حسبي أنك الآن تتنعمين

هيبة تستشعرها أرواحنا وأبداننا حين نمّر من جانب جدار لقبور الموتى .. نسلم عليهم : السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون .. نقرأ الفاتحة وربما ننسى .. ندعو لهم بالرحمة واحياناً تأخدنا الدنيا فلا نشعر بهم ... وتمر بضع دقائق حتى نجتاز هذا المكان الذي لابد أن يسكنه كل منا لا محالة ..
فنعود لتلهينا الدُنيا ومشاغلها : البيت ، الملابس، فلان فعل فلانة فعلت ، المال ، البنون ، الــ وال وال ..... لا تنتهي
لا لم نكن نشعر بهم إلا قليلا !! نعم لم ندرك معنى الموت حقاً إلا حين نجربه بأنفسنا أي نتذوق مرارة فراق الأحبة عن قرب ، عن علم ، عن واقع أمام أعيننا حصل ولا مفر منه .. الموت حق والقبر حق والجنة والنار حق
اليوم فقط تملكتني مشاعر لم ولن أنساها ما حييت ،، خطت قدماي باب واحد لدور كثيرة !! أول ردة فعل كانت رجفة لا أستطيع وصفها لا لم تكن رجفة الخوف ، إنها رجفة الرهبة لهذا المكان الفسيح بمن فيه والضيق بما فيه
وبدأت في السير على مهل السلام عليكم دار قوم مؤمنين .... ترى قبر من هذا ؟؟ رحمك الله وجعله روضة من رياض الجنة ، ومشيت أكثر فإذا بالقبور تتزاحم ، أنظري : قال عمي هُنا قبر جدك رحمه الله ، يا الله رحمك الله يا جدي الفاتحة على روحك الطاهرة ودعونا له ، وقفنا دقائق وما كانت بالدقائق بل( طويلة طويلة ) تأملنا في هذا العالم الآخر ، يا لها من حياة أخرى ، نعم وأكملنا السير هاهو قبر خالي رحمه الله وأسكنه جنات النعيم ، رحمك الله يا أغلى خال كم كنت كالأب الحاني علينا وكم كنت جواداً كريماً تعطي وترحم وتكرم ، إن الله لن يضيع لك أجراً ،دعونا له ، ومررنا من بين تلك القبور أوراق أعشاب خضر لا تعد ولا تحصى تكللت بها قبورهم تتمايل برغم صغرها وقصر فروعها مع نسمات البرد ، يا له من مشهد مهيب ! اللهم ارحم موتى المسلمين بعدد أوراق عشب الأرض ، هكذا دعونا لهم ، توقفت لبرهة أتساءل كم هي حياتنا قصيرة ، إنها بضع ساعات لا أكثر ثم يوارينا الثرى ، وكي لا يلاحظ أخي حزني الشديد ودقات قلبي المتسارعة أسرعت خلفه وخلف من كانوا معنا " خالتي وزوجات خالي وعمي " ربما هنا قبر أمي ، لا ما زال بعيداً فالدور هنا كثيرة لا لم نصل بعد دار أمي الثانية انقطعنا عن عالمنا الخارجي ( الدنيا ) الفانية ، كأننا نسكن هنا مع الموتى ، وكأننا لم نحيا هناك حياة مترفة ممتعة لاهية ، حياة بعدها موت لكننا نتأمل وطول الأمل يلهينا ، ها هو قبر فلان ، وفلان وفلانة ..... يا الله طفل في عمر الزهور ( مات ) رجل في ريعان شبابه ( مات ) أم لم ترضع وليدها بعد ( ماتت ) ، هززنا رؤوسنا جميعاً اعترافاً لله بأن الموت حق ..
مفرق الجماعات وهادم اللذات هذا سيدخل كل بيت حتماً ، الفرح لا يدخل كل بيت لكن الحزن يدخل كل البيوت هكذا قالت لي إحداهن ، كما أن الرسول أخبرنا أن القلب ليحزن وأن العين لتدمع ، نعم لقد صدقت ، وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مررنا على كل دور الموتى ترى أروضة من رياض الجنة أم حفرة من حفر النار؟ لا قدر الله الرحيم العفو الكريم ، اللهم اجعل قبورهم روضة من رياض الجنة ...
ها نحن قد وصلنا روضة من رياض الجنة( بإذنه تعالي )، أمي يا روحي ومهجتي وفؤادي : السلام عليك يا من أهديتني كل السعادة والسرور والخير والحنان والأمان والحبور .. توجهت إلى وجه ربي الكريم وقد جلست مقابلة لها كي تراني " هل رأيتني يا أمي " أنا هنا بخير سعيدة لك فأنت في مراتب الشهداء ولله الحمد وأسرعت في الدعاء وقراءة القرآن كي لا يتملكني البكاء ، ولكن هيهات هيهات ، لا مفر من البكاء فانهالت رحمات الله من عيوني وزخات الدموع تحرق خدي إنها دموع الفراق فقط ، لا دموع اعتراض ، دعونا جميعاً لها ولكل من سبقونا هنا ، ربنا وتقبل دعاء ، تحدثت إليها وليتني أقبل جبينها ويديها وأقدامها ، قد فعلت فعلاً يا أمي حين استنشقت منك رائحة المسك وشاهدت وجهك المضيء قبل أن تأتي مسرعة بوجهك المتبسم إلى هُنا ، فهل شعرت بي ؟ أعلم ذلك تماماً ...
سنغادر الآن عن عالمك حبيبتي لكنك هنا في قلبي تسكنين تلهمين دقات قلبي الحياة ، وتعطيني الراحة كلما رددت اسمك بين شفتي ..

خرجنا بخطى متثاقلة من باب الرياض بإذن الله رياض الجنة ، لنعود للدنيا يا لها من دنيا أخرى وعالم آخر !!
تبسمت وقلت في نفسي الحمد لله على كل حال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولا ، الحمد لله لقد مات الرسول الكريم ، وكلنا سنموت ..

أحبك يا أمي فسامحيني واغفري لي زلاتي معك وسامحني يا الله إن قلت لها يوما أف أو غضبت أو حتى حزنت أمامها فحزنت لأجلي ، وتقبلي يا أمي عشقي الذي لا يموت ، أنت معي هنا في دنيانا التي اقترب دنوها أراك معي تتحدثين وتأكلين وتشربين ، عزائي إنك من الأحياء عند ربهم يرزقون
عزائي أنك بين يدي الرحمن الرحيم
وحسبي أنك الآن تتنعمين ..
اللهم ارحم جميع موتى المسلمين
آمين آمين
يناير /2012 م

أخي أبو علاء كلنا إلى الله سنعود
أشكرك وبارك الله في عمرك