صدر للناقد العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم عن "الدار العربية للعلوم" ثلاثة كتب "الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة" و "المركزية الغربية" و "المركزية الإسلامية".
وقد قدم الناشر لها بقوله إن كتاب" الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة" كشف عن المسار الخاص بتطور الثقافة العربية الحديثة والتي اعتبرها المفكر العراقي شديدة التعقيد تتضارب فيها التصورات، والرؤى، والمناهج، والمفاهيم، والمرجعيات ولا يأخذ هذا التضارب شكل تفاعل وحوار، إنما يمتثل لمعادلة الإقصاء والاستبعاد من جهة، والاستحواذ السلبي والاستئثار من جهة ثانية. الأمر الذي أدى إلى نتيجة خطيرة وهي: أن الثقافة العربية الحديثة أصبحت ثقافة "مطابقة" وليس ثقافة "اختلاف" فهي تهتدي ب "مرجعيات" متصلة بظروف تاريخية مختلفة عن ظروفها، أفرزتها منظومات حضارية لها شروطها الخاصة، وتارة نراها تتطابق مع مرجعيات ذاتية تجريدية متصلة بنموذج فكري قديم ما أدى إلى علاقة ملتبسة يشوبها الإغواء الأيديولوجي مع "الآخر" و"الماضي" جردت من شروطها التاريخية، ووظفت في سياقات مختلفة.
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه يضيء على ميادين متعددة مثل: المناهج، والمفاهيم، والرؤى بقصد بيان الكيفية التي تغلغلت فيها المرجعيات والمؤثرات في صلب الثقافة العربية الحديثة والآثار التي ترتبت على ذلك، انطلاقاً من رؤية تؤكد أن نقد ثقافة "المطابقة" هو السبيل إلى ظهور ثقافة "الاختلاف". يضم هذا الكتاب ثلاثة أبواب وفصولا متعددة: الباب الأول: جاء بعنوان: "حضور المؤثر الغربي - من المماثلة إلى المقايسة" ويشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: طه حسين ومبدأ المقايسة، الفصل الثاني: النقد العربي الحديث وفاعلية المرجع الغربي، الفصل الثالث: تفكيك الأسس المنهجية للنقد الثقافي. أما الباب الثاني فجاء بعنوان: "المفاهيم والأنساق الثقافية - هيمنة المحمول الغربي" ويشتمل على فصلين: الفصل الأول: المصطلح والانزياحات الدلالية، الفصل الثاني: مفهوم الهوية الثقافية بين التقليد والتجديد. ويأتي الباب الثالث والأخير بعنوان: "الغرب وإنتاج الشرق - سجال المطابقة والاختلاف" ويشتمل على فصلين: الفصل الأول: الشرق والموجهات الاستشراقية"، الفصل الثاني: الشرق واستراتيجية المخيال الغربي.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
ويتناول الدكتور عبد الله إبراهيم في كتاب" المركزية الإسلامية" مفهوم المركزية الإسلامية داخل حقل المعرفة النقدية الهادفة بعيداً عن الصورة التي ارتسمت للعالم في المخيال الإسلامي في القرون الوسطى. ذلك أن الموجهات الفكرية لمصطلح "دار الإسلام" تدخلت في ترتيب رؤية المسلمين لمن هم خارج الدار، لأنها برأيه مجال ثقافي مشبع بمنظومة عقائدية متجانسة، تختلف عن المنظومة الخاصة بالآخر "ومع بداية العصر الحديث راح مصطلح "العالم الإسلامي" يحل بالتدريج محل "دار الإسلام" فتسبب هذا في نشأة وضع إشكالي، يمثله التفكير في البحث عن المصطلح الذي يمكن إطلاقه على "العوالم الأخرى"، فما دام هذا العالم قد غُطي بغطاء ديني، فما الذي يمنع من خلع أغطية مماثلة على العوالم الأخرى التي تشترك بالعقائد، والثقافات، واللغات؟ إن ما يريد أن يقوله الكاتب "أن العالم كمجال ثقافي سيبقى مضماراً للمنازعة والمدافعة، وقد تأخذ أشكالاً عنيفة، وتنتظم في أهداف فكرية، لكنها تستعين بالمكون الثقافي - العقائدي كمنشط في صراعها مع الآخر، وأننا ما زلنا بعيدين عن تصور حقيقي أرسى وظيفة فاعلة في دمج التكوينات الثقافية داخل أطر تفاعلية، تستبدل بالمساجلات الحوار. وما دام الأمر قائماً فليس ثمة إمكانية حقيقية للتخلص نهائياً من التسميات التي تحمل معها مستنداتها الثقافية والدينية، ك "دار الإسلام" أو "العالم الإسلامي أو "الغرب" وحتى "دار الحرب" و"دار الكفر" فالمفاهيم والتسميات تعبّر عن حقيقة ظاهرة أو مضمرة، ولكن من المفيد التنبيه إلى ضرورة تفريغ دلالاتها القديمة، لأن المفاهيم التي توجّه الأفكار لها سُنن تطور خاصة بها".
يستعرض هذا الكتاب رواية المسلمين عن الآخر، خلال القرون الوسطى، مع الكشف عن الموقف المنهجي الذي شكل خلفية لعرض تلك الرواية، ويقوم على أساس التحليل النقدي والتصور الذي يرى أن المركزيات الكبرى تصاغ استناداً إلى نوع من التمثيل الذي تقدمه المرويات الثقافية (الدينية، والأدبية، والتاريخية، والجغرافية) للذات المعتصمة بوهم النقاء الكامل، والآخر المدنّس بالدونية الأبدية) فالنظر إلى المركزيات في التاريخ الإنساني من زاوية كونها نتاج مرويات ثقافية متنافسة يوسع المجال أمام الدراسات المخيالية التي استبعدت بتأثير من فكرة الحداثة الغربية. وتعيد الاعتبار إلى المرويات الثقافية التي تتوارى أحياناً وراء الستار السميك للمفاهيم والمناهج، فتأخذ شكل تحليلات موضوعية، وتتجرد غالباً من ذلك فتكون برأي الكاتب "مرويات وأخبار" فيما تخفي درجات من التمثيل السردي الذي يتدخل في صوغ العلاقات الإنسانية، والمفاهيم الفكرية، والتصورات الخاصة بالأنا والآخر.
يحتوي هذا الكتاب على مدخل وسبعة فصول: جاء المدخل بعنوان: "المركزية الإسلامية - المرويات الكبرى وحدود المفهوم" وجاء الفصل الأول بعنوان: انبثاق المرويات الإسلامية عن العالم. أما الفصل الثاني فجاء بعنوان: عوالم متجاورة، عوالم متداخلة، ثم الفصل الثالث وعنوانه: طواف في أعالي الأرض، ويأتي الفصل الرابع بعنوان: توغلات في أعماق الشرق، أما الفصل الخامس فيأتي بعنوان: مزيج أسود وموروث إغريقي ويسلط الفصل السادس الأضواء على: القسطنطينية في أعين الرحالة الغرب. أما الفصل السابع والأخير فحمل عنوان: أمة الكتب الأولى.
وخص الناشر كتاب"المركزية الغربية" بقوله إن الدكتور عبدالله إبراهيم يبرع كعادته في كل ما يقدمه لقرائه من مؤلَّفات في كشف سيرورة التطور المعرفي للغرب، عبر محطات، ومنعطفات، تاريخية ومعرفية هامة يقف عندها، ليبين للقارئ كيف برزت أوروبا بوصفها مكوناً ثقافياً، شاعت من خلاله نظمها الثقافية والفكرية وانتشرت في جميع البلدان وفي مختلف مجالات العلم والمعرفة والفن. في كتابه "المركزية الغربية" يدخل الكاتب في ماهية وطبيعة المفهوم الغربي للتطور بناءً على إعادة إنتاج مكوناته التاريخية منذ النشأة الأولى وهذا ما أورده في مقدمة كتابه التي يعتبر فيها أنه "يتعذر على وجه الدقة، تحديد اللحظة التي ولد فيها مفهومان متلازمان هما: "أوروبا" و"الغرب". والواقع أنهما من تمخضات تلك الحقبة الطويلة والمتقلِّبة التي يُصطلح عليها "العصر الوسيط"، الحقبة التي طورت جملة من العناصر الاجتماعية والدينية والسياسية والثقافية، فاندمجت لتشكّل "هوية" أوروبا، وبانتهاء تلك الحقبة، ظهر إلى العيان مفهوم "الغرب" بأبعاده الدلالية الأولية، وسرعان ما رُكّب من المفهومين المذكورين مفهوم جديد هو "أوروبا الغربية".