1. بعض مظاهر تركيب النص الشعري العربي
عبدالحق السالكي
27/ 02 / 2002
ما الأساس اللغوي أو التداولي الذي يحدد تركيب النص في العربية ؟
أهو الايقاع او الوزن كما يقول ابن عصفور الاشبيلي في كتابه ضرائر الشعر ؟
أم هي قضية النية و المقصدية كما ترى بعض اتجاهات تحليل الخطاب ؟
داخل باحة هذين السؤالين ، وفي هذا القرار المكين ستعشش مداخلتي التي تستهدف تحديد ايواليات تركيب النص الشعري العربي .
أنطلق لرصد هذه التساؤلات من خلال المجالات الآتية :
1- هرمية القصيدة .
2- الصورة .
3 – الضرورة الشعرية .
4 – الايقاع .
مفهوم الهرمية يعود بنا الى قضية عمود الشعر :
القصيدة في العصر الجاهلي كانت تتخذ هيكلة و نمطا تسير عليه ، هو عمودها حيث كان الشاعر يقف ويستوقف ،ويبكي الحبيبة
• أمر على الديار ديار ليلى * * فأقبل ذا الجدار و ذا الجدارا
• وما حب الديار شغفن قلبي * * ولكن حب من سكن الديارا
• و يقول امرؤ القيس :
• قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل * * بسقط اللوى بين الدخول فحومل
و سيتم هجر المقدمة الطللية في العصر العباسي لأسباب حضارية وثقافية يلخصها قول الجاحظ : " دولة بني مروان عربية أعرابية و دولة بني العباس أعجمية خرسانية " .
وفي هذا العصر سيتم تغير التصور لعمود الشعر ليصبح مرتبطا بقضايا فنية و دلالية يحددها المرزوقي في شرحه لديوان الحماسة :
" انهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصحته ، و جزالة اللفظ و استقامته ،و الاصابة في الوصف ، ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثة ، كثرت سوائر الأمثال و شوارد الأبيات ، والمقاربة في التشبيه و التئام أجزاء النظم على تميز من لذيذ الوزن ، و مناسبة المستعار منه للمستعار له ، و مشاكلة اللفظ للمعنى و شدة اقتضائهما للقافية حتى لامنافرة بينهما . فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر ، ولكل باب منها معيار ." .
و هذا العمود سيغير تدريجيا الى جذري مع الثورة الشعرية الحديثة ، حيث تغير الايقاع و تغيرت الصورة و العلاقة بين الدال و المدلول .
بهذه المقاربة البسيطة لخارج القصيدة العربية نحاول أن نتلمس طريقنا نحو داخلها .
يقول ابن عصفور الاشبيلي : " اعلم ان الشعر لما كان كلاما موزونا يخرجه الزيادة فيه و النقص منه عن صحة الوزن ، ويحيله عن طريق الشعر ، أجازت العرب فيه ما لايجوز في الكلام ، اضطروا الى ذلك أو لم يضطروا اليه ، لأنه موضع ألفت فيه الضرائر . " .
( الضرائر ، ص : 13 )
* الصورة .
ان سبيل الشعر هو ابداء الحقيقة ، لكن الحقيقة الشعرية حقيقة لغوية ترتكز الى قوانين الخطاب .
حين أقول : البحر أزرق .
هل أنا أمام الحقيقة أم لا حقيقة ؟
ان مصدر حكمي على البحر بالزرقة هي الحواس ، وهي هنا الأعين . ولكن ألم تقولوا : ان الحواس خداعة ؟
بل ما لون البحر بالليل ؟
ستقولون أسود .
و ها تعاقب الليل و النهار يغير اللون ؟
هذا اللباس الأحمر ، هل سيتغير الى أبيض أو أزرق بعد حين بفعل الانتقال الى لحظة زمنية أخرى ، لابفعل عامل صناعي كالصباغة مثلا ؟
هذه نماذج من الصور واليكم أخرى :
قال المتنبي :
أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
قال تعالى على لسان زكرياء :
" قال ربي اني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ربي شقيا " مريم/4
قالوا : أعذب الشعر أكذبه .
وقال حسان بن ثابت معبرا عن موقف الاسلام من القضية : أعذب الشعر أصدقه .
كم من حقيقة اذن في الشعر ؟
الحقيقة في العلم و الفن و الفلسفة نسبية ، وهي في النص الالهي كاملة مطلقة .
اذن نحن أمام حقائق .هذا التنوع نصادفه ونحن نتحدث عن الماهية ـ الهو ـ العلة الأولى ـ واجب الوجود .فما أدراك بما دونه ؟
اللغة الشعرية اما حقيقية أو مجازية.
لكن هل المجازية لا حقيقية ؟
انها حقيقية ولكن مزيفة . والتزييف في الشعر يتم عبر علاقات .ومن هذه العلاقات نذكر على سبيل التمثيل لاالحصر :
الجناس :
وقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا قلاقل عيش كلهن قلاقل .
قال أبو تمام :
رب خفض تحت الثرى وغناء من عناء و نضرة من سحوب .
الطباق :
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب .
بيض الصفائح لاسود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب .
ومن العلاقات الأخرى : التشبيه و الاستعارة والكناية ، la polysyndette أي العطف بدون اللجوء الى أداة العطف كالواو و غيرها . وهي خاصية يرى البعض أنها غير موجودة في اللغة العربية . لكن نقرأ للمتنبي ما يلي :
أقل أنل اقطع احمل عل سل أعد * * زد هش بش تفضل ادن سرصل
ثم زاد في هذا و تبلغض حتى صنع :
عش ابق اسم سد قد جد مر انه ره فه اسر نل
غظ ارم صب احم اغز اسب رع زع دل ائن بل .
فهذه رقية العقرب كما قال ابن وكيع ، ولا بد من شرحها .. قوله " عش ابق " دعاء له بالعيش
و البقاء ، و اسم: من السمو ، وسد : من السيادة : أي دم هكذا ، وقد : من قود الخيل ، وجد :
من الجود و السماح ، أو من الجود و هو المطر الغزير ، مرانه : من الأمر والنهي ، ره : من الوري و الوري داء في الجوف : أي اصنع ذلك بأعدائك وحسادك ، فه : من الوفاء ، اسر : من
سرى الليل ، يصفه بالعزم و الغارات ، ونل : من النيل والادراك ، أي نل ما تحب ، وغظ : من
غيظ الحسود ...الخ
علاقة تقليب الكلمة :
قال أبو الفتح البستي :
يا سائلي عن مذهبي عامدا * * ليقتدي فيه بمنهاجي
منهاجي العدل و قمع الهوى * * فهل لمنهاجي من هاج ؟
علاقة يعبر عنها في الفرنسية ب : zeugma
أي عطف لفظين احدهما محسوس و الاخر مجرد .
مثل : رأيت فتاتا ترتدي فستانا وجمالا .
و مثله أيضا قول أبي العلاء المعري :
الطاهر الآباء والأنباء وال_ * * آراب و الأثواب و الألاف
( الآراب : الحاجات ، مجرد ) .
علاقة المدح بما يشبه الذم .
قال الشاعر : فما يك في من عيب فاني * * جبان الكلب مهزول الفصيل .
وقال امرؤ القيس :
سمان الكلاب عجاف الفصال .
ظواهر وعلاقات تركيبة متعددة ومتنوعة زاد من تعددها تعدد المرجعيات الثقافية ، واغتناء البحث بمناهل عدة للثتقيف قديما وحديثا اذا استطعنا حصرها ثم التوفيق بينها يمكن أن نحدد مظاهر تركيب النص الابداعي .