عمــر بــن أبــي ربــيــعـــــة:
هــو مـن دون مـنــازع زعــيـــم الـغــزلــيـن الأمـــويـيــن جميعـاً لا نـســتـثــنـي مـنهـم أحــداً.
وهـذا الـغــزل الأمـــوي يمـثــل نـفـــس الـشـاعـــر والجـمـاعــة التـي كـان يـعـيــش
فيهــا تمـثيــلاً صــادقــاً صـــحـيحــاً. والــذي يــريـد ان يــدرس حــيـاة الأرســـتــقــراطـيــة
القـرشــيــة في الحـجـــاز أثــنـــاء القــــرن الأول للهـجـــرة يجـــب أن يـتـلمـــس هــذه
الحــياة في شــعــر عمــر إبـن أبــي ربــيـعـــة، فـسيـجـد في هـذا الشـعـر كـيـف كـان ســراة
قـريــش والحـجــاز يـقـضـون حياتهـم الهـادئـة الـفـارغـة، بـل ســيجـد في الـشعـر ألـوان
الـصـِـلات المـُـختـلفـة الحـلوة المـُـبـتـسـمــة التي كانـت تـصـــل بـيـن هــؤلاء الـســراة.
بعـض الـذين كـتـبوا ســـيرة عمــر وتـاريخــه قــد زعمـــوا أن عمـــر كان مـسـرفـاً في الفـجــور،
وأخــريـن زعمــوا إنــه كـان مـسـرفـاً في العـفــة، فـنـرى أنــه لم يكـن مـسـرفاً في اللـهــو
كمـا أنــه لم يكـن مـســرفـاً في حـُـسـن الـســيرة.
وبـين ايـديـنـا قائمــة طويلـة مـن شـــريفات قـريــش وبنـات وزوجـات الخـلفـاء وأعيــان
الـبـلـد اللأتـي تـغـزل وأفـتــتــن إبن أبي ربيـعـة في حـُـبـهــن، وقــد عـاش عـيـشـــة الـرجــل
المــتــرف الذي اتـيحـت لـه وهـيـئـت لـه أســباب اللـهــو و وسـائلــه، ولكـنــه مـع ذلـك كان
مـقـيـد بما يفـرضــه عليــه مجـتـمعــه وبمـا إلفــــه مـن الأوضــاع الإجـتـماعـيــة،
فهـو يـلهــو ولكـن بمـقــدار وهـو يـصــف ولكـن بمقـدار أيضـاً ... لكـن علـينـا في نفـس الوقـت
ان نعـتـــرف ونـقـِــر بـانـــه كـان رئـيــس مــذهـــب في الــغــــزل الإبـــاحـــي، لأنــه لـم
يكـن يـتــغـزل في الهـــواء ولا يــطـمــح إلـى المـثــل المعـنـوي الأعـلى، وإنمـا كان يعـيـش
في الأرض ويـسـتـبـيح لـنـفـســـه مـن اللــذات مـا أبــاح لــه الــديـن ومـا لـم يــبــح،
وهـو غــيـر الـشـاعـر جمـيــل بـثـيـنــه الـذي كـان زعـيــم الغــزل الـعـُــذري الـعــفــيـــف،
والــذي لـم يكـن يطـمــح إلا إلـى المـثـــل الأعـلــى وإلـى الجـمــال مـن حــيث هــو،،
وهــو أي جمـيـل لا يـبـتــغـي لــــذة ولا يــســتــبـيح شـــــيئـاً لــم يـبحـــه الــديـن
ولــم تـــــرض عنـه الأخــلاق.
هــذه مجـرد أشــياء عـامــة، فكمـا أسـلـفـنـا في بـدايـة هـذا المقـال فـان عمر ابن
أبي ربـيـعــه وشعـره لـيــس بالشخـصيـة السهـلـة التي يستطيـع أي كاتـب ان يقـدمـه
أو يـدرســه في مـقال واحــــد.
تعـالـوا نـرى حــُــب إبن أبي ربـيعـة مـا هـــو ؟...
ومــا ســـبـيــلــه ؟...
ومـا أثـــره في الـبـيــئــــة التي ظـهــــر فـيـهــا ؟...
وقــد رأيـنـا في الـسـطـور الأولـى مـن هــذا المـقـال ان عمـــر لـم يكـن عـُــذريـاً،
ولـم يكـن يــريــد أن يـذهـب مـذهــب الـعـُــذريـين، وإنمـا كان عـمـلـيـاً مـُحـقـقـاً يلـتـمـس
الحـُـب في الارض لا في الـســمـاء. ورأيـنـا كـذلك أنــه لـم يكـن يـذهـب في حـُـبــه
مـذهـب أصـحـاب المـجــون مـن شـُـعـــراء العـصــر الـعـبـاســي فلـم يكـن يــسـرف
في العـبث، وإنمـا كـان يقـتــصــد إقـتـصـاداً ويـتــوســط في حـُـبـــه تـوسـطـاً، فـيـعــف
كـثــيـراً، ويعـبــث قـليـلاً، وكانــت ظــروف حـياتــه نـفسـهـا تكـرهــه على هـذه الـعـِـفـــه،
لأنــه لـم يـــدع إمـــــرأة شــــريفــة مـن قـريـــش إلا شـــبــب بهــا، ومـا كان لــه أن يتجـاوز
العـِـفــه في هــذا الـتـشــبــيـب، إنمـا الـذي نــريــد أن نـتـبــيـنـــه هـو طـبــيـعــة
هــذا الحـُــب. فنـلاحـظ قـبـل كل شـيء أن عمـــر لـم يكـن يحــب بـعـقـلـــه ولا بــقـلـبــــه،
وإنـمــا كـان يحــب بـحـســــه، وبحـســـه لـيـــس غـــير، ولـم يعـرف العـصـر الأمـوي
كلــه شـاعـراً وصــف المــرأة جمـلـــة وتـفـصــيلاً بمـثــل مـا وصـفهـا بــه
عمـر إبن أبي ربـيعــــة جــــودة وكـثــــرة ودقـــــة بــنـــوع خــاص.
لـم يكـن عمـــر يقـصــر الـصـِـلــة بالمـرأة على معـنـاهـا المـادي وحـــده، وإنمـا كان
يـريــدهـا واسـعــة مـتـنـاولـة جمـيــع أطــراف الحـياة، ولـسـت أشــك في أن
عمــر إبن أبي ربـيـعـــة كـان صــديقـاً للمـرأة بالمعـنـى الحـديــث الـذي نـفهـمــه لـصـداقــة
المــرأة، كان يــريـد لهـا مـن الحـُــريـــة مـثـل مـا يــريـده للــرجـل،
وكـان يـريــد أن تظـهــر المـرأة فـخــرهـا بجمـالهـا وروعـتــهـا كمـا يظـهــر الـرجـل فخــره
بـشجـاعـتــه وبـأســـه، كان يــريـد أن تــزول الفــروق بـين الجـنـسـين وألا يكــون
بـيـنـهـمــا حـجـــاب.
هــذا هـو عمـر إبن أبي ربـيـعـــة الــذي لـم يكـن يـتــصــور المــرأة إلا أنهــا مكـمـلـــة
للـرجــل، هــذا هـو صــديــق المـرأة، والـذي دافـــع عـن حـقـوقهـا ومـسـاواتهـا مـع الـرجـل،
وكان هـذا في وقـت عصـيب وظــروف إجتماعـية صـعـبــة ومـستحـيلــة.
المصدر: نادي يافع الأدبي