اخي الكريم
كلامي غير موجه لصاحب المقال , وان كان صاحب المقال مسؤول بدرجة قصوى على كلامه , لسبب واحد , لانه نقل كلاما يحتج به دون ان يراجع ذلك الكلام في حد ذاته , ولم يذكر مصادره في ذلك , حتى ياتي اكثر دقة وعلمية , بدل الحديث العموم , مثل هذه الافكار والاحكام تنتشر بسرعة وسط الطلبة وطالبي العلم دون مراجعة او تدقيق , لقد قال صاحب المقال ( وإستنتج بعض الباحثين المحدثين أنها دخيلة على العربية وأنها معربة من كلمة logos ) , ولم يكن رده على تلك الاقوال مقنعا باعتبار الجذر اللغوي الذي استجلبه هو الجامع بين اللغة واللغو وهناك فرق قد لا يقنع الاخرين بالعلاقة الاشتقاقية بينهما , ولذلك وجب التوضيح اكثر ,
1- ان استعمال الفعل لغا يلغو في المعاجم العربية وفي الادبيات العربية طغى عليه معنى سلبي واحد وهو ان اللغو نمط من الكلام التافه الذي لا يحمل مقصدية معينة ومحددة , ولكن نفس الفعل يعني عكس المعنى السابق اي لغا يلغو بقصيدة شعرية او بقسم او تصريح معين حول قضية معينة , يعني انه استعمل لغته في نظم كلام مفهوم ذي تركيب صحيح ودلالة مقصودة لكنه ومثال هذا ما جاء في اللسان لابن منظور قوله في شرح الفعل لغا والمصدراللغو ( قال الأَصمعي: لَغا يَلْغُو إِذا حَلَفَ بيمين بلا اعتقاد... . يقال: لَغَوْتُ باليمين....) وامثلة هذا كثيرة في المعاجم وعند ابن منظور , فانت ترى ان من يقسم بجملة القسم صحيحة نحويا وصوتيا ودلاليا , تعني ما يقصده صاحب القسم او صاحب الكلام لكن كلامه يفتقد العزم والنية الصادقة او ما سموه بمصطلح العقد , فقسمه اذا باطل حتى لو لم يفي بذلك القسم وسمى كلامه ايضا لغوا من اللغة على رغم صحة كلامه من حيث التركيب اللفوي , الا انه لو جاء التركيب اللغوي مبلبلا غير منظم ولا يعبر عن اي معنى , اي مجموعة من الاصوات لا معنى لها فانه يسمى ايضا لغوا , وهذا المعنى السلبي يختلف عن المعنى الايجابي سواء حمل الكلام مقصدية او لم يحملها , الا انه لاسباب متعددة طغى المعنى السلبي على المعنى الاجابي , والسبب الثاني ان العرب استعملوا افعالا ومصادر اكثر دقة وتعبير من لفظ لغة لان لفظ لغة يتميز بالتعميم والكلية في معناه , بما في ذلك معاني اللغو التي اشرنا اليها , ومن الالفاظ السديدة التي استعملها العرب للتعبير عن اللغة مصطلح اللسان ومصطلح الكلام و الكلم والقول والملفوظ او اللفظ وعوضوا لفظ الكلمة بلفظ ومصطلح ادق من مصطلح الكلمة هو ( اللفظ ) , وكانوا بذلك اقرب الى اللسانيات الحديثة في استعمال مصطلحاتهم , وبعودتك الى كتاب ابو اللسانيات الحديثة ( محاضرات في اللسانيات العامة ) تجده يدقق في مصطلحات اللغة واللسان والكلام , يركز على اللسان والكلام ويعرف اللغة باعتبارها اجنماع ثنائية اللسان والكلام , وهو بالضط التمييز الذي تحمله المعاجم العربية والفكر اللغوي العربي ( انظر مفهوم اللسان عند الشافعي ابن تيمية والجاحظ وغيره كثير ) , الا ان ما حدث ان المفكرين واللغويين العرب اخلطوا بين مفهوم اللسان ومفهوم الكلام ولا زال هذا الخلط قائما في ذهن علماء اللغة العربية ولسانييها المحدثين, ولو سالت احدهم عن الفرق بينها اصطلاحيا لما اتاك بالجواب الصحيح , اذن الموضوع ليس كما تصورتم انتم, بل انه قضية حساسة جدا من حيث الحمولة العلمية والمعرفية . ففي الوقت الذي لا نميز فيه نحن العرب بين دلالتين متناقضتين للفظ واحد هو ( اللغو ) وفي الوقت الذي نحمل فيه نفس اللفظ دلالة سلبية واحدة دون تدقيق علمي , نجد الادبيات وكتب اللغة والفكر اللغوي العربي القديم يميز بين تلك الالفاظ واستعمالاتها ( اللغو, اللغة , الكلام, اللسان, اللفظ , الكلمة , والكلم وغيره كثير) , ان عيبنا هنا بسيط جدا , اننا لا ندقق في استعمال لغتنا او نعتمد على الاخرين في الاستعمال , وفي استعمالنا للغة والكلام واللسان نخلط بينها في الوقت الذي نجد دلالتها لا تختلف كثيرا عن ما جاء في اقوى النظريات اللسانية الحديثة ,
2- اما اذا عدت معي الى معاجم اللغات الاخرى قديمها وحديثها وسنذكر اهمها هنا , السريانية ( الارامية ) والعبرية فانك لا تجد مصطلح اللغو او logos في معاجمها القديمة وانت تجد اللغوس دخيلا في الزمن الحديث وتجد مصطلح ( لغة ) العربي وارد بالحرف الواحد في تلك اللغات , اما في معاجم الفرنسية والانجليزية قديمها وحديثها , فان الانجليزية بفروعها لا تعرف لحد الان مصطلح اللسان لكنها تعرف مصطلح الكلام واللغة والفرنسية تعرف المصطلحات الثلاثة والسبب في ذلك ظهور اول نظرية لسانية كان باللغة الفرنسية , في حين يعد مصطلح ( اللفظ ) والملفوظ مصطلحا عربيا اصيلا يعوض المصطلح الغربي ( الكلمة le mot or word ) بدقة علمية افضل من استعمال لفظ كلمة في الغرب , وتستعمل الفرنسية الحديثة مع انتشار اللسانيات مصطلح الملفوظ والملفوظية بالمعنى العربي القديم , اما هذه المعاجم كلها فانها تعرف مصطلح اللغوس اليوناني بمعاني متعددة كالعلم والروح والعقل الخ , وهو ما لا تجده بالحرف الواحد عند العرب القدماء وفي لغتهم ,فقد كان فلاسفة العرب وعلماء الكلام يعلمون المصطلح اليوناني جيدا لكنهم استعملوا مصطلحاتهم العربية المتاصلة مثل العقل والروح والفكر وغيره كثير وميزوا بينها , هذا فضلا عن ان اللغة العربية دقيقة في ادائها اللفظي في علاقته بالمعنى , فالروح ليست هي العقل والعقل ليس هو الفكر الخ , ولا يسجل لنا المعجم اليوناني او غيره اي مشتقات للفظ اللغوس , مما يعني ان هذا اللفظ ليس اصيلا في اللغة اليونية وانما هو ماخوذ من لغة اخرى , ولا اظنها الا العربية عن طريق الفينيقية وعن طريق انتقال ثقافة شمال شبه الجزيرة العربية الى الثقافة وادي النيل وبلاد الاغريق , ومنها انتقال ثقافة الملحمة والاسطرة وعبادة الصنم والاوثان , فالثقافة الاغريقية والمصرية هي التي اخذت عن العرب وليس العكس , بدليل ان ظهور اول كتابة للغة الانسانية كان في الشمال الشرقي بالجزيرة العربية , اي ( اللغة السومرية ) وبدليل اخر هو ظهور ثقافة الاساطير بداية بملحمة غالغاميش , وتعدد الالهة الابطال الذي انطلق من الجزيرة العربية , اما المستشرقون والغرب الى حد هذا الزمن فانهم ينسبون كل شئ لعقلهم الجبار ,
3- ان المعاجم الغربية كلها اليونانية واللاتينية وفي لغاتها الحديثة لا تحمل مشتقات للفظ ( اللغوس ) ويمكن ان نمثل لذلك بلفظتين فقط واحدة تنتشر في اوروبا وشمال افريقيا والثانية تنشر في الولايات المتحدة الامريكية واللغة الانجليزية اساسا ,
اللفظ الاول , هو berber فهذا اللفظ اصله عربي , يعتقد الكثيرون ان اللفظ يعود في اقصى احواله الى اللغة اليونانية او اللاتينية التي تفرعت فيما بعد الى اللغات التي نعرفها حاليا , وكلها تعود الى اليونانية والفكر اليوناني , ويعتقد بربر شمال افريقيا ان اللفظ اوروبي اطلقه الرومان على سكان شمال افريقيا , واللفظ في المعاجم الغربية لا اشتقاق له اطلاقا وبذلك فهو دخيل على تلك اللغات قديمها وحديثها , واصل اللفظ بالطبع عربي وهو يماثل الالفاظ الثنائية العربية ( انظر مقدمة العين للخليل ) مثل حلحل و قلقل وجلجل وغيرها كثير والتي اصلها ثنائي في اللغة العربية وهي اما ان تصبح ثلاثية بالتضعيف مثل ( قد وجل وبر ...= قدد وجلل وقلل وبرر ) او عن طريق تكرار المقطعين الصوتين فتصبح ( جلجل وحلحل وبربر الخ ) , وقد انتقل اللفظ ( بربر ) الذي يملك اشتقاقات في اللغة العربية اولا الى اللغة اليونانية القديمة بمعنى ( الانسان الذي لا يحمل ثقافة الاغريق او الغريب عن بلاد الاغريق ) ثم انتقل بعد ذلك الى الرومان الذي اطلقوه على القبائل الجرمانية في وسط اروبا وشمالها كما اطلقوه على سكان شمال افريقيا حاملا دلالة عنصرية متطرفة لا زالت متوارثة الى يومنا هذا ثقافيا وجنسيا , الخ اذ اطلق الرومان على الشعوب الاخرى لفظ البربر بمعنى الهمجي غير المتحضر ويقصدون به سكان شمال افريقيا وقبائل اوروبا , وهو في دلالته يختلف عن الدلالة التي اطلقها الاغريق وعن دلالته الاصل العربية , اما البيزنطيين اي الدولة الرومانية في الشرق , ( القسطنطنية ) فلم تطلق نفس الكلمة على سكان شمال افريقيا وان دخلت في صراعات مع شعوب المتوسط للهيمنة على التجارة العالمية انذك لسبب بسيط انها كانت على اطلاع واحتكاك بالثقافة الشرقية العربية والفارسية , ان اول من اطلق لفظ البربر على سكان شمال افريقيا هم العرب الكنعانيين وخصوصا العرب الفينيقيين والعرب الانباط والقرطاجيين المتفرعين عن الفينيقين وهم من احتكوا وتحالفوا مع البربر ضد الغزوات الرومانية والبيزنطية والوندالية وغيرها القادمة من الشمال , اذا لم نقل ان البربر كما وصفهم المفكر العربي البربري الامازيغي ابن خلدون هم عرب خليط جاء الى شمال افريقيا من اليمن والشام ,حملوا هم صفة البربر اي اصحاب البراري او رجال البرقبل ان يصلوا الى شمال افريقيا و المقصود من تلك الصفة الفرسان الذين لا يفارقوا ظهور جيادهم , وهي صفة يشتركون فيها مع العرب وتدل على عدم استقرارهم وترحالهم و على اشتراكهم في نفس الثقافة العربية المبنية على الترحال والهجرة بسبب تصحر الجزيرة العربية ذلك التنقل الذي جاء على مراحل متعددة وفي شكل موجات بشرية لم تتوقف الا مع مجيئ ودخول الاستعمار الاوروبي نحو الشرق وشمال افريقيا ,
اما اللفظ الثاني فهو Saga وانت لا تجده الا في المعجم الانجليزي الامريكي ولا اشتقاق له اطلاقا ويقصد منه ويترجم بلفظ حكاية ويعبر عن حكايات الزنوج الافارقة الذين تمت هجرتهم القسرية الى شمال امريكا كعبيد لكي يخدموا المستوطنين الاوروبيين , هؤلاء العبيد كانوا يتحاكون قصصا عن انفسهم قبل تهجيرهم واستعبادهم وتوارتث تلك القصص لحد الزمن الحاضر , واللفظ اصله عربي من الفعل ( صاغ ) من مثل الحبكة او الصياغة القصصية , وانت لا تجد اشتقاقا لهذا اللفظ في المعجم الانجليزي, والامريكيون السود وبعض الكنديين السود يعرفون بشكل موثق لفظ Saga وتاريخ استعماله لدرجة ان حكايات الاستعباد والتهجير والخطف لا تزال تروج عند فئات منهم لحد الساعة .
هكذا ترى ان العربية انتشرت وتنتشر بهذه الطريقة او تلك بسبب تاثيرها الحضاري والتاريخي والديني , وان وجود العربية هو وجود تاريخي في كل بقاع المعمورة من الصين الى افريقيا السوداء الى امريكا الجنوبية والشمالية ناهيك عن اوروبا ,
فهلا دققنا في مصادر معرفتنا وعلمنا قبل ان نطلق الاحكام جزافا .