مسألة الأثر الأجنبي في البلاغة العربية (*) ضياء خضير
تعرضت البلاغة القديمة التي تمثل، كما هو معروف، أول محاولة لوعي الإنسان بلغته، لأزمة حقيقية مع ظهور الرومانسية وتفكك القواعد الكلاسيكية في الصياغات اللسانية. وهي أزمة لم تعرفها هذه البلاغة طوال تاريخها الأوربي منذ ظهور كتابي أرسطو الخطابة وفن الشعر اللذين احتلا مكانة رفيعة في صياغة التصورات النقدية التي عرفها عصر النهضة الأوروبية حتى العصور الحديثة. وقد قيل عن هذه البلاغة إنها ماتت وأفسحت المجال لعلوم أخرى كالأسلوبية والشعرية لتتربع على عرشها.
وقد أصبح من الشائع بعد ذلك الاستهزاء باللغة والصور والصياغات البلاغية القديمة ورفض كل محاولة للتصنيف والتشقيق وإلصاق بطاقات صغيرة على أدق التفاصيل في التراكيب اللغوية والمعاني المختلفة التي يتضمنها النص بالطريقة التي كان يلجأ إليها بعض البلاغيين الأوروبيين المتأخرين من أمثال الفرنسيين ديمارسيه وفونتاني. وكان فكتور هيجو يفخر في إحدى قصائده الرومانسية بأنه سخر من البلاغة و:
"صعد على نصب أرسطو وأعلن
بأن الكلمات متساوية، حره، راشده"
فيما كان فرلين في كتابه الفن الشعري الصادر عام 1882 يدعو إلى "الإمساك بالفصاحة ودق عنقها".
غير أن الذي حدث في أوربا هو أن الدرس البلاغي لم يهمل ولم يندرس على الرغم من أنه لم يعد قادرا، كما أوضحنا على اعتلاء عرشه السابق وتلبية متطلبات التعبير النثري والشعري الجديد. ومنذ أن اتخذت أبحاث اللغة شكل العلم وسلكت مناهج وطرقا جديدة في الكتابة ظهرت الحاجة إلى إيجاد تفسير جديد للصور البلاغية، لأن التفسير القديم قد أصبح، كما يقول تودروف في كتابه الأدب والدلالة، بلا جدوى[1]. وكان ظهور الدراسات الأسلوبية المعتمدة في جانب كبير منها على اللسانيات البنيوية التي أحدثها (دي سوسير) في كتابه محاضرات في علم اللغة العام الذي نشر بالفرنسية عام 1913، هو الرافعة التي انتشلت البلاغة من الوهدة التي سقطت فيها، بحيث صارت الدراسات الأسلوبية التي طورها تلميذ دي سوسير، بالي وأتباعه، بديلا عن الدراسات البلاغية. وهذه الأسلوبية تستند إلى قواعد معرفية تتمثل في تعريف الناقد الفرنسي بيير جيرو للأسلوبية بوصفها "دراسة للتعبير اللساني" ثم للبلاغة التي هي عنده "أسلوبية القدماء"[2] وبها يتحدد، كما يقولون، تشغيل آلية المنهجية الأسلوبية بوصفها الوجه الجديد للبلاغة، أو هي البلاغة الحديثة نفسها. ومن المعروف أيضا أن علم اللسان قد تفاعل مع مناهج النقد الجديد فأرسى قواعد علم الأسلوب الذي يعتمد كثيرا على درجات تحدد ظهور الملامح اللسانية المتغيرة، هذه الملامح التي يمكن لنتائجها أن تضبط باستخدام التحليل الإحصائي[3]. علما بأن فكرة الأسلوب فكرة قديمة ترجع إلى بداية التفكير البلاغي الأوروبي، وقد ارتبطت أول أمرها بالبلاغة أكثر من ارتباطها بالنقد. ولم يكن لذلك من سبب سوى أن الأسلوب قد درس من حيث هو عنصر التأثير في الخطابة. والخطابة القديمة كانت تختلف عن الأنواع الأدبية الأخرى بمضامينها السياسية والوعظية والحجاجية الجدلية. ولذا كان على الخطيب، كي يحقق مراميه في الخطبة، أن يستخدم ألفاظا مقنعة وعبارات محكمة وأشكالا من الكلام التي تجعل النص واضحا ملموسا. وقد وردت الإشارة إلى كل ذلك في كتاب الخطابة لأرسطو وفي كتاب الأسلوب الرفيع (The suplime style) لمؤلفه لونجانيوس الذي عني بالأخلاق مثلما عني بالمنابع الروحية للأدب[4].
ومهما يكن من أمر فإن الذي تركه لنا التراث البلاغي الأوربي وما كتب حول الأسلوب يعد من الأفكار الرئيسية التي قام عليها النقد الذي يميز بين المادة والطريقة في الفن، أو ما نسميه نحن العلاقة بين المضمون والشكل. وشيء من هذا القبيل غالبا ما قيل مقرونا بالاستعارة Metaphor التي تستخدم فيها اللغة للتعبير عن الفكرة استخداما خاصا بحيث تكون اللفظة ثوبا للمعنى، بينما يكون الأسلوب هو التصميم الذي يخاط هذا الثوب طبقاله، كما يقول كراهام هاف في كتابه الأسلوب والأسلوبية[5].
أما مصطلح الشعرية الذي شاع استخدامه في أوربا منذ عصر النهضة اعتمادا على أرسطو فقد تركز، كما يقول هنريش بليث على دراسة المقومات البلاغية وعلى استعمالها في النص. ولكن التأثير المتبادل بين البلاغة والشعرية القديمة قد انتهى مع ظهور الرومانسية وجماليتها القائمة على العبقرية الفردية الرافضة للتقاليد والصور البلاغية الثابتة وفكرة الصنعة في مجال الأسلوب، وهو الأمر الذي وضع النقاد ودارسي البلاغة أمام شعرية أو شعريات أخرى مع ظهور اللسانيات الحديثة[6].
إن البلاغة فن، والفن يعني الصنعة التي لا يبقى التعبير فيها معتمدا على الطبيعة ومصادفاتها فقط، بل هي نتاج العقلانية المنهجية في العلوم الإنسانية المتكونة عبر الزمن والمتطورة مع تطور مراحله المختلفة. ووظيفة البلاغة الأساسية هي الكشف عن العناصر التي تجعل من الكلام الإنساني المكتوب أو المنطوق أدبا. غير أن قواعدها وقوالبها المنهجية كثيرا ما ترتد لتطوق الأدب وتجبر الأديب على اتباع قواعدها والالتزام بالطرائق المقررة فيها. كما أن التطور الذي أصاب العلم ومناهجه المختلفة قد خلف لدى الأدباء الأوربيين إحساسا بالحاجة إلى تغيير طرائق التعبير في العلوم الإنسانية التي تستخدم اللغة لكي تساوق التغيير الذي أصاب روح العصور القديمة مما جر الخراب على الأشكال والصور الجمالية والفنية المرافقة للمضامين القديمة وأدخل العطب على المصطلحات البلاغية المتداولة فيها.
ولقد دفعت التطورات السريعة التي عرفها المصطلح البلاغي العربي منذ القرن الثاني الهجري بعض الباحثين والمستشرقين الأوروبيين المطلعين على تاريخ البلاغة العربية أو بعض جوانبه إلى التشكيك في أصالة هذه البلاغة وطرح قضية الأثر الأوربي وكل المزاعم الخاصة بوجود نموذج أجنبي يوناني أو فارسي اقتفته العلوم اللغوية والفقهية العربية واستندت إليه لدى ظهورها ونشأتها الأولى ثم تطورها ونضجها المبكر فيما بعد، معتقدين بأن الزمن الذي تطلبه اكتمال هذه العلوم ونضجها ليس كافيا بالمقاييس التي عرفوها في التاريخ الأوربي الخاص بتطور هذه العلوم في أثينا وروما، وأنه لا بد للعلوم البيانية العربية من عناصر معرفية تقع خارج المنطقة العربية لكي يكون ظهورها وتطورها السريع مفهومين. وهم يقولون، مثلا، إن تقسيم الكلام في النحو العربي إلى اسم وفعل وحرف إنما هو تقسيم يوناني. وهذا دي بو De Boer مؤرخ الفلسفة الإسلامية المعروف كثيرا ما كان ينسب أصالة المناهج اللغوية التي سلكها العرب في مباحثهم إلى أرسطو؛ وهو يقول في تاريخه "إن منطق أرسطو قد أثر في علوم اللسان… والسريان والفرس كانوا قبل العصر الإسلامي قد درسوا كتاب العبارة لأرسطو مع إضافات ترجع إلى الرواقيين وإلى أهل المذهب الأفلاطوني الجديد. وابن المقفع الذي كان صديقا حميما للخليل بن أحمد يسر للعرب الاطلاع على كل ما كان في اللغة الفهلوية من أبحاث لغوية ومنطقية". وهو يقول في مكان آخر "إن الأبحاث اللغوية النظرية التي نشأت عند العرب في زمان مبكر قد أحدثتها المقولات النحوية المنطقية الموجودة في كتاب باري ارميناس وذلك مع ما وقع من تأثير الرواقيين في هذا النشوء ومن ثم ظهر القول بانقسام الكلام إلى الأقسام الثلاثة"[7].
وهذا الكلام وكثير غيره قاله ألبير مركس A.Merx وإيناس جيدي I.Guidi وغيرهما لا يدخل في التفاصيل، ولا يرى أصحابه ضرورة لتقديم البراهين على وجود هذه العلاقة بين النحو والبلاغة اليونانية من جهة والنحو والبلاغة العربية من جهة ثانية. وأصحاب هذه الآراء يشبهون، كما يقول عبد الرحمن الحاج صالح في بحثه المهم عن النحو العربي ومنطق أرسطو، النظام المعتزلي الذي حكى عنه الجاحظ بأنه كان يظن الظن ثم يقيس عليه وينسى أنه كان في بدء أمره ظنا[8].
وعلى الرغم من أن أحدا لا ينكر تأثر علوم البيان العربية ببعض وجوه الفكر الفلسفي والمنطقي اليوناني منذ نشأتها الأولى، فإن ذلك لا ينبغي أن يقود إلى التشكيك في أصالة الفكر اللغوي والبلاغي الضخم الذي أنتجه العقل العربي، ولا مصادرة العبقرية العربية الإسلامية الموجودة في علوم البيان المختلفة، هذه العلوم التي اعتمدت على القرآن واتخذت منه أساسا وقاعدة في كل إبداعاتها المعروفة في هذا الجانب. وقد لاحظ الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح في بحثه المشار إليه أن المستشرقين الذين ربطوا بين النحو العربي ومنطق أرسطو اليوناني لم يأخذوا بنظر الاعتبار قضيتين اثنتين:
الأولى: عدم تمييزهم بين النظر العقلي وهو عام الإطلاق والمنطق اليوناني. فالظاهر من كلامهم أن المنطق الأرسطوطاليسي والوسائل العقلية المذكورة شيء واحد. ذلك لأنهم يريدون أن يثبتوا تأثير منطق اليونان في النحو العربي ويبرروا ذلك بضرورة استعمال وسائل النظر. فالفلسفة عندهم هي الفلسفة اليونانية فقط، ولا يتصورون أن تكون هناك في عصر نشوء العلوم الإسلامية فلسفة أخرى. وهذا بين الفساد لأن المناهج العلمية التي سار عليها المتكلمون والأصوليون لم ينظر فيها مركس وأمثاله النظرة العلمية الحقة حتى يحكم بمثل هذا الحكم، فهو لا يزال يظن الظن ويقيس عليه ناسيا ابتداء أمره.
الثانية: عدم تمييزهم بين أطوار ارتقاء العلوم عند الإنسان بصفة عامة وعند العرب بصفة خاصة. فقد بنوا كل مزاعمهم على فكرة اقتباس العرب –جملة- من اليونان أصولهم العلمية، ولا يجوز لهم اقتدارهم على أي خلق وأي إبداع. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم يرون أنه لا بد لمنشئ العلوم ومؤسسيها أن يشعروا أولا وابتداء بما يستعملونه في استدلالاتهم من مبادئ وأصول عقلية. وهو دليل على الجهل أو التجاهل لقوانين ارتقاء العلوم. فالمعروف لدى علماء الاجتماع ومؤرخي النظم والأفكار الإنسانية أن العلم لا ينشأ في المجامع والمعاهد، وإنما يولد في المعامل ودور الاختبار، وهي عند المسلمين الأولين المساجد التي كانوا يعالجون فيها مادة القرآن ويستنبطون منهاجا –أي نحوا- لاستخراج معانيه والمحافظة على لغته. وما كان يشعر يومئذ أي عامل بالآلات العقلية المستعملة عندهم حتى جاء طور التأمل والتوقف على ما قاله القدماء بدءوا يلتفتون إلى تلك الوسائل لأجل ذلك التوقف وبفضل تلك المهلة التي أتاحت لهم الفرصة للرجوع إلى الوراء[9].
ويمكن أن يضاف إلى ذلك قضية أخرى ثالثة لا تقل عن هاتين القضيتين اللتين ذكرهما الأستاذ عبد الرحمن، وهي أن كتابي أرسطو الخطابة وفن الشعر لم يترجما على نحو صحيح بحيث يفهما ويكونا مؤثرين في مناهج البلاغة العربية ومصطلحاتها على النحو الذي ذكره هؤلاء المستشرقون. فقد ظل مصطلحهما غامضا وعبارتهما قلقة ركيكة، حتى أن بعض القدماء أنفسهم، مثل ابن سينا وابن رشد، قد شعر بصعوبة عبارتهما وأشار إلى بعض أوجه الخطأ فيها، فضلا عن أن البلاغة العربية قد ظهرت في وقت سابق على ترجمة هذه الكتب اليونانية إلى العربية، كما يشير إلى ذلك جمهور الباحثين في النقد والبلاغة العربية، ومنهم الدكتور أحمد مطلوب.
وقد استعرض الدكتور أحمد مطلوب في الفصل الخامس الخاص بـ (الفلاسفة والمتكلمين) من كتابه مناهج بلاغية المطبوع ببيروت عام 1973 جوانب واسعة من أوجه تأثر البلاغة العربية بكتب الفلسفة اليونانية ومنطق أرسطو بدءا من مقالة بشر بن المعتمد المتوفى في نهاية العقد الأول من القرن الثاني الهجري، وانتهاء ببعض القرون المتأخرة التي طغت فيها الفلسفة وعلم المنطق وعلم الكلام على البلاغة "بعد أن اكتملت مباحثها حتى أحالت كتبها ميدانا للنزاع الفلسفي والجدل المنطقي. وأدى الأمر إلى انتهاء البحث في البلاغة إلى ضروب من الخلاف والمناقشة تعقد لها مجالس المناظرة ويجلس لها المحكمون بين السعد التفتازاني والسيد الشريف حين يتناظران في اجتماع الاستعارة التبعية والتمثيلية وعدم اجتماعهما، كأنهما يتناظران في مشكل من أصول القوانين أو معضل من مسائل الفلسفة إلى أن ينهزم السعد فيموت كمدا وضحية الفلسفة في البلاغة المظلومة"[10]. وكان هذا، كما يضيف الدكتور أحمد، بعد أن "استوت البلاغة وأصبحت علما له أصوله وقواعده ومناهجه وكتبه، وبعد أن ماتت المواهب والملكات وفسد الذوق"[11]. وموت السعد كمدا بعد هذه المناظرة البلاغية يشبه موت سيبويه بعد تلك المناظرة النحوية التي عقدت في بغداد قبل ذلك بينه وبين الكسائي تحت إشراف الخليفة هارون الرشيد وبتوجيه منه حول ما سمي فيما بعد بـ المسألة الزنبورية!
وذكرنا لآراء بعض المستشرقين في قضية الأثر الأجنبي اليوناني وغير اليوناني في البلاغة العربية لا ينبغي أن ينسينا الإشارة إلى آراء مشابهة لبعض الباحثين العرب الذين تأثروا بمقولات المستشرقين وتبنوها وألقوا فيها الكلام على عواهنه أحيانا. ويأتي الدكتور طه حسين في مقدمة هؤلاء الباحثين العرب الذين تحدثوا عن الأثر اليوناني في البلاغة العربية في بحث له باللغة الفرنسية قدم عام 1933م إلى مؤتمر المستشرقين ونشر مترجما بقلم عبد الحميد العبادي في مقدمة نقد النثر المنسوب لقدامة بن جعفر[12]. ولم يقف الدكتور طه حسين عند قضية ارتباط البيان العربي بالبيان اليوناني وإنما عمد إلى دفع بعض طلابه إلى الكشف عن تأثيرات بلاغية جاءت العرب من الثقافة الفارسية ولغتها الفهلوية.
وقد تصدى الدكتور أحمد مطلوب في بحث واسع له عن "أثر البلاغة العربية في البلاغة الفارسية" اعتمدنا عليه في إيراد هذه المعلومات، تصدى لمزاعم الدكتور طه حسين ومن نقلوا عنه وتأثروا به من الباحثين العرب كالدكتور إبراهيم سلامة، ففندها ونقضها وقدم البراهين من كلام العرب ونصهم القرآني وكتبهم البلاغية العربية المؤلفة على تهافتها وضعفها وبطلانها، فضلا عن دراسته لواقع الأدب الفارسي الذي نشأ بعد الإسلام ولغته "الدرية" التي ظهرت على أنقاض الفهلوية التي كانت سائدة في بلاد فارس أيام الساسانيين (626-651م) واستمرت لغة للدين بين الموابذة الزرادشتيين طوال القرنين أو الثلاثة اللاحقة[13].
ونحن نكتفي هنا بالإشارة السريعة إلى هذه الدراسة، وندعو من يعنيهم الأمر من الباحثين والمختصين إلى الرجوع إليها ضمن كتاب الدكتور أحمد مطلوب بحوث بلاغية الذي نشره المجمع العلمي عام 1996، فهي تكفينا مؤونة إيراد الكثير من التفاصيل الخاصة بالموضوع.
ولكن قبل أن نفرغ للحديث عن التأثير الأجنبي في الظاهرة البديعية وتفسيرنا الخاص لوجودها الكثيف في النصوص الشعرية والنثرية المتأخرة بشكل خاص، نود أن نتوقف قليلا عند رأي للدكتور محمد عابد الجابري ورد في الفصل الثاني من كتابه بنية العقل العربي ويتصل برؤيته للوضع الذي آلت إليه مباحث البلاغة العربية عند السكاكي المعتزلي في مفتاح العلوم حيث جرى النظر إلى البلاغة نظرة فلسفية واستدلالية منطقية جرى فيها تفريع مصطلحاتها وتقسيمها تقسيما "أوقفها وأعاق نموها" في عرف أغلب دارسي هذه البلاغة والباحثين في تاريخها.
غير أن للدكتور الجابري رأيا آخر يتوجب أن نعرضه هنا لأن له علاقة بما سبق أن أوضحناه عن علاقة البلاغة العربية بالمنطق اليوناني. وخلاصة هذا الرأي هو أنه إذا كانت مساهمة عبد القاهر الجرجاني في تحليل الظاهرة البيانية تتمثل في محاولته تجاوز إشكالية اللفظ والمعنى من منظور يتخذ من النحو (= منطق اللغة) إطارا مرجعيا له، ويجعل سر البلاغة راجعا إلى توخي معاني النحو أي إلى نظام الخطاب مبنى ومعنى، وإذا كان الجديد الذي يجده عنده الباحث الإبستمولوجي يكمن أساسا في إبرازه للطابع الاستدلالي للأساليب البيانية العربية، فإن مشروع السكاكي المتوفى سنة 626هـ كان أوسع وأعمق. لقد كان بمعنى من المعاني تجاوزا ليس فقط لإشكالية اللفظ والمعنى، بل أيضا لنظرية النظم الجرجانية ذاتها.
والدكتور الجابري يعرف أن مثل هذا الحكم سيستفز كثيرا من المطلعين والمختصين في تاريخ البلاغة العربية من الباحثين العرب والأجانب الذين يكادون يجمعون، كما ذكرنا، على أن السكاكي اعتمد على منطق أرسطو وقتل بتقعيداته وتعقيداته الحياة في البلاغة العربية. والجابري ينطلق في رأيه هذا من القول بأن نظرة المؤرخ للفكر العربي ككل لا بد أن تختلف عن نظرة المؤرخ لجانب واحد من جوانبه. فهو ينظر إلى العلوم البيانية العربية كلها مجتمعة في ترابطها وتداخلها وتأثير بعضها في بعض، وبالتالي فإن ما يهمه ليس "نبضة" الحياة كواقعة منفردة في هذا العلم أو ذاك، بل إن ما يهمه بالدرجة الأولى هو "شرايين الحياة" كمنظومة تقوم على الترابط والتكامل بين أجزائها وأطرافها وتؤدي وظيفة عامة واحدة منها تستقي الأجزاء معناها ووظيفتها. وهو يعتقد أن لهذه النظرة ما يبررها سواء تعلق الأمر بعلم البلاغة أم بعلم النحو أم بعلم الفقه وأصوله وعلم الكلام، فهذه العلوم مترابطة متداخلة بصورة تجعل منها مظاهر وفروعا لعلم واحد هو البيان. وبالتالي فتاريخها مشترك ونبضة الحياة فيها نبضة واحدة مشتركة. وهذا هو بالضبط ما أدركه صاحب المفتاح الذي شكل كتابه بالنسبة للدراسات البيانية العربية أرجانون جديدا.
غير أنه على الرغم من أن هناك ما يبرر هذه المماثلة بين مفتاح السكاكي وأرجانون أرسطو، فإن السكاكي لم يصدر، كما يعتقد الجابري، عن منظور أرسطي أبدا ولا كان يفكر بتوجيه من المنطق الذي ضبطه أرسطو ومنطق البرهان. فعلاقة السكاكي بآرسطو لم تكن علاقة متأثر بمؤثر، بل علاقة مماثلة. بمعنى أن كل ما كان يربط السكاكي بأرسطو هو أنه عمل على ضبط وتقنين العلوم البيانية العربية مثلما عمل أرسطو من قبله على ضبط وتقنين العلوم الفلسفية اليونانية. وبعبارة أخرى، إنه إذا كانت العلوم الفلسفية اليونانية قد بلغت منتهاها حينما بلغ بها تطورها الذاتي إلى الكشف عن منطقها الداخلي مع أرسطو وعلى لسانه فإن العلوم البيانية العربية قد كشفت هي الأخرى عن منطقها الداخلي مع السكاكي وعلى لسانه حينما دفع بها تطورها الذاتي إلى ذلك دفعا، لكونها بلغت منتهى ما يمكن أن تبلغه على نفس الأسس التي قامت عليها أول الأمر."
وينتهي الجابري من كل ذلك إلى القول:
"وإذن فليس السكاكي هو الذي خنق الحياة في البلاغة العربية بتعقيداته وتقنيناته، كما يزعم البعض، بل إن الأسس التي قامت عليها العلوم البيانية كلها، والبلاغة العربية مجرد فرع منها، هي التي كان مخزونها قد نفذ تماما، فلم يعد بإمكانها أن تمد الباحث بشيء آخر غير نفسها… إن هذا يعني أن التجديد في البلاغة العربية كان يتطلب إعادة تأسيس البيان العربي ككل"[14].
هذه هي الخلاصة التي أردنا أن نعرض من خلالها هذا الرأي الذي يخالف الآراء الشائعة لدى جمهور الباحثين في تاريخ البلاغة العربية وعلاقتها بالمنطق اليوناني؛ وهو رأي ينسجم مع ما كنا ذكرناه من قبل من أن وجود المنطق الأرسطي والفكر الفلسفي اليوناني بهذا الشكل أو ذاك في البلاغة العربية لا يمنع أن يكون لمباحث هذه البلاغة منطقها ونظامها العقلي وفلسفتها الخاصة المتطورة مع تطور الفكر العربي والتعقيد الذي دخل على الحياة العربية نفسها. وهو، كما لا يخفى، منطق قد يتقاطع مع المنطق والفكر الفلسفي اليوناني، ولكنه ليس مستمدا منه بالضرورة.
وما يدفعنا إلى التنبيه إلى خطورة هذا التفسير أو القراءة الجديدة لـ مفتاح السكاكي أنه يعطي دفعا وتصورا جديدا لجهود الدارسين والفاحصين للمصطلح البلاغي العربي الذي لا تقف أصالته عند حدود نظرية النظم التي شغف الجميع بالحديث عنها وعن عبقرية صاحبها الإمام عبد القاهر الجرجاني غير المشكوك فيها. فنحن هنا مع السكاكي، أمام محاولة جديدة لتحديد هذا المصطلح وتقنينه من أجل توفير آلة فيها مزيد من الضبط لعلوم الخطاب العربي وإبراز الطابع الاستدلالي للأساليب البيانية العربية وما تنطوي عليه من مبنى ومعنى لهما علاقة بنظام العقل أو بالنظام الذي يؤسسه العقل، حسب عبارة الجابري. ولهذا فإن الإشكالية البيانية التي كانت تطرح من قبل من خلال اللفظ والمعنى قد تحولت مع السكاكي إلى إشكالية تطرح من خلال ثنائية جديدة هي نظام الخطاب/نظام العقل، وبالتالي فالبلاغة التي كانت تقوم من قبل على نشدان التوافق بين اللفظ والمعنى ستصبح مع السكاكي، كما يقول الجابري، كامنة في تحقيق التوافق بين نظام الخطاب ونظام العقل.
لقد قسم السكاكي البلاغة إلى قسمين: معان وبيان، ثم ألحق بها قسما ثالثا هو البديع الذي سمى أنواعه المختلفة بـ المحسنات.وهذه المحسنات أو البديع هو الذي سنقف عنده فيما يلي من هذه الورقة.
فقد أغرم شعراء العصر العباسي وكتابه ولا سيما في الفترتين البويهية والسلجوقية بالبديع وحرصوا حرصا عجيبا على تزيين شعرهم ونثرهم به، حتى صار من الصعب أن نقرأ قصيدة أو قطعة نثرية لأحدهم دون أن نجد فيها ألوانا من هذا البديع[15].
ومن الطبيعي أن يؤدي التطرف في العناية بالمحسنات اللفظية إلى الغلو والإحالة، إذ أن البيت من الشعر أو الجملة النثرية لا يقومان في مثل هذه الأحوال على الفكرة أو المعنى الذي يريده الشاعر أو الناشر فحسب، وإنما يقومان أيضا على أساس من العلاقات اللفظية التي توجه المعنى وتعدل فيه انسجاما مع إحساس المقابلة أو المجانسة والمشابهة بين الحروف والألفاظ. وهو الإحساس الذي سيطر على أدباء العصر البويهي والسلجوقي وشعرائهما وجعلهم غير قادرين على الحركة بمعزل عن القيود الشكلية التي فرضوها على أنفسهم مختارين.
وإذا كانت مباحث المعاني تتناول الدلالات المركبة، ومباحث البيان تتناول الدلالات الإفرادية، فإن مباحث البديع تتناول اللفظ المفرد وما يحمله من ألقاب بحسب تأليفه مع غيره من ألفاظ. وتدور مباحث البديع على مستويين: أولهما المستوى السطحي الذي يختص بالناحية المحسوسة في النطق كالجناس والسجع والازدواج، والآخر يمتثل في المستوى الأعمق، أو ما يسميه محمد عبد المطلب في كتابه البلاغة والأسلوبية بـ "النطق الفكري" وهو الذي يتصل بالفصاحة المعنوية كالطباق والمقابلة والتورية وحتى الألغاز.
وتحرك البديع في هذين المستويين ارتبط بالصياغة من حيث تشكيلها الحسي في النطق أو في الكتابة، ثم من حيث تشكيلها المعنوي[16]. وتقصي أجزائها هو الذي قاد البلاغيين إلى استخلاص الخواص الجزئية التي تهيمن عليها، والتي يؤثر كل منها في الآخر لأداء المعنى المقصود، وربما كان هذا أيضا هو الذي دعاهم إلى المبالغة في استخلاص تنويعات الجملة وجزئياتها حتى أصبح كل تعبير له تسمية محددة، بل ربما وجدنا في مجال بحث البديعيات –باعتبارها محسنات- ما يمكن أن نعتبره من المقبحات لا المحسنات[17].
وقد طرحت لتعليل شيوع هذه الظاهرة تفسيرات عدة، من بينها ذلك التفسير الذي يقرن بين هذه الظاهرة وبين ميل المجتمع العباسي في العراق وفارس إلى المبالغة في التأنق والترف[18]. والتفسير الآخر الذي يرى في ظاهرة البديع أثرا أجنبيا فارسيا أو يونانيا. كما فعل الدكتور زكي مبارك الذي يرى أن البديع جاء العرب عن طريق الفرس، والدكتور شوقي ضيف الذي يقول أن الفرس أعانوا فيه دون أن يخترعوه وأنه مذهب عباسي تعاونت فيه طوائف الشعراء من العرب مع طوائف الشعراء من الفرس[19]. بينما يرى الدكتور محمد مندور أن العرب تأثروا فيه بالبلاغة اليونانية[20]. وهو الرأي نفسه الذي يراه الأستاذ إبراهيم سلامة الذي يقول أن بعض فنون البديع كالمذهب الكلامي([21] لا تخلو من أثر يوناني[22].
وقد رفض الدكتور محمود غناوي الزهيري في كتابه الأدب في ظل بني بويه الرأي الذي ألمحنا إليه آنفا والذي يقرن بين ظاهرة البديع وبين ميل المجتمع العباسي في العراق وفارس إلى المبالغة في التأنق والترف[23] لأنه يرى أن هناك فرقا بين التأنق في العيش والتأنق في الأسلوب الأدبي. فالإنسان في الحالة الأولى يلهو ويعبث ليحقق لنفسه لذائذ رخيصة من أيسر سبيل، وهو في الحالة الثانية يجد ويكدح ويشقى ليحقق لها لذائذ فنية من أشق سبيل[24]. والتفسير الذي يذهب إليه أستاذنا المرحوم غناوي بدلا من ذلك هو أن شيوع ظاهرة البديع على هذا النحو يتصل اتصالا وثيقا بطبيعة الشعب الفارسي الذي يكلف بالزخرفة كلفا شديدا ويميل إليها بغريزته، على نحو ما يظهر في العمارة الفارسية والخزف وصناعة السجاد والمنسوجات وغيرها. وهو يرى أنه ما دام الأدب البويهي في جملته فارسيا نشأة وروحا "فإنه من الطبيعي أن يتأثر منشئوه بهذا الميل العام إلى الزخرفة عند الفرس"[25].
ونحن إنما نعرض لرأي الدكتور غناوي بشيء من التفصيل لأنه يمثل في الواقع وجهة نظر كثير من الدارسين الذين رددوا ما قاله المرحوم الدكتور غناوي وغيره منذ أربعينات هذا القرن. فالكل مجمعون، فيما يبدو، على أن الأدب العربي قد تأثر بالأدب الفارسي مثلما تأثرت الحياة العربية في المشرق وفي العراق خصوصا بأساليب الحياة الفارسية. وفي مقابل ذلك يبدو من حماس بعض الدارسين لدفع الأثر الفارسي عن البديع الحرص الشديد على أن يكون هذا الفن عربيا خالصا لا شائبة فيه لأثر أجنبي، فارسي أو غير فارسي، دون ملاحظة مدى الانحطاط في الأفكار والأساليب التي تمثلها الكثير من صور الأدب التي تبالغ في استخدام هذا البديع، ولا سيما في عصور الانحطاط من تاريخ الأدب العربي[26].
وليس ثمة من ينكر ابتداء، تأثر بعض صور الأدب العربي في العصر العباسي بالبيئة الفارسية وطرائق الفن المعروفة لدى الفرس. وفي شعر بعضهم ما يشير إلى هذه القرابة بين الشعر والتصوير في طبيعة الوصف والاستغراق في تفصيل المشهد على نحو ما تفعل اللوحة المرسومة، وحينما يصف عبد الصمد بن منصور البغدادي أحد شعراء اليتيمة، قصيدته، مثلا، يقول إنها "برد محبر".
مغبوقة اللفظ تستجلي بدائعها كأن ألفاظها تحبير إبـــــــراد
بيد أن التقارب في العلاقة بين الشعر والتصوير ليس كافيا، كما هو واضح، لتفسير شيوع ظاهرة البديع في الأدب العباسي. فذلك يقتضي وجود جملة من العوامل يتعلق بعضها بالأدب الفارسي. وبعضها الآخر بطبيعة الأدب العربي نفسه. فقد كان من المنطقي مثلا أن يكون الأدب الفارسي قد تأثر قبل غيره بالفنون والزخارف الفارسية لقربه منها، أو أن هذه الأمور تؤلف جزءا من مميزاته بحكم صدوره عن نفس تلك الطبيعة الميالة إلى الزخرفة بالغريزة في حين أن الواقع لا يؤيد ذلك، بل لعله يثبت العكس منه، فالأستاذ إدوارد جرانفيل براون وهو أحد المختصين الثقاة في الآداب الفارسية يقول لنا بهذا الشأن ما يلي:
"يتصور كثير من الناس أن الآداب الفارسية مصطنعة متكلفة تمتلئ بالصناعات البديعية وتزخر بالمجازات أو الاستعارات، ولكن هذا الرأي ليس صحيحا إلا فيما يتعلق بمجموعة من الآداب نشأت في ظروف وبيئات خاصة كالتي نشأت في كنف الفاتحين الأجانب من المغول والأتراك"[27]. وإذن فالزخارف البديعية والمحسنات اللفظية بألوانها وأشكالها المختلفة ليست موجودة في الأدب الفارسي على النحو الذي نتصوره، وهي إن وجدت في بعض مراحل هذا الأدب فهي عارضة ويمكن أن تعزى إلى ظروف خاصة لا تتصل بطبيعته، فضلا عن أن الزخارف التصويرية المجردة ذات الشبه بالزخارف والتزويقات اللفظية تعد فنا عربيا أكثر من كونها فنا فارسيا[28]. والأسباب التي أدت إلى نشأتها وتميز فن العمارة والخط العربي بها يجب أن تبحث تحت نفس الأسباب التي أدت إلى نشأة البديع وطغيانه في الأدب العربي، فكلاهما ينطلق من نزعة فنية واحدة.
أما فيما يتعلق بالأدب العربي فلا بد من التذكير بأن البديع كان معروفا في الشعر والكلام العربي منذ القديم وإن غرض ابن المعتز من وضع مؤلفه كتاب البديع سنة أربع وسبعين ومائتين هو "تعريف الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع"[29]، فهو موجود عند العرب وفي القرآن وكلام الصحابة وأن المحدثين لم يكونوا مبتكرين له وأن حبيب بن أوس من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرغ فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف"[30]. وقد كان الجاحظ يظن أن "البديع مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، وأربت على كل لسان"[31]. ومع ما في هذا القول من مبالغة ربما تدخل فيها موقف الجاحظ من الحركات الشعوبية في عصره وحرصه على نسبة الفنون اللغوية كلها للعرب، فإنه يمكن أن يوضح لنا موقف النقاد والأدباء في القرن الثالث من قضية نسبة البديع التي يبدو أنها لم تكن تشغلهم ما تشغلنا الآن لأنها مقررة ومعروفة، وربما كان سبب إثارتها على هذا النحو يرتبط بالمشكلات الفنية التي أثارها أبو تمام ومن قبله مسلم ابن الوليد اللذان أفرطا في استخدام هذا اللون من الفن على نحو لا يعرف له مثيل من قبل.
ولعل من الطريف الذي لا يخلو من دلالة أن نذكر أن اثنين من أبرز الشعراء العرب الذين عنوا بالبديع، أعني بشارا وأبا العلاء، كانا أعميين.. وهو ما يجعل تطبيق ما يقرره الدكتور غناوي وغيره بشأن العلاقة المفترضة بين البديع وفنون التصوير الإيرانية صعبا أو غير ممكن إذ كيف يتأتى للشاعر أن يتأثر بهذه الفنون البصرية ويضع ما يوازيها في شعره مع أنه لم يرها أصلا؟
وهل يكفي في مثل هذه الحال أن يقال أن الشاعر إنما يعتمد على خياله وينسج على منوال ما قرأه من أشعار سابقيه أو معاصريه الذين تأثروا بتلك الفنون فنقلوا تأثرهم إليه؟ ثم نوفق بين هذا التأثر وبين كون ثقافة بعض الشعراء العرب الذين عرفوا بالبديع ثقافة عربية في جوهرها رغم وجود بعض التأثيرات الأجنبية فيها؟ وهل كان المتنبي، مثلا، فارسي الثقافة ليكون للبديع شأن غير قليل في شعره؟
أما التوافق الذي نجده بين الأدب والفن في العهد البويهي، والذي يتمثل في أن كلا من الفنان والشاعر كان حريصا على تحقيق مبادئ التوازن والتماثل والتقابل والتكرار وما إليها[32])، فلا يدل بالضرورة على أن أحدهما كان متأثرا بالآخر بقدر ما يدل على أن الأساس الذي ينطلقان منه واحد. وهو تحقيق المتعة الفنية وتنظيم الدوافع المتضاربة في داخل الإنسان عن طريق خلق معادلها في القصيدة أو اللوحة. ولعل كون الثقافة العربية لغوية في طبيعتها هو الذي يعلل لماذا حقق العربي في لغته ما حققه الفارسي في فنه التصويري، حتى أن فنون العمارة والزخرفة العربية كانت متأثرة بالفنون اللغوية فاستعارت الكلمات وجعلت الحرف يستجيب لدواعي التشكيل والتصوير على نحو لا يعرف في غير العربية. حيث الحروف والكلمات تحاول، عبر ذلك، تحقيق نوع من الحركة الذهنية المقصودة التي تضيف متداعيات إلى المضمون الحضاري والروحي للغة وكلماتها. وقد حاولت بعض التصاوير العربية فوق ذلك (كتلك الموجود على مقامات الحريري) أن تنقل طبيعة اللغة المعقدة عن طريق الإيماءات وتعبيرات الوجوه[33]، أي أنه إذا كان لا بد من الحديث عن علاقة ما بين الشعر والتصوير، فإن هذه العلاقة يجب أن لا تكون مقتصرة على تأثير الأول بالثاني وإنما هي علاقة متبادلة مشتركة.
وليس غرضنا هنا أن نضع دراسة مفصلة عن الأسباب التي أدت إلى شيوع ظاهرة البديع وانتشارها في العصر البويهي والسلجوقي بشكل خاص فهي في ظننا معقدة وليس ثمة مفر من اعتبار بعض أغراضها رمزية شأنها شأن التجريد من الزخارف العربية حيث تميل الفنون الزخرفية إلى رد الطبيعة العضوية إلى أشكال هندسية، وهي غالبا ما تهجر العالم العضوي إلى عالم من خطوط وأشكال وألوان صافية. فالزخرف، كما يقول د.ورينغر، يفصل نفسه كشيء لا يتبع مجرى الحياة بل يواجهه بصرامة.. باعتباره شيئا مسلوخا عن الزمان، فهو امتداد صرف ومجهز وثابت[34].
ولا بد أن هناك أسبابا لهذا النزوع الفني، ولكن ثمة فيما يتعلق بالبديع، أمرا جوهريا لا بد من الإشارة إليه وهو ارتباط هذه الظاهرة بالجو النفسي والفكري السائد في العصر الذي شاعت فيه. فقد كان ضيق الأفق الفكري وفقدان الأمن والحرية وتعمق التناقض الطبقي والتسلط الأجنبي في المجتمع عوامل أساسية في دفع الشاعر والناشر إلى التخلي عن التعبير الحر المنطلق والخالي من القيود الشكلية.
فاللغة في مثل هذه الحال لم تعد أداة للتوصيل والإعراب عما في النفس فقط، وإنما تحولت بمرور الوقت إلى غاية في حد ذاتها. فبعد أن ضاقت سبل الحياة بالشاعر وعجز عن حل التناقض في عالمه حاول أن يجعل من اللغة العالم الذي يوفر له البديل عن ضيق العالم الخارجي وعطبه فراح يوسع من حدودها ويجعلها ميدانا فسيحا للتقابل والتناظر والانسجام وتصادم المعاني محققا من خلال ذلك كله في نفسه الاتساق والنظام والتوازن. وقد بين الناقد الإنكليزي رتشاردز أن غاية الفن ليست اللذة وإنما هي عامل مصاحب لبلوغ الفن غايته التي هي القضاء على الفوضى والاضطراب والتوفيق بين الدوافع المتضاربة. ومن المعروف أن الجمع بين المعاني المتقابلة أصل من أصول الفلسفة الجمالية في الشعر العربي[35]. وقد سبق للإمام عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة أن أشار إلى شيء من ذلك حين قال إن الجمع بين المعاني المتقابلة "صنعة تستدعي جودة القريحة والحذق الذي يلطف ويدق في الجميع بين أعناق المتنافرات والمتباينات في ربقة ويعقد بين الأجنبيات معاقد نسب وشيكة"[36].
ومعروف أن مصدر الاهتمام بالجناس لدى كثير من الشعراء العرب يدخل في إطار النزوع إلى الاحتيال والتلاعب بمدلول الكلمة المعنوي والموسيقي عن طريق إعطاء اللفظة الواحدة أكثر من وجه أو تغير بعض حروفها، فالشاعر كما قال الإمام عبد القاهر "قد أعاد إليك اللفظ كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها، يوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفاها"[37] والجناس إذا لم يحقق مثل هذه الفائدة العقلية كان ضعيفا أو مستهجنا[38].
ولعل استعراض أسماء أكثر الشعراء العرب الذي عرفوا بالبديع يوضح لنا العلاقة القائمة بين إكثارهم من البديع وبين شخصياتهم القلقة المضطربة. فقد كان بشار بن برد، مثلا، معروفا بعلته ومركب النقص الناتج عنها. وكان مسلم بن الوليد ذا "نفس قلقة مضطربة"[39]. وقد لاحظ العقاد أن ابن الرومي يستخدم التجنيس للتعبير عن طيرته وحساسيته المفرطة "فإذا لم يكن متطيرا فلا جناس ولا اكتراث باللفظ إلا لما فيه من معنى ظاهر مستقيم وماله من فصاحة ونظارة"[40]. وكان أبو تمام يعاني من غربة مزدوجة عن النفس والمجتمع الذي يعيش فيه[41]. أما أبو العلاء المعري الذي بلغ افتتانه بالغريب وألوان البديع المختلفة حدا دفعه إلى لزوم ما يلزم، فأمره أشهر من أن ينبه إليه.
وقد سبق أن بينا في دراسة مستقلة مقدار ما في شخصية شاعر عباسي آخر مفرط في استخدامه لصور البديع المختلفة من قلق واضطراب وتناقض، ودور الشعر في حل التناقض أو التخفيف منه[42].
ومن المعروف أن القلق الذي تتكشف عنه شخصية ما هو انعكاس بهذه الدرجة أو تلك للعصر الذي تعيش فيه تلك الشخصية.
ومن ناحية أخرى نرى أن هذا النزوع نحو التزويق والزخرفة اللفظية لدى هذا الشاعر وغيره قد وجد تشجيعا لدى بعض الأوساط الأدبية التي جعلت البديع صنعة لا تقوم للقصيدة قائمة بدونها. فهي دليل المهارة والتضلع في اللغة وفنون القول. ولا شك في أن اتصال الشعراء والأدباء بهذه الأوساط كحلقة الصاحب بن عباد قد دفعهم إلى المبالغة أحيانا، في التماس المحسنات اللفظية المختلفة، إذ أن الصاحب لم يكن وزيرا ورجلا سياسيا خطيرا في عصره فقط، وإنما كان إضافة إلى ذلك أديبا وشاعرا وجه ذوقه وطبيعة اهتماماته الأدبية الكثير من الشعراء والأدباء ممن كانوا على صلة به، مما كان له أثر في إفساد الكثير من الأذواق بفساد ذوقه وأسلوبه المتكلف الذي لم يكن قادرا فيه أن يسير إلا مقيدا بسلاسل البيان والبلاغة، أو ما كان يتوهمه بيانا وبلاغة.
والأمثلة على ذلك كثيرة يعرفها دارسو الأدب في القرن الرابع ويكفي أن نورد مثالا على ذلك الثعالبي في معرض الإعجاب بالصاحب. قال: "لما قال الصاحب قصيدته المعراة من الألف التي هي أكثر الحروف دخولا في المنظوم والمنثور وأولها:
قد ظل يجرح صدري من ليس يعدوه فكري
وهي في مدح آل البيت تبلغ سبعين بيتا، تعجب الناس منها وتداولها الرواة، فاستمر الصاحب على تلك المطية وعمل قصائد كل واحدة منها خالية من حرف من حروف الهجاء وبقيت عليه واحدة تكون معراة من الواو فانبرى أبو الحسن يعملها وقال قصيدة ليس فيها واو"[43]. والذي يهمنا ليس أسلوب الصاحب، ولكن استجابة الوسط الأدبي له وتأثره به. والصاحب بطبيعة الحال لم يكن بدعا في ذلك وإنما كانت له منزلة الأستاذ والموجه بحكم مكانته السياسية.
وليس من شك في أن الشاعر الأصيل لا يمكن أن يسقط بسهولة في مثل هذه الإغراءات، ولكنه كان يجد نفسه مضطرا في أحيان كثيرة لمجاراة العرف السائد والذوق النافق في سوق الأدب. ولا سيما إذا كان مداحا يبيع شعره كما كان كثير من أصحابنا الشعراء يفعلون. ويجيء اهتمام بعض شعراء العصر البويهي والسلجوقي بنظم بعض الألغاز وصياغتها شعرا ليدخل في الاستجابة لما يجري في تلك المجالس والأوساط الأدبية. وهذه الألغاز لون من ألوان البديع الذي لم يألفه الشعراء الكبار في العهود الأدبية السابقة[44] ولكنه أصبح في القرن الخامس وما تلاه لونا شائعا مال إليه الشعراء بعد إفلاسهم من الموضوعات الجدية وفراغ حياتهم، وبعد أن تحولت اللغة على أيديهم إلى لعبة تشبه لعبة الكلمات المتقاطعة في عصرنا هذا، فهي تقوم على التلاعب اللفظي وتغطية المعنى بوسائل شكلية يتطلب حلها مهارة ورياضة عقلية. وقد نظم في هذه الألغاز عدد من الشعراء كالسرى الرفاء ومهيار الديلمي وبديع الزمان الهمذاني[45].
وقد أظهر بعض الباحثين أن هذا اللون دخل الشعر العربي في القرن الرابع عن طريق الفرس[46]. وهو أمر، لا يتناقض مع ما سبق أن قررناه من أن العرب لم يأخذوا البديع عن الفرس وذلك لأن اللغز كما بين الدكتور علي جواد الطاهر، لا يمكن أن يدخل في البديع ما لم يفهم منه المعنى الضيق الذي آل إليه[47]، وإلا فإن أغلب الباحثين يدخلونه في باب الوصف أو الشعر التعليمي[48]. ولعل عادة التعليم بالألغاز عادة قديمة لدى الفرس كما هي الحال في اليونان القديمة حيث كان الصبيان في بعض العهود يعلمون بالألغاز[49].
وغير خاف أن الصور البديعة التي تقصدها بمختلف أشكالها وألوانها بعيدة عن تمثيل الواقع أو التعبير عنه، رغم أن الصورة، حسية كانت أو متخيلة، لا يشترط فيها أن تكون متطابقة مع متطلبات الواقع الخارجي. إذ أنها تخضع لدى الشاعر الحقيقي لعملية اختيار لبعض عناصره، وتكون نتيجة ذلك تركيبا غريبا مجافيا للمنطق ولكنه يحمل مع ذلك "منطقه" الخاص الذي يستمد حركته من "واقع" نفسي أو عقلي يفترض في هذه الصورة أن تتلاءم معه أو تحركه باتجاه إيجابي. وفي مثل هذه الحال لا يصبح هناك معنى لما يقوله الآمدي وغيره من النقاد العرب القدماء من أن للاستعارة حدودا معلومة على اعتبار أن اللفظة يجب أن تكون لائقة بالشيء الذي استيعرت له وملائمة لمعناه[50]. فرغبة الشاعر في التعبير عن نفسه تعبيرا صادقا قد لا تغني عنها مجموعة التشبيهات والاستعارات الناجزة التي يجدها في كتب الأدب والبلاغة "إذ أن هذه البلاغة لا بد أن تبدأ حركتها من النفس، فتنبت مع الشعور ولا تكون سابقة له. ذلك أن قيمة الصورة –كل صورة- قيمة منتهية وليست قيمة أبدية أو ثابتة وليس هناك قائمة بالصور أو التركيبات الحسية ذات الشحنات المرصودة من الشاعر يمكن أن يلجأ إليها المتفنن حين يشاء ليتخذ منها أدوات للتعبير عن نفسه"[51].
ونحن نعثر، في الواقع، على هذه الطراوة في التعبير لدى كل شاعر كبير. فلا بد أن يكون ماهرا في صناعة الصورة وبث شذراتها في ثنايا القصيدة مهما كان حظ تلك القصيدة من قوة التعبير أو ضعفه. وهي (الصورة) ليست طريقة جمالية وأسلوبا فحسب، وإنما هي وسيلة مهمة لاستكناه المشاعر والأحاسيس ونقلها، بما لها من خاصية تكثيف الموقف وتلوينه. وقد لاحظ النقاد المحدثون أن ثمة علاقة بين حاجة الشاعر النفسية وبين إلحاحه على استخدام الصورة في شعره. حتى أن ستيفن سبندر يقول: إنني أشعر بالأمان فقط عندما أتعامل بالصورة، وغير ذلك فإنني أشعر بالضياع طوال الوقت[52].
ولقد تناولنا فيما سبق الصور البديعة في أشكالها المضادة. أي تلك التي ينقلب فيها استخدام هذا الفن إلى ظاهرة سلبية في اللغة تتقاطع مع الغاية الأصلية من وجودها باعتبارها عنصرا فنيا أساسيا وعاملا في مد رقعة الخيال الإنساني وتوسيع اللغة وإغناء ممكناتها في مواجهة الواقع المادي والروحي الذي تصفه أو تعبر عنه، وصلابة اللغة تقف عادة في مواجهة صلابة الواقع، وحيثما تتبدل طرق الحياة ويصيبها التغيير كان على الأدب أن يقوم بدوره المتمثل في ملاءمة نفسه مع هذا التغيير. وكتابات الكتاب التي لا تستطيع أن تقدح شرارة الحياة في الواقع الذي تعالجه تصبح –كما يقول أحد النقاد الغربيين- أشد تحجرا وأكثر (انتهائية في الشكل) من الواقع نفسه، بل تصير أشد إملالا وغباء ويأسا وابتذالا من العالم الذي تدعي أنها تصوره[53].
وقد شهد تاريخ اللغة العربية أنماطا من الأساليب التي كان التعبير الأدبي فيها ينحط لانحرافه عن الغايات الأدبية الكبرى بسبب غياب الوعي والوضوح الفكري والرؤية السليمة وافتقاد الشجاعة الكافية لمواجهة الواقع وتسمية الأشياء بأسمائها. وإننا لنجد أنه حيثما يستطيع المد البديعي في أي عصر أن يهيمن على أساليب التعبير الشعري والنثري ويقيدها ويجمدها ويحد من حركتها وحريتها الفنية ويحاصرها في دوائر ضيقة ويكبلها بأغلال المحسنات اللفظية المصطنعة[54]، فإن بإمكاننا أن نحزر دونما حاجة إلى الاستعانة بالتفاصيل التاريخية، نوع العصر وشكل السلطة والعلاقات الاجتماعية القائمة، بما فيها من تجبر وعدوان وافتقاد للحرية وتسلط من قبل الأجانب الغرباء، فكأن الأسلوب وحده بما فيه من سمات أساسية كافتقاد الجدة والعناية البالغة بالتزويق والاهتمامات الشكلية وميل للتكرار واجترار لطرق وتعابير العصور السابقة وتقاليدها الأدبية، كاف لتحديد شكل العصر والإشارة إلى روحه. أي أن الأسلوب لا يصبح هنا هو الرجل فقط وإنما يصبح هو العصر أيضا.
وقد بين الدكتور محمد عابد الجابري في الفصل الثاني من كتابه بنية العقل العربي كيف أن الاهتمام بتجنب التنافر بين الكلمات معناه الحرص على النغمة الموسيقية في نظام الخطاب، ومن هنا المحسنات البديعية بمختلف أنواعها، وهي محسنات تقوم بمهمة إبستيمولوجية، وهي تعويض الفراغ وإخفاء التناقض على صعيد المعنى. إذ أن النغمة الموسيقية المرافقة للخطاب توجه السامع إلى نظام الكلمات وتصرفه بالتالي عن نظام الأفكار مما يجعله في حالة إغفاء عقلي تسمح للمعنى –إن كان ثمة معنى- بالانسياب إلى لاوعيه بدون رقابة عقلية فتقبله بدون نقاش.. فعندما ينشغل المتكلم بإلباس كلامه ما يستطيع من المحسنات اللفظية يكون ذهنه مسرحا لنوعين من التداعي: تداعي الألفاظ وتداعي المعاني. فإذا هو عمد إلى التحكم بتزاحم الألفاظ وتداعيها وذلك بأن لا يسمح بالخروج إلا لتلك التي تتميز بأدائها للصورة الحسية أو الذهنية أداء مكثفا، جاء كلامه يحمل فائضا من المعنى، وذلك ما يسمى عندهم بـ الإيجاز وهو كما يقولون الإتيان بكثير من المعنى في قليل من اللفظ. أما إذا ترك المتكلم الألفاظ تنساب على لسانه وقلمه وكان متدربا على إقامة روابط موسيقية جرسية بينها، أي قادرة على توظيف المحسنات اللفظية بمهارة وإتقان، فإن كلامه سيأتي حينئذ يحمل فائضا من الألفاظ، ولكن بصورة توهم بأن وراء كل لفظ معنى، مما يغطي على فقر المعنى وتناقض الأفكار[55]i
(*) محاضرة ألقيت في المجمع العلمي العراقي بتاريخ 9/3/1998م.
[1]- تزيفتان تودروف، الأدب والدلالة، ت.محمد نديم خشفة، حلب، 1996، ص91.
[2]- بيير جيرو، الأسلوب والأسلوبية، ص29.
[3]- د.سندس عبد الكريم، شعر رشيد أيوب، دراسة أسلوبية (رسالة دكتوراه)، ص3.
[4]- انظر: د.إبراهيم خليل، الأسلوبية ونظرية النص، بيروت 1997، ص67.
[5]- كراهام هاف، الأسلوب والأسلوبية، بغداد، ص15، وانظر: الأسلوبية ونظرية النص، مرجع سابق، ص68.
[6]- هنريش بليث، البلاغة والأسلوبية، ترجمة محمد العمري، منشورات سال، المغرب، د.ت، ص13.
[7]- انظر عبد الرحمن الحاج صالح، النحو العربي ومنطق أرسطو (بحث غير منشور).
[8]- المرجع نفسه.
[9] - نفسه.
[10]- د.أحمد مطلوب، مناهج البلاغة، بيروت، 1973، ص204.
[11] - نفسه.
[12]- نقلا عن د.أحمد مطلوب، بحوث بلاغية، مطبوعات المجمع العلمي، بغداد 1997، ص257.
[13]- انظر: د.أحمد مطلوب، المرجع السابق، ص257-592.
[14]- د.محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، بيروت، 1987، ص89 وما بعدها.
[15]- ينظر بهذا الصدد كتابنا بحثا عن الطريق بغداد 1984، بحث (رأي في ظاهرة شيوع البديع في الأدب العباسي).
[16]- محمد عبد المطلب، البلاغة والأسلوبية، الهيئة المصرية للكتاب، 1984، ص196.
[17]- المرجع السابق، ص215-216.
[18]- النثر الفني، (1: 44)
[19]- النثر الفني (1: 44).
[20]- الفن ومذاهبه في النثر العربي، ص114.
[21]-