عن كتاب: Pragmatics
تأليف: جورج يول George yule
ترجمة: د. حميد حسونبجية
تهتم التداولية بدراسة المعنى الذي يحاول المتكلم(أو الكاتب) أن يوصله والسامع (أو القارئ) أن يؤوّله. ولهذا فالتداولية على علاقة مباشرة بتحليل ما يقصدهالمتكلمون من خلال ما يستخدمونه من تعابير أكثر مما تعنيه الكلمات أو العباراتالمستخدمة في تلك التعابير في حد ذاتها. فالمقصود بالتداولية هنا إذن دراسة المعنىالذي يقصده المتكلم. ويشتمل هذا النوع من الدراسة بالضرورة على تأويل ما يقصدهالمتكلمون من وراء أقوالهم في سياق معين، وكيف أن ذلك السياق يؤثر فيما يقال. ويتطلب ذلك الأخذ بنظر الاعتبار تنظيم المتكلمين للخطاب الذي يريدون إيصاله اعتماداعلى نوع الأشخاص الذين يخاطبونهم ومكان وزمان الخطاب وتحت أية ظروف يجري ذلكالخطاب. وهنا تعني التداولية دراسة المعنى السياقي.
وتتحرى التداولية كيفية تمكّن السامعين من عقد الاستدلالات المطلوبة حول ما يقوله المتكلم من أجل التوصل إلى ما يقصده ذلك المتكلم من وراء أقواله. كما أن التداولية تتحرى كيف أن الكثير مما يُعبّر عنه يجري تمييزه على أنه جزء مما يراد إيصاله. فالتداولية إذن هي دراسة كيفية أن ما يراد إيصاله هو أكثر مما يُعبّر عنه بالفعل. وهذا المنظور يثير السؤال حول ما الذي يحدد الاختيار بين ما يقال وما لا يقال. فالجواب الجوهري يكمن في ارتباطه بفكرة المسافة. إذ أن القرب سواء أكان فيزيائيا أم اجتماعيا أم من حيث المفاهيم سينطوي بداهة على التجربة المشتركة (بين المتحاورين). فيحدد المتكلمون الحاجة إلى نوع الكلام اعتمادا على مقدار قرب السامع أو بعده. فالتداولية هنا هي دراسة كيفية التعبير عن البعد النسبي. هذه هي المجالات الأربعة التي تهتم بها التداولية. ولكي نفهم كيف أصبح الأمر هكذا، علينا أن نستعرض باختصار علاقة التداولية بمجالات التحليل اللغوي الأخرى. علم نظم الجمل وعلم الدلالة والتداولية: تقوم إحدى محاولات التفريق في مضمار التحليل اللغوي بإجراء مقارنة بين التداولية و علم نَظم الجمل syntax وعلم الدلالةsemantics . فعلم نظم الجمل تعريفا هو دراسة العلاقات بين الصيغ اللغوية المختلفة، وكيف أنها مرتّبة في سلاسل مت وأن أيا من تلك السلاسل مرتبة بشكل مقبول. ويحدث هذا النوع من الدراسة عموما دون الأخذ بنظر الاعتبار ما تشير إليه تلك الصيغreference أو مَن يستخدمها. أما علم الدلالةsemantics فهو دراسة العلاقات بين الصيغ اللغوية والكيانات (الأشياء)الموجودة في المحيط، أي كيفية ارتباط الكلمات لفظيا بتلك الأشياء. كما أن التحليل الدلالي يحاول توطيد العلاقات بين الأوصاف اللفظية والحالات التي تحدث في المحيط على أنها صحيحة (حقيقية) بغض النظر عمن يقدم ذلك الوصف. أما التداولية فهي دراسة العلاقات بين الصيغ اللغوية ومن يستخدم تلك الصيغ. وفي إطار هذا التمييز الثلاثي الأبعاد، تأخذ التداولية في تحليلها مستعمِل اللغة بنظر الاعتبار. ومن الفوائد المتحققة من دراسة اللغة تداوليا هي أننا يمكننا أن نتحدث عما يقصده الناس من مقاصد من خلال ما يستخدمون(من صيغ لغوية) عندما يتكلمون، وكذلك ما لديهم من افتراضات وأهداف ومآرب من وراء ذلك، إضافة إلى أنواع الوظائف اللغوية(من قبيل الطلب request مثلا) الذي يقومون بأدائه عندما يتكلمون. أما نقطة الضعف الكبرى في التداولية فهي أن كل هذه الأفكار الإنسانية بحد ذاتها عصية للغاية على التحليل بطريقة ثابتة وموضوعية. فمثلا قد يقصد صديقان متحاوران أفكارا معينة لكنهما يستنتجان أفكارا أخرى غيرها دون وجود أي دليل واضح يعتمد على ما يُنطق من تعابير يمكن الاحتكام اليها. وهكذا فإن التداولية حقل ممتع لأنها تدور في إطار كيفية تكوين الناس فكرة عما يدور بينهم لغويا، لكنها يمكن أن تكون حقلا من الدراسة مخيبا للآمال لأنها تتطلب منا أن نكوّن فكرة عن الناس وعما يدور في أذهانهم. الإنتــــــظام ومن حسن الحظ أن الناس يميلون إلى التصرف بطرق غاية في التنظيم قدر تعلق الأمر بالاستعمال اللغوي. وان بعض ذلك الانتظام متأت من حقيقة كون الناس أعضاء في مجموعات اجتماعية ويتّبعون أنماطا من السلوك يمكن توقعها ضمن الجماعة نفسها. فضمن مجموعة اجتماعية معينة لا تتصف بالرسمية(كأن تكون عائلية مثلا) عادة ما نجد من السهولة بمكان أن نكون ملتزمين بالتأدب المطلوب و نقول ما هو مناسب. أما في وضع غير مألوف، فإننا غالبا ما نكون غير متأكدين مما نقول، وقد نكون قلقين من أننا نقول ما هو غير مناسب. ففي بداية إقامتي في العربية السعودية، كنت أحاول أن أجيب عما كان يوجه إلي من أسئلة حول صحتي(وهو المكافئ في اللغة العربية للسؤال في اللغة الانكَليزية How are you?)، باستخدام إجابات روتينية مألوفة "Okey"" أو"Fine". لكنني لاحظت فيما بعد أنني عندما كنت أسأل سؤالا مماثلا، أجد أن الناس يجيبونني بعبارة تعني حرفيا"Praise be to God " أي "الحمد لله". وبدأت في الحال أتعلم استعمال التعبير الجديد، في مسعى مني لأن تكون عباراتي مناسبة سياقيا. وفي واقع الأمر، لم يكن النوع الأول من إجاباتي "خطأ"(فلم تكن مفرداتي أو طريقة لفظي للكلمات تعوزهما الدقة)، لكنها كانت تعطي الانطباع من أنني غريب عن ذلك المجتمع لأنني كنت أجيب بطريقة لا يتوقعها أفراده. في بداية الأمر، لم أكن أعرف ذلك: فقد تعلمت بعض الصيغ اللغوية في اللغة العربية دون تعلم تداوليتها، أي كيفية استخدام تلك الصيغ بشكل منتظم كما يستعمله الناطقون باللغة العربية. ويكمن مصدر آخر لانتظام الاستعمال اللغوي في حقيقة أن أكثر الناس في مجتمع لغوي معين يتمتعون بتجارب أساسية تخص معرفتهم للعالم من حولهم ويقتسمون الكثير من المعرفة غير اللغوية. فنحن نقدم في منتصف الحوار معلومات، كما في الجملة الآتية: I found an old bicycle lying on the ground. The chain was rusted and the tires were flat. عثرت على دراجة هوائية قديمة موضوعة على الأرض. كانت سلسلتها صدئة وعجلتاها مفرغتي الهواء. فليس من المحتمل أنني سأتعرض لسؤال لماذا ذكرت السلسلة والعجلتين. فقد افترضت عادة أنك (بصفتك سامعا) ستستنتج أن (س) هي دراجة هوائية، وأن (س)لها سلسلة وعجلتان(وأجزاء أخرى عديدة). واستنادا الى ذلك سيكون من الغريب تداوليا قول الجملة التالية: I found an old bicycle. A bicycle has a chain. The chain was rusted. A bicycle also has tires. The tires were flat. عثرت على دراجة هوائية قديمة. للدراجة الهوائية سلسلة. كانت سلسلتها صدئة. كما أن للدراجة الهوائية عجلتين. كانت العجلتان مفرغتي الهواء. فإنك ستظن أن تلك العبارات قد أفصحت عن معلومات أكثر مما ينبغي، وأنك-
بوصفك سامعا- عوملتَ وكأنك لاتمتلك أية معلومات أساسية،(وأنك أبله). ومرة أخرى لا يوجد ما هو غير ملائم فياستعمال الصيغ اللغوية، لكن وضع التداولية كان بشكل خاطئ يوحي بالإهانة. تمثل أنواعالانتظام المذكورة أعلاه أمثلة على الاستعمال اللغوي غاية في البساطة، غالبا ماتهملها معظم التحليلات اللغوية. ------------------------------------------------------------
(1) يفضل البعض ترجمة كلمة pragmatics بالمقاميات اقتداء بالقول المأثور"لكل مقال مقام". كما يسميها البعض بالفعليات لأناللغة نوع من الفعل. في حين يبقي البعض على تسميتها بالبراكَماتيات. ويستعمل آخرونكلمة ذريعيات أو كلمة ذرائعيات وهما صيغتان مخطوءتان.
- موقع: صوت العراق -