تعريف الحديث لغة : ضد القديم وهو الجديد .
اصطلاحا : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خُلقية .(1)
تدوين الحديث النبوي : بدأ التفكير في تدوين الحديث على سبيل الجمع حين اتسعت رقعة البلدان الإسلامية وابتعد الناس عن موطن الفصاحة في شبه الجزيرة العربية لذلك أرسل خامس الخلفاء الراشدين ( عمر بن عبد العزيز ) رضي الله عنه ( في نهاية المائة الأولى للهجرة ) إلى أبي بكر بن محمد بن حزم والي المدينة " انظر ما كان من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أو سنته فاكتبه فإني أخاف دروس العلم وذهاب العلماء " فكان موطّأ ابن مالك وصحيح البخاري ومسلم من أصح الكتب التي جمعت أحاديث النبي الصحيحة . (2)
وقد وقع جدل واسع بين علماء اللغة حول جواز الاستشهاد بالحديث في القضايا اللغوية والنحوية . (3)
موقف كثير من النحاة المتقدمين من الاحتجاج بالحديث حتى نهاية القرن السادس:
استشهد النحاة بالحديث النبوي في مختلف العصور فالمطالع لكتاب سيبويه ( ت180هـ) يجد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الثقافة الإسلامية د/ فايز أحمد،د/ رضا محمد صفي الدين السنوسي ، د./محمد أحمد باجابر ،ص 149
(2) أصول النحو العربي جمعها وشرحها وعلق عليها الدكتور محمود سليمان ياقوت , ص 552
(3) المصدر السابق , ص 552
أنه استشهد بأحاديث نبوية لكنه لم يقدّم لها بما يوضح أنها أحاديث بل كان يأتي بالشاهد من
الحديث خلال عرضه للقاعدة ومن ذلك " فبها ونعمت " واستشهد الفراء بالحديث قوله في
مسألة رفع الاسم على تقدير إضمار مبتدأ جاء في الآثار " يعني صحيح البخاري " : ( تائبون آيبون لربنا حامدون ) بالرفع على إضمار مبتدأ للمتكلم أو للمخاطب على حسب العبارة . كما استشهد الفارسي بالحديث في مسائل من النحو واللغة . وكذلك أكثر ابن جني من الاحتجاج بالحديث في توجيه القراءات وقضايا اللغة والنحو واستشهد بالحديث ابن السراج حيث احتج بستة أحاديث لم يصرح بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا في مرة واحدة أما الزمخشري فاستشهد بستة أحاديث وصرح بنسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم واحتج أبو البركات بن الأنباري بالحديث في النحو واللغة و احتج السهيلي بأحاديث لم يسبق الاحتجاج بأكثرها اتضح من هذا أن الاحتجاج بالحديث موجود في كلام النحاة المتقدمين وإن كان قليلاً وأن البعض يُصرّح بنسبة الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم والبعض لا يُصرّح (1)
فإذا أتينا إلى القرن السابع وجدنا الخلاف قد اشتدّ بين النحاة في الاحتجاج بالحديث وأنهم قد تشعبوا على النحو التالي :-
1- فريق جوّز الاستشهاد بالحديث مطلقاً ويمثّله ابن خروف وابن مالك والرضي الاستراباذي وغيرهم .
2- فريق توسّط بين المنع والإجازة ويمثّله أبو إسحاق الشاطبي والسيوطي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أصول النحو عند ابن مالك , تقديم /أحمد محمد كشك , تأليف / خالد سعد شعبان , ط 1 , ص 77 – 78 – 79
3- فريق منع الاستشهاد بالحديث ويمثّله أبو الحسن علي بن محمد الاشبيلي المعروف بابن الضائع وأثير الدين محمد بن يوسف المعروف بأبي حيان .
القسم الأول : المجيزون
يذهب أصحاب هذا المذهب إلى صحة الاحتجاج بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومن هؤلاء النحاة ابن خروف وقد عده ابن الضائع أول من أكثر الاستشهاد بالحديث الشريف وقد ورد في خزانة الأدب : " وابن خروف يستشهد بالحديث كثيراً فإن كان على وجه الاستظهار والتبرك بالمروي فحسن ، وإن كان يرى أن من قبله أغفل شيئاً وجب عليه استدراكه فليس كما رأى .
ومنهم ابن مالك ويعد بحق أكثر من توسع في الاستدلال والاحتجاج بالحديث النبوي الشريف وهو أول من وضعه في موضعه اللائق به حيث أكثر من الاستدلال به في إثبات القواعد وجعل ظواهره مادة تعقب بها النحاة القدماء .
ومن أجاز الاستشهاد بالحديث الشريف الرضي ،وذكر ذلك البغدادي فقال : " وأما الاستدلال بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد جوزه ابن مالك وتبعه الشارح المحقق في ذلك وزاد عليه بالاحتجاج بكلام أهل البيت رضي الله عنهم .
ويرى الدكتور علي أبو المكارم أن المجيزين للحديث من النحاة يستندون إلى حجتين :
الحجة الأولى : ماحدث من أسلافهم من اللغويين من الاحتجاج بالحديث في اللغة وهو الاصطلاح القديم الذي يعني المعاجم .
الحجة الثانية : إن تطرق احتمال الرواية بالمعنى لا يلزم منه عدم صحة النقل ذلك أن الحديث قسمان : قسم مدون وقسم غير مدون ، وتطرق احتمال الرواية إلى القسم الثاني غير المدون لا يلغي حجة الاستشهاد به .
القسم الثاني : المتوسطون
توسط أصحاب هذا الفريق في الاحتجاج بالأحاديث الشريفة وتقدمهم الشاطبي فأنكر على النحاة تركهم الاستشهاد بحديث الرسول صبى الله عليه وسلم وقال معلقا ً على ابن مالك : " أما الحديث فإنه خالف في الاستشهاد به جميع المتقدمين إذ لا تجد في كتاب نحوي استدلالاً بحديث منقول عن رسول الله إلا على وجه أذكره وهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب وسفهائهم وبأشعارهم التي فيها ذكر الخنا والفحش ، ويتركون الأحاديث الصحيحة ."والعلة في ذلك عنده أنه تنقل بالمعنى وتختلف روايتها وألفاظها ثم ذكر أن الحديث في النقل ينقسم إلى قسمين : قسم يعتني ناقله بمعناه دون لفظه فهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان ، وقسم عرف اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص كالأحاديث التي قصد بها بيان فصاحته صلى الله عليه وسلم فهذا يصح الاستشهاد به في العربية .
القسم الثالث : المانعون
يرفض أصحاب هذا المذهب الاستشهاد بالحديث ويمثلهم ابن الضائع وأبو حيان فابن الضائع يرى أن الأحاديث النبي رويت بالمعنى لذلك لا يصح الاحتجاج بها ونقل عنه السيوطي قوله : "تبين في أصول الفقه أنه يجوز نقل حديث النبي بالمعنى وعليه حذاق العلماء فهذا هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد بالحديث على إثبات اللغة واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب فلولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة حديث النبي صلى الله عليه وسله لأنه من المقطوع به أنه صلى الله عليه وسلم أفصح العرب .(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاقتراح لجلال الدين السيوطي ، ص 45
وأما أبو حيان فيرى سبباً آخر وهو وقوع اللحن فيما روي من الحديث وقد أورد عنه البغدادي :" أنه قد وقع اللحن كثيراً فيما روي من الحديث لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب ويتعلمون لسان العرب بصناعة اللحن فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب " وأخذ أبو حيان على ابن مالك إكثاره من الاحتجاج بالحديث ومن ذلك قوله : " لقد لهج هذا المصنف في تصانيفه كثيراً بالاستدلال بما وقع في الحديث من إثبات القواعد الكلية في لسان العرب مما روي فيه وما رأيت أحداً من المتقدمين ولا المتأخرين سلك هذه الطريقة غير هذا الرجل وإنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك نفس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى وقد وقع اللحن كثيراً فيما روي من الحديث لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو ، فوقع اللحن في نقلهم وهم لا يعلمون
وقد وافق السيوطي ابن مالك في هذا الرأي فقال : وأما كلامه صلى الله عليه وسلم فيُستدل منه بما ثبت أنه قاله على اللفظ المروي وذلك نادر جداً وإنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضاً . فإن غالب الأحاديث مروي بالمعنى وقد تداولها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها فرووها بما أدت إليه عبارتهم فزادوا ونقصوا و قدموا وأخروا وبدلوا ألفاظاً بألفاظ ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مروياً على أوجه شتى بعباراتٍ مختلفة"(1)
يقول الدكتور تمام حسان في كتابه الأصول " أما الحديث فمع إجماع النحاة على أن النبي صلى
الله عليه وسلم أفصح العرب وأن الحديث إذا صحّت نسبته إليه وثبت أنه قاله بلفظه فلا مجال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاقتراح لجلال الدين السيوطي ، ص 40،25
لدفعه في الاستشهاد ولا في الاحتجاج به في التقعيد , ولكن النحاة لم يعترفوا بتحقيق هذه
الشروط إلا لعدد قليل من الأحاديث القصيرة كقوله صلى الله عليه وسلم " من كذب علي
متعمدا فليتبوء مقعده من النار" أما ما لم تثبت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالاحتجاج به في النحو مرفوض لأن أغلب ذلك مروي بالمعنى ( أي بألفاظ غير ألفاظه صلى الله عليه وسلم ) فهو من لفظ الرواة وأغلبهم من الأعاجم الذين لا يحتج بكلامهم . وإذا كان ما صحت نسبته إلى النبي من القلة بحيث لا يكاد يفي بشيء في هذا الباب فان معنى وقوف النحاة هذا الموقف أنهم من الناحية التطبيقية البحتة منعوا الاحتجاج بالحديث . وإذا كان لنا من تعقيب على هذا الموقف فإنه كان ينبغي للنحاة أن يُراعوا أن الذين تلقّوا هذه الأحاديث تلقياً مباشراً عن الرسول كانوا من الصحابة وهم عرب خُلّص من ذوي الفصاحة فلو أن أحدهم خانته ذاكرته في خصوص الفظ لأدّى المعنى بألفاظ فصيحة من عنده فإذا سلمنا بذلك انتقلنا من بعدهم إلى رواة الحديث من التابعين وتابعي التابعين نجدهم أحد فريقين : إما عرب أقحاح يصدق عليم ما يصدق على الصحابة رضوان الله عليهم وإما من الأعاجم الذين عرفوا بصدق حرصهم على حرفية النصوص , ثم إنهم كان لهم من البصر بنقد الحديث سنداً ومتناً ما يدعو إلى الاطمئنان عليهم وإليهم من حيث المحافظة على النص ولاسيما أن التدوين قد ساعدهم على عدم النسيان وعلى ضبط النص بالصورة التي تلقوه بها عن الصحابي والتابعي بالسليقة . بالإضافة إلى أن هؤلاء المحدثين من الأعاجم كانوا يروون ما معهم من أحاديث في وسط فصيح ولم نسمع أن الأحاديث التي كانوا يروونها خالفت القواعد أكثر مما خالفها الشعر العربي المشتمل على الضرائر والرخص.(1) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأصول , دراسة إبسيمولوجية للفكر اللغوي عند العرب , النحو – فقه اللغة -البلاغة , د / تمام حسان , ص 93 – 94