كانت ترقد على الفراش إمرأة شابة يبدو من اصفرار وجهها أنها تعاني وابل مرض،وكان يجلس أمامها شاب في مقتبل العمر يثقل جفنيه القلق،يطالع وجه المريضة في حزن عميق.
ويعطف رأسه إلى مهد جديد ويتمتم: «اللهم صن حياة الأم المسكينة ...وطفلتنا البريئةََ ».
في ذات ليلة سمعها تقول :«صابر...أنا متألمة خجلة،زوجي! أحسن الأزواج? أما أنا فشقية ...لست أهلا لوفائه».
ولكن الشاب أدرك أنها ماضية في هذيانها الذي لا ينتهي ثم سمعها تقول مرة ثانية:«أف...والخيانة... إنها شيء قذر...».
في الليلة التالية منع عنها الدواء ليعاودها الهذيان،ليسمع الحقيقة كاملة،ولكن الزوجة لم تنم ولم تهذ واشتد عليها الألم الموجع.
وعند منتصف الليل احتضرت المريضة ،وفاضت روحها.
لم يحزن لموتها،لكن الحقيقة لم تغب عنه فقال:« لم تمت كما يضنون ...أنا قتلتها... قتلتها لأني منعت عنها الدواء.»،ثم قال مرة أخرى:« وقتلتني هي حيا،وألصقت اسمي بطفلة إنسان آخر...»
انقضت الأيام التي أعقبت الوفاة ،وفجأة قرر السفر إلى مصر، وهناك استقل سفينة وألقى بنفسه في البحر ،خلاصا من عذابه وآلامه،محتفظا بأسراره لقلبه ولبطون الأسماك.
وكان يترحم عليه الناس فيقولن:« ما رأينا إنسان يحب زوجته كالمرحوم صابر،فلا هو صبر على فقدانها ولا احتمل الدنيا بعدها،فقضى على نفسه بعد موتها بأيام .. رحمهما الله »
النهــــــــــــاية
من كتاب همس الجنون لنجيب محفوظ، قصة الهذيان-بتصرف-

عفوا