الأدب الطفل في الجزائر صورة عن أدب الطفل في التجربة الجزائرية ـــ رابح خدوسي ـ الجزائر
إن الحديث عن أدب الطفل في الجزائر وفي غيرها لا يمكن أن نَفِيَه حقه دون الإشارة في البدء إلى ثقافة الطفل في وطننا العربي بمختلف مكوناتها وأبعادها.
فالطفولةُ ـ هذا العالم السحريُ الجميلُ ـ تشكِّلُ رهاناً أساساً وتحدياً كبيراً على مستقبل الشعوب قاطبة. وباعتبار الأطفال أهم ثروة في أي بلاد, أي أنها بالنسبة لبلداننا أهمُّ من النفط والذهب, يتطلب الأمر منا طرح بعض الأسئلة الهامة:
ـ هل قدَّرنا موضوع الطفولة حق قَدْرِه؟
ـ ما هو نصيبُ أطفالنا من التطور العلمي والتكنولوجي؟
ـ ما هو مصيرُ أمةٍ تنظر إلى الخلف؟
ـ ما هي الاستراتيجية المعتمدة لبناء شخصية المواطن العربي بعد عشرين سنة, ارتكازاً على ثقافة الطفل؟
أعلم أن كثيراً من المخططات التنموية الاقتصادية والاجتماعية لم تحقق أهدافها ومراميها رُغم وفرة الإمكانات المادية والبشرية ومردُّ ذلك يعود أساساً إلى عدم تكوين الإنسان منذ بداية تشكيل شخصيته من مرحلة الطفولة.
أجيال كثيرة ضحّت بها بلداننا بل ألقت بها في متاهات الفراغ العقلي والوجداني ـ وهو أكبر عدو للطفولة ـ نتيجة قلة الرعاية والاهتمام.
والجواب عن السؤالِ الكبير الذي يُحيَّرنا دائماً:
لماذا تقدّم الغرب وتأخر العرب؟!
الجواب: لأنهم ينظرون إلى الطفولة نظرةً تصل أحياناً إلى ما يشبهُ التقديس. أمَّا حالها عندنا فحدّث ولا حرج, ودون مبالغة أقول إن الطفولَة عندنا بائسةٌ.
ولا زالت نظرتنا للطفل مرتبطة بنظرتنا للمرأةِ (أمِّه) لا تبتعد كثيراً عن "التدنيس" ولا زلتا في بعض الجهات نقول عند ذكر المرأة كلمة "حاشاكم" أي أكرمكم الله...
والفرق واضح بين التقديس وبين التدنيس.
وبما أن أدب الأطفالِ هو العمود الفقري لثقافة الطفل بدءاً من المرحلة الجنينية حيث أثبتتِ الدراساتُ في هذا المجال أنَّ الجنينَ في بطن أمه يسمع ويتأثرُ بل يتفاعلُ مع الأنغام وبعض الكلمات التي تدور في محيط أمه. ومروراً ـ بعد الولادة ـ بالمناغاة والمحاكاة ثم الاستماع والمطالعة.
واعتباراً لدور أدب الأطفال بمختلف أنواعه (شعر ـ قصة ـ أغنية ـ شريط مرسوم ... مسرحية.... الخ) في تكوين شخصية الطفل وفي الحفاظ على توازنه النفسي وهو أيضاً القناة الهامة الناقلة للعادات والتقاليد ومختلف القيم الإنسانية...
فإن الطفل بحاجةٍ كبيرةٍ إلى هذا النبع الذي لا يقلُّ أهميةً عن حليبِ الأم فهذا غذاءٌ جسميٌ وذاك غذاءٌ روحيٌ عقليٌ وجدانيٌ.
ولأدب الأطفال حديث يبدأ أولاً بذكر روافده الهامة وأعني بها:
1 ـ حكَايا الجداتِ.
2 ـ أغاني المواسم.
3 ـ أغاني الشارع والحي.
4 ـ الكتاب المدرسي.
5 ـ المنشورات (كتب ومجلات).
6 ـ البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
7 ـ الأشرطة والأقراص المضغوطة والانترنيت.
نلاحظ أن هذه الروافد تتضمن الأدب الشعبي العَفْوي والأدب الفصيح أو الرسمي ولنبدأ بالرافد الأول:
ـ حكايا الجدات:
واسمحوا لي أن اسميَّها مؤسسة "الجداتْ" لأنها كانت أهمَّ هيئة أدبية عبر القرون الماضية ـ إضافةً إلى دورها الحضاني (تربية, رعاية) كانت تقوم بدور حضاري, هذه المؤسسة التي لم يُعرفْ تاريخُ تأسيسها أو عددُ أعضائها ساهمت بقدرٍ عظيم في تكوين أجيالٍ وأجيالٍ انطلاقاً من الحكايا المسائية بما تتضمنهُ من أحداثٍ وعجائب وغرائب وبالرغم من خرافيتها التي لا يقبلُها الواقعُ والعقلُ المعاصر, إلاَّ أنها ساهمتْ في بناءِ ذهنيةِ ووجدانِ طفولةِ ذلك الوقت.
وفقَ القِصص التراثيةِ التي تحكيها الجدات والتي دونت بعضها في كتيبات رفقة زوجتي عائشة بنت المعمورة مرسومة نجد حكايات:
ـ بقرة اليتامى.
ـ لونجا.
ـ الأميرة السجينة.
ـ عروس الجبال.
ـ الشيخ ذياب.... الخ
والمؤسف له أن هذا الرافد بدأ في التقلص والغياب مع ظهور المربيات وقدوم التلفازِ والتطوير الحاصلِ في بنية الأسرة بحيث لم يعد للجدّ أو الجدة دور في الإشراف على شؤون العائلة....
وبالرغم من أن هذا النوع يقتصرُ على جنسي الحكاية فقط فإنه زاخر بالخرافات والخيال الذي يشبع فضول الأطفال لكنه لا يخلو من سلبيات حيث يساهم في بناء ذهنية خرافية بعيدة عن الواقع العلمي الذي نحن في أمسّ الحاجة إليه لتكوين رجل الغد.
ثانياً: أغاني المواسم:
الأهازيجُ والمدائحُ والأغاني التي يرددها الكبارُ والصغارُ في المناسبات كالأعراس والأعياد الوطنية والدينية وفي ملاعب كرة القدم وفي مواسِم الحرثِ والحصادِ... الخ.
يَشْتَرِك في هذا النوع من الأدب الطفلي الجميعُ (مختلف الأعمار) لكن الأكثر والأوفر نصيباً منه هم الأطفال بفعلِ قابليتهم للحفظ والاكتساب والتكرار.
وهو نوعٌ يقتصر على جنسي الشعر, واستثناءً يَمتدُّ إلى القصة لكنها تدور ضمن حدود القوالبِ الشعرية.
ثالثاً: أدب الشارع
في الجزائر مثلٌ شائعٌ يختصر واقِعَ الطفولة, يقول المثل: "شَبَّعْ وطَبَّعْ" ومعناه: أطعم الطفل حتى يشبع ثم أبعده عنك "طبّع" أي ادفعه إلى أي مكان حتى ولو كان هذا المكان الشارع بما يحمله من سلبيات ومتناقضات.
وكأنَّ دورُ الوالدين يقتصرُ على التغذية الجسمية ويتكفل الشارع بالباقي من رعاية وتكوين فيمدَّ الطفلَ أشياء كثيرةً مثل تزويدِ رصيدِهِ المعرفي بمعلوماتٍ مختلفةٍ ويضيف إلى رصيده اللغوي كلمات جديدةً عادة ما تكون قبيحة تعكس مستوى الشارع.
ومن الشارع ينقل الأطفال عن بعضهم أغاني يؤلفونها بأنفسهم فتأتي كلماتها مزيجاً بين اللهجة العامية واللغة الفصحى وفي بعض الأحيان تتضمن كلمات لغة أجنبية دخيلة.
صغيرتي عمرها ثمان سنوات, العام الماضي تعلمت من أطفال الحي الأغنية الآتية:
الطفلة: باطة شكولا.... يعني شكولاطة
شرطي المرور... المرور.. أعطني صفارتي... صفارتي..
الشرطي:
حبيبتي تضاربي؟! تضاربي؟!
خذي... هاك... هاك (حركات عنف (ضرب)).
تأمل الحكاية:
ـ بدايتها حلوة كالشكولاطة ونهايتها عراك.
ـ أغلب الكلمات تتضمن معنى العنف.
"شرطي, أعطني. تضاربي, خذي (ضرب) هاك (صفعة).
والأحلى فيها أن الطفل برؤية منطقية يريد استرجاع صفارته التي يرى وجودها عند الشرطي خطأً يجب تصحيحه, والصفارة هنا هي رمز للطفولة المسروقة من أطفالنا, وكأنهم بهذه الأغنية يقولون لنا أعيدوا لنا طفولتنا المغتصبة أيها الكبار.
وفي هذا العام جاءت طفلتي بأغنية جديدة ألّفها أطفال الجيران:
ـ بوحشيشة مات (بوحشيشة الذي يتغذى
ـ خلّى (ترك) أربع على الحشيش لفقره واحدة اسمها زهرة ويمكن أن يكون أي والأخرى عورة مواطن عربي, أنا, أنت, واحدة عندها زعرورة هو.. الخ).
والأخرى ملقتاش وين تبات
خويا جاء يذبحني... يذبحني... الخ.
نلاحظ في هذه القطعة تردد كلمات البؤس حد الازدحام مثل (بوحشيشة ـ مات ـ عورة ـ ملقتاش وين تبات ـ يذبحني) مأساة في مأساة....
وبعد محاولات عديدة مع ذاكرة ابنتي عوّدت لسانها على عبارة "خويا أهداني وردة" عوض "جاء يذبحني" رغم أن الواقع يكذب ذلك أو يقبل الوجهين على الأقل"..
أهم استنتاج من أدب الشارع. هو أن الطفل بطبعه يحب التجديد ويبحث عن التعويض ومن هنا فهو ينتج أدبه البديل إذا افتقده عند الغير.
وهنا يطرح السؤال الآتي:
أين الكتاب والأدباء الذين يقدمون البديل الجيد والممتع للأطفال؟
رابعاً: الكتاب المدرسي
ـ باستثناء بعض النصوص المختارة التي تتغنى بالمدرسة والوالدين والوطن والطبيعة يقدم الكتاب المدرسي المعتمد في المدارس الجزائرية موضوعات أدبية وظيفية ضمن نصوص جافة مؤلفة من قبل هيئة موظفين غير مبدعين أو لكتاب غير معاصرين وحتى نصوصهم تعاني فقدان الجمالية والموضوعية نتيجة التصرفات التي تدخل عليها من قبل هؤلاء الموظفين في مؤسسة تابعة لوزارة التربية والأمل ينتظر الإفراج لفتح المجال أمام المؤلفين الأدباء المبدعين للإشراف على الكتاب المدرسي الأدبي الخاص بالأطفال الذي سيعيد للنص بهجته ويخرج الطفل والأديب الجزائريين من غربتهما.
خامساً: المنشورات المطبوعة (كتب ـ مجلات...)
من بين المجلات التي اهتمت بعالم الطفولة نجد:
ـ مجلة امقيدش.
ـ مجلة الشاطر الصغير.
ـ مجلة الهدهد.
ـ مجلة نونو.
ـ مجلة المثقف.
ـ مجلة السندباد.
لكن هذه الدوريات لم تحافظ على استمرارها لعدة أسباب من بينها التكلفة الغالية وسوء التوزيع وعدم دعم الوزارة المعنية بالتربية لهذه المبادرات.
أما بالنسبة لكتاب الطفل المنشور فقد ظهرت مجموعة من الكتاب (روائيون وشعراء) كتبوا للأطفال على هامش كتاباتهم لكبار, وقلما نجد كاتباً متفرداً مختصاً بالأطفال إبداعاً أو نقداً أو تحليلاً:
ومن هؤلاء الكتاب نذكر على سبيل المثال لا الحصر الأسماء الآتية:
ـ الأخضر السائحي
ـ جمال الطاهري
ـ محمد الصلاح حرز الله
ـ موسى الأحمدي نويوات
ـ آمنة حرز الله
ـ عالية بوسيف.
ـ بوزيد حرز الله
ـ لطيفة قرموش
ـ جيلالي خلاص
ـ أحمد بود شيشة.
ـ احمد منور
ـ مصطفى الغماري.
ـ رابح خدّوسي
ـ حسين عبروسي
ـ ع. بنت المعمورة
ـ عبد الوهاب حقي
ـ جميلة زنير
ـ عبد العزيز بوشفيرات
ـ حلاّم الجيلالي
ـ مسعودة لعريط.
ـ الطاهر بحياوي
سادساً: البرامج الإذاعية والتلفزيونية:
من البرامج التي تربت عليها أسماع وأذواق ووجدان أجيال السبعينات أو الثمانينات واستمر بعضها حتى القرن الحالي:
ـ الحديقة الساحرة.
ـ جنة الأطفال.
ـ أهلاً أحبائي.
سابعاً: وسائل الاتصال السمعية البصرية التكنولوجية
(الأشرطة والأقراص المضغوطة والانترنيت)
في ظل العولمة الشرسة التي تريد تحويل العالم إلى قرية صغيرة يملكها المنتج للمعرفة وهو مقتصر على الدول الكبرى أما الدول المتبقية فهي مستهلكة للنفايات فقط.
وحتى لا يبقى أطفالنا خارج الزمان والمكان. وأمام التحديات للتكنولوجيات الجديدة, فتح المجال السمعي البصري للتكنولوجيات الحديثة لخدمة ثقافة الطفل على الرغم من بعض مضارها واستفاد أدب الأطفال من هذه الوسائل (الأشرطة والأقراص المضغوطة والانترنيت... الخ) فانتشرت الأغاني والقصص المسجلة على أشرطة الكاسيت والفيديو والأقراص CD Roum وبدأ الأطفال يكتشفون عالمهم في مواقع الانترنيت.
الاقتراحات:
لا يفوتنا في هذا الموضوع تقديم اقتراحات لتنمية ثقافة الطفل وأدبه بالخصوص:
1 ـ إعطاء الأولوية لعالم الطفولة في جميع المخططات والمشاريع التنموية.
2 ـ إنشاء مجلس أعلى للطفولة يهتم بقضايا الطفولة بما فيه ثقافته, حقوقه... الخ.
3 ـ إشراف الأدباء المبدعين على تأليف الكتاب المدرسي في مجال اللغة وآدابها.
4 ـ تشجيع المكتبات العائلية والمدرسية.
5 ـ تحفيز المبدعين في ثقافة الطفل بنشر إنتاجهم وبتنظيم مسابقات ثقافية وإحداث أوسمة استحقاق.
6 ـ استثمار التراث الشعبي بعد تنقيحه وتوظيفه وصياغته ضمن الأدب الفصيح.
8 ـ تشجيع نشر المجلات والدوريات الموجهة للأطفال.
9 ـ الإسراع بعملية محو الأمية لدى الكبار.