بناء على دراساتي السابقة لموضوعات مرتبطة بالخطابيات الإسلامية يمكن أن أجمل أهم خصائص هذه الخطابيات على النحو الآتي:
1) الانطلاق من الواقع الخطابي السابق للدراسة التنظيرية.
2) التمحور حول النص وليس الجملة أو ما دونها.
3) تماسك النص متحد المصدر والتعامل معه على أنه قولة واحدة.
4) تكامل المصادر النصية للمخاطب، ومن هنا تبرز أهمية التناص (تعارض النصوص والترجيح بينها) (تفسير النص للنص).
5) الاعتقاد بتأثير عادة المتكلم بخطابه في التعامل مع النص.
6) الاعتقاد بقصدية الخطاب، ووجود مستويات قصدية متفاوتة تتدرج من الجزئي الفعلي إلى الكلي التجريدي الكامن، وتتحكم جميعها في بناء النص وفهمه.
7) القول بأن التفاهم، أو التخاطب الناجح لا يحدث إلا إذا أدرك المخاطَب مراد المخاطِب.
8) التفريق بين مستويين واضحين من المرجعية النصية: مرجعية الوضع اللغوي وهي المرجعية السابقة افتراضيا وزمانيا، ومرجعية الاستعمال وهي المرجعية اللاحقة والحاسمة في الكشف عن مراد المخاطب، وتعد القرائن السياقية بأنواعها هي محور الاستعمال.
9) التفريق بين ما يفهم صراحة، وما يفهم على نحو غير صريح، وكذا التفريق بين ما يفهم فهما مباشرا من الكلام، وما يستنتج استنتاجا منه. ويَؤُول هذا إلى القول بأن ثمة تصوّرا دقيقا لطبيعة المعنى يتطلّب مقترحا متطوّرا (وربما أكثر من مقترح) لكيفيّة دلالة الألفاظ على معانيها وأنواع المعنى.
10) لا يمكن فهم الكلام دون استخدام القدرات العقلية للمخاطَب. وقد يعزى هذا إلى الاعتقاد بأن اللغة مؤسسة على أمور مشتركة بين المتخاطبين مثل المعارف اللغوية والإدراكية، والأعراف اللغوية.
11) تحظى الجوانب التخاطبية والنصية بأولوية خاصة في فهم الكلام، دون إهمال للبنية الصورية للغة. ويمكن ملاحظة هذا بوضوح في عناية الأصوليين بأثر القرينة في استخدام اللغة وفهمها.
12) تقسيم النصوص إلى مستويات من الوضوح والخفاء وربطها بقابلية التأويل وعدمه.
13) تقسيم النصوص إلى قطعية وظنية.
14) القول بأن الكلام محكوم بمجموعة من المبادئ التخاطبية:
أ- مبدأ البيان (أي القول بنوع المتكلم إلى الكشف عن مراتده باتباع الأصول الوضعية أو نصب قرينة دالة على خروجه عن الأصل، وهو المبدأ المهيمن في عملية التعامل مع النص).
ب-مبدأ الصدق (أي الاعتقاد بصدق المخاطب إلى أن يظهر دليل على غير ذلك).
ت-مبدأ التبادر (القول بأن المعنى المتبادر إلى ذهن المتكلم السليقي هو الأولى بأن يكون المقصود للمتكلم ما لم ينصب دليل على غير ذلك).
ث-مبدأ الإعمال وتوليد المعاني (الاعتقاد بأن إعمال الكلام أولى من إهماله، وتوليد أكبر عدد من المعاني الممكنة من النص بشرط أن تكون مرتبطة بالمقاصد الآنية والكلية للنص).
ج- مبدأ الاستصحاب: (القول بإبقاء ما كان على ما كان، أي افتراض وجود أصل لغوي ينبغي التمسك به إلى أن ينصب دليل استعمالي يسوّغ الخروج إلى الفرع، ومن ذلك
الأصل في الكلام الحقيقة والمجاز فرع.
الأصل في الكلام التأسيس والتأكيد فرع.
الأصل في الكلام الترتيب والتقديم والتأخير فرع.
الأصل في الكلام الإفراد والاشتراك فرع.
وهناك افتراضات عامة أساسية تتصل بالأصل والفرع، ويمكن العثور على هذه الافتراضات إما على سبيل الذكر صراحة أو استنتاجا. وسنذكر هنا أمثلة لهذا الافتراضات:
1) لا يمكن الانتقال من الأصل إلى الفرع دون مسوّغ، وقد يكون هذا المسوغ سببا، أو شرطا، أو دليلا سياقيًّا، أو باعثًا، أو غاية، تبعا لوجهة النظر المعتبرة.
2) لا بد من وجود علاقة بين الأصل والفرع. وتختلف هذه العلاقات من حيث النوع والدرجة.
3) يمكن عادة عزو الفرع إلى أصله عن طريق التجريد (أي عزله عن السياق).
4) يمكن تفسير الفرع بالرجوع إلى الأصل.
5) الفرع معرّض بالقوة (بالمعنى المنطقي للمصطلح) لتنوعات بيئية لا يتعرض لها الأصل.
6) الأصل والفرع مفهومان نسبيّان، بمعنى أن بعض الأصول قد تعد فروعًا بالنظر إلى أصول أخرى، وكذا فإن بعض الفروع قد تعد أصولا بالنظر إلى فروع أخرى.
7) يمكن ترتيب بعض الأصول ترتيبا هرميا، وقد تحكم الأصول العليا - في هذه الحال- الأصول الدنيا.
8) قد تتعارض الأصول بعضها مع بعض، ويكون الحل -في هذه الحال- بالتوسل إلى قواعد الترجيح.
وإجمالا، فإن هناك خصائص معينة يمكن إسنادها للأصول، وأخرى للفروع. ولا يعني هذا أنها تنطبق على كل أصل أو فرع، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن لعنصر ما أن يكون أصلا، أو فرعا ما لم يتسم ببعض هذه الخصائص التي سنذكرها:
[b]الأصل
غالب
حدسي
افتراضي
مجرّد
ممكن
مستقل
اعتباطي
وضعي
بسيط
[b]الفرع
أقل ورودًا
مقدّر
فعلي
محسّ
فعلي
غير مستقل
مسوّغ
سياقي
مركب
كل ما سبق من أصول نظرية وأسس منهجية تؤول إلى اعتماد منهج وسطي يتجنب تطرّف الظاهريّة في التمسّك بحرفيّة النص، ومبالغة أنصار التأويل في تباعدهم عن النص شكلاً، ومضمونًا.