هذا المقال للدكتور الأستاذ بومدين بوزيد منقول عن جريدة الخبر الجزائرية
[تمجيد الاستعمار بــأموال الاستقلال]
06-04-2012بومدين بوزيد
ألفت الانتباه في هذه الأسطر إلى خطورة قد تستفحل إذا لم ننبّه عنها ونضع شروطا علمية وقانونية لتسيّب وسبهللة في إعادة طبع كتب ونصوص ترويجية إعلامية نُشرت زمن الاحتلال الفرنسي تمجّد الاستعمار وتبرّر وجوده بأقلام بعض المـفتين ومشايخ جزائريين كانوا موظّفين لدى الإدارة الفرنسية، يُعاد طبع هذه المنشورات ويوزّع على المكتبات العمومية بأموال الدولة المستقلّة ـ وهي تحتفل عامها هذا بخمسينية الحرية ـ والاعتراض هنا ليس على أهمية قراءة هذه الكتب وتقديم دراسات علمية حولها، ولكن الترويج لها واعتبار ذلك إصلاحاً وتجديداً واجتهاداً، ويقع الخلط عند هؤلاء بين ما كتبه بعض المفتين والمشايخ في مجالات الفقه والتفسير واللغة وما طُلب منهم لتبرير الاستعمار واعتبار المقاومة والجهاد فتنة وتأويل النّص بما يتوافق مع الإيديولوجية الكولنيالية، أقدّم مثالاً هنا لنصّ نُشر سنة 1912 بمطبعة بيير فونتانا بالجزائر وأعيد طبعه في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية وهو للشيخ محمد بن مصطفى بن الخوجة (ت1915) عنوانه ''إقامة البراهين العظام على نفي التعصب الديني في الاسلام'' والمعاد طبعه بدار المعرفة الدولية للنشر بالجزائر. ففي صفحة 69 يقول باختصار أنّ الأمم الإسلامية اليوم عليها الاهتمام بالجانب المعيشي فقط، وأن الأمّة الفرنسية هي أقوى الأمم وهي سعيدة وكريمة ـ يسيل هنا قلمه بصفات المدح والتمجيد والدعاء بالخير على فرنسا ـ أما الآية الكريمة ''يَرثها عبادي الصّالحون''. فالمقصود هنا بالصالحين كالفرنسيين الذين عَمّروا الجزائر، ويُسمّي هذه الأمة بالباسلة وما علينا إلا الخضوع لها، ويختم بقوله أن الجهادَ فتنة لأن القتال ينبغي أن يكون بين المتكافئين، هذه أمثلة من كثير لا اتساع لنا للتفصيل. ونشير هنا إلى أن ابن الخوجة كان من المتأثرين بمحمد عبده، ولذلك النمطية الموروثة الشائعة في التصنيف بين النخب الدينية في زمن الاحتلال ليست سليمة، مثلاً كاعتبار أغلب الطرقيين الصوفيين كانوا هم فقط الموالين لفرنسا، واقتصار الذكر هنا بشخصية دينية كتبت بالعربية ليس معناه أن الذين يُحيون ما كتب بالفرنسية ويعيدون طبعه ويتبنّون روحه غير معنيين بقولي هذا.
إن قضايا الذاكرة والتاريخ والهوية واللغة العربية من أكثـر الموضوعات مُدعاة للمناقشة والاختلاف في بلدنا، لأنها تتسم بميزتين كونها ترتبط بالقداسة والاحترام والشخصية الوطنية، ولكون هذه المواضيع أيضاً من فعل الإنسان، أي التزاوج بين السّمة الرمزية للدين واللغة مثلاً والسّمة الاجتماعية ـ ومعناه تطبيقات ذلك في المجتمع كسلوك ـ والتصورات والأفكار التي تتكوّن عند المواطن والجماعة يجعل منها أيضاً فعلاً بشرياً قابلاً للنقد والرّد والقبول والرفض، وحين تتحكّم في بناء العلاقات الدّولية سياسياً واقتصادياً نكون أمام ''حمولة ثقافية ـ تاريخية'' تحتاج منّا إلى عدم التفريط فيها والذوبان في هوية وذاكرة الآخر، وكذلك إلى إعادة فهم هذه الحمولة وقراءتها من جديد وتطويرها وجعلها أكثـر قدرة على الحياة والاستمرار مع الأجيال، من هنا تصبح مهمّة الدولة ومؤسّساتها والنّخب العلمية في حماية هذه الذاكرة، وأن يتولّى أهل الاختصاص ذلك من مراجعة وتمحيص لما يُطبع والتحرّر من ''الترابندو الثقافي'' الذي للأسف تمارسه أيضاً بعض المؤسّسات الرسمية، فالإساءة للذاكرة تكون من الذين ''يُخرّبون بيوتَهم بِأيديهم''.
[b]