1. تعريف الحداثة:
أ. لغة: حدث الشيء، يحدُث، حدُوثا وحداثة، وأحدثه فهو محدَث، وحدث الأمر بمعنى: وقع (1)، ويقال أُخذ الأمر بحداثته بأوَّله وابتدائه (2) وتأخذ أيضا معنى أول العمر والنشأة، نقول: "صبي حدَث" أي صغير السنّ، والحداثة في الشِّعر هي إبداع وخروج به عمّا سلف، وأما التحديث فهو جعل الشيء يلبّي حاجات العصر وتكيُّفه وفق المقتضيات الحاضرة، ويقال: "شيء مستحدث" بمعنى مبتَكَر وجديد، ومنه مستحدثات: أي ما هو جديد في ميادين العلم والاكتشافات.(3)
ب. اصطلاحا: حديث Moderne ، لفظ مستعمل بكثرة في المساجلات الفلسفية والدينية، يستعمل بـ:
• معنى ضمني: "انفتاح وحريّة فكرية".
• معنى عامِّي: "خِفَّة"، "حب التغيير لأجل التغيير"، "ميل إلى الاهتمام بالانطباعات الراهنة بلا حكم على الماضي وبلا تفكُّر فيه"، ويفرِّق "أندري لالاند " بين معنيين للحداثة هما: "حداثة صحيحة" تتوافق مع التشكيلات الفكرية الحقيقية والضرورية، و"حداثة سطحية" تقوم على جهل التّراث، حب الجديد مهما يكن، الاضطراب، المطالبة والمزايدة.
• المعنى التقني: "الحديث يتعارض مع الوسيط"، فالفلسفة الحديثة هي فلسفة القرن السادس عشر وما تلاها، وغالبا ما يطلق على "فرانسيس بيكون" و"روني ديكارت" اسم مؤسِّسيها". (4)
وتعد الحداثة من المفاهيم المستعصية على التعريف، الرّافضة لكل نمذجة يقول عنها "جان بوديار John Boudiar": "بأنها ليست مفهوما سياسيا ولا سوسيولوجيا ولا تاريخيا، وإنَّما هي نمط حضاري خاص(5)، لتكون وحدة متجانسة تشير إلى تطوُّر تاريخي وإلى تغيُّر في الذِهنية، أو بالأحرى في الحياة عامة فهي منطق وإيديولوجيا تعبِّر عن قانون أخلاقي للتغيّر يتعارض مع التقليد(6) ، وبما أنَّها مفهوم حضاري شمولي فإنَّها تطَال كافة مستويات الوجود الإنساني سواءً، السياسي، الثقافي، الاجتماعي...نظرا لأنها أقرب ما تكون إلى مفهوم مجرَّد أو مثال فكري يحدِّث فاعلية وتفاعل بين جميع المستويات(7) ، إلا أنَّ هذا لا يمنع من إيراد تعاريف معيّنة – حسب حمادي الرديسي- من منطلقات متعددة، فمن الناحية الدينية هي انتقال من الكاثوليكية إلى البروتستانتية، من الدين الطبيعي إلى الدين المدني جون جاك روسو John Jack Roussou) (أو الإيمان المفكّر فيه ( Foi réfléchissante)، من وصاية التراث والتقاليد إلى أنوار العقل الكوني.
ومن الناحية الاجتماعية هي انتقال من الجماعة المنصهرة إلى مجتمع يتمتّع أفراده بالحرية، أما من الناحية الجمالية، فهو انتقال من محاكمة الفن بالأخلاق وبالعلم إلى استقلالية ذاتية للجميل، وأما في جانبها المادي فإنها انتقال من الاقتصاد الزراعي إلى النظام الرأسمالي إلى حضارة كونية.(8)
الهوامش:
1 - ابن منظور أبو الفضل، "لسان العرب، ج1"، الدار المتوسطية للنشر والتوزيع، تونس، ط1، 2005، ص761.
2 - مدكور إبراهيم، "المعجم الوجيز"، مؤسسة عبد الحفيظ للطباعة والنشر، بيروت، د(ط، س) ص146.
3 - نعمة أنطوان وآخرون، "المنجد في اللغة العربية المعاصرة"، دار المشرق للطباعة والنشر، بيروت، ط2، د(س)،ص258.
4 - أندري لالاند،" موسوعة لالاند الفلسفية، ج2"، تر: خليل أحمد خليل، منشورات عويدات ، بيروت، ط2، 2001، ص822.
5 - جان بوديار - نقلا عن- سبيلا محمد وبن عبد العالي عبد السلام، "الفلسفة الحديثة، نصوص مختارة"، إفريقيا الشرق- المغرب للطباعة والنشر، بيروت، د(ط)،2001، ص320.
6 -المرجع السابق نفسه، ص321.
7 - سبيلا محمد، "الحداثة وما بعد الحداثة"، دار توبقال للنشر، المغرب، ط2، 2000، ص7.
8 - سبيلا محمد، وبن عبد العالي عبد السلام، "الحداثة وانتقاداتها، نقد الحداثة من منظور عربي إسلامي"، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 2006.،ص ص 65-66 .
ملاحظة: هذ التعريف من اعداد الطالبتين:
- بلفوضيل يمينة
- عبد الغاني فاطمة
فاليهما خالص الاحترام والتقدير