غير فاعله في التركيب، او الاستبدال الدلالي في الصيغ البيانية([50]).
فالإبداع الأدبي والعناصر الجمالية في اللغة لا تكون إلا بخرق الأداء المثالي او القاعدي في صياغة اللغة والانحراف عنه وهذا هو مفهوم الاسلوبية لدى الكثير من الدارسين لكن الاسلوبيين لم يحددّوا معياراً واضحاً او متفقاً عليه للأداء المثالي في اللغة يمكن قياس الانزياح عليه([51]).
ومن هنا قامت مباحثهم في علم المعاني على العدول عن النمط المثالي المألوف في صياغة الكلام عند علماء اللغة للكشف عن العناصر الفنية للتركيب وجمالية تتصل بالمعنى فبحثوا: التقديم والتأخير والحذف والزيادة والتعريف والتنكير والوصل والفصل والالتفات وغير ذلك وكذلك في علم البيان: المجاز والاستعارة والكناية والصور وغيرها، ومباحث على البديع.
ويبدو هذه المباحث هي الظواهر الاسلوبية لدى جلّ الدارسين العرب المعاصرين([52])، ذلك ان الاسلوبية المعاصرة هي الوريث لعلوم البلاغة القديمة.
جذور الأسلوبية في الموروث البلاغي العربي :
كثير من الدارسين العرب يرون للاسلوبية الغربية جذوراً وأصولاً في الموروث العربي: البلاغي والنحوي والأدبي والنقدي وفي كتب الإعجاز التي تناولت النصّ القرآني وإعجازه([53]) وكتب اللغة والبيان والبلاغة والنقد كابن المقفع والجاحظ والمبرد وابن المعتز وعبد القاهر وقدامة بن جعفر والامدي والقاضي الجرجاني ابن طباطبا العلوي والسكاكي وابن خلدون والسكبي والتفتزاني وغيرهم.
قال د. عياد: "إن الاسلوب يكون أكثر تحديداً لدى النقاد المغاربة: حازم القرطاجني في منهاج البلغاء 684 هـ وابن خلدون 808هـ([54]).
قال باحث آخر: "نظرت في البلاغة العربية عند القدماء، فوجدت ان قضايا كثيرة عرضوا لها بأسماء مختلفة عن قواعد الاسلوبية الحديثة ونظرية السياق في العصر الحاضر"([55]) وقال آخر "علم الاسلوب ليس غريباً عن البيئة العربية ولاسيما في القرنين الثالث والرابع الهجريين([56]).
وأوضح صلة بينهما يبدو انهما يقومان على دراسة العدول او الانزياح دراسة فنية، وشبّهوا قول البلاغيين بـ (مطابقة الكلام لمقتضى الحال) وقولهم (لكل مقامٍ مقال)([57]) بفكرة بالي حول مسألة علاقة الأشكال اللغوية بالفكر([58]).
ويرون أن الاسلوبية وريثة البلاغة وعلم لغة النص، وهو قول الغربيين ايضاً([59]) ولا اعرف كيف يوفقون بين معيارية البلاغة القديمة وعلمية الاسلوبية وتفلتها من المعيارية فضلاً عن انهم ينسبون لكل ناقد قديم او بلاغي فهماً خاصاً للاسلوب والاسلوبية فابن طبا طبا ربط مفهوم الاسلوب بصفة مناسبة الكلام بعضه لبعض وعبد القاهر بتوخي معاني النحو وابن خلدون بجعله "الاسلوب صورة ذهنية مهمتها مطابقة التراكيب المنتظمة على التركيب الخاص لأن الصناعة الشعرية هي بمعنى الاسلوب ترجع الى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص"([60]).
وجلّهم يعد النظم الذي قال به عبد القاهر هو الاسلوب، لذا رأى بعضهم ان عبد القاهر مؤسس الاسلوبية العربية، وتناولوا البلاغة القديمة بأسماء جديدة، من خلال مشابهة شكلية وتناول تقليدي، او خلط بين المصطلحات القديمة والحديثة([61]).
وقارنوا بين عبد القاهر وسوسير وتشومسكي وبالي وكروتشة وغيرهم وعدّوه السبّاق عليهم([62]).
ورأى د. لطفي عبد البديع ذلك تلفيقاً، قال ساخراً: "يضع قبعة هذا على رأس ذاك ويثبت عمامة ذاك على رأس هذا، ويقول للاول كن كروتشة، وللثاني وانت عبد القاهر"([63]).
والحق ان أوضح جهود القدامى يمكن عدّها اسلوبية تنسجم مع دراسة النصّ العربي الإسلامي يمكن تسميتها بالاسلوبية الاسلامية ولاسيما لدى علماء إعجاز القرآن فقد استعملوا مصطلح (الاسلوب) في بحوثهم حول إعجاز القرآن ويدل لديهم: "على الطرق المختلفة في استعمال اللغة على وجه يقصد به التأثير"([64])، كما لدى الخطابي والباقلاني وابن قتيبة وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم([65]). ويبدو ان القدامى يقصدون بالاسلوب ما يخرج عن اللغة المألوفة، وما سموه بطرائق العرب ومجازاتهم واساليبهم في الكلام.
وخير من وظّف مباحث إعجاز القرآن وعلم المعاني وطبقها على النصّ القرآني كله الزمخشري (538هـ) فقد ابتكر طريقة جديدة في تفسير النص القرآني لم يسبق اليها([66]) أسسها على علمي المعاني والبيان وتبعه مفسرون كثيرون ومايزال المعاصرون يحذون حذوها في الدراسات الاسلوبية القرآنية([67]).
"ارتبط استعمال القدماء لكلمة الاسلوب بمفهوم الكلام الإلهي ومقارنته بالكلام البشري. كما ارتبط بإدراكهم لوجود جانبين للاسلوب، احدهما خفي ملموس، والآخر متجسد في الصياغة اللغوية"([68]).
فهي أسلوبية قائمة على النصّ الإسلامي، القرآن والأدب الإسلامي المتأسس على العقيدة الإسلامية وما تتضمنه من تصور للوجود([69]). تقابل الاسلوبية الغربية المستقاة من أدبهم ومعتقداتهم وفلسفاتهم وثقافاتهم ولغاتهم الغربية.
فالأدب الإسلامي "نابع من بيئة ثقافية مغايرة بل معادية لأسس الصياغة الثقافية الغربية المعاصرة التي ترفض الأديان أساساً او تكرس لأخرى. فهو أدب يقوم على مواجهة آداب عبثية او وجودية او آداب مسيحية او يهودية صهيونية، وكل المذاهب الأدبية تصدر عن بيئات ثقافية وأيدلوجية محددة"([70]).
ويصاحب هذا الأدب الإسلامي نقد إسلامي ينطلق من الأسس نفسها: (العقيدة الإسلامية وتصورها للوجود) وترسيخها وإشاعتها وتعد ما يخالف تلك التصورات([71]).
لقد دعا الشيخ أبو الحسن الندوي في المجمع العلمي بدمشق الى إقامة أدب إسلامي، ثم جاءت كتابات سيد قطب في هذا الاتجاه، وتلاه الأستاذ محمد قطب في كتابه (منهج الفن الإسلامي)، ثم كتاب نجيب الكيلاني: (مدخل الى الأدب الإسلامي)، ثم الدكتور عماد الدين خليل خطا خطوة في هذا الطريق بكتابه: (النقد الإسلامي المعاصر) وغيرهم. وقد أخذوا على الأدب المعاصر اتخاذ الغموض غاية، ودعوا الى الالتزام الإسلامي والعقيدة الإسلامية التي تستند الى الوضوح لا الغموض المضلل والعبث او اللهو والزينة والتفاخر كما وصفوا الأدب المعاصر([72]).
الاسلوبية الإسلامية خاصة بتحليل النصّ القرآني ذوقياً وتدبره ومعالجته فنياً واستنباط المعاني العالية والبليغة الإيحائية وظلال المعاني او القيم التعبيرية او اللمسات الفنية والأسرار البيانية في النصّ الإسلامي تستنبط من كل أجزاء النصّ: تركيبه وترتيبه، أصواته وحركاته ومباني كلماته فواصله، التذكير والتأنيث، التعريف والتنكير وغيرها.
يقول صبحي الصالح: "فحين تسمع همس السين المكررة تكاد تستشيف نعومة ظلّها، مثلما تستريح الى خفة وقعها في قوله تعالى
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ((سورة التكوير15-18)، بينما تقع الرهبة في صدرك وأنت تسمع لاهثاً مكروباً صوت الدال المنذرة المتوعدة مسبوقة بالياء المشبعة المديدة في لفظة (تحيد) بدلاً من تنحرف او تبتعد في قوله
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ( (سورة قّ:19) ([73]).
إنّ في أسلوب القرآن دلالات بلاغية وأسراراً بيانية تستنبط من مكونات النص ومن النص كله من خلال المقارنة بين التراكيب المتباعدة ونظامه المتماسك
ومن خلال الإحصاءات ودقة الملاحظة يستشفها الدارس البلاغي او الاسلوبي. كحذف اداة النداء وإظهارها في النص القرآني كله يشير الى التمييز بين الخالق والعبد، فإذا كان النداء موجهاً من العبد الى الخالق تبارك وتعالى يرد النداء بحذف أداة النداء و العكس كنداء زكريا عليه السلام ربّه سبحانه وتعالى
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً ((سورة مريم5) ونداء الخالق عزّ وجلّ عبده
يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً ( (سورة مريم:7)) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً ( (سورة مريم:12) ([74]).
ومن الدلالات الاسلوبية التي تستشف من النص كله: طغيان اسلوب الطلب في سورة مريم بصيغه المتعددة، ذلك ان الأحداث التي تناولتها تحتاج الى هذا الاسلوب الخطابي لغرض التوضيح والبيان، بسبب المباشرة في القول. وقلة ورود الصور البيانية كالمجاز والاستعارة والكناية والتشبيه في سورة مريم يؤكد هذا المعنى الدقيق الذي يستنبطه الدارس من الملاحظة الدقيقة للنصّ القرآني، ومنها غلبة اسلوب التوكيد في سورة مريم تشير على حاجة الأحداث التي تناولتها لاستقرارها في ذهن المتلقي([75]).
وهي تنأى عن تحليل الأدب العربي الذي يمكن تطبيق طروحات كثيرة من الاسلوبية الغربية عليه، وان اختلفت في اعتمادها على أمهات مصادر التراث العربي في تشكيل الذائقة والمعرفة الأدبيتين، والمناخ الذي تنتمي إليه، كعمود الشعر الذي وضعه المرزوقي ليعلم الفرق بين المصنوع والمطبوع مما أطلقوا عليه بـ (المعتمد في الثقافة العربية)([76]) وكالمختارات الشهيرة: الحماسة والمفضليات والموسوعات الأدبية وكتابات ابن المقفع وعبد الحميد وبديع الزمان وابي حيان التوحيدي وغيرهم.
وهذا يختلف عن النص القرآني وشروط تفسيره وقدسيته ودوافع تناوله و شخصية متناوليه وثقافتهم الروحية وذائقتهم الخاصة.
ان المنهج الفني الذوقي يختلف عن المنهج الانطباعي الذي يقوم على الانفعال وربما على المغالاة والابتعاد عن الموضوعية وأسس العلم.
هذه الاسلوبية الإسلامية اصل البلاغة العربية التي نشأت من خلال الدفاع عن النصّ القرآني والإعجاز خاصة وإثباته الذي تناوله عبد القاهر في كتابيه: أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، وإجماعهم على ان إعجاز القرآن في نظمه واسلوبه.
إلاّ أنّ المتأخرين انتهجوا منهجا معياريا وصاغوا "قواعد صارمة صيغت باسلوب عقيم"([77]) وما نقرأه في كتب البلاغة المدرسية المعيارية فضلاً عن الخلط في مباحثها: نحو ولغة وبلاغة وأدب.
وقد ميّز الباحثون بين البلاغة الذوقية والبلاغة المنطقية المعيارية وسمّاها بعضهم بالبلاغة القاعدية والبلاغة القيمية. والأولى هي التي تتحدث عن مواطن الشاهد البلاغي... والثانية "ما يحمل الشاهد من معانٍ وطاقات وقيم تؤدي الى جماليات فنون القول العربي وتكشف عن الإعجاز القرآني.."([78]).
الذي نعنى به من الاسلوبية الحديثة، اهتمامها بالخصائص الفنية والملامح الدلالية الدقيقة التي أطلق عليها القدامى أسراراً بيانية، تستنبط من خلال تدبر النصّ وطريقة نظمه ومباني ألفاظه، مركزين على تفسير العدول في ضوء ذلك، ناهيك عن ان العدول من أهم ميادين الاسلوبية الحديثة. لكنا نحاول تفسيره في ضوء نظام اللغة العربية، وهو تناول أقرب الى مفاهيم الاسلوبية وعلم لغة النصّ الذين يتداخلا كثيراً.
وليس العدول خروجاً عن الأصول الافتراضية فأكثره داخل ضمن اطار النظام التركيبي للعربية وإنّ كثيراً مما قالوا بأنه عدول يرد في اللغة المألوفة العادية وان استنبطوا منه ملامح فنية اسلوبية ومعاني ثانية، لكنه في تراكيب مستقيمة نحوياً سليمة وان أحدثت صوراً وكنايات وتشبيهات وخيالات او ما نسميه بالعدول الدلالي (الانزياح) لدى المعاصرين.
ولا يكشف هذه الملامح الاسلوبية إلا من لديه الموهبة الأصيلة وليس المكتسبة ، وإن كان بعض الدارسين خلط بين دلالة الصيغ والدلالة المعجمية كقول احدهم ان كثرة الفعل المعتل في النصّ تدل على اعتلال المبدع النفسي والفعل الأجوف على تأزمه([79]). لقد توصّل الخوسكي في دراسته (الجملة الفعلية في شعر المتنبي)([80]) الى ان استعمال المضارع نادر في مرثيات المتنبي، أما الفعل الماضي فكثير الورود وعلل ذلك بأنه يشير الى ان في الماضي انقطاع، وفي الانقطاع ألم وندم و حسرة ولوعة وحزن ويأس...وعليه نقل المراثي بزمن الحال او الاستقبال لان الموقف يتطلبها والغرض يقتضيها.
ورأى تامر سلوم في تحليله شعر ذي الرمة بأنه عبّر بالفعل المضارع في مثل: أبكي، أخاطبه، أسقيه وغيرها أفعال تفيد التجدد في البكاء والمناجاة والشكوى، وانها توحي بالاستمرار الشعوري لهذا الحدث او هو يوميء الى ما يصاحب التجدد من حالات وجداني. فالفعل المضارع يعطي الموقع الوجداني للظاهرة المتجددة ومن ثم فهو ينقلنا من البكاء والمناجاة الى العزلة النفسية والغربة والانفراد([81]).
العدول عن النظام الإعرابي :
ولإتمام دراستنا الاسلوبية في هذا الفصل، أتناول بعض النصوص القرآنية التي يبدو فيها العدول عن قواعد النحو المألوفة واضحاً، في ضوء المنهج الذي التزمناه والذي يعني بنظام اللغة العربية.
إن التطبيق الاسلوبي ينبغي ان يبنى على جوهر العربية وأسرار نظامها، ذلك إنّ نظامها هو اسلوبها الذي يميزها عن سائر اللغات الأخرى. ومن غير ربط التحليل الاسلوبي بالنظام الكلي للعربية، تعاني الدراسة الاسلوبية وتطبيقها على النصّ القرآني نقصاً كبيراً، لا تتوصل الى نتائج علمية مستقيمة تتناسب مع أساليب العربية وطبيعتها المختلفة عن أنظمة اللغات الغربية وآدابها التي وضعت لها المناهج الاسلوبية الحديثة دراسةً وتحليلاً وتطبيقاً.
إنّ نظام النصوص العربية جزء من دلالاتها وإنّ العدول جزء من هذا النظام، نحاول كشفه، وفي ضوء الاسلوبية العربية الإسلامية للوقوف على أسرار العدول ودلالاته الثانية.
ولسنا ملزمين بمتابعة الأعمال السابقة والقراءات الاسلوبية السابقة وتقليدها، عربية كانت او غربية، ولا نسعى الى أن يكون تطبيقنا الاسلوبي نسخة معدّله منها، ولا إلى جعل المصطلحات الحديثة المترجمة او المستحدثة هدفاً ولا نتخذ المناهج الوافدة في تحليل النصّ القرآني المقدّس، او دراسة إعجاز القرآن دراسة غربية ملفقة لا ترى خصوصية لكلام الله تعالى كما فعل ذلك بعض الدارسين([82]) فهي إن صلحت لتحليل الشعر والقصة والأنواع الأدبية الأخرى، لا تصلح لدراسة النصّ القرآني إلاّ إكراهاً.
وكذلك توزيع الدراسة على مستويات لغوية أربع هي: المستوى الصوتي والمستوى الصرفي والتركيبي والدلالي، فضلاً عن التصويري او البياني، التي لا تكاد دراسة اسلوبية معاصرة او لغوية تخلو منها([83]).
ناهيك عن سعة الاسلوبية وعدم استقرارها وكثرة مناهجها ونظرياتها وتطفلها على علوم مختلفة، وعدم الاتفاق على تعريف محدد لها.
لا نعني عدم صلاحية تطبيق الدرس الاسلوبي على العدول في النص القرآني قال د. محمد الدجيلي: "إن تطبيق النظرية الإنسانية على النصّ القرآني ليس إخلالاً بحرمة القرآن، وإنما إضافة بعض موارد الكمال القرآني الى النظرية الإنسانية من مبدأ أن النصّ القرآني) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ((سورة فصلت:42)، إما النظرية الإنسانية فمثقلة بالباطل، وقسم منها يدور في فلك الخيال، أما النصّ القرآني فواقع دائماً"([84]).
وليس الاسلوبية تشترط أن يكون منهج الأطروحة تقليداً أو نسخة من التطبيقات السابقة، فنعقد مباحث لعلم المعاني وخروج الدلالة الى المعاني المجازية أو التنغيم والتكرير اللفظي والصوتي والجناس والفاصلة، والعاطفة والخيال والموسيقى الداخلية والخارجية والمحسنات اللفظية والمعنوية والمجالات الدلالية للسور كالجهاد والتشريع والتقابل والتماثل وغير ذلك([85]).
فضلاً عن عدم اتفاقهم على معيار محدد للعدول عن القياس، الذي هو يختلف في دراستنا عن انزياح كوهن وغيره وقد توسعوا به حتى عدّوا الشعر والاسلوبية او الاسلوب كلها انزياحاً وانحرافاً او انتهاكاً للمألوف عن الدلالة لا التركيب.
إنّ مناهج الاسلوبية متعددة وفهمها يختلف بحسب هذه المناهج لكنها تتفق على استنباط الدلالات الإيحائية من النص ومكوناته. ومنهجنا يتصل بالاسلوبية من حيث استنباط الدلالات من نظام العربية والعدول الذي يحدث في ضوء هذا النظام نفسه (والجديد) الذي يمكن ان نقدمه الى ذلك وهو يتصل بموضوع الاسلوبية كونها تعنى بالدلالات غير المباشرة، الدلالات الثانية او الأسرار البيانية التي يؤديها نظام العربية.
فقد تحدّث البلاغيون عن حسن نظم العبارة القرآنية وجمال اسلوبها ودقة اختيار ألفاظها وملائمتها للمعنى وسبكها في تسلسل منطقي على وفق نظام متماسك، وموقعها وشكل بنيتها والأصوات الموحية بدلالة بنية اللفظ والتركيب بحيث لا نجد بديلاً عنها في دقة التعبير و الاحاطة بالمعنى والمعاني المجازية التي تخرج إليها، وما تناوله البلاغيون في علوم المعاني والبيان والبديع، وعلماء الإعجاز في حسن اسلوب القرآن ونظمه المتناسق: اصواتاً وبنى وتراكيب([86]). وأعجبهم ذلك حتى عدّوه وجه الإعجاز القرآني.
إنما سببه (المشابهة) التي يبني عليها نظام اللغة العربية في مستوياتها: الصرفية والنحوية والبلاغية والدلالية وغيرها، كلها تنساق في ضوء نظام واحد هو تعليق الأصوات و الحروف والألفاظ والتراكيب والدلالات بعضها برقاب بعض وتحمل بعضها على بعض، في المستوى اللغوي الواحد من العربية، وفي المستويات بعضها على بعض، نظام واحد مطّرد لأداء المعنى القرآني المطلق الذي لا اختلاف فيه، الثابت كونه يحوي المتغيرات الزمانية والمكانية، فهو كالمعادلات الرياضية الثابتة وان تغيرت الأعداد داخلها بحسب المتغيرات.
هذا النظام هو المعيار الذي نقيس عليه العدول في الاسلوب القرآني، وليس الأصل والفرع لدى القدامى، او اللغة النفعية والإبداعية لدى المعاصرين الغربيين، او نظرية تضافر القرائن لدى بعض الدارسين كما مرّ بنا.
سأتناول في هذا المبحث خرق النظام الإعرابي في النصّ القرآني بالتحليل الاسلوبي والنحوي في ضوء نظام العربية مستنبطاً دلالات فنية وملامح اسلوبية. والنظام الإعرابي احد الأنظمة التي تعضد أنظمة العربية الأخرى، النظام الصرفي والنظام النحوي والنظام البلاغي كما مرّ بنا.
وفي النصّ القرآني كثير من نحو هذا، بعضه لم يشر إليه القدامى في تناولهم اسلوب القرآن وإعجازه إلاّ ما ورد عرضاً في التفاسير ولاسيما النحوية واللغوية منها.
وأقدم ما نسب الى بعض الصحابة (رضي الله عنهم) أنّهم قالوا: " إنّا نجد في القرآن لحناً وستقيمه الغرب بألسنتها" ونسبوا الى سعيد بن جبير، (رضي الله عنه)انه قال: "في القرآن أربعة أحرف لحن
وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ((سورة المائدة: 69)) وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً ((سورة النساء: 162) و) وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ((سورة البقرة: 177) و) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ( (سورة طـه:63)، وعن عائشة وابن عباس (رضي الله عنهما) قالا: انه من عمل الكتاب([87]) وقد ردّ الزمخشري بقوله: "إنما كتبها الكاتب وهو ناعس، وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى هذا حتى يبقى ثابتاً بين دفتي الإمام، وكان مستقلباً في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله... هذه والله فرية ما فيها مرية"([88]).
وقد أشاروا الى هذه الشواهد الأربعة ومثلها في القرآن الكريم كثير. وللحن دلالات كثيرة ليس بالضرورة الخطأ النحوي أو اللغوي([89]) فضلاً عن مكانة من نسبوا إليهم هذا القول في الإسلام الكبيرة، ومن يرجع الى التفاسير ولاسيما النحوية يجد كثرة الخلاف والآراء المتقاطعة في توجيه هذه النصوص وغيرها.
فقد ذكر أبو حيان عشرات الآراء النحوية والتعليلات في سبب صرف (مصراً) في قوله تعالى
اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ((سورة البقرة: 61)، منها: انه مصرٌ من الأمصار غير معين، وقيل هو من إطلاق النكرة ويراد بها المعين، وقيل (مصر) المنونة هي الاسم العلم. وقيل لخفته كما صرف (هند و دعد) وفيهما العلمية والتأنيث لسكون وسطه، او بنزع الخافض، او صرف لأنه ذهب باللفظ مذهب المكان([90])، او فسّروه بالإتباع والحمل على الجوار، وحسن التخلص والاستطراد وغير ذلك من الآراء التي تدل على اضطراب في المنهج الذي تناولوا فيه العدول عن القياس النحوي في النصّ القرآني.
الأسلوبيون يعدّون ذلك وغيره: خرقاً وانتهاكاً وانزياحاً وانحراقاً عن مقاييس اللغة، وقوة ضاغطة على حساسية القارئ، وحدة المفاجأة عليه ومنبهات اسلوبية([91]).
ويرون: كلما كان الانزياح او الانحراف بعيداً كان أعلى بلاغة وأكثر عاطفة وإثارة وإبداعا وفناً.
وهذا ردّ على طعن بعض المستشرقين المتحاملين غير المنصفين في النص القرآني الذين اتخذوا من العدول في لغته هدفاً لطعنهم وتشكيكهم بإعجاز القرآن كما مرّ بنا. وهو ردّ علمي من خلال أقوال اللغويين الغربيين أنفسهم وليس ردّاً عاطفياً انفعالياً كردّ بعض المسلمين([92]).
يرى تمام حسان انه يجوز الترخّص في الإعراب بعدم مراعاته، وذلك للوصول بالرخصة الى غرض اسلوبي عدولي ما... وعلل ذلك بأنه يمكن خرق الإعراب لتضافر قرائن بيان المعنى زائدة عن المطلوب أحياناً فإذا زاد الإعراب عن مطالب بيان المعنى كما في (خرق الثوبُ المسمارَ) ونحوه أمكن الترخص في الإعراب، وقولهم: (هذا جحرُ ضبٍ خربٍ)([93]).
وهي شواهد محددة اجترها النحاة في كتب النحو واللغة والبلاغة مشكوك في نسبتها، تختلف عن خرق الإعراب الوارد في النصّ القرآني وأغراضه الدلالية الدقيقة والجمالية.
وقال في بعض الشواهد السابقة: نحو الترخص في (والمقيمين الصلاة): "تحفُّ به المرفوعات من أمامه وورائه والعلاقة بينه وبين هذه المرفوعات علاقة العطف بقرينة الواو. وإذا إتّضح العطف بقرينة غير الإعراب أمكن الترخص في الإعراب كما نراه واضحاً هنا"([94]).
إن فكرة أمن اللبس غير كافية لتفسير خرق الإعراب في النصّ القرآني، ذلك بعضه ورد في آيات مشكلة المعنى اختلف فيها المفسرون تتقاطع مع شروط الدكتور تمام حسان للرخصة في أي قرينة، لا يتوقف عليها المعنى او أمن اللبس ومنها قرينة الإعراب.
وقد أخذ فكرة أمن اللبس من النحاة الذين قيّدوا قواعدهم بأمن اللبس واشترطوه لصحتها وعدّوه أصلاً أساساً في وضع القواعد، فأوجبوا البقاء على الأصل في القاعدة النحوية إذا خشي اللبس وجواز الخروج عنه إذا أمن اللبس([95]). وهي فكرة منطقية تخالف واقع اللغة ونظامها الذي يسمح بهذا الخرق من خلال حمل الكلام بعضه على بعض او يبدو خرقاً بحسب المعيار النحوي التقليدي –)