- د حسن سليمان كتب:
- تحية طيبة أقول بإذن الله : 1 - لم يقل جمهور النحاة ( بواو الثمانية ) .
2 - ظهر لي من خلال متابعة ما تيسر لي من كتب المتقدمين أن اول من اشار الى ( واو الثمانية ) علي بن عيسى الرماني ( 384 ه) في كتابه معاني الحروف و لم يذكره في سياق التبني انما نسبه الى علي بن عيسى الربعي و هو معاصر له .
3 - نسب الاصبهاني المعروف ب( قوام السنة ) (535ه) هذا الاصطلاح في كتابه (اعراب القرآن ) الى بعض المفسرين و ذكر أن ابا علي الفارسي(377ه) انكره لما اورده ابن خالويه (370ه) في مناظرة بينهماجرت في حلب و قال الاصبهاني ان هذا ليس من قول النحاة المحققين . و أضاف المرادي(749ه) في الجنى الداني الحريري صاحب درة الغواص الى من قال بواو الثمانية و كذلك نقل ابن هشام (761ه)ت في المغني .
4 - يكاد يجمع الذين و قفوا عند هذه الواو نحاة ومفسرين انها تفيد تاكيد الخبر الذي قبلها اي (... سبعة و ثامنهم ...) وتصديقها و لصوق الصفة بموصوفها و قد تدل غلى الحال .
5 - اما الواو في قوله تعالى ( التائبون العابدون ........الامرون بالمعروف و الناهون عن المنكر ) فليست واو الثمانية انما هي الفارقة بين صفتين متنافرتين و لايجوز حذفها لان لايجوز اجتماع المتنافرات في موصوف واحد و هذا تفسير لقولهم انها تفيد لصوق الصفة ولهذا ايضا حذفت من بين الصفات المتوافقة التي وردت قبل( الامرون ) وهذا ضرب من ضروب اتساع العرب في اساليب كلامها.
6 - اما سبب تسميتها بواو الثمانية- على الرغم من انكار من انكر ذلك -ان ما يقع ما بعد الواو مكمل لما يسبقها من ترتيب العدد (7) باعتبار ان الرقم (7) هو غاية الحساب عند العرب و قد ضعف هذا التوجيه كل الذين نقلوه .
7 - اما مذهبنا فهو مذهب الجمهور من النحاة و المفسرين و الله اعلم .
أهلا بالاخ الدكتور حسن سليمان .
ان ما يثيرني في الاخوة العراقيين هو التقصي والمتابعة التاريخية والبحث عن المحطات والتطور الذي تعرفه القضية الواحدة مهما كان نوعها , وهو عمل جميل مفيد .
ومنه نلاحظ ان ذكرك للتآريخ جاء بين القرن الخامس والثامن لذلك تعددت الارقام في مداخلتكم . الا انه من ناحية اخرى , قد يشكل هذا العمل الشجرة التي تخفي من خلفها الغابة , فانا مثلا لا اؤمن بموضوع اسمه المذهب حتى ولو وجد وتتحقق و لا اؤمن ايضا بقضية اسمها اجماع الجمهور حتى ولو تحققت ووجدت في اي قضية كانت . ولكني اؤمن بشئ او بموضوع اخر, هو التصور ,و هيمنة التصور , و تحقق التصور على شكل نسق فكري , يسيطر في مرحلة تاريخية معينة , اذا ما تم التوصل الى النظام الذي يهيمن ويشكل ذلك التصور, فانه تتم العمليات التالية
1- تغيير التصور من خلال تغيير نظامه المتحكم فيه .
2- الحفاظ على التصور باعتبار صلاحيته ومشروعيته العلمية .
3- الحفاظ على التصور مع تغير عناصر النظام فيه , او بمعنى اخر , تغذية ذلك التصور بملئ الفراغات العلمية التي يفتقدها , مع الحفاظ على بنيته المجمع او المتفق عليها.
في قولك هذا مذهب البصريين او الكوفيين او المدرسة المصرية او الاندلسية او البغدادية .. الخ , معناه ان هناك تصور يهيمن , حتى ولو حمل في ظاهره تناقضات او صراعات تبرز على السطح مما يشاع في كتب النحو العربي مثلا , ان الخلاف بين مدرستين الكوفة والبصرة مثلا كان شديدا لدرجة ان توجهاتهما كانت مختلفة , لكن الحقيقة ان مدرسة الكوفة التي وصفت باعتمادها على السماع والنقل لم تكن بتلك الصورة التي نقلت الينا ( و تفسير هذا مثلا تجده في كتابات الدكتور ابراهيم السمرائي عندكم ), بل كان الاشتغال بالقياس و استعمال العقل مماثلا لما كان يحدث مع علماء مدرسة البصرة , يعني ان الحقائق تتكسر على ارض الواقع والممارسة . ان ما كان سائدا هو تصور معين و وجب البلوغ الى اسسه وتفكيك نظامه , دون ان نحيطه باية قدسية و لان ما تم تقديمه من داخل التراث لا يعدو ان يكون اجتهادا بشريا . ففي رايي وجب اختراق هذا التراث والكشف عن نظامه و ثم اخذ القرار بشانه , طبعا هذا الامر لا يمكن ان يقوم به اي شخص , بل هو عمل جمعي , ومنه وجب الانطلاق نحو النقط الثلاث التي سبق ان اشرت اليها اعلاه ...فرصد المحطات والتطور ورصد التغيير وضبط التواريخ ليس الا من الادوات التي تساعد على ضبط عناصر النظام التي يمتلكه ذلك التصور القديم او السابق .
كان ذلك رد على فهمكم لقضية اجماع الجمهور , فالجمهور هو نحن وليس اولئك الذي يمثلون تراثنا اللغوي العريق والغني بطبيعة الحال , الحركة اللسانية في العالم العربي انطلقت على الاقل منذ سبعينيات القرن الماضي , لكنها لم تحقق شيئا امام هذا التراث , ولم تزحزح فيه ولو حبة رمل منه فكل ما حدث لحد الان ليس الا قراءات مفردة , واجتهادات يتيمة تبنت هذه النظرية اللسانية او تلك . , فالتراث الى حد الان هو الاب وهو المتحكم فينا ولم نستطع معه شيئا , في حين لا يعدو هذا التراث ان يكون الا ابداعا انسانيا من طرف اشخاص عرب او تشربوا العربية , فهل هؤلاء كانوا يمتلكون جينات مختلفة عن الجينات التي نمتلكها نحن , اذا كان الامر كذلك , فنحن لسنا امتدادا جينيا او طبيعيا لهم .
اما النقطة الثانية , فتتعلق بالمصادفة و الاعتباطية بين الاية الاولى والثانية و وتدخل هنا عدد من الشواهد الاخرى المماثلة التي لم ارغب في تنصيصها حول نفس الموضوع في المداخلة السابقة و هي كلها شواهد جديرة بالدراسة في نفس الموضوع اي ما يسمى واو الثمانية, اولا ليس اعتباطا ان تلقب تلك الواو بواو الثمانية , وهي سواء جاءت بين معطوفات عليها بالفاصلة عددها سبع ومعطوف يمثل العدد ثمانية بشكل مفصل مثل ما حدث في الاية الثانية , او جاءت بين العدد سبعة والمعطوف الثامن ... في رايي ان القضية تحتاج الى عمق نظر , على المستوى البلاغي و النحوي على الخصوص .
ان ما ذكرته من كون المعطوف عليه والمعطوف في الاية الثانية يشكلان عنصري تنافر ليس صحيحا بالمطلق , وقد يظهر عند السطح ان هناك تنافر بين ( الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر ) , لكن الحقيقة ان الامر بالمعروف لا ياتي الا عن طريق النهي عن المنكر , فالواحد منهما يكمل الاخر , اي ليس هناك ادنى تناقض بينهما , فضلا عن ان الجملة الاولى خبرية والثانية كذلك , والاولى تبتدا بصفة اسم فاعل والثانية كذلك , وهي النقطة الجامعة بين المعطوف والمعطوفات عليها السابقة , ( التائبون الحامدون ... الامرون , الناهون ) اذ المعطوفات الاولى هي ايضا جمل اخبارية خبرها ( التائبون والحامدون ...) فالجامع هنا لا تناقض به وان اختلفوا في الدلالة و لكن لم يختفوا في الترتيب او الوظيفة , والواو التي اطلقت عليها الواو الفارقة , في راينا واوا واصلة او عاطفة , لان المعطوف لا يكون الا من جنس المعطوف عليه و هذا بالضبط ما حدث بين كل تلك المعطوفات , سواء جاءت في درجة رابعة او في درجة ثامنة او سابعة , فالقضية لم تتغير بسبب طبيعة الجمل هناك . الا ان ما يثير الاستفزاز اللغوي , الفضول المعرفي , هو لماذا جاءت الواو العاطفة هناك متبثة خطيا عند المعطوف عليه السابع ؟؟؟ مع العلم ان تكرار الواو كان ممكنا منذ اول عملية عطف تمت بين اللفظ الاول والثاني ...لماذا حدث هذا ؟ وهل حدث ذلك مع الشاهد الاول اعتباطا او صدفة ؟؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج الى جواب صريح , سواء من حقل البلاغة او من حقل الصرف او من حقل الخط .
تحية طيبة
وشكرا على مداخلتك الطيبة الهادفة .