رسالة من أمرأة
في عود خشبي بخط الزبور
تعود إلى مرحله ما قبل الإسلام
(المراسلات في اليمن القديم)
أ/ فؤاد يحي حمزة
معيد بقسم الآثار جامعة ذمار: اليمن
استطراد :
في سبعينيات القرن الماضي و في اكتشاف يضاهي اكتشاف مكتبه ابلاء الاثريه بسوريا. ويعد من اهم الاكتشافات الأثرية في الجزيرة العربية في القرن لعشرين،
اكتشف وتحديد في احد المعابد القديمة في اليمن ( معبد عرفنا اسمه من ألنقوش ألمسنديه بمعبد (ذو رصفم) ) كرس لعباده المعبود نكرح الذي يرمز للآلة القمر
هذا المعبد يقع في مدينه ( نشان) الأثرية بوادي جوف اليمن التى تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي ١٧٠ كيلو نحو الشمال ، وبطريق ألصدفه تم الكشف من قبل الباحثين عن الكنوز على غرفه ربما كانت مخزن تحوي اكثر من ثمانية الف عود خشبي ـــ هي اليوم في متحف صنعاء الوطني ــــ اغلبها من عسيب النخل كتب عليها كتابات محزوزه بخط غريب وغير معروف لدى الباحثين والمتخصصين تعارف عليه في ما بعد بخط ألزبور،
استناد الى ما أورده لسان اليمن ابو الحسن الهمداني (ت في نهايه القرن الثالث الهجري - التاسع الميلادي ) حيث ذكر في كتابه الإكليل ان اليمنيون القدماء كانو يكتبون بنوعين من الخطوط الأول هو الخط المسند وهو شائع ومعروف في جنوب الجزيرة العربية والحجاز وهو خط هندسي يكتب على الصخور المسندة القائمة وينحت على سطوحها بحروف مسطره ذات زوايا هندسيه و يعد الخط الرسمي الذي كتب به الملوك المراسيم والكتابات التذكارية والحملات العسكرية ونقوش البناء والإنشاءات والمعاهدات والقوانين وغيره
اما النوع الثاني فقد اسماه الهمداني وعرفناه من الموروث الجاهلي بخط الزبور ، وهو خط شعبي سريع غير مجود يكتب به الناس العاديين البسطاء( العامة) امور حياتهم اليوميه كالمراسلات والحسابات التجارية والسجلات و وثائق الملكية للمزارع والأراضي والحيوانات ومعاملات البيع والشراء ، وقوانين الزواج والمحاصيل الزراعية والحبوب والأصناف التجارية والغرامات وغيرها من قوانين وأعراف قبليه ومتعلقة بالري، والطقوس الدينية والشعائر والأهازيج وغيرها من أمور الجيش والمواسم الزراعية والتقاويم ومواعيد الحصاد ووثائق الشراكة في الأموال والحيوانات والمزارع وأيضا الأوقاف الخاصة بالمعابد ؛بل حتى دون به بعض المعارف والعلوم ودروس التلاميذ ، من أهمها مسائل في الحساب والرياضيات القديمة وغيرها من امور و شئون الحياة أليوميه بين إفراد المجتمع .
وقد وجد العلماء صعوبة كبيره ولازالت في قراءه وفك محتويات هذه النقوش . وحتى ألان وبجهود كبيره وبتعاون فريق من المتخصصين الكبار امثال الدكتور يوسف محمد عبدا لله عالم النقوش اليمنية والبروفسور مولر وكريستان روبان ويرهم من علماء الساميات في جامعات أوروبيه ، استطاع الفريق واستكمال لما كان قد بدائه الدكتور محمود الغول من جامعه اليرموك بالأردن، استطاع قراءه خمسه وثلاثين نقش او عود خشبي فقط بعد محاولات صعبه ومضنيه استمرت لسنوات طوال نشرت مؤخرا في كتاب بعنوان نقوش خشبيه من اليمن ويعد هذا الكتاب فاتحة خير امام الباحثين والخطوه الاولى نحو فك رموز هذا الخط الجديد ، اما اليوم فأن هناك اعداد متزايدة من الدراسات بعد ان فهمت حروف هذا الخط وما يقابلها في العربية ، وتكمن الصعوبة في ان حروف هذا الخط متشابه فمثلا العين والياء والباء واللام والميم تكتب بنفس الشكل وكذلك السين والإلف والكاف تكتب بنفس الشكل ، أيضا كذا الحاء والواو والطاء تكتب بنفس الشكل تقريبا ،فضلاً الى ان لكل كاتب كانت له طريقته الخاصة في الكتابه كما هو حال ألكتابه بخط اليد في عصرنا الحاضر اذ تختلف القاعده الخطية من شخص الى اخر ؛ الأمر الذي يجد الباحث صعوبه كبيره في فهم وقراءه هذا النقوش انظر ألصوره ( 1 )
صوره لأحد النقوش الخشبية المكتوبة بخط ألزبور تفريغ الباحث
وقد نشر مؤخر الالماني بيتر اشتاين حوالي ٤٠٠ اربعمايه نقش في كتاب من جزئين ؛
وفي الاجمالي فأن عدد ما تم دراسته ونشره من هذا النقوش لا يتجاوز ٥٠٠ نقش في فتره استمرت لأكثر من نصف قرن نظرا لصعوبة قراءتها البالغة التعقيد .
ومن اهم ماتكلمت عنه هذه النقوش كما اشرنا سابقا المراسلات او الرسائل والعقود والحسابات والسجلات وغيرها
الرسائل في اليمن القديم :
كانت اهم النقوش هي رسائل شخصيه وكانت ذات طابع تقليدي في جميع الرسائل فهي تبدءا بذكر عنوان النقش إذا يكتب (طيبتم او خبر ) اي رسالة؛ ثم باسم المرسل اليه (الى سعد ثون ) مثلا ثم اسم الشخص المرسل وهو صاحب الرسالة حيث يقول (من أخيك ابا كرب ) ثم يبدءا بذكر التحية حيث يقول ( والإله المقه ( القمر ) ) فليسعد صباحك واليمنن عليك بالصحة والعافية والمسرات ثم يبدءا بذكر الغرض من إرسال الرسالة حيث يطلب منه مثلا إرسال النقود او الحبوب او بيعها او إخباره بأخبار عن اهل بيته وما يحتاجون إليه ، او يكفل على فلان لكي يستطيع أيجاد عمل في تجاره القوافل او السفر معها ومن هذه الرسائل رسالة يطلب احدهم من أخيه إرسال كميه من الحبوب والسمن والعدس والملح ؛ بينما في رسالة أخرى يطلب صاحبها من أخيه ان يضمن ويكفل عليه عند شخص اخر لكون ناقته ( أنثى الجمل) أكلت مزروعات ذلك الشخص مما جعله يحتجز ناقته حتى يدفع تعويض الخسائر التي تسببت فيها الناقة ، وفي رسالة أخرى من أمراءه أرسلتها الى شخص ربما ذو مكانه اجتماعيه عاليه او ربما تاجر تطلب منه ان يضمن على ابنها عند تاجر اخر لكي يسمح له بالتجار معه في تجاره القوافل وقد فعل ذلك وبداء الولد في ممارسه عمله ضمن القافلة ؛ وهكذا
اما النقش قيد الدراسه فأنه من امراءه ارسلت رساله عباره عن عود خشبي بخط الزبور طول ١٠ سم وقطر ٣سم ؛ من اربعه اسطر تخبر اخت لها ان الاله القمر قد شفاها وامنن عليها بالصحه من مرض كانت قد مرضت به عينيها ( ربما عمى) وتخبرها ايضا انها ولدت ولد ذكر وتطلب من ختها التي يفهم من خلال السياق انها كانت تسكن مأرب عاصمة السبئيين ان تذهب الى معبد الاله المقه ( القمر ) وتنحر الغنم وتحرق البخور وتتقرب اليه وتشكره على ما جاد به على اختها من صحه العينين ورزقها مولود ذكر، ثم تختم الرساله بالتحايا والدعاء بالحفظ والوداع والأماني القلبية الحارة
وهناك الكثير من نقوش الرسائل سوى للرجال او للنساء , التي تعكس وبصدق بساطه وخفايا واسرار الحياه أليوميه والعلاقات بين الافراد وتنقل صوره حيه عن نشاطات وسلوكيات واخبار واقتصاديات تلك الفتره
ومما يجد الاشاره اليه ان نقوش الرسائل لم تعرف في اي من الحضارات القديمه في الشرق الادنى ( الفرعونيه او في بلاد الرافدين ) وتكاد تنفرد بها الحضاره اليمنيه القديمه حتى الان ؛ والاجزاء الجنوبيه من ارض المملكه العربيه السعوديه اذا كانت فرص التواصل الحضاري كبيره وخاصه في مجال التجاره (رحله الشتاء والصيف)
ولعل في هذا النقوش بيئه خصبه للدارسين والباحثين لحل الكثير من المسائل العالقه والتي لم نستطع تفسيرها من خلال النقوس المسنديه فقط ؛ ومن خلا ل هذا النقوش الخشبيه تم رفد اللغه اليمنيه القديمه بالمئات من المفردات اللغويه والكلمات التي لم ترد في نقوش المسند بل وايضا العديد من الضمائر والحروف والافعال والاسماء وضمائر المخاطب والمتكلم التي لم ترد في نقوش المسند
وفعلا تعد هذه النقوش بحق اكتشاف هائل سيغير الكثير من النظريات ويمدنا بالكثير من المعلومات عن حياة تلك المجتمعات في جنوب الجزيره العربيه في مرحله ماقبل الاسلام ويثري اللغة اليمنيه القديمه بالمزيد من المفردات اللغويه
ومما يجب الاشاره اليه ان تلك النقوش قد غطت فتره امتدت من حوالي مطلع الإلف الأول ماقبل الميلاد وحتى القرن السادس الميلادي وظهور الإسلام شملت مختلف نواحي الحياه ألعامه واليومية .
ومن خلال دراسة أجراها الباحث لأحد هذه النقوش استمرت لمده تزيد عن سنه توصلت الدراسة الى ان محتواة عبارة عن مسألة رياضيات, وكانت صعوبة هذا النقش تكمن في عده امور اهمها اختلاف سياقه الخبري عن ماهو مألوف من النقوش التى تم دراستها ونشرها ،وغيرها من امور أوضحت ذلك في الدراسة , ولعل في هذا الاكتشاف الأول من نوعه على مستوى الدراسات المتخصصه في النقوش القديمة ألمنشوره في اليمن حتى الان أهميه تكشف عن مدى ما توصل اليه مفكري تلك المجتمعات من تقدم علمي وخاصة في مجال الحساب ، والرياضيات في اليمن ماقبل الاسلام ويعد سابقه نوعية في تتبع تطور تاريخ الرياضيات عند العرب وخاصة في اليمن منذ حوالي ألف عام قبل الإسلام ،
وسأعمل على نشر هذه الدراسة المتواضعة كامله في هذا المنتدى في نشره قادمه ان شاء الله رغم انها لا زلت غير منشوره مع الاحتفاظ بالحق الفكري ، ولكي نقدم إسهام بسيط في سلم المعرفة ولمن يرجو الفائدة ، ونحتسب الأجر عند الله
كما سنعمل ان شاء الله على نشر المزيد من هذا النقوش وما تحويه وفق دراسات منهجيه وموثقه علميا في وقت لاحق
ونسأل من الله التوفيق والسداد . كما نشكر القائمين على هذا المنتدى ولا سيماء الأخت الفاضلة أحلام لسانيه ، لإتاحة ألفرصه للنشر فجزأهم الله خير الجزاء
للمزيد من الاستفسارات والمساعدة في ما يخص اثار اليمن ولغتة القديمه زورونا fuadh2008@yahoo.com
الباحث : أ/ فؤاد يحي حمزه
26/1/2012م صنعاء
[center]