قوانين الحرب
مع اختلاف الثقافات والأجناس تظل الحرب والدعوة إليها شيء إلى النفس مكروها ، ومستبشعا عندها متروكا قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة (216).
ومع كراهة النفوس لها واتفاق الناس على إدانتها ، إلا أنها قد تشتعل فتستعر وقد يؤدي إلى اشتعالها أسباب تبررها تعطي لها المشروعية ، حتى تمنحها صفة القداسة ، كتلك التي كانت تخاض تحت رايات الأديان وشعارات رجال الدين، أو تلك التي تدعوا إليها الحاجة لحفظ الأموال والأنفس والبلدان .
هذا وقد قام حولها في كثير من اللغات أدب كثير تذكر فيه البطولات وتسجل فيه الملاحم والانتصارات .
وقد كان للحرب عاداتها وتقاليدها تلك التي تكونت عبر ردات فعل المتحاربين أو اتفاقات المتقاتلين ووصايا القادة والمحاربين فكان لها في كل وقت رجالها و قوانينها ومسمياتها كذلك طرق تسن لمعاملة الأسرى وطريقة التصرف في الغنائم وأملاك المهزومين ونساءهم وأبناءهم إلى غير ذلك .
ومع وجود القوانين المنظمة المتفق عليها ضمنا، تظل الحرب الميدان الأكثر والأوسع للخروقات القانونية نظرا لآن الإنسان ينقاد فيها إلى أحكامه الآنية وتغلب عليه الانفعالية فيحتكم إلى قلبه أكثر من عقله فيغلب على أفعاله أن تكون ردّات أفعال أكثر من كونها فعلا مستقلا ،فتخلو هكذا من التعقل وإحكام التصرف ، فلا يعرف المحارب ما كان له مشروعا وما كان عليه ممنوعا وكثيرا ما يحدث في الحروب عمليات انتقام وخروج عن الأعراف والتقاليد والأخلاق ناهيك عن فقدان الأنفس الكثيرة وضياع الأموال العزيزة وفقدان الآمان . ولهذا يفضل الناس أن يتعايشوا في سلام ، وأن يستغني الواحد منهم عن بعض الحقوق طبيعية ليتحصل على حقوق مدنية يحفظ عن طريقها نفسه وأمواله
فلذلك فضل الناس السلم ووضعت القوانين التي تحمي الإنسان من الإنسان وممن كتبوا عن الحرب ووضعوا قوانين لها المفكر والفيلسوف فرنسيسكو دي فيتورغيا عالم من علماء اللآهوت المسيحي قدم من أسبانيا ودرس في باريس وتحصل على درجة الدكتوراة في علم اللاهوت من جامعة السربون الفرنسية الباريسية وهو من أوائل الذين اهتموا وكتبوا في القوانين الدولية ووضع في كتابه الذي خصصه للكلام على الهنود ما يشبه مسودة لحقوق الإنسان حافظا للهنود حقوقهم مذكرا أن الهنود كغيرهم من الناس كان لهم سلطة عامة تنظم مجتمعهم وسلطة خاصة تنظم ملكيتهم وهم لا يفقدون سيادتهم إلا إذا كانوا في أرض يحكمها النصارى ، ونبه أيضا أنه لا يولد الانسان عبدا مملوكا بالطبيعة، وفي كتابه الذي وضعه للحديث عن الهنود تكلم عن قوانين أو قواعد الحرب الثلاثة وعنون هذا الجزء الذي يتناولها من بحثه
السلم يفضل دائما على الحرب
وقال فيه
القاعدة الأولى : عندما يكون الأمير يملك السلطة لإعلان الحرب يجب عليه قبل كل شيء ألا يبحث عن الأسباب والمبررات والفرص للقيام بالحرب أو إعلانها ولكن يجب عليه أن يتعايش مع كل الناس ما كان التعايش ممكننا كما طلب سانت بول.
يجب على الأمير أن يتذكر أن الأخر هو أخانا والذي يجب أن نحبه كما نحب أنفسنا ، وإن لنا إلها واحدا نعود إليه ليحكم بيننا .
إن البحث عن الأسباب والفرح بوجودها من أجل قتل الإنسان الذي خلقه الله ومن أجله ضحى المسيح لهو من أكبر الإعمال السيئة البغيضة .
ولكن لا يجب أن يأتي الأمير الحرب إلا مكرها ، ومع هذا يجب عليه أن يزن الأمور بموازينها وأن لا يتجاوز الحد فيكثر القتل .
القاعدة الثانية :
فإن كان واضحا أن الحرب التي تخاض هي حرب مشروعة ، فعند خوضها لا يجب أن يكون الهدف هو إحداث خسارة الفرقة أو الدولة المعادية ولكن يجب أن يكون الهدف هو استمرارية حقوق الدولة و الدفاع عن حصتها ودولتها و يجب أن يكون الهدف من الحرب هو الوصول إلى حالة من الاستقرار و الأمن والسلم .
القاعدة الثالثة :
بعد الانتصار وعندما تضع الحرب أوزارها يجب على المسيحي المستفيد من الانتصار أن يستفيد منه بشكل محدود جدا و أن يعامل المهزوم بنوع من الاحترام والتواضع .
وعلى المنتصر أن يعتبر نفسه قاضيا لا منتصرا يحكم بين دولتين أحدهما جريحة والأخر ارتكب جرما وإلا لم يكن عادلا .
فليس هو متهما للآخر أو رافعا ضده قضية ولا يجب ان يعتبره بعد الانتصار عليه خصما ولكنه حكم يحكم عليه فيحمله عقوبة هذه العقوبة قد ترضي الدولة الجريحة المنتصرة التي تم الاعتداء عليها .
ولكن وعند الانتهاء من عقوبة المجرمين والمذنبين وبشكل مرضي لائق ومناسب والذي يجب أن يخفض فيه حد المستطاع لكارثة ومصيبة الدولة الظالمة وبشكل أكثر خصوصية عند المسيحيين لآن كل ألاخطاء الواردة إنما تأتي عادة من الأمراء.
لان الجنود يقاتلون دائما بنية صادقة من أجل ملكهم ولذلك يكول غير عدل معاقبة الجندي بجريمة أميره كقول بعضهم
جنود الاشين سيعاقبون على قدر جنون قادتهم
مقالة مستفادة من كتاب
FRANCISCO DE VITORIA
Leçons sur les Indiens et sur le droit de guerre
وفيها تصرف غير يسير
[center]