الترادف هو أحد المباحث القديمة التى عدّت من أهم مايرتكز عليه علم الدلالة العربى ، فالترادف هو عبارة عن "ألفاظ متحدة المعنى قابلة للتبادل بينها فى أى سياق "( 1) أى هو "تسمية الشئ الواحد بالأسماء المختلفة "( 2) وبالتالى فهو يهتم بالمعنى دون اللفظ ، لذلك فإن المكرر هو المعنى وليس اللفظ فهو "حالة يكون فيها لصيغتين أو أكثر نفس المعنى "( 3).
وقضية يجب ألا نغفلها إذا كنا بصدد دراسة هذا العنصر فقد نشب خلاف بين العلماء إزاء عنصر الترادف فانقسموا فى تناوله إلى قسمين :ـ
(أ) الفريق الأول
يذهب إلى أن الترادف قسمان (ترادف تام وشبيه بالترادف) ومن أعلام هذا الاتجاه اللغوى الألمانى " أولمان " والذى يقول " الترادف التام ـ على الرغم من استحالته ـ نادر الوقوع إلى درجة كبيرة فهو نوع من الكماليات التى لاتستطيع اللغة أن تجود بها فى سهولة ويسر "(4 ) ، وكذلك جون لايونز الذى يشترط فى الترادف التام تحقق شرطين الأول قابلية الاستبدال فى جميع السياقات والثانى التطابق فى كلا المضمونين* " ثم يشير إلى أنه نظراً لصعوبة تحقق هذين الشرطين فإن الترادف التام نوع نادر الوجود إذ يصعب على اللغة أن تجود به "( 5) ، ولربما وافقهما الرأى الدكتور محمود فهمى حجازى بقوله " يندر أن تكون هناك كلمات تتفق فى ظلال معانيها اتفاقا كاملا "( 6) ، فهم يشيرون إلى وقوع الترادف التام فى اللغة بجوار شبه الترادف مع توكيد كلاهما على ندرة هذا النوع من الترادف.
(ب) الفريق الثانى
يذهب هذا الفريق إلى وجود شبه الترادف فى اللغة مع إنكارهم للترادف التام ، ومن أعلام هذا الاتجاه " ابن الأعرابى ـ ثعلب ـ ابن فارس ـ المبرد ـ أبو هلال العسكرى " ويعللون سبب رفضهم للترادف التام بأن " المترادفات غير مقيدة وواضع اللغة حكيم لايأتى فيها بما هو غير مفيد " ( 7) وفسروا مايرون فيه ترادفاً تاماً على أنه من لغتين مختلفتين أو أنه من قبيل " تشبيه شئ بشئ "(8 ) ويشير أبو هلال العسكرى إلى هذا بقوله " كل اسمين يجريان على معنى من المعانى وعين من الأعيان فى لغة واحدة فإن كل واحد منهما يقتضى خلاف مايقتضيه الآخر وإلا لكان الثانى فضلا لا يحتاج إليه"( 9).
ويوافقهم الرأى فى ذلك الدكتور أحمد مختار عمر إذ يقول " لايمكن أن يتبادل لفظين فى جميع أشكال المعنى الأساسى والإضافى والأسلوبى والنفسى والإيحائى " ( 10) إذ قد تكون الكلمتان مترادفتين فى نوع ما من المعانى ومختلفتين فى نوع آخر ، وبالتالى فهو يشير إلى أن مايقع فى اللغة هو شبه ترادف وهو "مايتقارب فيه اللفظان تقارباً شديداً بحيث يصعب على غير المتخصص التفريق بينهما ولذا يستعملها الكثيرون دون تحفظ مع إغفال هذا الفرق ويمكن التمثيل لهذا النوع فى العربية بكلمات مثل عام وحول وسنة " ( 11).
وتميل الدراسة إلى استحسان المذهب الثانى القائل بعدم وقوع التكرار التام فى اللغة متفقة مع ما قاله الدكتور أحمد مختار عمر سابقا فإن اتفق اللفظان فى شكل أو اثنين من أشكال المعنى فإنهما لن يتفقا فى كل المعانى ، وتضيف الدراسة اجتهادا ها هنا هو أن هناك قاعدة عريضة فى اللغة تنص على أن " زيادة المبنى تؤدى إلى زيادة المعنى " مثل لفظ "قوى ـ القوى ـ الأقوى " وكذلك بعض المصطلحات التى يستخدمها أهل الصوفية مثل وصفهم الفرد بقولهم "كامل" ووصفهم الرسول بقولهم " الكامل " ويزيدون عند وصف الخالق سبحانه فيقولون "الأكمل " فكلما زاد مبنى اللفظ زاد معه المعنى فمثلا كلمة سيف بناؤها ثلاثى أما كلمة بتار فبناؤها رباعى فهى تعطى معنى أكبر وكذلك معنى إيحائى مختلف .
وما تجنح إليه الدراسة هو ـ وإن وافقت على رأى الفريق الأول ـ عدم عرض تكرار الترادف التام نظراً لعدم توافر أمثلة له فى الديوان ، وما يهم الدراسة هو التكرار بالترادف الذى يقوم بدور فعال فى ترابط النصوص ويحقق تماسكها سواء أكان هذا النوع من التكرار بالترادف تاماً أو شبيهاً به على مذهب الفريق الأول .
ولقد ورد التكرار بالترادف فى الديوان فى أمثلة مختلفة وكثيرة لدرجة يتضح معها أهمية هذا النوع من التكرار فى تحقيق الربط فكان منه قول الشاعر :ـ
فتبادلتم الإخاء بالود صفيا والحب عذب المجانى
وقوله :ـ
نورها من سنى اليقين ومسراها على الصد من هدى الإيمان
وقوله :ـ
أخى وهل غير أخى بارق فى ظلمة العيش إذا ما اعتكـر
وهل سواه ماسح دمعتـى إذا ما دعاهـا للمسيل الكـدر
وقوله :ـ
فسقى الأنفس الظماء فرواها بفيض من ريقات البيان
وقوله :ـ
فأسرع الموت حثيث الخطى وابتز من نيل ذاك الظفر
وقوله :ـ
علتها طفلا على بعد أبى وهو نائى الدار عنى والوطن
وقوله :ـ
تركت لى ملكا فى صورة من جبين واضح النور فتن
وعيون تسحر اللب بمـا أودعتـه من ذكـاء وفطن
وقوله :ـ
وغير أم تظل تبكـى عليـه بالمدمـع الغزيـر
إذا رأت مثله ضغيرا ناحت على الراحل الصغير
وقوله :ـ
أمل فى مهجتى هد هدته ثم ولى وهو لم يعد الفطاما
وحبيب راح عنى ظله ورمانى بين آمالى اليتامـى
وقوله :ـ
وعبدت الوفاء فى الحب حتى صرت فى شرعة الوداد إماما
وقوله :ـ
وقضى الحياة بعيد مطّرح المنى والهم شر فواتـك الأدواء
حتى قضى جهدا وراح شبابه ونأى عن الزوار أى تناء
وقوله :ـ
ثم أسقى ثراك دمعى وما أعزز دمعى على رواح السنين
مبسم غاب فى التراب وأبقى لحنه فى القلوب بث الشجون
وقوله :ـ
كم تمنيـت أن تغنى شعـرى فإذا بى أرثيـك فى تأبيـنـى
حال ما بيننا القضاء فغربت عن الـدار والأسى يطويـنـى
ومضت بى الأيام أهفو إلى اللقا وأسقى ذكراك فيض شئونى
وقوله :ـ
كان شعرى من فيك عذب الغناء فغدا اليوم فى فمى للرثاء
وقوله :ـ
وأنظم فيك من حبات قلبى معانى الوجد والحب القديم
وقوله :ـ
أيها الملاح فى بحر الغيوب تائه أنت أم المرسـى قريـب
لم تزل فى لجك الطامى على زورق الأحلام فى اليم الرقيب
وقوله :ـ
سكنت نفسك الحزينة وارتاحت وميل النفوس حيث تطيب
وقوله :ـ
وتركت الأنام فى طرب الإعجاب بالـذوق فيكما والمعـانى
لك فخران حبها لك من دون الناس مهما حالت وجوه الزمان
وقوله:ـ
كم يخدع الحب النفوس فلاترى فى الحب مثل حلاوة التعذيب
وتغر فى الحب المظاهر والهوى يبلو النهى بالظن والتكذيـب
وقوله :ـ
أخاف عليك من نجوى العيون وأخشى أنه القلب الحزين
وقوله :ـ
أنسيتنى الماضى بما أودعته من حزن أيام وسهد ليـال
ومحوت من فكرى الذى قاسيته فى هذه الدنيا من الأهوال
وقوله :ـ
بين ذل الهوى وعزة نفسى ضاع قلبى فما عرفت التأسى
وعزيز على أنى أضيع الق لب فى الحب بين ظن وحدث
كلما قلت هين فى هواهـا ما ألاقى من وحشة بعد أنس
خفت أنى أكون أعطيت قلبى للذى باع حبــه بيع بخس
وقوله :ـ
ومضوا ليس منهم أثر باق بقلب أو خاطر أو بال
المراجع
ا ـ أولمان ـ دور الكلمة فى اللغة ـ ترجمة كمال بشر ـ دار الطباعة القومية ـ القاهرة ـ 1962م ـ صـ 58
2 ـ ابن فارس ـ الصاحبى فى فقه اللغة ـ المكتبة السلفية ـ القاهرة ـ1910م ـ صـ 65
3 ـ أحمد نعيم الكراعين ـ علم الدلالة بين النظرية والتطبيق ـ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ بيروت ـ 1993م ـ صـ 107
4 ـ أولمان ـ دور الكلمة فى اللغة ـ الطبعة الثانية عشر ـ صـ 110
5 ـ introducation to theoretical linguistics P 447
* للترادف مضمونان = مضمون إشارى ويقصد به اتفاق لفظتين أو أكثر فى المشار إليه ومنه أوصافه ـ صلى الله عليه وسلم ( المختار ـ البشير ) ونحوهما التى تشير جميعها إلى ذاته وتختلف فى معانيها الإحالية ، والمضمون الإدراكى ويقصد به اتفاق لفظتين أو أكثر فى معناهما الإبلاغى المحض الخالى من الإيحاءات العاطفية مثل كلمات ( فم ـ ثغر) .
6ـ محمود فهمى حجازى مدخل إلى علم اللغة ـ دار قباء للطباعة ـ القاهرة ـ ط أولى ـ 1998م ـ صـ 69
7ـ أبو هلال العسكرى ـ الفروق فى اللغة ـ صـ 13
8ـ المزهر فى علوم اللغة ـ السيوطى ـ جـ 1 ـ صـ 385
9ـ زين العابدين محمد ـ اتساق النص فى الرواية العربية المعاصرة ـ صـ 144
10ـ علم الدلالة ـ عالم الكتب ـ القاهرة ـ الطبعة الرابعة ـ صـ227
11 ـ السابق ـ صـ 220 ،221