نّ اللغة العربية هي العروة الوثقى, التي تجمع بين الشعوب العربية, والشعوب الإسلامية, التي شاركت في ازدهار الثقافة العربية الإسلامية. وبهذا المعنى فإن الوفاق العربي والتضامن الإسلامي, لا بد أن يقوما على هذا الأساس المتين؛ لغة القرآن الكريم، ولغة الثقافة العربية الإسلامية. ومن هنا تبدو الأهمية الكبرى لتدعيم مكانة اللغة العربية, والعمل على نشرها وتعليمها, حتى لغير الناطقين بها من الشعوب الإسلامية. لأنّ في ذلك حماية للأمن الثقافي الحضاري, للأمة العربية الإسلامية .
وهذا يؤكد لنا بأنّ اللغة العربية هي قضية وجود, وقاعدة كيان, ودعامة النظام العربي الإسلامي, الذي يستند إلى مرجعية العمل العربي الإسلامي المشترك, المتمثلة في جامعة الدول العربية, وفي منظمة المؤتمر الإسلامي. فهي وعاء الثقافة، والأداة المثلى لمعرفة مبادئ الدين الحنيف, وفهم أحكامه. وهي إلى ذلك لغة التراث العربي الإسلامي ( 1 )
على مدى أربعة عشر قرناً، ولغة التعليم والتعلّم في المدارس، على امتداد الوطن العربي، وفي الجامعات العربية. وهي لغة الكتب والمجلات، ونشرات الأخبار، والمؤتمرات، والمناظرات والخطابة، لذا فإن إتقانها استماعاً وتحدّثاً وقراءةً وكتابةً, ضروري من أجل التماسك الثقافي للأمة العربية, وللإبداع الفكري المتميّز.(2)
يقول ابن خلدون في اللغة العربية : "وكانت الملكة الحاصلة للعرب من ذلك أحقّ الملكات، وأوضحها بياناً عن المقاصد". (ابن خلدون ـ المقدمة ـ ص546).
ورآها ابن فارس أفضل اللغات وأوسعها، وتتمتّع بثراء عزّ نظيره في معظم لغات العالم, "وليس أدلّ على اتساعها من استقصاء أبنية الكلام، وهو تراكيب اللغة"، وهو ما توصّل إليه الخليل بن أحمد الفراهيدي, حيث ذكر في كتابه (العين): "أنّ عدد أبنية العربية المستعمل منه والمهمل على مراتبها الأربع, من الثنائي, والثلاثي, والرباعي, والخماسي من غير تكرار, هو (412 و305 و12 كلمة) ". في حين يرى الباحثون أنّ المستعمل منها لا يزيد على ثمانية ألف كلمة " (3حماده ـ عجيب اللغة ـ ص44 ـالصالح ـ دراسات في فقه اللغة العربية ص 17 ،18).
ويرى القلقشندي أنها: "اللغة التامة الحروف، الكاملة الألفاظ، إذ لم ينقص منها شيء من الحروف، فيشينها نقصانه، ولم يزد منها شيء فيعيبها زيادته، وإن كان له فروع أخرى من الحروف, فهي راجعة إلى الحروف الأصلية، وسائر اللغات، فيها حروف مولّدة، وينقص عنها حروف أصلية "(القلقشندي ـ صبح الأعشى12/148ـ149).
ويذكر السيوطي أن: "لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها". ويورد مزايا يراها دليلاً على أفضليتها، منها كثرة المفردات، والاتساع في الاستعارة والتمثيل، والتعويض؛ (إقامة كلمة مقام الكلمة، وفك الإدغام، وتخفيف الكلمة بالحذف).
وقد لاحظ ابن جني أنّ من خصائص اللغة العربية, دلالة بعض الحروف على المعاني، حين قال: "وذلك أنهم قد يضيفون إلى اختيار الحروف, وتشبيه أصواتها, بالأحداث المعبّر عنها بها ترتيبها، وتقديم ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه، سوقاً للحرف على سَمت المعنى المقصود والغرض المطلوب" .(3)
وقد توافر للغة العربية عاملان، لم يتوافرا لغيرها من اللغات السامية؛
أولهما: أنها نشأت في أقدم موطن للساميين, وثانيهما: أنّ الموقع الجغرافي لهذا الموطن, قد ساعد على بقائها أطول فترة من الزمن, متمتعة باستقلالها وعزلتها, وكان من نتيجة هذين العاملين, أن تميّزت بخصائص كثيرة, تتّضح بجلاء في كل عنصر من عناصرها الثلاثة: الأصوات، والألفاظ، والأساليب على النحو الآتي:
أولاً ـ الأصوات: انفردت العربية بثبات أصولها، إذ لم يطرأ عليها أدنى تغيير في نطق حروفها, مثلما طرأ على سائر اللغات في العالم، ولعلّ ذلك راجع إلى سعة مدرج اللغة العربية الفصحى، إذ للأصوات العربية نحو خمسة عشر مخرجاً، تتوزّع بين الجوف والحلق واللسان والشفتين .(الأصوات اللغوية-إبراهيم أنيس- فقه اللغة- د. علي عبد الواحد/ الأصوات العربية د. كمال بشر- وافي 165-166).
ثانياً ـ الألفاظ: فمن أهم ما تمتاز به, أنها أوسع أخواتها الساميات ثروة, في أصول الكلمات والمفردات، فضلاً على أنه قد يجمع فيها من المفردات في مختلف أنواع الكلمة ـ اسمها وفعلها وحرفها, ومن المترادفات في الأسماء, والأفعال, والصفات- ما لم يجتمع مثله, بل ما يندر وجود مثله في لغة من لغات العالم, فقد جمع للسيف على سبيل المثال نحو ألف اسم. وقد ذكر المستشرق (رينان), أن الأستاذ (دوهامر), قد جمع المفردات العربية المتصلة بالجمل وشؤونه, فبلغت أكثر من خمسة آلاف وستمائة وأربع وأربعين (فقه اللغة:169).
ولايقف الإعجاب من غزارة مادة اللغة العربية, ووفرة مفرداتها, وكثرة ألفاظها على علماء اللغة العرب وحدهم, بل تعدّاه إلى علماء اللغة الغربيين, حيث يقول المستشرق الألماني (بروكلمان):" ومعجم العربية اللغوي لا يجاريه معجم في ثرائه, إنه نهر تقوم على إرفاده منابع اللهجات الخاصة, التي تنطق بها القبائل العربية. (فقه اللغة السامية:31). وقد لاحظ علماء اللغة منذ القدم, أنّ من أبرز ميزات اللغة العربية مناسبة ألفاظها لمعانيها, فكل لفظ فيها, قد تمّ وضعه بإزاء المعنى المنوط بالدلالة عليه في دقة تامة, وعناية فائقة, فهذا جلال الدين السيوطي يقول:" وأما أهل اللغة العربية, فقد كادوا يطبّقون على ثبوت المناسبة بين الألفاظ ومعانيها (المزهر1/47).
كما عقد ابن جني في كتابه (الخصائص) باباً سماه: (في إمساس الألفاظ أشباه المعاني). (الخصائص1/44) ذكر فيه طائفة لا بأس بها من صور التناسب بين الألفاظ ومعانيها, ونقله عنه السيوطي في(المزهر). (المزهر:1/48 وما بعدها), وتتمثل هذه المناسبة بين الألفاظ والمعاني, أنّ اللفظ يحكي صوتاً من أصوات الإنسان, أو الحيوان, أو الطير, أو الفعل الذي يحدثه الإنسان أو غيره.(فقه اللغة:75).(4)
ومما تمتاز به أيضاً مناسبة أبنيتها لمعانيها: فالأبنية والصيغ الصرفية فيها, تجيء دالة على المعنى المنوط بها, مفصحة عن الدلالة المقترنة بها, ممّا يغني القارئ عن اللجوء إلى المعاجم والمراجع اللغوية في فهم كل ما يقرأ أو يسمع, إذ يقول ابن جني:"وكذلك جعلوا تكرير(العين) نحو: فرّح, وبشّر, فجعلوا قوة اللفظ لقوة المعنى, وخصّوا بذلك (العين) لأنها أقوى من الفاء واللام, إذ هي واسطة لهما, ومكتوفة بهما, فصارا كأنهما سياج لها (الخصائص:2/155). كما تأتي المصادر الرباعية المضعّفة, لتدل على التكرير نحو: الزعزعة, والقلقلة, والصلصلة, والقعقعة, والجرجرة, والقرقرة". وهكذا نرى أن الأبنية والصيغ الصرفية, توحي بالدلالة على المعاني التي وضعت لتدلّ عليها, وإن لم يسبق لنا علم بها, أو اطلاع عليها في معاجم اللغة. و ممّا تفرّدت به دوران المادة حول معنى واحد, أنّك تجد الأصل اللغوي للكلمة يدل على معنى بعينه, ثمّ تجد كل ما يشتق من هذا الأصل من صيغ, تدل على معان متقاربة ومتشابهة. تدور جميعها حول المعنى العام الذي يدلّ عليه الأصل. وقد عني بهذه الظاهرة, وكان له فضل السبق إلى ابتكارها العالم اللغوي, الخليل بن أحمد الفراهيدي, بتأليف معجم (العين), الذي يقوم على نظام تقلّبات المادة اللغوية, إذ كان كلما تعرّض لايضاح معنى لفظه , يذكر معها تقلباتها (دلالة الألفاظ د. إبراهيم أنيس:67).
ثالثاً- الأساليب: تميّزت من غيرها من اللغات, بقدرتها على التصرّف في الأساليب والعبارات, وعلى التنوّع في التراكيب, وذلك بحسب المقام, الذي يتطلّب نوعاً معيناً من الأساليب دون غيره, من تقديم وتأخير, وزيادة وحذف, وإيجاز وإطناب, وكان مرتكزها في هذه الميزة خصائص ثلاث توافرت لها, وتفرّدت بها دون غيرها من اللغات؛ علامات الإعراب, وإيجاز اللفظ مع الدلالة على المعنى, والاكتفاء الذاتي مع الدقة في التعبير.(5)
وهكذا تميّزت اللغة العربية بخصائص أبرزتها, من الناحية الصوتية , والمترادفات, والوضوح, وشدة الارتباط بين الصوت والمعنى في كلماتها, والاشتقاق, والإعراب, والتتغير في الدلالات بتغيير بنية الكلمات. (6)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
( 1) الإيسيسكو (مستقبل اللغة العربية / مشروع الإيسيسكو لكتابة اللغات الإفريقية بالحرف العربي) ـwww.isesco.org.com.ma .
(2) د.الدنّان، عبدالله (برنامج تعليم المحادثة باللغة العربية الفصحى) ـ مركز الضاد للتدريب ـ مصر/ القاهرة 2006/ ص(3) www.aldhad.net\ aldannan.htm..
( 3 ) د .معروف, نايف ( خصائص العربية وطرائق تدريسها) لبنان - 1998ـ ص (38 ،39، 40).
( 4 ) د. رواي، صلاح ( فقه اللغة وخصائص العربية وطرائق نموها ). ط1- مكتبة الزهراء-1993- الفصل الثالث ص (127- 144).
(5) المرجع السابق - ص (142).
( 6 ) د. خاطر, محمود شكري (طرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية في ضوء الاتجاهات التربوية الحديثة)- دار المعرفة1981- القاهرة- الفصل الثاني- ص (17-33).
منقوللللللللللللللللل للفائدة