نزلت من قبتها البهية. لا شيء يشبهها حسنا وحبا وألما. عبرت كل الممرات . الأسلاك الشائكة أدمت خصريها. جميلة هادئة كانت تنظر الى أمكنة زورها التاريخ. كانت تقرأ على أرصفة المدن مدنا مرت من هنا وهناك. كانت ترى أرديتها حول الأعناق وابتسامات المارة تزيدها سخرية من نفسها. في يوم مشهود مرت بساحات المدن ، رأت نفسها عروس الاحتفالات بايقاعات جنائزية. لم تهتم ، فقد عرفت أن هذا لا يعدو أن يكون طقسا سنويا وذكرى عابرة في ساحات المدن. سمعت خطابات الوعيد المصطنعة مرفوقة بالقهقهات . عرفت أيضا أن هذا مجرد استدعاء لنزيف الذاكرة، وأنه - بعد انتهاء الحفل- سيحتفى بمغتصبها وينتشى بنخبه. أمسكت بجراح خصريها فتدفقت منها قطرات دماء زاهية. عادت أدراجها وعبرت كل الممرات، وعند المداخل وجدت لافتة طويلة عريضة غطت ساحات تلك المدن مكتوب عليها القدس لنا). اخترقتها . مزقتها. داستها بقدميها الحافيتين وسقطت قطرات دماء باردة على قطع اللافتة حتى حجبت الجملة المكتوبة وبرماد قدميها كتبت على احداها: - لن أنتظر شعارك أيتها الساحات ، سأنتظر فارس أحلامي ، سيلبسني أزهارك الذابلة ، ويمسح عن قدمي رمادك الدامي. بلغت قبتها وأخذت ترمق مآذن المدينة العتيقة وأجراسها الصدئة ثم نامت مديرة ظهرها الى ساحات المدن الخرساء.