من دروس فقه اللغة العربية : ـــ

( قوة اللفظ لقوة المعنى )

ألفاظ اللغة العربية أدلة معانيها , و أداة لنقل الأفكار و المعاني المرادة و ترجمة لها , إذ تنبئ تلك الألفاظ عما ينضوي تحتها من معاني , وقد يحتاج المتكلم إلى التعبير عن زيادة المعنى و إبانة قوته, و من ثَمَّ يقتضي منه ذلك زيادة في اللفظ المنبئ عن هذا المعنى و قوته , فكل زيادة في المعنى أو قوة فيه تقابلها زيادة و قوة في اللفظ الدال على هذا المعنى , وقد مثلت لغتنا العربية قوة اللفظ لقوة المعنى إذ اشتملت على كثير من الألفاظ التي جاءت فيها الزيادة اللفظية للدلالة على زيادة المعنى و قوته .
وللزيادة اللفظية الدالة على زيادة في المعنى و قوته مظاهر من أهمها ما يلي :

1 / التشديد :
ـــــــــــــــــــــــ
ورد التشديد في كثير من ألفاظ اللغة العربية كمظهر من مظاهر الزيادة اللفظية و للدلالة في الوقت نفسه على زيادة المعنى و قوته فمثلا إذا قلت قَطَعَ أو قَتَلَ بدون تشديد فإنه يكون الفعل قد حدث مرة أما إذا قلنا قَطَّع أو قَتَّلَ بتشديد عين الكلمة فإنها تدل على تكرار حدوث القطع أو القتل ووقوع فعله مرة بعد مرة وليس كذلك معناها حالة كونها غير مشددة فتكرير عين الكلمة جاء دالا على تكرير المعنى و قوته , فالزيادة اللفظية هنا جاءت جاءت مقابلة لزيادة المعنى ومن ذلك قول الله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يُقّتَّلوا أو يصلَّبوا أو تُقَطَّع َ أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } آية 23 سورة المائدة . فقد قرأ جمهور القراء بتشديد الأفعال الثلاثة ( يقتَّلوا ـ يصلَّبوا ـ تقطَّع ) و قد نسب التخفيف إلى بعض القراء مثل مجاهد و ابن محيصن , و من هنا نجد أن التشديد على قراءة الجمهور أفاد زيادة في المعنى و هو التكثيرفي حدوث القتل أو الصلب أو القطع .

2 / زيادة بعض الحروف على بنية الكلمة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد تزاد بعض الحروف على بنية الكلمة بقصد أن تكون تلك الزيادة اللفظية في مقابلة زيادة دلالية أي زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى فمثلا زيادة الواو و التاء في الرغبوت و الرهبوت تدل على المبالغة في الصفة لأن أصلها الرغبة و الرهبة و قد جاء في القرآن الكريم مثل ذلك في قوله تعالى { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين } آية 75 سورة الأنعام حيث ذكر العلماء أن معنى ملكوت السماوات و الأرض أي ملك السماوات و الأرض و أن زيادة الواو و التاء في ملكوت للمبالغة في الصفة و معنى المبالغة في الصفة هنا أن الرؤية لم تكن قاصرة على رؤية السماوات و الأرض فحسب بل رؤيتهما إلى جانب رؤية قدرة الله المعجزة و سلطانه و عزه ومن ذلك يتبين أن زيادة المبنى تقابلها زيادة المعنى .

3 / صيغ المبالغة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي صيغ تأتي بدلا من اسم الفاعل للدلالة على المبالغة في معنى الفعل , و ذلك أن صيغة فاعل تحتمل في دلالتها على الحدث القلة و الكثرة , فإذا أُريد الدلالة على كثرة الحدث حولت فاعل إلى إحدى هذه الصيغ و هي :
أ / فعَّال : مثل غفَّار و علَّام توَّاب .
ب / فَعُول : مثل غفور و شكور و صبور .
ج / مِفْعَال : مثل مِهذار و مِنحار .
د / فَعِيل : مثل عليم و بصير .
هـ / فَعِل : مثل حَذِر و نَهِم .
و تسمى هذه الصيغ بأمثلة المبالغة لأنها تدل نصا على المبالغةفي الحدث , و هي لا تستعمل إلا حيث يمكن التكثير .

4 / زيادة تاء التأنيث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأتي تاء التأنيث في اللغة العربية للفرق بين المذكر و المؤنث في الصفات مثل كاتب و صادق بدون التاء للمذكر فإذا أردنا التأنيث أضفنا تاء التأنيث فنقول كاتبة و صادقة وهذا هو الأعم الأغلب في تاء التأنيث , إلا أنها قد تأتي لأغراض أخرى غير التفرقة بين المذكر و المؤنث و من هذه الأغراض ورودها للمبالغة و زيادة المعنى إذ تدخل تاء التأنيث على بعض الألفاظ للمبالغة في الصفة مثل علامة و نسابة فالتاء هنا ليست للتأنيث و إنما هي للمبالغة في الصفة فالعلامة لكثير العلم و النسابة للعالم بالأنساب , وكذلك يقولون راوية لكثير الرواية يقال رجل راوية للشعر أي مكثر من روايته ومثل قوله رجل فروقة أي كثير الفرْق أي الخوف فالتاء فيما سبق ليست للتأنيث و إنما هي للمبالغة و الدلالة على الكثرة ومن ذلك قوله تعالى { و نسوا حظا مما ذُكِّروا به و لا تزال تطلع على خائنة منهم } آيه 13 سورة المائدة . فقد ورد لفظ خائنة بصيغة المؤنث و قد ذكر المفسرون في معناه عدة أوجه من بينها أنه أُريد به الخائن و تاء التأنيث فيه للمبالغة .

هذا و الله أعلى و أعلم.