اشكالية نشوء اللغة العبرية........بقلم: مـــوقاي بـــلال
اللغة العبرية هي لغة سامية تنتمي الى مجموعة اللغات الافريقية الاسيوية ، من الفرع الكنعاني، حاليا تنتشر كلغة حديث وادب وتعاملات رسمية ويتحدث بها حوالي 7 مليون شخص موزعين في حدود اسرائيل و الأراضي الفلسطينية .
وما يمكن قوله ايضا، هو ان اللغة العبرية الحديثة منبثقة من اللغة العبرية الكلاسيكية التي لم تعد مستخدمة كلغة حديث او كلغة تعاملات رسمية، انما تستخدم كلغة دينية يستعملها المتدينين اليهود في تعاملاتهم الدينية وهي بدورها نشأت في محاولة لإحياء اللغة العبرية القديمة التي ماتت في القرن الخامس وهي التي كتب بها العهد القديم.
لكن ما هو ملاحظ هو ان اليهود في العصور الوسطى، وإبان الحضارة العربية الاسلامية كانوا يكتبون باللغة العربية اضافة الى كل اللغات التي عاصروها فكتبوا بها، ثم بعد مرور عدة قرون حتى القرن 8م فكر اليهود في انشاء معجمية لغوية !
فما سر هذا التأخر ؟
وهل للعامل الديني دورا في ذلك .
مما تجدر الاشارة اليه بداية هو ان اللغة العبرية اتخذت عدة اسماء وهي:
1- لغة كنعان ( وهو اسم وارد في التوراة)
2- لغة اليهود ( كونها لغة مهمة في الديانة اليهودية )
3- اللغة المقدسة (بسبب نزول التوراة بها )
4- اللغة العبرية ( وهو اشهر الاسماء، وسميت بذلك نسبة الى العبرانيين الذين حملوا لواء اللغة من بعد الكنعانيين )
تـــاريخ اللغة العبرية:
1 – مرحلة ما قبل الميلاد: نجد ثلاث مراحل وهي:
ا- مرحلة العبرية القديمة الخالصة
ما قبل بابل مع يهوذا وإسرائيل )
بدأت هذه المرحلة في القرن 10ق م تقريبا وهنا كانت اللغة العبرية هي اللغة الشائعة في المناطق الجبلية في فلسطين، وعلى العموم كانت عبرية هذا العصر تتسم بالنقاء والبعد عن اي تأثيرات اجنبية ودون بها معظم اسفار العهد القديم
ب – مرحلة تدهور اللغة العبرية: ( عبرية ما بعد السبي )
تبدا هذه المرحلة في القرن 5 ق م حيث بدأت اللغة العبرية تنقرض رويدا رويدا و بدات اللغة الآرامية تحل محلها شيئا فشيئا حتى ماتت اللغة العبرية كلغة تخاطب وادب ولكن هل هذا يعني انها ماتت ؟
كلا لم تمت ولكنها ظلت تستعمل كلغة دينية فقط، فعلى الرغم من محاولة بعض الحاخامات النهوض بها، الا انهم فشلوا في مواجهة الصراع القائم انذاك بين العبرية والارامية
ج – مرحلة العبرية التلمودية : ( عبرية ما بعد السبي )
بعد ان اصبحت الارامية هي اللغة الرسمية في البلاد وجه الزعماء الدينيون جهودهم نحو شرح وتفسير العهد القديم باللغة الارامية لكي يفهم اليهود اصول وطقوس الدين اليهودي فكتبوا المشنا والجمارا ثم التلموذ وهنا ظهرت كتاباتهم متاثرة تاثرا شديدا باللغة الارامية كما احتوت بعض الالفاظ من اللغات الاخرى.
2 – ما بعد الميلاد:
ما يمكن قوله كبداية هو ان اللغة العبرية كان ينقصها التقعيد فحتى نهاية القرن 7م لم تكن لها حركات ولا تنقيط، ولكن مع القرن 8م بدات العبرية تتاسس كلغة فظهرت معاجم في اللغة العبرية نذكر منها:
1- الإكرون لسعدية الفيومي
2- رسالة يهوذا ابن قريش الى جماعة يهود فاس
3- جامع الالفاظ لداوود الابرهام الفاسي
4- الاصول لابي مروان بن حناح
5- الموازنة بين العبرانية واللغة العربية لابن اسحاق الاندلسي
6- الكناشة لمناحيم بن سروق
7- كتاب اللمع لابن حيوج
ومنه يكن القول ان كل هذه المعاجم ادت الى ظهور النحو واللغة العبرية ولكنها جاءت متأخرة، اذ ظهرت ابان الحضارة العربية الاسلامية، ومن هنا نعود ونتساءل ونقول/ مـــا سر هذا التأخر ؟ وهل للعامل الديني اثر في ذلك ؟
قبل ان نجيب على هذه الاشكالية نعرض اسهامات كل من اسحاق بن سليمان و سليمان بن جبرول
1 - اسحاق بن سليمان الاسرائيلي
اسرائيلي - بغدادي - قيرواني حوالي 851م )
كان عالما بالمنطق اضافة الى كونه مشهور بالفطنة تأثر بالأفلاطونية المحدثة ومدرسة القيروان المشهورة بالصناعة المنطقية.
من اهم كتبه:
1- كتاب الحدود
2- كتاب الجواهر، مدخل الى المنطق
3- كتاب التعاريف
ان ما هو ملاحظ هو ان اسحاق الاسرائيلي حاول ان يضبط الجمل اللغوية، الامر عائد بالأساس الى اهتمامه بالمنطق الذي ساعده على ذلك متاثرا بالكندي في كتابه " رسالة في الحدود" والحد عند ارسطو هو المعنى الواحد للكلمة، وهذا ما اخذه " اسحاق الاسرائيلي " وحاول تطبيقه على اللغة العبرية ومن ثمة ضبطها بالمنطق.
2 - سليمان بن جبرول:
وهو من يهود الاندلس كان مولعا بالمنطق والشعر الديني و الدينيوي
من اهم كتبه:
1 - التاج الملوكي واصلاح الاختلاف
2 - كتاب ينبوع الحياة ( يعني طريق عودة النفس الى مصدرها )
مصادر فكره:
1 - الديانة اليهودية 2 - الافلاطونية 2 - الافلاطونية 3 - الارسطية المتسمة بالطابع الاسلامي ( الكون - النفس - المادة - الصورة ) ونظرية الفيض.
اهتم ابن جبرول بالشعر الامر الذي ادى به الى الاستعانة بالاوزان والجذور والقوافي الشعرية العربية .
ومنه نقول في محاولة اولية بسيطة الاجابة على الاشكالية ، هو ان ذلك راجع الى تشتت اليهود وعدم استقرارهم على موطن واحد، الى ان استقروا نسبيا في الاندلس ، وبذلك عرفت اليهودية عصرها الذهبي بحكم جو التسامح والتعايش في الاندلس ، الامر الذي ساعد على ازدهار الانتاج الادبي واللغوي العبري وظهور شخصيات ما زالت تحتل مكان الصدارة حتى اليوم في الكتابات الدينية اليهودية والعبرية ك" موسى ابن ميمون " و سعديا الفيومي " .
لكن هذا العصر الذهبي للغة العبرية انتهى بسقوط الاندلس.
3 - موسى ابن ميمون:
قيل انه في 33 من عمره كان من شراح التوراة، حيث شرح اسفار موسى الخمس بالاضافة الى هذا بوبها تبويبا منطقيا، وبالتالي طبق المنطق على التوراة .
وعرف ايضا بتفسيره الرمزي ، وقيل انن لم يؤثر في اليهود احد منذ موسى عليه السلام الا موسى ابن ميمون.
اما بخصوص تفسيره للتوراة فهو قائم على ثلاثة معاني وهي:
1 - معان حرفية: موجهة للعامة ، السفهاء، السدج ، الغير متعلمين.
2 - معان رمزية :تحوي قصة الخلق او هي قصة الخلق
3 - معان مجازية: ذات الصفات الالهية، الله عالم بكل شيء ، وهو عين ذاته ، ومنه الصفات هي عين الذات.
كما نخص بالذكر امن " موسى ابن ميمون " يرى ان "عالم" عند اللعه ليست هي نفسها عند الانسان.
اذن ما هي الاسباب التي جعلت اليهود في العصور الوسطى يسعون الى جعل الغة العبرية لغة حية ؟
يمكننا اجمالها فيما يلي:
1 - التاثير العربي بقضايا النحو خاصة
2 - الخوف من مزاحمة اللغة العربية ذلك لانهم كانوا يكتبون باللغة العربية فخافوا بالتالي على طمس لغتهم مما يعني طمس هويتهم
3 - من ناحية دينية حاولوا تبسيط النص الديني لان لغتهم كانت لغة صعبة ومعقدة، وهنا كان لجوء اليهود الى اللغة العربية، ولكن بعد القرن 9م اعادوا الاعتبار في لغتهم وقاموا بنهضة فيها
*الاكرون لسعدية الفيومي :
يحتوي باحتصار على مايلي:
ا - مقدمة ( حروف اصلية، الزوائد...)
ب - الجذر المشترك: عبرية - عربية - سريانية
ج- ما تفردت به اللغة العبرية
*كتاب الكناشة لمناحيم ابن سروق:
يعرض فيه لأول مرة التصور الصرفي للأفعال والاسماء، وما تجدر الاشارة اليه هو ان " ابن سروق " كان معارضا لنشوء النحو العبري على معايير النحو العربي.
*كتاب اللمع لابن حيوج:
من هنا بالذات بدات تتجسد المرحلة العلمية.
*كتاب الموازنة بين اللغة العبرانية واللغة العربية للإبراهيم بن اسحاق الاندلسي:
قام فيه بموازنة بين اللغة العبرانية واللغة العربية.
من خلال ذلك كله اكتمل التصور الصرفي للأفعال، حيث كل فعل لا يقل 3 احرف.
وبالتالي اكتملت اللغة العبرية في حدود القرن 12/11م كلغة قائمة بذاتها.
من هنا نتساءل ونقول: هل باكتمال اللغة العبرية من حيث النحو والصرف وما الى ذاك جعل منها لغة حية متداولة بين اليهود ؟
نقول بانه بالرغم من اكتمال اللغة العبرية كلغة قائمة بذاتها لها قواعداها وخصوصياته الا انها لم تصبح لغة حديث طوال تلك الفترة الا انها اصبحت فيما بعد كما سيتضح من خلال هذة النبذة الخفيفة.
في حدود فترة الثمانينات من القرن 18م والمسماة بفترة الهسكلاة اعتيرت هذه المرحلة بداية عصر جديد في تاريخ الادب العلماني للغة العبرية، اذ اجتهدت جماعة من المتنورون اليهود يدعون بالمسكليم وذلك من اجا احياء اللغة العبرية وتحويلها الى لغة حديث بين الناس ، لكن رغم كل تلك المجهودات فشل مشروعهم.
ولكن مع بدا الاستيطان اليهودي لفلسطين استمر اللغويون العبريون في محاولاتهم لاخراج اللغة العبرية من الكتب والصحف الى الشارع واستعملوا الكثير من التعديلات والتطويرات من اجل تليينها على الالسن وتسهيلها، ونجحوا بالفعل في اخراج ما يعرف اليوم باللغة العبرية الحديثة.