التعريف بالجابري
" محمد عابد الجابري " 1936ـ 2010 مفكر من المغرب ولد في الرباط نال الإجازة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب بالرباط ، يعدّ أحد روّاد الفكر العربي المعاصرين فقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات و الدراسات و التي هي عبارة عن إعادة لقراءة التراث العربي كخطوة تمهيدية لازمة ، للمضي قدما في المشروع النهضوي الذي حمّله الجابري على عاتقه و ذلك على مدى نصف عقد من الزمن .
النشأة و التكوين : ولد محمد عابد الجابري في شوال.1354 بمدينة " فيجيج " الواقعة في جنوب شرق المغرب على خط الحدود الذي أقامه الفرنسيون بين المغرب و الجزائر ، و ، و تتألف " فيجيع" من سبعة قصور أي تجمعات من بينها " زناته " و التي ولد فيها ، و بعد أن فصلت والدته عن والده فنشأ نشأته الأولى منذ طفولته و كان يلقي عناية فائقة من أهله سواء من جهة أبيه أو من جهة أمه ، و كان جدّه لأمه يحرص على تلقينه بعض السور القصيرة من القرآن و كذا بعض الأدعية و ما لبث أن ألحقه بالكتاب ، فتعلّم القراءة و الكتابة و حفظ ما يقارب ثلث القرآن الكريم . و ما أتمّ السابعة من انتقل إلى كتاب آخر ، و تزوجت أمه من شيخ الكتاب ، فتلقى " الجابري " تعليمه على يد زوج والدته لفترة قصيرة ثمّ ألحقه عمّه بالمدرسة الفرنسية قضى عامين بالمستوى الأول يدرس الفرنسية .
بدأت أمارات التفوّق على الجابري حين برع في الحساب كما كان يحب القراءة من كتابة التلاوة الفرنسية و كان الانتساب للمدرسة ينطوي على نوع من العقوق و الذين . فكان الإباء يخفون أبنائهم و لا يسمحون بتسجيلهم في هذه المدرسة إلا تحت ضغط السلطات الفرنسية الفرنسية و تعدّ للجابري هذه السنة التكميلية بالنسبة له السنة التأسيسية في حياته الثقافية ، فكانت بمثابة اللبنة الأولى في صرحه الثقافي و خاصة على مستوى التعامل مع النصوص التراثية بالإضافة إلى تنمية ملكة الكتابة لديه.
التحق بعدها بمدرسة "عبد الكريم الحلو "الثانوية بالدّار البيضاء ،و كان التدريس فيها باللغة العربية مع عناية بالفرنسية كلفة أجنبية أولى و تتلمذ الجابري فيها على يد العديد من الأساتذة الأكفّاء و على رأسهم " السي بوسنتي " الذي كان أكثر القادة الوطنيين اهتماما بالتعليم الوطني الحر . و لكن ضالته حملته الاعتقالات من قبل المستعمر الفرنسي في صيف 1372هـ / 1953 م فتوقفّت الدراسة في المدرسة و قد طبعة في ذاكرة الجابري هذه الأزمة السياسية حيث كان قد بلغ الثامنة عشر من عمره . و تميزت هذه المرحلة بالقمع المنهجي الشّامل الذي مارسته السلطة الفرنسية على المعركة الوطنية و التي توجت بخلع و نفي السلطات " محمد الخامس" كما فرضت الإقامة الجبرية على الجابري على الدراسة و عمل مع عمّه في دكّان للخياطة.
في سلك التدريس : و في صفر 1373هـ أكتوبر 1953 التحق الجابري بمدرسة المحمدية بالدّار البيضاء . معلما في القسم التحضيري ثمّ في أقسام الشهادة الابتدائية و استطاع في عام 1956 الحصول على شهادة الثانوية و شهادة الكفاءة في التعليم الابتدائي فالتحق كمعلّم رسمي بوزارة التربية الوطنية ، و في نفس العام حصل على شهادة الآراء للتجربة و في العام التالي حصل شهادة البكالوريا ثمّ التحق بالجامعة بدمشق و حصل على شهادة الثقافة العام بعدها للرباط فالتحق بكلية الآداب .
ـ أتيح للجابري فرصة للالتحاق بالحاج" محمد فرج" وهو من رجال السلطة النهضوية بالمغرب الذين جمعوا بين الإصلاح الديني و الكفاح الوطني ،و التحديث الثقافي و الاجتماعي ، و كان محمد فرج إماما بمسجد " زناته" الجامع ، فكان الجابري وهو لا يتجاوز العاشرة يواظب على الحضر دروسه بعد صلاة العصر . و في هذه الأثناء راودته فكرة إنشاء مدرسة وطنية حرّة " بفيجيج " و بالفعل حصل على رخصة من وزارة المعارف لإنشاء مدرسة " النهضة المحمدية " كمدرسة وطنية لا تخضع للسلطات الفرنسية و لا تطبق برامجها بل يشرف عليها رجال الحركة الوطنية، حيث جعلوا منها مدارس عصرية أين التحق الجابري بالمدرسة ، وتخرّج منها عام 1949 بعد أن حصل على الابتدائية . ولم يكن العمل الفكري معزولا عن العمل اليدوي بل في ذلك الوقت بالنّسبة للأطفال كانوا يمارسون الأعمال اليدوية التطبيقية جنبا إلى جنبا مع المدرسة .
أما عن لبنات الصرح الثقافي للجابري فقد أولع الجابري بالكتابة منذ الطفولة فكان يكتب موضوعات في الإنشاء و يكتب مذكرات و مقالات ، ويحاول قرض الشعر مستعينا بالقاموس المنجد للحصول على القافية المطلوبة ، كما كان مولعا بالقراءة و يذكر أنّ أوّل كتاب شاتراه كان كتاب " الأخلاق لأحمد أمين " و الذي ما زال يحتفظ به في مكتبته و أثناء زيارته والده بمنطقة " وجدة " تنحت له فرصة زيارة مكتبة " الدرفوني " وهو ممثل حزب الاستقلال آنذاك و أحد الشخصيات الوطنية المرموقة فأقرضه كتابا من مكتبته العامرة ووعده بالمزيد فور حصوله على الشهادة الابتدائية .
و افتتح "الحاج محمد فرج" قسما تكميليا للتلاميذ الذين نجحوا في الشهادة الابتدائية فالتحق الجابري بهذا القسم الذي لم تكن فيه الدراسة منتظمة لعدم وجود مدرّسين فكان الحاج محمد فرج و بعضا من مساعديه من معلّمي الابتدائية يتولون تدريس بعض المواد التراثية الفقهية و اللغوية و الأدبية بالإضافة إلى درس في التاريخ القديم ؛ من مؤلفاته نجد تنقسم إلى ثلاثة أطوار أو مراحل :
1/ ـ مرحلة الشباب : ونجد منها العصبية و الدولة ، معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي " 1971 "و أضواء على مشكل التعليم بالمغرب " 1973 " و مدخل إلى فلسفة العلوم " 1976 " و من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية و التربوية " 1977 " نحن و التراث ( قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي ) " 1980 "
2/ مرحلة الكهولة: نجد منها " نحن و التراث " قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي ( 1980) و تكوين العقل العربي " دراسة تحليلية نقدية للنّظم المعرفية في الثقافة العربية " و نقد العقل العربي " 1987 " و إشكاليات الفكر العربي المعاصر " 1989 " .
3/ ـ مرحلة الشيخوخة: ونجد منها حوار المشرق و المغرب ( 1990) و التراث و الحداثة، دراسات و مناقشات " 1991 " و الخطاب العربي المعاصر الطبعة الرابعة " 1992 " المسألة الثقافية " 1994 " و الديمقراطية و حقوق الإنسان " 1994 " مسألة الهوية " العروبة و الإسلام... و الغرب " ( 1995) و المشروع النهضوي العربي ـ مراجعة نقدية ـ و قضايا في الفكر المعاصر ، صراع الحضارات " 1997 " حفريات في الذاكرة " 1997 " ابن رشد سيرته و فكره ـ دراسة و نصوص " 1998 " المثقفون في الحضارة العربية ، محنة ابن حنبل و نكبة ابن رشد الطبعة الثانية " 2000 " .
و في عام "1958" التحق بمعهد ليرميطاج بالدّار البيضاء ، قائما بأعمال المدير ثمّ مديرا للمعهد ، و في ذي الحجّة 1380هـ يونيو 1961 م حصل على الإيجاز في الفلسفة ، و سار الجابري في مسار استكمال دراسته جنبا إلى جنب مهمة التدريس والتأليف ، ففي هذه الفترة ألّف مع بعض زملائه كتابين هما " دروس الفلسفة " و " الفكر الإسلامي و دراسة المؤلفات " الذين أقرّتهما وزارة التعليم على طلاّب الثانوية . و ما إن حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة ، حتى التحق بكلية الآداب بالرباط أستاذا مساعدا ثمّ أستاذا أسند له مهمّة مفتّش الفلسفة في التعليم الثانوي بالغرب كلّه و في عام 1970 حصل على الدكتوراه الدولة في الفلسفة ، و بناءا على هذه الدكتوراه حينها صار أستاذا للتعليم العالي ، و في عام 2002 م أحيل للتقاعد بعد أن مضي في سلك التعليم خمسة و أربعين سنة .
التحق الجابري بجريدة " العلم " من عام " 1957 " ثمّ التحق بجريدة " التحرير " كسكرتير تحرير متطوعا ، حيث واظب على كتابة ركن يومي بعنوان " صباح النور " و ساهم في إصدار مجلّة" أقلام "و تطرق للعمل بجريدة "المحرر" وواظب كذلك على كتابة ركن يومي فيها بعنوان " بصراحة " .
كما ساعدا في إصدار جريدة "فلسطين"الأسبوعية، و في جمادى الأولى من عام 1997 أصدر مع" محمد إبراهيم" و" عبد السلام بنعبد العالي" مجلّة " فكر و نقد " و قد تضافر عمل " الجابري " في الصّحافة مع نضاله الوطني ، فقد ساهم في انتفاضة 15/01/1959 ، كما انتخب عضوا في المجلس الوطني للاتحاد الوطني للقراءات الشعبية ، و اعتقل عام 1963، قدّم الجابري استقالته النهائية من المكتب السياسي و تفرّغ للعمل النضالي .
حصل الجابري على العديد من الجوائز من بينها " جائزة بغداد للثقافة العربية " التي تمنحها اليونسكو عام 1988 و الجائزة المغاربية للثقافة عام1999، و جائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي التي تمنحها " فاوندشي أم بي " تحت رعاية اليونسكو عام 2005 و في العام نفسه حصل على جائزة " الروّاد " من مؤسسة الفكر العربي بيروت ، و نال ميدالية "ابن سينا" من اليونسكو في حفل تكريمي شارك فيه الحكومة المغربية بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة عام 2006 و مؤخرا فاز بالجائزة الأولى للترجمة التي تمنحها المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم " اليونسكو " بالاشتراك مع المنظمة الدولية الفرانكفونية في 09 من ربيع الأول عام 2008 .
كما اعتذر الجابري على العديد من الجوائز الأخرى مثل جائزة " صدّام حسين ّ" في الثمانينيات و كذا جائزة المغرب ، و جائزة الشارقة التي تمنحها اليونسكو عام 2001، كما اعتذر عام 2002 على جائزة "العقيد القذافي" لحقوق الإنسان، تعددت الدراسات التي تناولت مؤلفات الجابري تحليلا و نقدا و نقاشا، و مازالت أفكاره تثير جدلا في أوساط المفكرين .
تنوعت أعمال الأستاذ محمد عابد الجابري الفكرية و تعددت و قد انتظمت في إطار اهتمامات و محاور فكرية مختلفة ،و إذا كان الصادر من هذه الأعمال خلال عقد السبعينيات قد عكس جهوده الجامعية في تدريس الفلسفة و فلسفة العلوم بالذات حيث نشر مدخلا لفلسفة العلوم في جزئين عام " 1976 " جمع فيها مجموعة من الأبحاث و النصوص التي قام بترجمتها في مجال " الابستيمولوجيا الرياضية و الفيزيائية ،" اضافة الى أطروحة الجامعية في مضوضوع " العصبية و الدولة " في فكر ابن خلدون .
نستطيع و نحن نقترب من المتن الفكري " لمحمد عابد الجابري " أن نتحدث في أعماله عن المصنفات المركزية المولدة لمجموعة من الكتب و الأبحاث ، كما نستطيع الحديث عن المصنفات الشارحة، مصنفات الهاجس التربوي في فكره، و هي مجموعة الكتب التي يعود فيها الكاتب إلى بعض القضايا المعالجة في مؤلفاته الأساسية من أجل توظيفها و تبسيطها بصورة تسمح له بتطوير خلاصاته و نتائجه في البحث، كما تسمح له بتأكيد بعض هذه الخلاصات و ابراز عناصرها الصاخبة .
ـ يمكن أن نتحدث هنا من مركزية درس " الخطاب العربي المعاصر " (1982 ) التي سمح انجازها بصياغة " سؤال نقد العقل العربي " كما نستطيع الحديث عن أهمية " نحن و التراث " " 1980" الذي تشكل مقدمته " الطويلة مقالة قوية في منهجية مقاربة التراث " كما تصورها الباحث وهو ينجز أبحاثه الأولى في الفلسفة الإسلامية ، " فلسفة الفارابي ، و ابن سينا ، و ابن رشد " و هذان النصّان يشكلان " البنية الأولى " في مشروع التفكير في " نقد العقل العربي " الذي صدرت أجزاؤه الأربعة خلال حقبة تربوا على عقدين من الزمن " 1984 ـ 2000 " .
ـ لا يمكن اختزال إسهام الجابري في الفكر الفلسفي المغربي في عرض محتوى إنتاجه ، و قد أصبح يشكّل بفضل إيقاعه المنتظم في العمل التربوي و الإنتاج و إخلاصه لرسالة المفكر و الباحث سجلا ضخما.من النصوص و الأبحاث و المواقف المعزز بأطروحته الكبرى في " نقد العقل العربي " ، و لهذا السبب سنلجأ بعد التقديم السابق إلى ترتيب الملامح النظرية العامة لاختياره الفكري مستندين في ذلك غالى محتوى الأطروحة التي أنتج في العقدين الماضيين ،سواء في تركيب وجهته الفكرية العامة المرتبطة بجملة من المفاهيم الكاشفة لطبيعة و حدود المرجعية التي انتظم فكره في إطارها، في مستوى التقديم الاختزالي لمفاهيم الأطروحة وحدودها ، وذلك بالصورة التي تحدّد في النهاية نوعية العمل الفكري التاريخي الذي تأسس في الفكر المعاصر و العربي، بفضل إنتاجه النظري المتواصل، و خاصة بفضل أطروحته في نقد العقل العربي .
ـ نحن نعتقد أنّ أعمال الجابري الفكرية تروم الدّفاع عن الحداثة كأفق في النظر.و العمل المفتوح على مكاسب التاريخ المعاصر ، وذلك انطلاقا من مدخل نقد التراث و نقد آليات الفكر السائدة في الثقافة العربية .
يقرّ " الجابري " المدونات و المتون التراثية و يكتب شارحا و منتقدا آليات الفكر و التفكير العربي الإسلامي ، معتبرا بأنّ التأخر الثقافي في مجتمعاتنا تقتضي مواجهة جبهة الذهنيات المتصلّبة، و ذلك باستعمال المنهج النقدي من أجل المساهمة في تفتيت نواتها الصلبة و المتمثلة في الآليات الموروثة ، في فكرنا،لأن هذه الآليات المستعارة من الأزمنة لا علاقة لها بحاضرنا و مستقبلنا.
ـ إن بحث " الجابري " في القارة التراثية ،لا يندرج ضمن البحث التراثي انّه يشتغل في الجبهة التراثية ليعلن أولا أنّ المجال التراثي ذاكرة جماعية ، وهي ذاكرة لا يحقّ لأحد التفرّد باحتكار رأسمالها الزمني و التاريخي ،إنها ذاكرة للجميع من حقّ الجميع أن يركبوا نوعية علاقاتهم الفكرية العامة ، و يناسب في الوقت نفسه طموحهم التاريخي المتّجه صوب المستقبل ،
المرجع المعتمد:
كمال عبد اللطيف،الفكر الفلسفي في المغرب،قراءات في أعمال العروي والجابري،إفريقيا الشرق،(دط)،المغرب،2003.