اتساع الصدر

قال لي أحد أصدقائي المقربين : إني أتذكر اللحظة التي ولدت فيها و كم شعرت بالفرق بين حياتي في بطن أمي و اللحظة التي نزلت فيها من بطنها إلى الحياة ,فقد شعرت بالضيق الشديد بعد السعة ,و شعرت أن بطن أمي أوسع بكثير جدا من هذه الدنيا .
سمعت مقولة صديقي و الخاطر يجول في نفسي متهما صديقي بعدم الإدراك لما يقول ,وأنه ربما يكون مهموما ببعض مشاكل الحياة مما دفعه إلى هذا الخيال,ويبدو أن صديقي بفطرته شعر بهذا الخاطر الذي جال في جنبات نفسي , فنظر إلي مبتسما وهو يقول : هذه حقيقة يا أخي صدقني أنا أتذكر هذه اللحظة كأنها الآن حاضرة أمامي
و بعد أن انتهى صديقي من كلامه مؤكدا صدقه فيما يقول, سكن الخاطر المشكك في كلامه و انزوى داخل نفسي و بدأ يتحول من خلقته التشكيكية إلى خلقة أخرى نفخت فيها روح اليقين , فقالت لنفسي : لم لا تصدقين هذا الصديق ؟ فإننا نشعر في كثير من الأحايين عندما تبكينا الحياة بمبكياتها أن الدنيا أضيق في أعيننا من ثقب إبرة ,و قد ترجم هذا الشعور الشاعر حينما قال : كن جميلا ترى الوجود جميلا ... , فالدنيا تتسع و تضيق عند الإنسان قدر اتساع صدره وضيقه . فاتساع صدر الإنسان يجعل الحياة أمامه متسعة يغدو ويروح فيها مستبشرا فرحا لا يشعر بعناء وإذا شعر به وجد في نفسه متسعا له فاحتواه, وهكذا تمر الحياة سهلة ما دام الصدر متسعا , واتساع الصدر أمر معنوي ليس ماديا , أي : لا يتم بعملية جراحية يقوم بها جراح ماهر , و إنما هو ثمرة غرس غرس في النفس هو غرس الإيمان, فالمؤمن صدره يتسع بتوكله على الله , و استعانته به في كل أمور الحياة , فهو لا يتكلم إلا إذا كان لكلامه فائدة , لأن غرسه الإيماني أشرب معنى الحديث الشريف من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت , و الإنسان لا يقول خيرا و لا يسكت عن شر إلا إذا كان في نفسه متسع يتحرك فيه , ويبذر فيه بذور الخير و يجتث منه بذور الشر ليشعر بالطمأنينة , و يظلل بها من معه و المحيطين به , فما أحوجنا إلى اتساع الصدر كي نخرج من الأزمات ,ونعيش في سلام نفسي
د. شعبان شوقي