والفعل اصطلاحا : (( كلمة تدل على معنى مختص بزمان دلالة الإفادة ))([8])، أو ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة([9])، وقيل ما دل على حدث وزمان حاضر أو مستقبل نحو قام يقوم، وقعد يقعد وما أشبه ذلك([10])، يلاحظ اضطراب موقف ابن هشام في تقسيم الفعل فتارة يأخذ برأي البصريين القائل بتقسيم الفعل على ثلاثة : ماضي ومضارع وأمر وتارة يأخذ برأي الكوفيين، القائل بتقسيم الفعل على قسمين ( ماضٍ، ومضارع ) وأن الأمرمضارع دخلت عليه لام الأمر فجزمته ثم حذفت حذفا مستمراً وتبعتها حروف المضارعة ويرجح قول الكوفيين بقوله : (( وبقولهم أقول، لأن الأمر معنى حقه أن يؤدى بالحرف، ولأنه أخو النهي، ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمن، وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده، ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل ))([11])، كما انه غفل عن القسم الثالث للفعل عند الكوفيين حيث جعلوا اسم الفاعل أو اسم المفعول قسما ثالثا من أقسام الفعل واصطلحوا على تسميته بالفعل الدائم([12]) وسيأتي تفصيل القول فيه والحقيقة أن ماذكر من حدود للفعل قد أوجدت بونا شاسعا بين اللغة العربية، كما نطق بها أصحابها ومن ثم نزل بها الذكر الحكيم (( إنا أنزلناه قرآنيا عربيا لعلكم تعقلون – يوسف 2 )) و(( بلسان عربي مبين – الشعراء 195 ))، وكما دونت بها آدابهم وعلومهم وأفكارهم وبينالنحو العربي الذي كان تعبيرا لقوالب الفكر المتأثر بالمنطق والفلسفة فليست العربية قاصرة في الدلالة الزمنية على كلمتي ( ماض ) و( مستقبل ) ، كما ذهب إلى ذلك ( وليمرايتW. Right )([13]) أو ( إن الزمان ليس شيئا أصيلا، وإن اقتران الفعل العربي به حديث النشأة، بعد أن وجدت صيغة ( فَعُلَ ) المتطورة عن صيغة ( فَعِلٌ ) وهي الصيغة التي يسمونها Prmonsive أو الفعل الدائم في تعبير الكوفيين ، والتي يعدونها أقدم من الفعل الماضي )([14])، كما ذهب الدكتور المخزومي حيث استنتج أن العربية ( إذا أرادت التعبير عن الفعل الماضي المطلق، والماضي التام والماضي غير التام، لم تجد من الأبنية إلا بناء ( فَعَل ) للتعبير عما لا يعبر عنه في الإنكليزية إلا بعدة صيغ، وإذا أرادت التعبير عن المستقبل باختلاف مجالاته الزمنية لم تجد إلا بناء (( يفعل )) للتعبير عن الحاضر والمستقبلْ)([15]) وهذا يعني أن العربية قد أهملت المجالات الزمنية التي يتضمنها الزمن الواحد كالماضي مثلاً، ولم يكن لديها من الأبنية ماتعبر به عن تلك المجالات ويقرر أيضا([16]) أن مثال ( فاعل ) لا دلالة له على زمان معين إذا لم يوصل بصلة من مضاف إليه أو مفعول ويوافقه الدكتور السامرائي([17])على رأيه ويقول : (( وقول السيد المخزومي السابق صحيح وهذا وهم من المستشرقين ومن تبعهم من العرب المحدثين وسيأتي تفصيل القول في الدلالات الزمنية للفعل وأشير إلى أن رأيت ( wright ) نفسه قد تنبه إلى مسألة الاستعمال في اللغة بعيدا عن تقسيم النحاة لصيغ الفعل حسب زمانه – حين لاحظ أن ( قد فعل ) تدل على وقوع الحدث قبل قليل من زمان التكلم([18]) , ورأي الأستاذين لا يجعل للقرائن الحالية أي وزن ولا يعتدان إلابالقرائن المقالية، كما أن الدكتور السامرائي اختار أمثلته بحيث يغلب عليها أن تكون مجرد صفات واغفل ما يمكن عده دالاً على الحدث والزمان ومستحقا لأن يوصل بالمتعلقات([19])، فليست صيغة ( فَعَل ) وحدها تدل على الزمن الماضي، بل قد لا تدل عليه أو قد تكون الدلالة مطلقة عامة فيحددها السياق وكذا صيغة ( يفعل ) و ( افعل)و ( فاعل )، لأن الزمن الصرفي غير الزمن النحوي الذي يتعين من مجرى السياق، إن تعيين الزمن بدلالة اللفظ عليه بوضعه له وتقسيم الفعل على الأزمنة الثلاثة رأي بدأه سيبويه([20])، وتبعه النحاة([21]) وبخاصة البصريين حيث قال : ( وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع )([22]) ويقول في موضع آخر : ( ويتعدى إلى الزمان، نحو قولك ذهب، لأنه بني لما مضى منه وما لم يمضِ، فإذا قال سيذهب، فانه دليل على أنه يكون فيما يستقبل من الزمان، ففيه بيان ما مضى وما لم يمض منه، كما أن فيه استدلالا على وقوع الحدث )([23]). ويثير حده هذا جملة قضايا :
الأولى : أصل الاشتقاق ودلالة الفعل على الحدث
والثانية : الزمان وتخصيص كل صيغة به
والثالثة : التقسيم الثلاثي للفعل.