جاء في تعريف القدماء أن البلاغة هي الإيجاز ،ويبدو أن هذا التعريف مرتبط أصلا ببديهة الإنسان العربي في العصور القديمة ؛حيث كان ينطق كلاما مختصرا ومرتجلا فيه السحر والتأثير وفيه البيان والتأثير ،ويبدو أن هذا الأمر مايزال مرتبطا بالبداوة حتى اليوم ؛فمن الملاحظ على أهل الريف أو أهل البداوة في أي منطقة من مناطقنا العربية أن في كلامهم إيجازا محكما يمت إلى البلاغة بصلة ،ولكم نشعر بالسعادة ونحن نسمع لهؤلاء في بلاغتهم المؤثرة حيث ينطقون كلاما موجزا لكن معانيه ودلالاته واسعة ،وبحكم بداوتهم فإنهم لايثرثرون كثيرا ولايستطردون ، وتشعر أن كلامهم مع إيجازه فيه إيحاءات واسعة!!
ونذكر هنا أن الجاحظ كان يرى أن أمتع الأوقات حين يقضيها بين أهل البدو والسماع لكلامهم ؛لأنه ينطوي على بلاغة وفصاحة وحكمة لايجدها بين سكان الحضر،والحضر يشابهه في عصرنا التمدن (حيث العواصم) .
وأعتقد أن من أجمل الأشياء أن يكون كلام الواحد منا ينطوي على البلاغة في إيجازها لكي نكون مؤثرين مع العالم المحيط بنا ،وليس أسوأ من إنسان لايستطيع أن يعبر عن خلجاته بكلمات موجزة مؤثرة ؛إذ إن صاحب اللسان البليغ غالبا مايكون ساحرا ومؤثرا وناجحا في حياته.أما العيي فإن حياته تكون منغصة لأنه يعجز عن التعبير والتأثير والإقناع .والحقيقة أن بلاغة اللسان نعمة من الله قد يحظى بها بعضنا ولكن لايحظى بها بعضنا الآخر !!