لا يستطيع الانسان أن يعيش دون أحزان أبدً ...
فحياتنا بين الخير و الشر و الفرح و الحزن والحلو والمر .... وهلمجرا
هكذا هي الحياة التي نعيشها..
كانت لي قصة من سنوات مع ذلك المشفى الذي يقع بجوار بيتنا..
وهذه القصة كانت مع أعز الناس إلى قلبي ...
تلك التي حبها ملك كل فؤادي .. فكانت هي النفس الذي استنشقه ..
وكانت هي ملاذي حين أحزن .. وحين أخاف .. وحين أبكي .. حتى بعد أن كبرت ..
رجعت من سفري وكعادتي ذهبت إلى دارها لكي أراها فأنا لا أملك أن أرى قبلها شخص آخر ..
فكان مكانها خالياً ليس به سوى تلك المخدة وذلك الشرشف الذي يغطي مكانها ..
سألت عنها قيل لي بأنها دخلت المشفى لعمل فحوصات ..
لم أصدق ... ذهبت كالمجنون مسرعاً لذلك المشفى لكي أطمأن عليها ..
وإذ بي أتفاجأ بأنها أدخلت وقد لازمت السرسر الأبيض..
وذكر لي أنها تعاني من ضعف بالقلب والكبد والكلى ..
ولك أن تنظر إلى كل طبيب وهو يشخص الحالة .. ضاعت حيرتي ..
لم تملكني الأرض ..
تمنيت لو أنني مكانها ولم تكن هي التي تعاني من هذه الامراض ..
أزدادت آهاتي وحسراتي ولكن ليس باليد حيلة سلمت نفسي للواقع ..
بدأت اتواصل مع الأطباء هنا وهناك وأنفاسي تتلاحق من جراء الركض والبحث ..
أنتهى ذلك اليوم ولم أجد ما يشفي صدري ويريح بالي ...
وكان اليوم الثاني وكالعادة أخذت أركض وأتواصل مع كل طبيب لعله يريح قلبي ..
كلمات الطبيب تحاول أن تطمئن بالي ولكن أنظر إلى مريضتي فمن يعرفها مثلي ويحس بها وبكل نفس لها ..
وتوالت الأيام ..
فهي في قسم النساء فيمنع مرافقة الرجال لها مما زاد حسرتي وألمي ..
فكانت أختي معها ..
وذات يوم دخلت ولم أرها على سريرها ..
بدأ انظر واتسائل أين هي ...
وهل حدث لها مكروه ..
لم يكن أمامي إلا أن اسأل عنها ..
سألت الممرضة التي كانت متواجده بالغرفة وتنظف سريرها.. أين المريضة التي كانت هنا ؟
فأجابت بأنهم أخذوها قبل لحظات ويمكنك أن تلحق بها نحو المصاعد ..
لم أتمكن من اللحاق بها ...
وأخذت اسأل وكثر سؤالي ..
إلا أن أحدى الممرضات شاهدتني واشفقت على حالي ..
فأخذتني إلى مكانها ..
فكانت المفاجئة أنه محل ثلاجات الموتى ..
ذهبت مسرعاً وإذا بأختي تقف وقد أرتعشت أهدابها بسرعة وادارت وجهها وهي تقول :
(لقد ماتت ... لقد ماتت ... لقد ماتت )
يا الله خبر نزل عليه كالصاعقة قد شل مني الحركة فكنت كالمجنون لا أعرف ماذا أفعل ..
اعتصرت يدٌ باردة قلبي المتهالك وشعرت بألم لا مثيل له لم أجربه من قبل ..
أنهارت أختي بالبكاء فكنت بين امرين كلاهما أمر من الأخر ..
أتدرون من هي التي كانت تأخذ مني كل الوقت واحاول أن اجد لها العلاج ..
أنها ((أمي)) ....
رحمك الله أيتها الغالية ..
رحمك الله أيتها الفقيدة ..
خرجت وخطواتي تتعثر بالمشي قد حالت بصيرتي واسودت الدنيا بوجهي ..
فقدت الغالية .. الحنونة .. صاحبة القلب الكبير ..
فقدت باباً من أبواب الجنة فقد كتب عليه أنه لا يفتح إلى يوم القيامة ..
كان يوم مشئوم لا ينسى في حياتي حتى الممات ..
فمن لي بعدها أشكي لها همومي وأحزاني ..
تذكرت في تلك الساعة كل لحظاتي التي كانت معها ...
وكأنه شريط مسجل ..
عرفت أن لا شيء يسوى في هذه الدنيا مع فقد الام ..
عرفت أن كثير من الناس لا يمكن أن يقدر حق الأم حتى يفقدها ..
عرفت أن الذي لديه ابناء يعرف حق الأم أكثر من غيره ..
عرفت أنني مهما كتبت فلن أفي شيء قليل من حقها ..
فلك الله يا ((أمي )) كم كنت عظيمة في حياتك وفي مماتك ..
وأخيراً ..
أرجو ممن مر وقرأ أن لا يحرمنا من دعوة صادقة لمن فقدت ..
..