تدري متى يدهمنا الظلام؟! ............قطعا ليس حينما يحين المساء أو يحل الليل محل النهار
حينما يأوى ذلك الطائر المحلق في الفضاء إلى أفنان الأشجار باسطا عليها أجنحته ليس ذلك إلا استعداد لمواصلة هوايته في معانقة عنان السماء من جديد.
ذلك الطائر كالظلام الذي يحل حينما يدلف الليل إلى سمائنا الدنيا ،فإنه ما حل بنا إلا لتعاود الشمس إشراقها من جديد ، وما ذاك إلا صورة التعاون المشرق الذي يجوب أنحاء الكون في هدوء وإحكام، يعلم الإنسان أن يأخذ بيد أخيه إلى ما فيه الرشد والصلاح، فها هو الليل آخذ بيد النهار ، يربت على كتفيه ، يكمل نقصه ،ويدرك ما تفلت منه ، فإن كان النهار سعيا وكدا فإن الليل وسكون وخلودإلى الراحة والدعة،وإن أخذت العين حظها من ضوء النهار ،فإن الليل آتيها ليعطيها حقها من الخلود إلى النوم ليجدها المرء معافاة في الصباح ، لذا فإن ذاك الظلام مرادف عندي للنور والإشراق ،ومبعث تربوي يزج الإنسان زجا إلى التدبر والاتعاظ، ذلك هو الثوب الموشي بلآلئ الحسن والبهاء، المنمق بالقمر الوضاء ، ذلك صنع ربي الذي أتقن كل شيء ، فما أروع تعانق الليل والنهار!
لكن ثمة ظلاماحالكا يسود حياتنا ،حاكه الإنسي بيديه ظلما وعدوانا ، يدهمنا وفي وضح النهار ،لا مجال فيه للراحة والدعة ، لا يدخل على النفس إلا ليدخل عليها الكآبة والملل ،يظل جاثما فوق الصدور غير عابئ بما يضفيه على حياتنا من سوداوية كالحة وقتامة فادحة ، شوك غرسناه بداخلنا والآن ...علينا أن نتحمل الألم ،ذلك الظلام هوظلام القلب الذي هجرالنبض من فرط الجزع ، نعم جزع الفؤاد رافعا راية العصيان لنواميس البشر، معلنا ألا حياة لي بينكم ،حسبكم أضناني السهد والسهر ، علَّك الآن أيها الإنسان تسائلني عن السبب؟! قد كنتُ -خلقة -نابضا بحب إخوانك من بني البشر ، أستقي مداد النبض من أدواح التآخي ، عرفتُ معنى التسامح وعايشتُ محاسن الأخلاق،ولكم حلمتُ على جاهل ، وصبرتُ على من أذى، وأراك اليوم أثقلت نبضي بالمقت والوقاحة والزلل ، ما عدت تعرف حقا ولا تنكر منكرا عاقبته وخم ، ما عاد يرضيك إلا ما يعود عليك بالنفع ؛ولو عاد على أخيك بالضرر ، ما عاد يشبعك سوى المال ولو طالت يداك لقيمة أخيك أخذتها ولا حرج ، صرت تضحك بملء فيك مما يبكي أخاك بكاء ينفلق له الحجر، فقط لأنك حققت ربحا خسر فيه من خسر ، إي نعم .......أعلنتُ عصياني وأوقفتُ نبضي حينما افترضتَ أخاك عدوا حتى يدفع للوفاء ثمن ، حينما بدأتَ بالسيئة إلى أن يبادلك بالحسنة ؛حينها تفيء إلى الحسني لكن على حذر ، حياتك غشَّاها الظلام من كل زاوية ودقت فيها نواقيس الخطر ، استحالت نارا مستعرة تلتهم كل معاني الخير فلا تبقي منها ولا تذر ، آثرتُ أن أوقف نبضي وأعلن أني وكل القلوب من حولي قد مسنا الضرر، ها أنا أعْلِمُك أن حياتك بلا حياة وظلامك ممتد بلا قصر ، نهارك بلا إشراق ،وليلك موحش بلا قمر،عد إلى رشدك فمازلت أنتظر.