الواقعية السحرية [center]
انتصار الغريب
ان مصطلح الواقعية السحرية أو الحقيقة الرائعة ، ربما يثير تساؤلات كثيرة تساورنا لدى مطالعتنا للكثير من الاعمال الروائية التي ترجمت الى العربية في العقود الاخيرة وهي أعمال هامة ومفيدة. واحتلت مكانة هامة في الأدب العالمي ، انه حلم سحري ونوع من التحليق في عالم الخيال ، كما وصفه أحد النقاد ، فنحن نقف على نوع جديد من الأدب يملك رؤى سحرية خاصة تجمع في ثناياها العديد من الفلسفات والرؤى الانسانية المعاصرة والخيال والميثولوجيا والرومانسية وحكايات العجائز والقبح السياسي والحزن والحب والالم في مزيج سحري رائع ، كما تمزج تلك القصص بين الواقع والخيال القريب من الحقيقة ، وفي نفس الوقت استحوذت على اعجاب القراء في شتى أنحاء العالم . لقد سكب هؤلاء الكتاب كل مايعرفونه عن الحضارات القديمة والاساطير وعشرات الموضوعات والاستكشافات وأعطوا الأدب مذاقا جديدا لم يجده القراء في أدب آخر في كتاب " مائة عام من العزلة " للكولومبي ماركيز اعتقد النقاد بأن زمن الواقعية السحرية قد بدأ فعلا وهي بالنتيجة تعبر عن شئ جميل وذلك في مقابل الواقعيات الاخرى الموضوعية أو الذاتية وتحدث عنها الكتاب والنقاد باستفاضة وتعود آثارها الى عام 1920 عندما اكتشفت من قبل مجموعة من الرسامين حيث كانت تنشط سياسة المستعمرات حينذاك والعالم خارج من أعتاب الحرب العالمية الاولى ، كان القصاصون والشعراء في تلك الفترة الحرجة يصورون الاحداث بطرق فانتازية مختلفة ، في محاولة لصنع المستحيل وخلق نوع من الواقعية المطلوبة بعد أن اتت الحرب على الاحلام والآمال وكذلك استخدم الشعر لوصف الخيالات ومشاعر الغضب الدفينة ، بأسلوب نثري على سبيل المثال الشاعر جورج لويس بورجوس في الارجنتين ، وفي أعمال الكاتب الكولومبي غابرييل جارسيا ماركيز والالماني غونتر جراس والانجليزي جون فاولس .حاول هؤلاء الكتاب جهدهم صناعة نماذج مختلفة من الواقعية ، تمثل نهايات غير مألوفة وأحداث تصويرية مع استثمار عناصر الفانتازيا والحلم المشابه وأفكار مشتقة من الاسطورة وقصص الخرافات وأهم الأعمال التي ظهرت في ذبك المضمار رواية ماركيز " مائة عام من العزلة"، هنا يمتزج الواقع بالخيال ، بصورة يصعب الفصل بينهما ، أدب من ذلك النوع يتميز بتوفر عنصر الفانتازيا في صلب الرواية أو القصة مع وجود حاسة التشويق والمتعة مع ترقب النهاية وعلى الرغم من ذلك لم يسلم ذلك الادب من الجدل وتعرض خلال عقود من الزمن لسلسلة من الهجوم والانتقاد الحاد ، فالبعض وصفه بانه أدب جاء نتيجة للشعور بالاحباط من سياسة المستعمر أو تعبير جديد استخدم لوصف هذا الخيال وجعله يبدو مختلفا عن الادب الآخر ، أو اسلوب انتهجه كتاب اميركا اللاتينية لاحداث انتعاش اقتصادي في تلك البلاد المنهكة من سياسة التدخل والهيمنة الامبريالية وفشل الثورات ، الآخر يعتقد بان مصطلح الواقعية السحرية استخدم على نطاق محدود جدا ويبدو انه سلك طريقا مغايرا لازاحة الخيال عن الادب الجاد . الكاتب ."روبرت سخولس" عرف ذلك المصطلح بالخيال الميتافيزيقي ولايصلح الا للروايات الطويلة والمتنامية الاحداث ،التي تخترق بطرق مختلفة كل التوقعات الروائية من خلال استخدام عنصر الحسم وهي ذات تأثير كبير على القارئ من خلال استخدام التسلسل الزمني المؤقت ،الفانتازيا ، الاسطورة والكوابيس كما انه يمحو الروابط التقليدية بين ماهو تراجيدي وجدي ، مرعب وكوميدي العادي والمبتذل , مع متابعتنا المتكررة للقصص والروايات الواقعية منذ بداياتها الاولى بدأنا نتساءل عن ماهيتها ، فهي تنتمي فعلا الى أدب الخيال العلمي ، أم عبارة عن خليط من عناصر التسلية ، والتشويق ، في الحقيقة ليس كما أطلق عليه البعض بالادب الهارب ، فمهمة الخيال الجاد ليس الهروب كما في حالة الخيال العلمي ، أو كما لو رحلنا مائة عام الى المستقبل ولكنه يساعد في البحث عن أماكن ملائمة وصالحة للعيش ، انه الحقيقة ، الاستكشاف ، تصوير الانطباعات عن عالم اليوم ، في اطار فانتازي مشوق ، بمقدور الخيال استنباط الحقائق وربما تولى أدب الخيال العلمي تلك المهمة ولكن الواقعية السحرية تتميز بالجدية ولايمكن أن تسمى أدبا هاربا لانها تحاول نقل الواقعية الى أنحاء العالم ، واقعية تختلف عن الثقافات التي اعتدنا عليها متذ نعومة أظفارنا , وان الخيال العلمي يعتمد دائما على التأمل والرؤى المستقبلية ، كما في تصوير الحياة على الكواكب الاخرى وزوار كوكب الارض الغرباء والصحون الطائرة وتصوير العنف البشري ، الخرافة والاحلام والكوابيس ، ان مهمة الخيال العلمي غير زائفة بالتأكيد ، لقد ازداد اهتمام العالم والغرب بالذات بالظواهر الخارقة والغيبيات وهي التقمص والسحر والتنجيم والطقوس وعبادة الشطان وغيره.