الظواهر اللغوية المشتركة في اللغة العربية
1- الترادف : لغة : قال ابن فارس
الراء والدال والفاء أصل واحد يدل على اتباع الشيء فالترادف التتابع والرديف الذي يرادفك ). اصطلاحاً: هو ما اتحد معناه واختلف لفظه .(1)
أسباب الترادف : 1- انتقال كثير من مفردات اللهجات العربية إلى لهجة قريش بفعل طول الاحتكاك بينهما . 2- أخذ واضعي المعجمات عن لهجات قبائل متعددة مختلفة في بعض مظاهر المفردات فكان جزاء ذلك أن اشتملت المعجمات على مفردات غير مستخدمة في لغة قريش ويوجد لمعظمها مترادفات في متن اللغة . 3- تدوين واضعي المعجمات كلمات كثيرة كانت مهجورة في الاستعمال ومستبدلاً بها مفردات أخرى . 4- عدم تمييز واضعي المعجمات بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي فكثير من المترادفات لم توضع في الأصل لمعانيها ، بل تستخدم في هذه المعاني استخداماً مجازياً . 5- انتقال كثير من نعوت المسمى الواحد من معنى النعت إلى معنى الاسم الذي تصفه فالهندي والحُسام واليماني والعضب والقاطع من أسماء السيف يدل كل منها في الأصل على وصف خالص للسيف مغاير لما يدل عليه الآخر 6- إن كثيراً من المترادفات ليست في الحقيقة كذلك ، بل يدل كل منها على حالة خاصة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) فقه اللغة موضوعه مفهومه قضاياه للدكتور إبراهيم الحمد ، ص : 197.
من المدلول تختلف بعض الاختلاف عن الحالة التي يدل عليها غيره . فرمَقَ ولَحَظَ وحَدَج وشَفَنَ ورنا مثلاً يعبر كل منها عن حالة خاصة للنظر تختلف عن الحالات التي تدل عليها الألفاظ الأخرى فرمق يدل على النظر بمجامع العين ولحظ على النظر من جانب لأذن وحدج معناه رماه ببصره مع حدة وشفن يدل على نظر المتعجب الكاره ورنا يفيد إدامة النظر في سكون وهلم ج 7- انتقال كثير من الألفاظ السامية والمولدة والموضوعة والمشكوك في عربيتها إلى العربية وكان لكثير من هذه الألفاظ نظائر في متن العربية الأصلي . 8- كثرة التصحيف في الكتب العربية القديمة وبخاصة عندما كان الخط العربي مجرداً من الإعجام والشكل .
موقف الباحثين من الترادف : أنكر بعض العلماء وقوع الترادف في العربية والتمسوا فروقاً دقيقة بين الكلمات التي يُظن فيها اتحاد المعنى فكان ثعلب يرى : أن ما يظنه بعضهم من المترادفات هو من المتباينات ويروى أن أبا علي الفارسي قال : ( كنت بمجلس سيف الدولة بحلب وبالحضرة جماعة من أهل اللغة ومنهم ابن خالويه فقال ابن خالويه : أحفظ للسيف خمسين اسما ً فتبسم أبو علي وقال : ما أحفظ له إلا اسم واحداً وهو السيف قال ابن خالويه فأين المهند والصارم وكذا وكذا ؟ فقال أبو علي : هذه صفات كذلك ذهب ابن فارس مذهب معلمه ثعلب فأنكر وقوع الترادف قائلاً : ( ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة نحو : السيف والمهند والحُسام والذي نقوله في هذا إن الاسم واحد هو السيف وما بعده من الألقاب صفات . ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى وأما قولهم إن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يعبر عن الشيء بالشيء فإنا نقول : إنما عبر عنه عن طريق المشاكلة ولسنا نقول إن اللفظتين مختلفتان فيلزمان ما قالوه وإنما نقول : إن في كل واحده منهما معنى ليس في الأخرى . (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) فقه اللغة العربية وخصائصها للدكتور إميل بديع يعقوب ـ، ص : 174،177.
شروط الترادف :
1- الاتفاق في المعنى بين الكلمتين اتفاقاً تاماً فإذا تبين لنا بدليل قوي، أن العربي كان يفهم حقاً من كلمة : ( جلس ) شيئاً لا يستفيده من كلمة ( قعد ) قلنا حينئذ : ليس بينهما ترادف 2- الاتحاد في البيئة اللغوية ولم يفطن المغالون في الترادف إلى مثل هذا الشرط ، بل عدوا كل اللهجات وحدة متماسكة ، وعدوا كل الجزيرة العربية بيئة واحدة ، ولكنا نعد اللغة المشتركة أو الفصحى الأدبية بيئة واحدة ونعد كل لهجة أو لهجة أو مجموعة منسجمة من اللهجات ، بيئة واحدة . 3- الاتحاد في العصر فالمحدثون حين ينظرون إلى المترادفات ينظرون إليها في عهد خاص وزمن معين فإذا بحثنا عن الترادف يجب ألا نلتمسه في شعر شاعر من الجاهليين ثم نقيس كلماته بكلمات وردت في نقش قديم يرجع إلى العهود المسيحية مثلاً. 4- ألا يكون أحد اللفظين نتيجة تطور صوتي آخر فحين نقارن بين الكلمتين ( الجَثل) و ( الجفل) بمعنى النمل نلحظ أن إحدى الكلمتين يمكن أن تعد أصلاً والأخرى تطور لها . (1)
الترادف في القرآن الكريم :
آراء العلماء حول الترادف في القرآن الكريم : ظهر اتجاهان حول مسألة الترادف في القرآن الكريم الاتجاه الأول : يثبت الترادف
ظهرت مسألة الترادف عند المثبتين في كلامهم عن الأحرف السبعة والتوكيد والمتشابه أما الأحرف السبعة والترادف فيها فذكروا أن الترادف هو المقصود بالأحرف السبعة والتوكيد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) فصول في فقه العربية للدكتور رمضان عبد التواب ،ص 322،323
والمتشابه أما الأحرف السبعة والترادف فيها ، فذكروا أن الترادف هو المقصود بالأحرف السبعة مثل الزركشي يوضح معناها بأنها سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة نحو اقبل وهلم وتعال وعجل وأسرع ونحوه . وبهذا فهو أنكر على أنها لغات ولأن العرب لا تركب لغة بعضها بعضا ولكن إن عدنا إلى القول بأن المراد بالسبعة حقيقة العدد فيكون تحديدا للرخصة بألا يتجاوز سبعة مرادفات أو سبع لهجات لأنه لا يتأتى في كلمة من القرآن أن يكون فيها سبع لهجات إلا كلمات قليلة .حتى لو اعتمد مفهوم الأحرف السبعة فلن تجد الترادف الذي تريد لأنها ألفاظ من لغات شتى وبعض العلماء لم يعتدوا باللغات أنها من الترادف أما التوكيد وتأثيره على الترادف فقد رأى العلماء أن في الترادف نوعا من التوكيد للمعنى وقد قسمه العلماء إلى قسمين من التوكيد توكيد باللفظ المرادف وتوكيد بعطف المرادف . وذكر الزمخشري على التوكيد باللفظ المرادف ( التوكيد لفظي ومعنوي فاللفظي : تقرير معنى الأول بلفظه أو مرادفه ، فمن المرادف ( فجاجا سبلا) و( غرابيب سود) . أما التوكيد بعطف المرادف ذكر أنه يحسن بواو وأناب غيره (أو) عن الواو . أما المتشابه : وهو إيراد اللفظة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة ويذكر أن من أنواع المتشابه استبدال كلمة بأخرى في آيتين متماثلتين مثل ( ما ألفينا عليه آباءنا وفي لقمان ( وجدنا) وكذلك في التفاسير المختلفة قد كثر فيها تفسير ألفاظ القرآن بمرادفات فيقول الزمخشري : تجيء كاد بمعنى أراد ومنه كذلك {كذلك كدنا ليوسف} . ولقد أقر صبحي الصالح وجود الترادف في القرآن ،لأنه قد نزل قريش المثالية يجري على أساليبها وطرق تعبيرها وقد أتاح لهذه اللغة طول احتكاكها باللهجة العربية الأخرى من اقتباس مفردات تملك أحيانا نظائرها ولا تملك منها شيئا أحياناً أخرى حتى إذا أصبحت جزءاً من محصولها اللغوي فلا غضاضة أن يستعمل القرآن الألفاظ الجديدة المقتبسة إلى جانب الألفاظ القرشية الخاصة القديمة .
الاتجاه الثاني : منكري الترادف : تتفاوت آراء منكري الترادف في القرآن الكريم فمنهم : 1- من يرى أن ثمة ألفاظاً أحسن من ألفاظ ومعناها في اللغة واحد وهو بذلك لا ينكر الترادف وإنما يؤثر بعض الألفاظ على بعض الأفكار فالإنكار هنا في تساوي الفصاحة لا المعنى وبهذا يرى الزركشي أن من فصاحة الكلام باختلاف المقام فلكل موضع مايليق به ولا يحسن بمرادفه . 2- من يتحرج من القول بالترادف في بعض الألفاظ في كتاب الله يؤثر الفروق بين ما يظن من من المترادفات كالفرق بين الخوف والخشية . 3- من ينكر الترادف إنكاراً تاماً مثل ابن الأعرابي والأصفهاني فذكر في مقدمته بكتابه أن يحقق من الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينهما من الفروق الغامضة . ومن العلماء الذين أنكروا بنت الشاطئ فهي تنكره باللغة العربية وأيضاً في القرآن ما لم يكن الترادف ناتجاً عن اختلاف اللغات أو القرابة الصوتية ،وكذلك كان للدكتور عفيفي محمود عفيفي رأياً بذلك فقد أثبت بالأدلة العلمية أنه لا ترادف بين ألفاظ البصر والنظر والرؤية وأن لكل منها مجال استعمال محدد في القرآن الكريم .
مثال : أتى ، وجاء :
أتى وجاء : يذكر ابن فارس في الإتيان أنه يدل على مجيء الشيء وصاحبه وطاعته وفي لسان العرب جاء بمعنى الإتيان والإتيان بمعنى جاء أي انه لم بفرق بينهما والأصفهاني يقول : الإتيان المجيء بسهولة ويقال للمجيء بالذات وبالأمر وبالتدبير ويرى كذلك أن المجيء اعم والإتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول والمجيء يقال اعتباراً للحصول . وبهذا وردتا في القرآن بقوله تعالى : { إذ قال لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي ياموسى ........} .وتعليقا على هذه الآية ذكر محمد المنجد أن الإتيان تحيط به ثلة من معاني الغموض ( الشك ، الجهل، عدم القصد ) والمجيء تحيط به معاني العلم واليقين وتحقق الوقوع والقصد .
ومن خلال رأيه نجد أنه ذكر في الآية في بدايته (سآتيكم) قبل الوصول إلى النار لأنه لديه شك بالوصول والحصول على شهاب قبس ثم بعد الوصول إليها قال الله تعالى : { جاءها} أي تحقق اليقين بالوصول إليها .
آثــــــــــــــــــاره الإيجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــابية :
1- أن تكثر الوسائل إلى الإخبار عما في النفس ، فإنه ربما نسي أحد اللفظين أو عسر عليه النطق به ، وكان واصل بن عطاء ألثغ فلم يحفظ عنه أنه نطق بالراء ولولا المترادفات تعينه على مقصده لما قدر على ذلك . 2 - التوسع في سلوك طرق الفصاحة وأساليب البلاغة في النظم والنثر وذلك لأن اللفظ الواحد قد يتأتى باستعماله مع لفظ آخر السجع والقافية والتجنيس والترصيع وغير ذلك من أصناف البديع ولا يتأتى ذلك باستعمال مرادفه مع ذلك اللفظ . 3- المراوحة في الأسلوب وطرد الملل والسأم لأن ذكر اللفظ بعينه مكراً قد لايسوغ.
4- قد يكون أحد المترادفين أجلى من الآخر فيكون شرحاً للآخر الخفي وقد ينعكس الحال بالنسبة إلى قوم دون آخرين .(1)
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فقه اللغة موضوعه مفهومه قضاياه ، محمد إبراهيم الحمد ، ص: 202.
2- التــــــــــــــــــضاد : لغة : ضد الشيء خلافه والجمع أضداد وقد ضاده فهما متضادان والتضاد مصدر . اصطلاحاً: هو دلالة اللفظ الواحد على معنيين متضادين .مثل : الجون يطلق على الأسود والأبيض .(1) أسبـــــــــــــــــــــــــــاب التضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد : 1- دلالة اللفظ في أصل وضعه على معنى عام يشترك فيه الضدان وقد يسهو بعضهم عن ذلك المعنى الجامع فيظن الكلمة من قبيل التضاد فمن ذلك الصريم يقال : لليل صريم والنهار صريم لأن الليل ينصرم من النهار والنهار ينصرم من الليل فأصل المعنيين من باب واحد وهو القطع . 2 – انتقال اللفظ من معناه الأصلي إلى معنى آخر مجازي فقد يكون اللفظ موضوعاً عند قوم لمعنى حقيقي ثم ينتقل إلى معنى مجازي عند هؤلاء أو عند غيرهم إما للتفاؤل كإطلاق لفظ البصير على الأعمى والسليم على الملدوغ وإما للتهكم كإطلاق لفظ أبي البيضاء على الأسود وإما لاجتناب التلفظ بما يُكره كتسمية السيد والعبد بالمولى . 3- اتفاق كلمتين في صيغة صرفية واحده ، ومن ذلك كلمة ( مجتث ) ومعناها الذي يجتث الشيء والذي يُجتث وأصل اسم الفاعل من ( اجتث )( مُجتثِث) واسم المفعول ( مُجتثَث) وقد نشأ اتحاد اللفظين اسم الفاعل والمفعول من الإدغام . 4- اختلاف القبائل العربية في استعمال الألفاظ كلفظة ( وثب) المستعملة عند حِمير بمعنى قعد وعند مضر بمعنى ( طفر) ، وكلفظة السدفة التي تعني عند تميم الظلمة وعند قيس الضوء . 5- اتحاد لفظ مع آخر مضاد وفقاً لقوانين التطور الصوتي مثال ذلك : أقوى الرجل فهو مُقوِ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فقه اللغة موضوعه ، مفهومه ، قضاياه ، محمد إبراهيم الحمد ، ص187.
إذا كان ذا قوة وأقوى فهو مقوِ إذا كان قوي الظهر وأقوى فهو مقو إذا ذهب زاده ونفذ ما عنده. قلت إن الأصل في مادة (قوي ) هو ضد الضعف فيقال : قوي على الأمر طاقه وقاواني فقويته أي غلبني فغلبته وقاواه : أعطاه وتقاوى القوم المتاع بينهم تزايدوا غاية ثمنه .
موقف البــــــــــــــــاحثين من التضاد : اختلف الباحثون بصدد وروده في اللغة العربية اختلافهم في ورود المشترك نفسه وقد كان من الطبيعي أن ينكره ابن درستويه لإنكاره الاشتراك اللفظي فأفرد كتاباً لتأييد رأيه سماه ( إبطال الأضداد ) وذهب فريق إلى كثرة وروده وأوردله شواهد ومنهم الخليل وسيبويه وأبو عبيدة والثعالبي والسيوطي وقد وقف بعضهم مؤلفات على حده لسرد أمثلته لعل من أشهرها كتاب الأضداد لابن الانباري والحقيقة أن كثيراً من ألفاظ التضاد يمكن تأويله على وجه آخر يُخرجه من هذا الباب ففي بعض الأمثلة استعمل اللفظ في ضد ما وضع لمجرد التفاؤل كالسليم للملدوغ والريان والناهل للعطشان أو للتهكم كإطلاق لفظ العاقل على المعتوه أو الأحمق وقد يجيء التضاد في الظاهر من اختلاف مؤدي المعنى الواحد باختلاف المواقع وذلك مثل كلمة فوق التي قالوا أنها قد تستعمل في ضد معناها الأصلي فتأتي بمعنى دون كما في قوله تعالى : { إن الله لا يستحي ان يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها}أي فما دونها .(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فقه اللغة العربية وخصائصها للدكتور إميل بديع يعقوب ص : 181-185.
شــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــروط التضــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
من شروطه اتحاد الكلمة ومتعلقاتها في المعنيين ؛ لأن أي تغيير فيها ، أو في متعلقاتها ، يخرجها عن كونها بذاتها تحتمل المعنيين المتضادين ، فلا نعدّ لذلك :" ظاهر عنك " بمعنى : زائل و " ظاهر عليك " بمعنى : لازم من كلمات الأضداد ، كما أنه ليس من الأضداد كذلك : " راغ على " بمعنى أقبل ، و " راغ عن " بمعنى : ولّى .
وقد صرح أبو الطيب اللغوي مرة بأن " شرط الأضداد أن تكون الكلمة بعينها ، تستعمل في معنيين متضادين ، من غير تغيير يدخل عليها "
كما أننا لا نعد من كلمات الأضداد ، ما ترك اللغويون العرب الاستشهاد على أحد معنييه ؛ لأنه لم يثبت في كلام العرب أنه استعمل بهذا المعنى ؛ مثل قولهم : إن " قسط " تعني : عدل أو جار ، فالمعنى الأول لا دليل عليه ، أما الثاني فقد ورد في قوله تعالى " وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً " .
كذلك نستبعد من كلمات الأضداد ، تلك التي صحفها اللغويون أو حرّفوها .(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فصول في فقه العربية للدكتور رمضان عبد التواب ، 340 ، 341.
التضــــــــــــــــــــــــــاد في القـــــــــــــــــــــــــــــــــــرآن الكــــــــــــــــــــــــــــــريم :
تتبع الكاتب ما ذكره المتقدمون من ألفاظ الأضداد الواردة في القرآن، وقام بدراسة تلك الألفاظ دراسة تحليلية على ضوء مساقاتها في القرآن، وخَلُص إلى نفي صفة الأضداد عن تلك الألفاظ. وحلل ما يزيد عن مئة وثلاثين كلمة قرآنية مستنبطة من كتب الأضداد، رتبها ترتيباً أبجدياً، ودرس كل لفظ على حده، وفقاً للمنهج التأريخي، وبقياس اللفظ على أمثاله من القرآن الكريم، وخلص بهذا الصدد إلى إبطال دعوى التضاد في ألفاظ القرآن. ومن الألفاظ التي درسها لفظ (حنيف)، حيث ذكر أن كتب الأضداد تذكر أن لفظ (الحنيف) يدل على المائل والمستقيم، ثم بيَّن أن هذا اللفظ ورد في القرآن اثنتي عشرة مرة، جاء في كل تلك المواضع بمعنى الاستقامة والبحث عنها، لا غير، كقوله تعالى: {قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} (البقرة:135). ومن الألفاظ التي تناولها الباحث لفظ (الخَلَف)، فهذا اللفظ عند من يقول بضديته، يدل على الولد الصالح، والولد الطالح. وبعد أن بيَّن الباحث أن هذا اللفظ ورد في القرآن مرتين؛ أولهما: قوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى} (الأعراف:169)، وثانيهما: قوله سبحانه: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} (مريم:59)، رد هذا القول، وقرر أن هذا اللفظ لا يدل إلا على معنى (الولد)، أما تخصيصه بـ (الصالح)، أو (الطالح) فإنما هو مستفاد من سياق الآيتين، وفي كلا الآيتين يدل السياق على أن المقصود بـ (الخلف) الخلف الطالح، أما الخلف الصالح، فيدل عليه قول حسان : لنا القدم الأولى إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع
وعلى هذا النسق درس الباحث ما ذكره جامعو مواد الأضداد من ألفاظ القرآن، وخلص إلى نفي الأضداد في ألفاظ القرآن .(1) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) التضاد في القرآن (بين النظرية والتطبيق) ، محمد نور الدين المنجد ، دار الفكر المعاصر ، 2007 .
آثـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاره الإيجــــــــــــــــــــــابية :
يعد التضاد ظاهرة لغوية مهمة في إيضاح المعنى حيث إن مضاد الكلمة يوضح معناها ويجليه، على الرغم من أن التضاد لا يكون كاملا إلا في حالات نادرة، ولكن يكون غالبا في سمة أو أكثر مثال:"ميت"مضادها؛ حي أي أن التضاد حدد في سمة الحياة فقط، مع أن ميت فيها سمة الحياة والجنس والنوع...بمعنى أنه يمكن أن يكون، رجل ميت وعصفور/طفل ميت ورجل حي. بل إن المضاد في بعض الأحيان لا يصلح مع النوع نفسه والمضادات هي نوع من أنواع الترادف السلبي؛ حيث تؤدي المرادفات الصفة الإيجابية للمجالالدلالي، بينما تؤدي المضادات الصفة السلبية. وعلى هذا الأساس، فإن التضاد يقوم بإبراز السمات الدلالية من جانب، وإثراء المعجم من جانب آخر، علاوة على الربط الدلالي بين المجالات .
إذا تأملنا العلاقة بين اللفظ المشترك والترادف والتضاد وجدناها كما يلي :
1- أن عدد المضادات لا يتساوى مع عدد المترادفات، ففي بعض الأحيان يزيد، وفي أحيان أخرى يقل .
2- أن الكثير من الكلمات لا مضاد لها، وأكثر الوحدات الصرفية التي لها مضادات هي الصفات . 4- أن المضادات التي لها صورة مشتقة لا تتساوى مع صورة مشتقة أخرى، مثل: حب:ح ب ب(س) وداد، ميل، محبة، مودة، هيام، غرام، هوى، إعزاز، شغف، جوى، صبوة، إخلاص، تلطف.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الألفاظ المتقاربة المعنى لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني ، تحقيق ودراسة فتح الله صالح علي المصري ،الوفاء للطباعة والنشر ،1987 .
3- المشترك اللفظي : لغة : من الفعل اشترك يشترك والمشترك اسم مفعول .(1) اصطلاحاً: هو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل اللغة.(2)
مثال :لفظ( الحوب ) الذي يطلق على أكثر من ثلاثين معنى منها : الإثم والأخت والبنت والحاجة والحزن والضرب رقة الأم وغيرها . أسبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــابه : 1- اختلاف اللهجات العربية القديمة فمعظم ألفاظ المشترك جاء نتيجة اختلاف القبائل في استعمالها وعندما وضعت المعاجم ضم أصحابها المعاني المختلفة للفظ الواحد دون أن يعنوا بنسبة كل معنى إلى القبيلة التي كانت تستعمله . 2- التطور الصوتي الذي يطرأ على بعض أصوات اللفظ الأصلية من حذف أو زيادة أو إبدال فيصبح هذا اللفظ متحداً مع لفظ آخر يختلف عنه في المدلول فقد طرأ مثلاً على لفظة النغمة واحدة ( النغم) تطور صوتي بإبدال الغين همزة لتقارب المخرج فقيل النأمة بمعنى النغمة وكذلك بالنسبة ل( جذوة) و( جثوة ) . 3- انتقال بعض الألفاظ من معناها الأصلي إلى معان مجازية أخرى لعلاقة ما ثم الإكثار من استعمالها حتى يصبح إطلاق اللفظ مجازاً في قوة استخدامه ومن ذلك لفظ ( العين) مثلاً فإنه يطلق على العين الباصرة وعلى العين الجارية وعلى أفضل الأشياء وأحسنها وعلى النقد أو الفضة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فقه اللغة موضوعه ، مفهومه ، قضاياه ، محمد إبراهيم الحمد ، ص 177. (2) فقه اللغة العربية وخصائصها للدكتور إميل بديع يعقوب ، ص 178.
4- العوارض التصريفية التي تطرأ على لفظين متقاربين في صيغة واحدة فينشأ عنها تعدد في معنى هذه الصيغة ومن الأمثلة على هذا النوع من الاشتراك لفظ ( وجد) فيقال وجد الشيء وجوداً أو وجداناً إذا عثر عليه ووجد عليه موجدة إذا غضب ووجد به وجداً إذا تفانى في حبه(1).
موقف الباحثين من المشترك اللفظي : اختلف الباحثون في مسألة ورود المشترك اللفظي في اللغة العربية إذ أنكره فريق منهم مؤولاً أمثلته تأويلاً يخرجها من بابه كأن يجعل إطلاق اللفظ في أحد معانيه حقيقة وفي المعاني الأخرى مجازاً وكان في طليعة هذا الفريق ابن درستويه في كتابه ( شرح الفصيح) فإذا ظن اللغويون أن لفظ ( وجد) مثلاً يفيد عدة معان : عثر ، غضب ، تفانى في حبه ، فإنه لا يسلم بأن هذا لفظ واحد قد جاء لمعان مختلفة وإنما هذه المعاني كلها شيء واحد وهو إصابة الشيء خيراً أو شراً وذهب فريق آخر إلى كثرة وروده فأورد له شواهد كثيرة ومن هذا الفريق الأصمعي وأبو عبيدة وأبو زيد الذين أفردوا لأمثلته مؤلفات على حدة والحق أن الاشتراك ظاهرة لغوية موجودة في معظم لغات العالم ومن التعسف إنكار وجودها في العربية .(1)
شروط المشترك اللفظي :
الدكتور إبراهيم أنيس لا يسلم بالمشترك إلا إذا دلت النصوص على أن اللفظ الواحد يعبر عن معنيين متباينين كل التباين ." وأما إذا أتضح أن أحد المعنيين هو الأصل ، وأن الآخر مجاز له ، فلا يصح أن يعد هذا من المشترك اللفظي في حقيقة أمره ".
ويقول : " لقد كان ابن درستويه محقاً حين أنكر معظم تلك الألفاظ التي عدت من المشترك اللفظي ، واعتبرها من المجاز . فكلمة ( الهلال) حين تعبر عن هلال السماء ، وعن حديدة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) فقه اللغة العربية وخصائصها للدكتور إميل بديع يعقوب ، ص: 178،179.
الصيد التي تشبه في شكلها الهلال ،وعن قلامة الظفر التي تشبه في شكلها الهلال ، وعن هلال النعل الذي يشبه في شكله الهلال ، لا يصح إذاً أن تعد من المشترك اللفظي ، لأن المعنى واحد في كل هذا ، وقد لعب المجاز دوره في كل هذه الاستعمالات ، ذلك لأن المشترك اللفظي الحقيقي إنما يكون حين لا نلمح أي صلة بين المعنيين ، كأن يقال لنا مثلاً إن الأرض هي الكرة الأرضية ، وهي أيضاً الزكام ، وكأن يقال لنا إن الخال هو أخو الأم ، وهو الشامة في الوجه ، وهو الأكمة الصغيرة . ومثل هذه الألفاظ التي يختلف فيها المعنى اختلافاً بيناً قليلة جداً ، بل نادرة ولا تكاد تتجاوز أصابع اليد عداً ". (1)
المشترك اللفظي في القران الكريم
من المشترك اللفظي في القرآن كلمة ( أرض )
وقد وردت في القرآن على ثلاثة معان:
1- تطلق على الكوكب الذي يعيش عليه الإنسان ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا ﴾ [البقرة: 22
2- تُطلق على جزءٍ من هذا الكوكب ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ يوسف: 55
3- أُطلقت في القرآن على أرض الجنة ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [الـزمر: 74].
من المشترك اللفظي في القرآن الكريم كلمة ( أحصن )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دراسات في فقه اللغة ، محمد الأنطاكي ، الطبعة الرابعة ، دار الشرق العربي ص 308 ،309 . (1)
ويُطلق الإحصان في القرآن على ثلاثة معان :
1- الحرية، ومنه ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [النساء: 25]، أي الحرائر
2- العفة،ومنه ﴿ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾ [النساء: 25]، أي العفيفات، ومنه ﴿ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾ [المائدة: 5]، وقبلها ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ ﴾ [المائدة: 5] مرتين، وكلها يفيد معنى العفة .
3- التزوج، ومنه ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ ﴾ [النساء: 24]، أي ذوات الأزواج .
الآثار الإيجابية للمشترك اللفظي :أدت كثرة المشترك اللفظي في العربية ، إلى ذيوع ظاهرة " التورية" فيها ، وهي عبارة عن استخدام الألفاظ المشتركة ، في معان غير متبادرة منها . وكذلك استخدمه بعض الناس ، حيلة للخروج من اليمين المكره عليها؛ فقد ظن هؤلاء إذا أقسموا يمينا على شيء ، أنهم يرضون ضمائرهم بالقصد إلى معنى ، غير ما يفهمه السامع ، فإذا قال إنسان : والله ما سألت فلانا حاجة قط ، فإنه يقصد في نفسه من لفظ : "حاجة" معنى آخر غير الشائع لهذه اللفظة . و " الحاجة" ضرب من الشجر له شوك ، وهذا هو المعنى الغامض ، الذي يقصد إليه الحالف هنا . وقد ألف ابن دريد كتابه " الملاحن " لهذا الغرض ، وجمع فيه نحوا من أربعمائة كلمة ، من كلمات الحيل في القسم ، من المشترك اللفظي في العربية كما أفاد من ظاهرة المشترك اللفظي كذلك ،ـ بعض علماء اللغة ، الذين ألفوا في المشجَّر والمُداَخَل والمُسَلْسَل . (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) فصول في فقه العربية ، للدكتور رمضان عبد التواب ص 335 ، 336 .