صفحة 1
مدرسة المهجر
هاجر بعض الأدباء العرب من الشام ولبنان إلى الأمريكيتين لأسباب عديدة منها الثراء , ضيق بالحـكم السائد والهروب من الخدمة العسكرية ،
وكبت الحريات ، والتطلع إلى فكر أعمق وأسسوا ربطتين للأدب والنقد العربيين :
أ- الرابطة القلمية: أسسها عبد المسيح حداد في نييورك سنة 1920 ، من أبرز أعضائها : جبران ومخائييل نعيمة ، إيليا أبو ماضي ، وغيرهم.
ب-العصبة الأندلسية : أسسها ميشال معلوف سنة 1932 . ومن أشهر روادها سفيق معـلوف ، إلياس فرحات ..
العوامل المؤثرة في أدب ونقد المدرستين: هناك العديد من العوامل التي أثرت في أدباء ونقاد المدرستين نحاول أن نوجزها في النقاط الآتية:
-اتصالهم المباشر بالمثقفين الغربيين
-النزعة الرومانسية
تجاوب شخصياتهم مع الشخصيات الغربية
وأهم هاتين المدرستين الرابطة القلمية1 لأرائها الجريئة ودعوتها المفرطة لحرية الإبداع ، الأمر الذي جعلها تحدث صدى واسعا في أوساط الأدباء والنقاد .ولهذا سنركز على بعض آرائها النقدية من خلال ما كتبه أبرز أعضائها مخائييل نعيمة في كتابه المشهورً الغربال ً.
التعريف بكتاب الغربال
هو مجموعة من المقالات النقدية التي نشرها المؤلف في الصحـف أو كتبها كمقدمات لبعض مؤلفاته مثل مقاله عنً الرواية التمثلية العربية ًفهي مقدمة لمسرحيته المسمـاة الآباء والبنون ويضم الغربال في مجمله إحدى وعشرين مقالة منها ما خصصه للهجوم العنـيف على الأدب العربي التقليدي مثل مقال : الحباحب2 ونقيق الضفادع3
________________________________________
1الأستاذة آمال لواتي ، محاضرات في النقد الأدبي الحديث ، غير مطبوعة ألقيت على طلبة فسم اللغة العربية ، جامعة الأمير عبد القادر،قسنطينة 2003-2004 (بتصرف).
2قال البعض الحباحب ج م حبحاب : وهو صغير الجسم متداخل العضام ، وقيل الحباحب برفع الحاء الأولى : هو ذباب يطير بالليل
3محمد مندور النقد والنقاد المعاصرون ، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ، دط ، 1997 ، ص20 ،
[لصفحة2
لقد زاوج صاحب الغربال بين النقدين النظري والتطبيقي، فالنظري أصـل فيه لبعض المفاهيم مثل مفهوم الشعر والشاعر ومحور الأدب ، وأما التطبيقي فقد تمثل في دراسته لبعض المؤلفات الأعمال الأدبية لبعض الأدباء مثل العقاد وجبران ومي زيادة والمازني وشوقي1
الآراء النقدية لمخائيل نعيمة في الغربال:
لقد أثار نعيمة في غرباله مسائل نقدية هامة تفصح عن توجه نقدي مختلف عما كان عليه الأمر فيما سبق2 ومن الآراء التي يمكن رصدها :
مفهوم النقد:
ضبط مفهوم النقد مـن خلال ربطه بالغربـلة حيث يقول : ً لكل ناقد غرباله لكل مقاييسه وموازينـهً3،
فالنقد بهذا المعنى معناه تنقية الشيء وفصل الجيد عن الرديء من الأعمال الأدبية ، ومن ثم فالنص هو موضوع الغربلة لا صاحبه لأن مهمة الناقد ً غربلة الآثار الأدبية لا غربلة أصحابها ً4
شروط الناقد:
لابد أن تتوفر في الناقد مجموعة من الشروط والصفات وهي :الإخلاص في النية ، محبته لمهنته، الغيرة على موضوعه، دقة الذوق ، رقة الشعور، تيقظ الفكر ، قوة التمييز الفطرية ، مقدر البيان للولوج إلى ذهن القارئ5
وبهذه الشروط يفسح المجال للناقد أن يكون يهتدي إلى أشياء لم يهتد إليها حتى صاحب العمل الأدبي نفسه
فوائد النقد :
حتى تحقق الملية النقدية الفوائد المتوخاة منها لابد أن تمر بمجوعة من المراحل منها :
التمحيص : فهم الأدب وتوضيحه ،ووضع اليد على العناصر الهامة في النص.
-التثمين : أي تقييم العمل الأدبي.
-الترتيب : وضع العمل الأدبي في المكانة التي يستحقها
-التوليد: انعكاس نفسية الناقد على العمل الأدبي
-الإبداع : أي اكتشاف أشياء جديدة في العمل الأدبي6
________________________________________
1النقد والنقاد المعاصرون ، مرجع سابق ص 23 -24
2 سامي عبابنة ، اتجاهات النقاد العرب في قراءة النص الشعري الحديث ، علام الكتب الحديث، الأردن ، ط1 2004 ، ص26
3 مخائيل نعيمة ، الغربال ، دار بيروت للطباعة والنشر ، ط7 ،دت، ص 16
4 المرجع نفسه ، ص ن
5بوعبيد نورة ، بونابة فوزية ، التجربة النقدية لمخائيل نعيمة ، مذكرة ليسانس غير منشورة، قسم اللغة العربية جامعة قالمة، إشراف الطاهر عفيف2009، 2010 ص 29.
6 محاضرات في النقد الحديث ، آمال لواتي مرجع سابق
الصفحة 3
المقاييس الأدبية :
استمد هذه المقاييس من اتجاهه الرومانسي ؛ حيث اتخذ من روحه بؤرة تتجمع فيها حاجات عصره الفنية ، هذه الحاجات جعلها مقاييس عامة للأدب،وقد لخصها في أربع نقاط :
أولا:حاجتنا إلى نور نهتدي به في الحياة، ولا يوجد نور سوى نور الحقيقة.
ثانيا: نحن محتاجون لأن نفصح عما ينتابنا من عوامل مختلفة نفسية ( ألم ، حزن ، يأس رجاء ...).
ثالثا : حاجتنا إلى الجميل في كل شيئ.
رابعا: الحاجة ‘لى الموسيقى ، فالروح تميل لأعذب الأصوات والألحان1
الوزن والقافية:
رفض مخائيل نعيمة في مقاله الموسوم بالزحافات والعلل الموسيقى الخليلية ، فالوزن والقافية في رأيه من الأشياء التي قيدت الشاعر العربي، وقيدت خياله ، ولذلك هاجم الخليل بن أحمد الفراهيدي هجوما عنيفا ،واتهمه بأنه قد حول الشعر العربي إلى نظم لا روح فيه2 .
الوحدة العضوية :
يلتقي مع مدرسة الديوان في مفهوم الوحدة العضوية ووجوب توفرها في القصيدة الشعرية الحديثة، إلا أنه من خلال حديثه عن الوحدة العضوية تبن أن مفهومه ناقص عن مفهوم جماعة الديوان3 بل إنه انطلق من مفاهيم نقدية قديمة مثل الحشو وحسن التخلص لاسيما في نقده التطبيقي لقصيدة ًالدرة الشوقيةً لأحمد شوقي 4
منهجه النقدي:
من خلال مقاله مفهوم الغربلة يتبين أن منهـجه تأثري ذاتي فهو يقول ً إن لكل ناقد غرباله لكل موازينه و مقاييسهً وهذه الموازين والمقاييس ليست مسجلة لا في السماء ولا في الأرض ،ولا قوة تدعمها و تظهرها قوة صادقة سوى قوة الناقد نفسهً5 ؛ أي أن الناقد يعتمد على ذاته في نقد النص دون الرجوع إلى نظريـات غيره .
إن هذا الرأي يفصح عن توجه نقدي جديد حيث يغدوا الناقد مشاركا في تشكيل الدلالة النصية ، عندها يصبح الناقد مبدعا لأنه يرفع النقاب عن أشياء كامنة لم يهتد إليها حتى صاحب الأثر نفسه .
________________________________________
1النقد والنقاد المعاصرون ، مرجع سابق ، ص 29- 30
2 المرجع نفسه ص 31.
3 آمال لواتي مرجع سابق
4 الغربال مرجع سابق، .129
5 المرجع نفسه ،ص 16
الصفحة4
لعل هذه الآراء تكشف عن حس نقدي جديد مختلف عما ألفناه سابقا .هذا الحس امتزج بصبغة رومانسية فتحت المجال واسعا للذات الناقـدة كي تميز بين النصوص الأدبيـة ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عبقرية ميخائيل نعيمة ،ولكن رغم هذا ينبغي التنبيه إلى وجود جوانب نقدية خطيرة في آرائه وهي:
-دعوته إلى تجاوز القواعد الصرفية والنحوية والعروضية ، ولحس الحظ أنها كانت دعوات نظرية لم يطبقها سوى في بعض المقالات والمسرحيات القليلة.
-دعوته المفرطة لحرية الإبداع ،وهذا قد ينافي خصوصية بعض المجتمعات.
توظيفه لبعض المصطلحات المسيحية.