ورقة بن نوفل بن سعد بن عبد عزى بن قصي، والده هو إبن عم والد خديجة بنت خويلد، زوجة محمد بن عبد الله (ص) رسول الإسلام.
ورد ذكره في أكثر من مؤلف سواء للديانة الإسلامية و الديانة المسيحية. أتفق معظمها أنه كان يقرأ الإنجيل.
حسب المصادر الإسلامية فورقة هو واحد من أربعة كانوا يبحثون عن دين إبراهيم و هم: ورقة بن نوفل، عبيد اللّه بن جحش و عثمان بن الحويرث و زيد بن عمرو بن نفيل.
و جاء في كتاب البداية و النهاية، ذكر أن:
ورقة بن نوفل تنصر واستحكم في النصرانية، وابتغى الكتب من أهلها، حتى علم علماً كثيراً من أهل الكتاب.
و جاء في فتح الباري، شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني النص:
خرج زيد بن عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين، حتى أتيا الشام، فتنصر ورقة وامتنع زيد، فأتى الموصل فلقي راهبا فعرض عليه النصرانية فامتنع .
و جاء في كنز العمال، للمتقي الهندي:
عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن أبيه عن جده أن زيد بن عمرو بن نفيل و ورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل فقال لزيد ابن عمرو: من أين أقبلت يا صاحب البعير؟ قال من بنية (بنية: البنية - على فعيلة - الكعبة، يقال: لا ورب هذه البنية ما كان كذا وكذا. المختار 48. ب) إبراهيم، قال: وما تلتمس؟ قال: ألتمس الدين، قال: ارجع فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك، فأما ورقة فتنصر وأما أنا فعرضت علي النصرانية فلم توافقني.
و قد ظهر ذكر ورقة في المؤلفات الإسلامية في الفترة التي سبقت ولادة محمد، و ذلك حسب كتاب البداية و النهاية، فالكتاب، في جزءه الثاني، يذكر قصة أخت ورقة أم قتال رقيقة بنت نوفل، عندما مر بها عبد الله بن عبد المطلب، والد محمد، وهي عند الكعبة، قبل أن يدخل بأمنة بنت وهب، و كان مما قالت له حسب الكتاب: لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع علي الآن.
و يكمل الكتاب بأنها كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر واتبع الكتب - أنه كائن في هذه الأمة نبي فطمعت أن يكون منها.
و القصة مذكورة أصلا في كتاب السيرة النبوية، لإبن هشام، حيث يذكر الكتاب في المجلد الأول في ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبدالله بن عبدالمطلب.
قال ابن إسحاق : ثم انصرف عبدالمطلب آخذا بيد عبدالله ، فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب (1/ 292) بن فهر ، وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى ، وهي عند الكعبة ؛ فقالت له حين نظرت إلى وجهه : أين تذهب يا عبدالله ؟ قال : مع أبي ، قالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك ، وقع علي الآن ، قال : أنا مع أبي ، ولا أستطيع خلافه ، ولا فراقه .
و تعود علاقة ورقة بنبي الإسلام محمد لفترة طفولة محمد، و أول لقاء بينهما كما ذكر ابن إسحاق في كتاب السيرة النبوية، لابن هشام، عندما وجد ورقة محمد تائها بأعلى مكة بعد عودته مع حليمة السعدية لزيارة جده و أمه.
زعم الناس فيما يتحدثون ، والله أعلم : أن أمه السعدية لما قدمت به مكة أضلها في الناس وهي مقبلة به نحو أهله ، فالتمسته فلم تجده ، فأتت عبدالمطلب ، فقالت له : إني قد قدمت بمحمد هذه الليلة , فلما كنت بأعلى مكة أضلني ، فوالله ما أدرى أين هو ؛ فقام عبدالمطلب عند الكعبة يدعو الله أن يرده ؛ فيزعمون أنه وجده ورقة بن نوفل بن أسد ، ورجل آخر من قريش ، فأتيا به عبدالمطلب ، فقالا له : هذا ابنك وجدناه بأعلى مكة ، فأخذه عبدالمطلب ، فجعله على عنقه وهو يطوف بالكعبة يعوذه ويدعو له ، ثم أرسل به إلى أمه آمنة .
ثم يظهر ذكره في زواج محمد صلى الله عليه وسلم من خديجة، حيث كان ورقة وكيل خديجة في الزواج، ففي كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم(ص: 92)، للدكتور محمد الحبش، يذكر قول ورقة عند الزواج عن محمد هذا البُضْعُ لا يُقْرَعُ أَنفهُ، وزوّجها منه.
من الجدير ذكره ان السيرة المذكورة للدكتور محمد حبش لا يمكن ان تكون باي حال من الاحوال مرجعا للعلماء المسلمين الذين يعتمدون في مراجعهم على امهات الكتب في السيرة النبوية كابن اسحق.
وفي رواية أنه لما أتمّ أبو طالب الخطبة تكلّم ورقة بن نوفل فقال: الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرتَ، وفضَّلنا على ما عدَدْتَ، فنحن سادة العرب وقادتها، وأنتم أهل ذلك كلّه، لا تُنكِر العشيرة فضلكم، ولا يردّ أحد من الناس فخركم وشرفكم، وقد رَغِبنا في الاتصال بحَبْلكم وشرَفكم، فاشهدوا عليّ يا معاشر قريش بأني قد زَوّجتُ خديجة بنت خويْلِد من محمّد بن عبد الله على أربعمائة دينار.
و جاء في كتاب المستدرك على الصحيحين، أن ورقة كان قد إشترى زيد بن حارثة بمال خديجة و ذلك بطلب من محمد صلى الله عليه وسلم ليتبناه.
كما جاء خبر لقائه أبو بكر الصديق في كتاب كنز العمال للمتقي الهندي، حيث ذكر:
قال أبو بكر الصديق: كنت جالسا بفناء الكعبة وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعدا فمر به أمية بن الصلت فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير، قال: وجدت؟ قال: لا، فقال: كل دين يوم القيامة إلا ما قضى الله في الحنيفية بور ، أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم.، و يكمل أبو بكر:ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي ينتظر ولا يبعث، فخرجت أريد ورقة بن نوفل وكان كثير النظر إلى السماء، كثير همهمة الصدر، فاستوقفته ثم قصصت عليه الحديث، فقال: نعم يا ابن أخي! إنا أهل الكتب والعلماء إلا أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبا ولي علم بالنسب وقومك أوسط العرب نسبا، قلت: يا عم! وما يقول النبي؟ قال: يقول ما قيل له إلا أنه لا يظلم ولا يظالم؛ فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به وصدقت.
حسب معظم الكتب الإسلامية، فإن ورقة كان قد إصيب بالعمى في هذه الفترة.
كتاب السيرة النبوية في جزءه الثاني يذكر بإختصار قصة ورقة مع خديجة:
إنطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وهو ابن عمها ، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب ، وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه رأى وسمع ؛ فقال ورقة بن نوفل : قدوس قدوس ، والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر (2/ 74) الذي كان يأتي موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة ، فقولي له : فليثبت .
فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف ، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال : يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال له ورقة : والذي نفسي بيده ، إنك لنبي هذه الأمة ، وقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه ، فقبل يافوخه ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منـزله.
و في صحيح مسلم، خبر ذهاب خديجة و محمد له
فقالت له خديجة: أي عم! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم. يا ليتني فيها جذعا. يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أَوَمُخْرِجِيَّ هم؟" قال ورقة: نعم. لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُوْدِيَ. وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
و يظهر إسمه ايضا في روايات تعذيب بلال بن رباح فيذكر ابن إسحاق:
وحدثني هشام بن عروة عن أبيه ، قال : كان ورقة بن نوفل يمر به وهو يعذب بذلك ، وهو يقول : أحد أحد ؛ فيقول : أحد أحد والله يا بلال ، ثم يقبل على أمية بن خلف ، ومن يصنع ذلك به من بني جمح ، فيقول : أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا.
و قد قال الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء أن هذا النص غير صحيح، و أن ورقة لم يعش لذلك الوقت.
جاء فتح الباري، شرح صحيح البخاري أنه بعد حضور محمد و خديجة إليه، مات ورقة قبل أن يعاود نزول الوحي إلى محمد:
َقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟
فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -خَبَرَ مَا رَأَى.
فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ.
جاء في كتاب المستدرك على الصحيحين لمحمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري أن محمد قال: لا تسبوا ورقة، فإني رأيت له جنة أو جنتين.
كما جاء في سنن الترمذي:
سُئلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وسَلَّم عن ورقَةَ فقالت لهُ خديجةُ إنَّهُ كان صدَّقَكَ وإنَّهُ ماتَ قبلَ أن تظهَرَ فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وسَلَّم أريتُهُ في المنامِ وعليهِ ثيابُ بياضٍ ولو كانَ من أهلِ النَّارِ لكانَ عليهِ لباسٌ غيرُذلكَ , و جاءت نصوص أخرى بنفس هذا المعنى في مسند الإمام أحمد.
و جاء في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي و في معجم الطبراني الكبير:
عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال: "يبعث يوم القيامة أمة وحده".
المؤلفات المسيحية
يوحنا الدمشقي:
في كتابه الهرطقة، قال يوحنا الدمشقي أن رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم كان يقتبس كلام ورقة بن نوفل لكتابة القرآن. وقال أن ورقة بن نوفل قام بترجمة الإنجيل المحرف إلى العربية، و أنه قس نسطوري كان يترجم بعض الأناجيل إلى العربية.
ولكن لا يعلم إلى اليوم ما هذا الانجيل المحرف الذي يتحدث عنه وكيف ميزه عن الاناجيل الاصلية التي اعتمدها. ونذكر دائما بان البينة على من ادعى كقاعدة لنقاش واثبات الحجج
كتاب المجهول في حياة الرسول:
و هو كتاب موقع بإسم دكتور المقريزي، و هو إسم مجهول، تم نشره على موقع إسلاميات، و هو موقع للدراسات المسيحية تابع لقناة الحياة التبشيرية، بإشراف القمص زكريا بطرس. لم يعترف أحد بكتابته، و إن كان الكثير قد نسبه إلى القس زكريا، الذي يستخدمه في مواعظه التبشيرية. و قد نسبه راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية إلى العفيف الأخضر و أصدر فتوى بهدر دمه، و ذلك بعد أن صاغ الأخضر و وقع مع أكثر من 4000 شخص على عريضة تطالب الأمين العام للأمم المتحدة بمحاكمة الذين يفتون بسفك دماء الأبرياء، كأقصر طريق للذهاب إلى الجنة، و جاء ذكر راشد الغنوشي كأحدهم. بينما أصر الأخضر أنه ليس الكاتب، و أن هذه مجرد حملة للنيل منه.
جاء في الكتاب أن أشعار ورقة القلية النادرة التي بقيت تظهر تطابق مع ما أوحى به جبريل إلى محمد.
و يطرح الكتاب في فصل ورقة بن نوفل نفس الفكرة التي قدمها يوحنا الدمشقي، و هي أن القرأن ليس من الوحي بل هو من كتابة البشر و منهم ورقة بن نوفل.
ومهما يكن الامر فانه وبما ان البينة على من ادعى فان من ساق الاتهام إلى ان القران من تاليف ورقة بن نوفل لم يقدم اي دليل على ذلك.
ثم اين هي اشعار ورقة بن نوفل لنقارنها بالقران الكريم؟؟ ان القران الكريم قد تخطى بكثير امكانيات وقدرات اشعر الشعراء عند العرب فما بالك لو كان ممن ليس بشاعر مثل ورقة.
واخيرا ينبغي التذكير بان ورقة بن نوفل قد توفي بعد نزول الوحي لمرة واحدة.
ورقة بن نوفل
ورقة بن نوفل بن أسد عبد العُزّى من قريش. حكيم جاهلي اعتزل الأوثان قبل الإسلام وامتنع من أكل ذبائحها، وتنصر وقرأ كتب الأديان، وكان يكتب اللغة العربية بالحرف العبراني. أدرك أوائل عصر النبوة، وهو ابن عم خديجة بنت خويلد أم المؤمنين. وفي حديث ابتداء الوحي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، رجع إلى خديجة وفؤاده يرتجف فأخبرها فانطلقت به إلى ورقة بن نوفل وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره الرسول خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك. ولورقة شعر سلك فيه مسالك الحكماء وفي المؤزخين من يعده من الصحابة.
ترجمة ورقة بن نوفل
"كتاب الأغاني"
كاملة
ذكر ورقة بن نوفل ونسبه: نسبه وهو جاهلي اعتزل عبادة الأوثان:
هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي، وأمه هند بنت أبي كثير بن عبد بن قصي. وهو أحد من اعتزل عبادة الأوثان في الجاهلية وطلب الدين وقرأ الكتب وامتنع من أكل ذبائح الأوثان.
نسبة مافي هذا الشعر من الغناء " غير " ارفع ضعيفك"
صوت
ولقد طرقت البيت يخشى أهله بعد الهدوء وبعدما سقط الندى
فوجدت فيه حرة قـد زينـت بالحلي تحسبه بها جمر الغضا
الشعر لورقة بن نوفل. والغناء لابن محرز من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى الوسطى عن إسحاق.
أخبرنا الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وزرقة بن نوفل كما بلغنا فقال: " قد رأيته في المنام كان عليه ثياباً بيضاً فقد أظن أن بو كان من أهل النار لم أر عليه البياض" قال الزبير وحدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن عائشة: أن خديجة بنت خةيل انطلقت بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبارني فيكتب بالعبرانية من الانجيل ما شاء أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك؛ قال ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر مارأى فقال ورقة: ههذ الناموس الذي أنزله الله تبارك وتعالى على موسى؛ ياليتني فيها جذع، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم" قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بمثل كاجئت به إلا عودي، وإن يدركنب يومك لأنصرنك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي.
رأى بلالاً يعذب لإسلامه فقال شعراً قال الزبير حدثني عثمان بن الضحاك بن عثمان بن عبد الرحمن بن أبي الزناد قال قال عروة: كان بلاب لجارية من بين جمح بن عمرو، وكان يعذبونه برمضاء مكة، يلصقون ظهره بالرمضاء ليشرك بالله؛ فيقول: احد أحد، فيمر عليه ورقة بن نوفل وهو على ذلك يقول: أحد أحد، فيقول ورقة بن نوفل: أحد أحد والله يابلاب? والله لئن قتلتموه لاتخذته حناناً كأنه يقول: لأتمسحن به.
وقال ورقة بن نوفل في ذلك:
لقد نصحت لأقوام وقلت لهم أنا النذير فلا يغركم أحد
لا تعبدون إلها غير خالقكم فان دعوكم فقـولوا بيننا حدد
سبحان ذي العرش سبحانا نعوذ به وقبل قد سبح الجود والجمد
مسخر كل ما تحت السماء له لا ينبغي أن يناوي ملكـه أحد
لا شئ مما نرى تبقى بشاشته يبقى الإله ويودى المال والولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ دان الشعوب له والجن والإنس يجري بينها برد
أين الملـوك التي كانت لعزتها من كـل أوب إليهـا وافد يفد
حوض هناك مورود بلا كذب لابـد مـن ورده كمـا وردوا
مدح النبي صلى الله عليه وسلم له والنهي عن سبه:
قال الزبير حدثني عمي قال حدثنا الضحاك بن عثمان بن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأخي ورقة بن نوفل أو لابن أخيه: " شعرت أني رأيت لورقة جنة"، أو جنتين ". بشك هشام.
قال عروة: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب ورقة.
وقال الزبير وحدثني عمي قال حدثني الضحاك عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه: أن خديجة كانت تأتي ورقة بما يخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه، فيقول ورقة: لئن كان مايقول حقاً إنه ليأتيه الناموس الأكبر ناموس عيسى ابن مريم الذي لايجيزه أهل الكتاب إلا بثمن، ولئن نطق وأنا حي لأبلين فيه الله بلاء حسناً.
بعد هذه المقدمة عن ورقة بن نوفل في كتب التراث العربي المسيحية منها والعربية نشعر أننا أمام شخصية غير عادية ورجل غير كل الرجال وشاعر ليس ككل الشعراء فهذا الرجل الذي لم يكن يوما نبيا ولا زعيما خلد ذكره على كل العصور.
ورقة بن نوفل الذي عاش ومات في الجزيرة العربية منذ أكثر من 1400عام مازال يثار الجدل حوله وحول أشعاره وينتسبه ديانتان هما أكبر الديانات السماوية على الإطلاق فأتباع المسيحية يقولون أنه كان قسا "مطران مكة" في ذلك الوقت وأنه هو من علم نبي الإسلام محمد القرآن, ووصل الأمر أن بعض كتاب المسيحية إلى اعتبار أن القس ورقة بن نوفل هو من كان يملي على النبي محمد القرآن , ويضيفون أنه في الفترة التي تلت وفاة ورقة بن نوفل فتر الوحي إلى رسول الله.
ورقة بن نوفل كان حنيفا على ملة إبراهيم كما جاء في كتب السيرة الإسلامية وكان على علاقة وطيدة برسول الإسلام محمد, وهو أول من أخبره أن هذا الناموس هو الناموس الذي نزل علي موسى نبي اليهودية, وهذا يعني أن ورقة بن نوفل كان على دراية باليهودية والتوراة, هذا بالإضافة إلى ماورد في المراجع الإسلامية والمسيحية من درايته الواسعة بالنصرانية.
مما سبق يمكن القول ببساطة أن هذا الرجل كان عقلية فذة, ومثقف من أعظم مثقفي عصره على دراية واسعة بالأديان السماوية التي نزلت قبله, وعلى علم واسع بتاريخ الأمم والشعوب السابقة , وصاحب رأي ومدرسة فكرية مستنيرة تسبق عصره, وكان يدعو إلى هذه المدرسة كل من يتوسم فيه القدرة على تفهم واستيعاب فكره المتجدد على أهل ذلك العصر, وله دراية واسعة بالعديد من اللغات الأخرى الموجودة في ذلك العصر, وخاصة اللغة العربية , ويعرف جيدا كيف يصوغ أفكاره شعرا أو نثرا.
وليس بالغريب ان يصوغ تلك الأفكار والمبادئ التي يؤمن بها بأسلوب أدبي رائع وهذا الأسلوب وإن شابه لغة القرآن فلأن الأداة المستخدمة واحدة, وهي اللغة العربية القرشية , وحيث أن القرآن تنزل على نفس العقول العربية التي كان يحاول ورقة بن نوفل أن يتعامل معها ويصل إليها, فكان من الطبيعي أن تكون الخصائص العامة للخطاب في القرآن الكريم شبيهه بالخطاب الذي يتحدث به ورقة بن نوفل.
وللأسف الشديد فإن ما وصل إلينا من أشعار ونثر ورقة بن نوفل قليل جدا لا نستطيع من خلاله أن نرسم صورة واضحة لمعتقداته الفنية والأدبية والفكرية وضياع أو كما يقول مؤرخو الديانة المسيحية (طمس) ما قد كتبه ورقة بن نوفل لا شك في أنه خسارة شديدة للفكر الإنساني كله مسلمه ومسيحية فالفكر الإنساني قد خسر تأملات وأفكار رجل كان في عصر الجاهلية يفكر بالوحدانية ويؤمن بالقيم السماوية التي تنزلت بها الأديان يقرأ التاريخ ويعرف الأدب ويرحل إلى مختلف بلدان العالم بحثا عن الحقيقة الفكرية التي ينشدها.
أغراض الشعر:
من قليل الشعر الذي بين أيدينا سنحاول أن نستخلص الأغراض التي مشى فيها ورقة بن نوفل في شعره وأول هذه الأغراض هي:
• الفخر والحماسة:
يَعفو ويَصفَحُ لا يجزي بسيِّئة ويَكظمُ الغيظَ عند الشَتمِ والغَضَبِ
والفخر عند ورقة بن نوفل ليس فخرا بالقبيلة ولكن فخر بمكارم الأخلاق والفضائل وهذه سمات الدعاة والحكماء فالتفاضل والتفاخر بينهم بالخلق والعلم وليس بالأصل والفصل والنسب.
• الهجاء:
واهم مميزاته أنه كان هجاءاً عفيفاً مهذّباً خالياً من السبّ والشتم.
ألا مَن مُبلغٌ عمراً رَسولا فإني من مخافتهِ مُشيحُ
أفرّ إلى بني ثعل بن عمرو وحولي من بني جَرمٍ نبوحُ
أعوذُ بربِّ بيت الظلم منه وبالرحمن إذ شرقَ المسيحُ
تركتُ لكَ البلاد وماء بحري لأنزح عنكَ لو نفعَ النزوحُ
ونلاحظ رقة هذا الهجاء الصادر من رجل حنفي يؤمن بمكارم الأخلاق فلا يفحش في القول ولا يسب النسب والأهل وإنما يذم في أخلاقه, وهذه عادة الحكماء ورجال الدين.
ألا أبلغ لديك أبا عقيل فما بيني وبينك من ودادِ
تعيبُ أمانتي وتذُّم أهلي وتأكلني إلى حضرٍ وباد
فأيّاً ما وأيّ كان أبلغي وأسعى في العشيرة بالفساد
فلا لاقى سروراً من مليكٍ ولا زالت يداه في صفادِ
• الغزل:وهو الشعر الخاص بالمرأة المحبوبة ويرجع سبب ظهور غرض الغزل في الشعر الجاهلي إلى الأتي:
1- حياة الصحراء وما بها من حياة الترحال التي تفرّق المحبين.
2- أن المرأة كانت عفيفة مما زاد ولوع الرّجال بأخلاقها.
3- أن البيئة الصحراوية لم يكن فيها ما هو أجمل من المرأة.
وقد تميز هذا الغرض الغزل بأنه كان عفيفاً رفيع المستوى يصوّر حياء وعفاف المرأة.
أتبكر أم أنت العشية رائح وفي الصدر من إضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم كأنك عنهم بعد يومين نازح
على ندرة الشعر الذي وصل إلينا من أشعار ورقة بن نوفل, فإن خصائص الغزل عند هذا الرجل تتبدى بوضوح في البيتين السابقين , من رقة في اللفظ , وقدرة على التحكم في لغته الشاعرة من تبيين وإيجاز وتضاد, ورقة في رسم الصورة الشاعرة لبعد المحبوب عن حبيبه , ففي الإبكار والعشية يتبدى الألم المكتوم في صدره لفراق المحبوب الذي يحدث بعد يومين أو أكثر.
ولقد دخلتُ البيت يُخشى أهلهُ بعدَ الهدُوِّ وبعدما سقطَ الندى
فوجدتُ فيه طفلةً قد زيّنت بالحلي تحسَبه بها جمرَ الغَضا
فنعمتُ بالاً إذ أتيتُ فراشها وسقطتُ منها حينَ جئتُ على هوى
فبتلك لذّات الشبابِ قضيتُها عنّي فسائل بعضهم ماذا قَضى
• الوصف: وأبرز خصائص الوصف هي:
1) الطّابع الحسي.
2) دقّة الملاحظة.
3) صدق النظرة.
لمن الديار غَشيتُها كالمُهرَقِ قَدُمت وعهدُ جديدها لم يُخلقِ
إني يراني المُوعديَ كأنني في الحصن من نجران أو في الأبلقِ
في يافعٍ دون السماء ممرَّدٍ صَعبٍ تزلُّ به بنانُ المرتقي
ويصدُّهُم عني بأنّي ماجدٌ حسبي وأصدُقُهم إذا ما نلتَقي
وإذا عفَوتُ عَفَوت عفواً بيِّناً وإذا انتَصرتُ بلغتُ رنقَ المُستقى
لقد تميز الوصف عند ورقة بن نوفل بما تميز به الشعر الجاهلي بصفة عامة , كما نلاحظ في المقطوعة السابقة وقوفه على الأطلال في مطلع المقطوعة , على عادة الشعراء الجاهليين في مطلع قصائدهم, وإن تميزت أبياته باللفظ العذب السهل والواضح , والرقة المتناهية "في يافعٍ دون السماء ممرَّدٍ صَعبٍ تزلُّ به بنانُ المرتقي".
• المدح:
وقد امتاز غرض المدح بالصّدق، إضافةً إلى خلوّه من المبالغة الممقوتة. وخاصة أن ورقة بن نوفل في قصيدته التالية إنما يمدح الرسول الكريم الذي عرفته العرب بالصادق الأمين , ومدحه للرسول الكريم نبؤة أكثر منه وجود على أرض الواقع, فهو يدرك أن هذا الرجل القرشي سوف يسود قريشا والعرب بل الدنيا كلها , وبعد مدحه الرسول الكريم ودينه المجيد , يذم الكفر والكافرين "وهل أمرُ السفالةِ غيرُ كفر". ويختم مقطوعته بحكمة رائعة تبقى على مر الأجيال "أهلك فكلُّ فتىً سَيلقى من الأقدار متلفةً حروجا".
لججتُ وكنتُ في الذكرى لجوجا لهم طالما بعثَ النشيجا
ووَصفٍ من خديجةَ بعد وصفٍ فقد طال انتظاري يا خديجا
ببَطنِ المكتين على رجائي حديثكِ أن أرى منهُ خروجا
بما خبَّرتنا من قولِ قس من الرهبان أكرهُ أن يحوجا
بأنّ محمداً سيسودُ فينا ويَخصمُ مَن يكونُ له حجيجا
ويظهِر في البلاد ضياءَ نور يُقيم به البريّة أن تموجا
فيَلقى مَني محاربُه خساراً ويَلقى من يُسالمُهُ فُلوجا
فيا لَيتني إذا ما كان ذاكم شَهدتُ فكنتُ أوَّلَهم وُلوجا
وُلوجاً في الذي كَرهت قريشُ ولَو عجّت بمكّتها عَجيجا
أرجي بالذي كرهوا جميعاً إلى ذي العرشِ إن سفلوا عُروجا
وهل أمرُ السفالةِ غيرُ كفر بمَن يختار مَن سمكَ البروجا
فإن يبَقوا وأبقَ تكُن أمورٌ يضجُّ الكافرونَ لها ضجيجا
وإن أهلك فكلُّ فتىً سَيلقى من الأقدار متلفةً حروجا
• الرّثاء: وقد ظهر هذا الغرض بسبب كثرة الحروب التي كانت تؤدي إلى قتل الأبطال، ومن ثَمَّ يُرثَون. ومن أبرز مميزات غرض الرّثاء:
1- صدق العاطفة.
2- رقة الإحساس والبعد عن التهويل والكذب.
3- ويتحلّى بالصبر والجَلَد.
هل أتى ابنتيَ عُثمانَ أنَّ أباهما حانَت منيَّتُه بجنبِ الفرصد
ركبَ البريد مخاطراً عن نفسه ميت المضنَّة للبريد المقصد
فلأبكيَن عثمان حقَّ بكائهِ ولانشدَن عمراً وإن لم ينشد
بل ليت شعري عنك يا ابن حويرث أسقيتَ سماً في الأناءِ المصعدِ
أم كان حتفاً سيق ثَم لحينه إنّ المنيّة للحمام لتهتدي
قد كان زيناً في الحياة لقومه عثمان أمسى في ضريحٍ ملحدِ
ولقد برى جسمي وقلت لقومنا لما أتاني موته لا تبعد
أمسى ابن جفنة في الحياة مهلكاً وصفيُّ نفسي في ضريحٍ مؤصد
واللَه ربي إن سلمتُ لآثرن فيه بضربة جازم لم يقصد
ونلاحظ في المقطوعة السابقة القدرات التعبيرية الرائعة لهذا الشاعر المخضرم ؛ حيث يبدأ المقطوعة بسؤال مطلق عن ابنتي عثمان, لجعل الفتاتين ينتبهان ويتوقعان حدوث أمر جلل , فلا يكون الخبر كوقع الصاعقة عليهما وإنما يخفف من شدة وطأة الخبر عليهما, وفي قوله حانت منيته إشارة إيحائية إلى الإيمان بأن لكل امرء عمرا مقدرا , من قبل حكيم مقتدر, ثم يعلن عن حزنه الشديد لوفاة هذا الرجل , وأن " أمسى ابن جفنة في الحياة مهلكاً وصفيُّ نفسي في ضريحٍ مؤصد".
• الاعتذار
كفى حزناً كرّي عليه كأنّه لقى بين أيدي الطائفين حريمُ
• الحكمة
تأتي الحِكَم في بعض أبيات النص، وتمتزج بالإحساس والعاطفة المؤثرة.
رحَلَت قُتيلةُ عيرَها قبل الضحى وإخالُ أن شحطت بجارتك النوى
أو كلما رحلت قُتيلة غدوة وغدت مفارقةً لأرضهمُ بكى
ولقدر كبتُ على السفين ملجِّجاً أذَرُ الصديقَ وأنتحي دار العدى
ولقد دخلتُ البيت يُخشى أهلهُ بعدَ الهدُوِّ وبعدما سقطَ الندى
فوجدتُ فيه طفلةً قد زيّنت بالحلي تحسَبه بها جمرَ الغَضا
فنعمتُ بالاً إذ أتيتُ فراشها وسقطتُ منها حينَ جئتُ على هوى
فبتلك لذّات الشبابِ قضيتُها عنّي فسائل بعضهم ماذا قَضى
قَدحَ الذُباب فليس يوري قَدحهُ لا حاجةً قضى ولا مالاً نما
فارفَع ضعيفكَ لا يَحُل بك ضعفهُ يوماً فتُدركَه العواقبُ قد نَما
يَجزيك أو يُثني عليك وإن مَن أثنى عليك بما فعلتَ كمَن جزى
أرعى أمانتَهُ وأحفظُ غيبهُ جهدي فيأتي بعد ذلك ما أتى
وعلى سبيل التعميم فإن الحكمة تتناثر في كل ثنايا المقطوعات التي وصلتنا من أشعار ورقة بن نوفل , وأهم ما يميز هذه الحكم التي أطلقها في أشعاره عن باقي الحكم التي تجيء في أشعار الجاهليين, أن الحكمة عنده تأتي من إيمانه بالوحدانية الحنفية والديانة المسيحية فهي حكمة دينية ومواعظ أكثر منها حكمة إنسانية تأتي من الخبرات الحياتية التي يكتسبها الإنسان الذي عرك الحياة وعركته, أي أن الحكمة في أشعار ورقة بن نوفل هي حكمة دعوة إلى الدين والتوحيد والإيمان بالله.
• التوحيد: وهي الدعوة إلى الإيمان بالله الواحد وترك عبادة الأصنام وهي الدعوة إلى دين إبراهيم (الحنفية) , أو النصرانية.
وقد تميزت هذه الأشعار برقة اللفظ ودقته وبعدها عن الألفاظ الخشنة الغريبة, وكأي شعر دعوة اهتم بالمعنى أكثر من الاهتمام بالبديع, فجاءت الصور والأخيلة بسيطة, لكي تصل إلى قلب وعقل المتلقي لهذا الشعر.
لَقد نصحتُ لأقوامٍ وقلتُ لهم أنا النذير فلا يغروكم أحدُ
لا تعبدنَّ إلهاً غير خالقكم فإن دعَوكم فقولوا بيننَا حدَدُ
سبحان ذي العرشِ سبحاناً يعادلهُ ربُّ البريَّة فرد واحدٌ صمدُ
سُبحانَهُ ثم سُبحاناً يعودُ لهُ وقبلُ سبَّحَه الجوديُّ والجمدُ
مُسخَّرٌ كلُّ من تحت السماء لهُ لا ينبغي أن يناوي مُلكهُ أحدَ
لا شيء مما ترى إلا بشاشتهُ يَبقى الالهُ ويفنى المالُ والولدُ
لم تُغن هرمز يوماً من خزائنه والخلدَ قد حاولت عادٌ فما خلَدوا
ولا سليمانَ إذ دانَ الشعوبُ لهُ اللإنسُ والجنُّ تجري بينها البُرُدُ
أينَ الملوكُ التي دانت لعزَّتها من كل أوب إليها وافدٌ يفد
حوضٌ هنالك مورودٌ بلا كذبٍ لا بدَّ من وردِه يوماً كما وردوا
ومن شعر ورقة بن نوفل: عن زيد بن عمر (زيد بن عمر بن نفيل وكان زيد نصرانيا فالتقى بورقة وتناشدا الأشعار في التوحيد وعبادة الله ): (شعراء النصرانية ج3 ص616) فقال ورقة:
رَشَدتَ وأنعمت ابن عمرو وإنما تجنبتَ تنوراً من النار حاميا
بدينك ربّاً ليس ربّ كمثلهِ وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وإدراكك الدينَ الذي قد طلبته ولم تكُ عن توحيدِ ربِّك ساهيا
فأصبحتَ في دارٍ كريمٍ مُقامُها تُعلَّل فيها بالكرامة لاهيا
تُلاقي خليل اللَه فيها ولم تكن من الناس جبّاراً إلى النار هاويا
وقد تدركُ الإنسان رحمة ربِّه ولو كان تحتَ الأرضِ سبعينَ واديا
أقولُ إذا جاوزتُ أرضاً مخوفةً حنانيك لا تُظهر عليّ الأعاديا
حنانيكَ إن الجن كانت رجاءهم وأنت إلهي ربَّنا ورجائيا
أدينُ لربٍّ يستجيبُ ولا أرى أدينُ لمن لا يسمَعُ الدهرَ داعيا
أقولُ إذا صلَّيتُ في كلِّ بيعةٍ تباركتَ قد أكفأتُ باسمكَ داعيا
• الدعوة للدين الجديد والإشادة بالرسول الكريم: كان تصديق ورقة بن نوفل لدين محمد والاعتقاد فيه سببا في ادعاء كتاب التاريخ النصارى (وبعض المستشرقين) أن النبي محمد (ص) إنما كان يكتب القرآن وراء إملاء ورقة بن نوفل, ولسنا هنا في مجال بحث في هذا الموضوع ولكننا في معرض الأغراض الشعرية التي وردت بأشعار ورقة بن نوفل وكان منها ما جاء في الدعوة إلى الدين الجديد, فعندما أخبرته السيدة خديجة بخبر نزول الوحي على الرسول نراه يقول:
وإن يكُ حقّاً يا خديجةُ فاعلمي حديثُكِ إيّاها فأحمدُ مرسلُ
وجبريل يأتيه وميكالُ فاعلمي من اللَه وحيٌ يشرحُ الصدر منزلُ
يفوزُ به من فاز فيها بتوبةٍ ويشقى به العاتي الغرير المُضَلَّلُ
فريقان منهم فرقةُ في جنانِه وأخرى بأجواز الجحيمِ تغلَّلُ
فسبحانَ من تهوى الرياحُ بأمرهِ ومن هو في الأيّامِ ما شاءَ يفعَلُ
ومن عرشهُ فوقَ السماوات كلّها وأقضاؤهُ في خلقهِ لا تبدَّلُ
ولنقرأ هذه المقطوعة الجميلة حيث يبدأها بذكر الإيمان بقضاء الله والرضا والتسليم بما كتبه الله علينا وإيمانه بأن الغيب لا يطلع عليه إلا الله وهذه مقدمة بسيطة ومعبرة وممهدة لما سيذكره للسيدة خديجة التي جاءت تسأله عما أصاب زوجها في غار حراء, وهي بين الخوف مما قد أصابه وبين الرجاء في أن هذا الخبر هو البعثة المحمدية, ويكمل ورقة بن نوفل بأن ما حدث لمحمد إنما حدث مع غيره من قبل مع نبي الله موسي , فهو على علم بما حدث مع الأنبياء قبل محمد مثل هود وصالح والمسيح عليهم جميعا السلام وعلى دراية بتاريخ الأمم السابقة, وكأي عالم مدقق ومحقق يسأل السيدة خديجة أن ترسل له محمدا ليسمع منه مباشرة, ويسأله عن أمره في النوم والسهر وكأنه طبيب نفساني أو محلل نفسي يستقصي كل حالات الشخص الذي يعاينه كي لا يقع في الغلط, ولنرى الإيجاز الشعري والتكثيف التعبيري في قوله "فقال حين أتانا" فالتفاصيل هنا لا تعني شيئا , ولكن المهم ما سيقوله النبي محمد (ص) , ويعبر عن هول مارآه محمد "يقِفُّ منه أعالي الجلدِ والشعر" وبعد أن يسمع من الرسول الكريم يعلن إيمانه وتصديقه بما قاله مباشرة في البيت التالي وكأن ما ذكره محمد لا يحتمل الكذب ولا يحتاج إلى وقت للتفكير فيه أو تدبره فهو حق وصدق يجب الإيمان به مباشرة , ثم في نهاية المقطوعة يذكر أن هذا الدين الجديد سوف يلقى معارضة كبيرة من كفار قريش وأعداء محمد.
يا للرجال وصرفِ الدهرِ والقَدرِ وما لشيءٍ قضاهُ اللَه من غيرِ
جاءت خديجة تدعوني لأخبرَها ومالَنا بخفيِّ الغيب من خبَر
جاءت لتسألني عنه لأخبرَها أمراً أراه سيأتي الناسَ من أخر
فخبَّرتني بأمر قد سمعتُ بهِ فيما مضى من قديم الدهر والعُصُر
بأن أحمدَ يأتيهِ فيُخبرُه جبريلُ أنك مبعوثٌ إلى البشرِ
فقلت عل الذي ترجينَ يُنجزُهُ لكِ الإله فرجّي الخير وانتظري
وأرسليه إلينا كي نسائلهُ عن أمره ما يرى في النوم والسهر
فقال حين أتانا منطقاً عجباً يقِفُّ منه أعالي الجلدِ والشعر
إني رأيت أمينَ اللَهِ واجهني في صورة أكملت من أعظم الصور
ثم استمر فكان الخوف يذعر ني مما يسلم ما حولي من الشجر
فقلت ظني وما أدري أيصدقني أن سوف يبعثُ يتلو منزلَ السور
وسوف أبليك إن أعلنتَ دعوتهم من الجهاد بلا من ولا كدَرِ
نزل الوحي على الرسول في أول مرة ثم تركه فترة لكي يستعيد ذهنه وقدرته على تلقي الوحي ولكي يحصل الشوق إلى ملاقاة الروح الأمين , فحزن ورقة بن نوفل الذي كان يستشعر دنو أجله ويعرف كبر سنه الذي قد لا يمهله حتى ظهور الدعوة المحمدية والجهر بها فجعل يستعجل الوحي ويقول: حتى متى ؟ فقال ورقة في ذلك :
لججت وكنت في الذكرى لجوجا * لهمّ طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف * فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي * حديثك أن أرى منه خروجا
بما خبرتنا من قول قس * من الرهبان أكره أن يهوجا
بأن محمدا سيسود فينا * ويخصم من يكون له حجيجا
ويظهر في البلاد ضياء نور * يقيم به البرية أن تموجا
فيلقى من يحاربه خسارا * ويلقى من يسالمه فلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم * شهدت فكنت أولهم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش * ولو عجت بمكتها عجيجا
أرجي بالذي كرهوا جميعا * إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا
وهل أمر السفالة غير كفر * بمن يختار من سمك البروجا
فإن يبقوا وأبق تكن أمور * يضج الكافرون لها ضجيجا
وإن أهلك فكل فتى سيلقى * من الأقدار متلفة حروجا
شعر ورقة بن نوفل
أتبكر أم أنتَ العشيةَ رائحُ وفي الصَدرِ من إضمارك الحزنَ قادحُ
لفُرقةِ قومٍ لا أحب فراقهم كأنَّك عنهم بعد يومين نازحُ
وأخبار صِدقٍ خبِّرت عن محمد يُخبّرها عنه إذا غابَ ناصحُ
فتاكِ التي وجَّهتِ يا خيرَ حُرَّةٍ بغورٍ وبالنجدين حيثُ الصحاصحُ
إلى سوقِ بُصرى في الركاب التي غدت وهُنَّ من الاحمال قعص دوالح
فخبرنا عن كلِّ خير بعلمهِ وللحقِّ أبوابٌ لهن مفاتحُ
بأن ابنَ عبد اللَه أحمد مرسلٌ إلى كلِّ من ضُمَّت عليه الأباطحُ
وظنّي به أن سوف يُبعث صادقاً كما أرسلَ العبدانِ هودٌ وصالحُ
وموسى وإبراهيمُ حتى يُرى له بهاءٌ ومنشورٌ من الذكر واضحُ
ويتبعه حيّا لؤيٍّ جماعة شبابهُم والأِيبون الجحاجحُ
فإن أبقَ حتى يدركَ الناسَ دهرهُ فإنّي به مُستبشرُ الودِّ فارحُ
وإلا فإني يا خديجةُ فاعلمي عن أرضكِ في الأرضِ العريضةِ سائحُ
وهذه الأشعار تميز بها ورقة بن نوفل عن سائر الشعراء الجاهليين حيث قل أن نجد مثل هذا الشعر – شعر الدعوة – في أشعار أحد غيره ونرى فيه الوضوح الشديد للأفكار والمعاني وتحري الصدف والحقيقة في كل كلمة يكتبها مبتعدا كل البعد عن الخيال والمبالغة , كما نلمح فيه شيئا آخر وهو سعة المعرفة وعمقها عند ورقة بن نوفل وإلمامه بالديانات والرسل السابقين إلماما واسعا, والميزة الثالثة هي الإيمان المطلق بنبوة محمد والتصديق بما جاء به هذا النبي, والميزة الرابعة هي الإيمان والتنبوء بظهور هذا الدين وانتصاره وانتشاره بين أمة العرب بل وكل الدنيا , وهذه عادة كل المؤمنين بأفكار سامية وأحلام كبيرة ينتظر أن تظهر وتنتشر بين الأمم.
خصائص الشعر عند ورقة بن نوفل
أ- خصائص الألفاظ: 1- تميل إلى الرقة والفخامة.
أتبكر أم أنتَ العشيةَ رائحُ وفي الصَدرِ من إضمارك الحزنَ قادحُ
2- خالية من الأخطاء، وبها من الألفاظ الأعجميّة ما يدل على أنه اختلط بغير العرب وخاصة النصارى في شمال الجزيرة أو جنوبها وتدل على علمه بالإنجيل والتوراة والكتب الدينية القديمة .
وظنّي به أن سوف يُبعث صادقاً كما أرسلَ العبدانِ هودٌ وصالحُ
وموسى وإبراهيمُ حتى يُرى له بهاءٌ ومنشورٌ من الذكر واضحُ
3- تخلو من الزخارف والتكلّف والمحسّنات المصنوعة.
فنعمتُ بالاً إذ أتيتُ فراشها وسقطتُ منها حينَ جئتُ على هوى
فبتلك لذّات الشبابِ قضيتُها عنّي فسائل بعضهم ماذا قَضى
4- تميل إلى الإيجاز.
وإن يكُ حقّاً يا خديجةُ فاعلمي حديثُكِ إيّاها فأحمدُ مرسلُ
وجبريل يأتيه وميكالُ فاعلمي من اللَه وحيٌ يشرحُ الصدر منزلُ
ب- خصائص المعنى: 1- تخلو من المبالغة الممقوتة.
بدينك ربّاً ليس ربّ كمثلهِ وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وإدراكك الدينَ الذي قد طلبته ولم تكُ عن توحيدِ ربِّك ساهيا
فأصبحتَ في دارٍ كريمٍ مُقامُها تُعلَّل فيها بالكرامة لاهيا
2- بعيدة عن التعقيد.
لَقد نصحتُ لأقوامٍ وقلتُ لهم أنا النذير فلا يغروكم أحدُ
لا تعبدنَّ إلهاً غير خالقكم فإن دعَوكم فقولوا بيننَا حدَدُ
سبحان ذي العرشِ سبحاناً يعادلهُ ربُّ البريَّة فرد واحدٌ صمدُ
3- غالباً تقوم على وحدة البيت لا وحدة القصيدة.
أتبكر أم أنتَ العشيةَ رائحُ وفي الصَدرِ من إضمارك الحزنَ قادحُ
لفُرقةِ قومٍ لا أحب فراقهم كأنَّك عنهم بعد يومين نازحُ
وأخبار صِدقٍ خبِّرت عن محمد يُخبّرها عنه إذا غابَ ناصحُ
فتاكِ التي وجَّهتِ يا خيرَ حُرَّةٍ بغورٍ وبالنجدين حيثُ الصحاصحُ
إلى سوقِ بُصرى في الركاب التي غدت وهُنَّ من الاحمال قعص دوالح
فخبرنا عن كلِّ خير بعلمهِ وللحقِّ أبوابٌ لهن مفاتحُ
بأن ابنَ عبد اللَه أحمد مرسلٌ إلى كلِّ من ضُمَّت عليه الأباطحُ
وظنّي به أن سوف يُبعث صادقاً كما أرسلَ العبدانِ هودٌ وصالحُ
وموسى وإبراهيمُ حتى يُرى له بهاءٌ ومنشورٌ من الذكر واضحُ
ويتبعه حيّا لؤيٍّ جماعة شبابهُم والأِيبون الجحاجحُ
فإن أبقَ حتى يدركَ الناسَ دهرهُ فإنّي به مُستبشرُ الودِّ فارحُ
وإلا فإني يا خديجةُ فاعلمي عن أرضكِ في الأرضِ العريضةِ سائحُ
4- منتزعة من البيئة البدوية.
رحَلَت قُتيلةُ عيرَها قبل الضحى وإخالُ أن شحطت بجارتك النوى
أو كلما رحلت قُتيلة غدوة وغدت مفارقةً لأرضهمُ بكى
5- الاستطراد.
لججت وكنت في الذكرى لجوجا * لهمّ طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف * فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي * حديثك أن أرى منه خروجا
بما خبرتنا من قول قس * من الرهبان أكره أن يهوجا
بأن محمدا سيسود فينا * ويخصم من يكون له حجيجا
ويظهر في البلاد ضياء نور * يقيم به البرية أن تموجا
فيلقى من يحاربه خسارا * ويلقى من يسالمه فلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذاكم * شهدت فكنت أولهم ولوجا
ولوجا في الذي كرهت قريش * ولو عجت بمكتها عجيجا
ج- خصائص الخيال: 1- واسع يدلّ على دقّـة الملاحظة.
كفى حزناً كرّي عليه كأنّه لقى بين أيدي الطائفين حريمُ
2- صور الشعر الجاهلي تمثّل البيئة البدوية.
ولقد برى جسمي وقلت لقومنا لما أتاني موته لا تبعد
أمسى ابن جفنة في الحياة مهلكاً وصفيُّ نفسي في ضريحٍ مؤصد
واللَه ربي إن سلمتُ لآثرن فيه بضربة جازم لم يقصد
3- صور الشعر الجاهلي ليست متكلّفة.
فخبرنا عن كلِّ خير بعلمهِ وللحقِّ أبوابٌ لهن مفاتحُ
بأن ابنَ عبد اللَه أحمد مرسلٌ إلى كلِّ من ضُمَّت عليه الأباطحُ
4- الصّور الجاهلية تعتمد على الطابع الحسّي.
فارفَع ضعيفكَ لا يَحُل بك ضعفهُ يوماً فتُدركَه العواقبُ قد نَما
يَجزيك أو يُثني عليك وإن مَن أثنى عليك بما فعلتَ كمَن جزى
أرعى أمانتَهُ وأحفظُ غيبهُ جهدي فيأتي بعد ذلك ما أتى
د. السيد عبد الله
المنوفية - مصر