بهلول سقط المتاع
أراه تحت مجهرٍ,
والفصول تعطي لبعضها الرايات,
كان هو الذي أشاع في وكالة الغوث:
"حبيبتي تنام في الصقيع
وتلعق الفتات من موائد القمار والصخب
وفي المساء
تغسل الثياب والنهود في البحيرة العقيم,
كان عنوان الخطى , "الحب في الملاجئ القديمة".
حينذاك: كف الخديويون عن رمي الرصاص,
وعادت إلى الهناجر الطائرات,
داخت سمسمية الغزالي في منازل الأربعين,
وأزهرت مواخير: "خطوة خطوة",
(راجع عبد المنعم رياض ومحمد حمام),
فأنهى الفتى كلامه عن الملاجئ القديمة:
تخاف في الظلام عودة النهار
"تخاف في النهار عودة الظلام
ضريرة تنام في الصقيع"
والفصول تعطي لبعضها الرايات.
مقرفص وراء معمل الإحصاء بعد سقيا,
يقص: أحدوثة الجسدين المتماسين,
يبدأ الإثبات بالنفي:
"لا الأشجار أشجار ولا الماء ماء
هذه تجليات الدماء",
كان طبيب النساء مستريبا في حياتي,
لكنه أوصى بالمضاد وفيتامين باء, ومال في أذني:
تحت المخدر غمغمت: من البحر إلى النهر,
هذه تجليات الدماء: الأخضر الذي يمجد الفخذين,
بعد سقيا وراء مائه يستهيم:
"قال للبحر بحر:
يابحر عندي مرأة ثقيلة
كالسفينة التي تحملت بالقناطير من مر وكمون
يابحر عندي مرأة
تنضو ثيابها إذا ما علا موجي الحنون"
هو مولع بالقافية التي تقبض الإنس,
وهائم بأن تدور في قطرها البلاغات,
فلاحظ المشخصون أن ماءه كثير,
و أن رمزه الغلاب : إيروس,
كرر الذي باشره خلف ملحق الآداب:
"عندي مرأة ممدودة على قبتي الداكنة
يا بحر: إنها ساخنة"
وعاود الحنين للبدايات
في ختام البئر جاء اعترافه الذي سيبقى في خطاه
منذ أول القوس حتى تكسرت النصال:
"أردت أن أنمق الكلام عن عيوها أبت
لأنها ترى فؤادي الكذوب خلف رونق القناع"
هل كان عبد الصبور نائما في الحبر؟
(راجع: كان صاحبي مثقفا لا ذرب اللسان
وعاطفا لا عاطفيا).
أغنية الفتى في الإعتام وحيدا:
الشجرة التي طوفت على الدور طوفت على البدن
الشجرة التي تقمصت خضرة الشجن.
هكذا دخلت الشجرة النصوص كلها,
منذ كشفت بنت الريماوي له طية وراء طية,
فلا تعجب إذا شهدته بعد عشرين فسحة
يخط في "تختة السادسة":
"في كامل عدته ذرته الريح إلى صدقات"
هي التي لقنته مسرَّة البوَابات,
ومكنته من شرقها خلف جابر بن حيان,
لهذا رأى ما رأى:
هذه الأعضاء التي فرقت فضائي,
ورمى عند المطافئ السؤال:
من ترى يفك أعضائي
ويرمي على كل قبة في الأرض عضوا؟
(شرح جابر بن حيان:
عطفة بها بيت محبوبي,
وبها بيت المباحث).
لعله خارج من أسي في سبيل التاج,
فأنا أراه تحت مجهر,
وأرى الفصول تعطي لبعضها الرايات,
لعل خايلته أحلام مهجريين فاستفتح الشرخ بالشرخ:
"أخاف سمك الخفي يا عشيقي القديم
بليلة ثيابها وراء حائط بعيد
أتخجلين من صديقك الوحيد؟"
لعلك انتبهت للبل والبليل ومبلولة؟
فرط ماء في فرط صحراء.
لعله إذ أرته بنت عبد الله خسها خلف الشواديف صاح:
"المرأة الكتلة/المرأة المسافة
هذه غيبوبة الكثافة"
لعله إذ تشاكل عليه النص والأوراك كان مأسورا
بفهد الأوائل,
ولعلها التي باعت قرطها بالبخس,
لكي يخرج الفتى رغاه بين دفتين:
(راجع: حبيبتي مزروعة.
القاهرة.
رسوم: محمد بغدادي.
دار سامي بلاظوغلي).
لعل من تراب هذه المطارحات جاءت:
أغنية المرأة في الإعتام وحيدة:
أنا التي أكملت ناري على ناري,
خذوا على الفروع سرتي على الفروع
خذوا حشاي بين الجمر والرماد.
مغزاك كاد يستبين:
فرط ماء في فرط صحراء,
فلعلك انتبهت لاقتران الحب بالقلم السياسي,
واقتران الشعر بالمخابرات.
زارتني اللحظة التي أشجاه فيها رسمه,
مشت عليه مباخر الشبات,
خضته فاسوخة الأنثى خض قادرة,
إثر تلاطف الحاجات بالحاجات,
فاستوى الرمل في زراعة الحياض,
زارتني اللحظة التي انجلى بها طلسم أطرافه,
فحيا فقير نفسه:
"جسدي على الشبابيك والبلاد
جسدي مقابل للبلاد,
عشرون حولا ستكر
قبل أن تمشي على رحبة الحوض,
أما منازل الأربعين فهي بلاد التي ما لها بلد.
أسموه السبعيني و لا يزال يحمل اسمه,
سيقول له جمع سهم: وارني عن اسمي,
(اصطياد من النفري الذي سيغدو بديلي)
لكنه ظل مكبلا بالوصف,
فاختار من منتهى المتماسين هذه التقطاعات:
كان في الثلث الأخير من كل عتمة يجئ/
يضيع في تنفسي وفي صريري/
يكلم الأعضاء كلاما/
ينحني وينفرد/
يلصق الجسم في جذع نخلة/
ثم ينتفي في الهزيع/
وكنت حينها أمتلي فحيحا.
) دلالة الفيح:
فيه من وصل ورقيةٍ,
فيه من تلاطم الفاءات بالحاءات,
وفيه من ثعابين جحر)
لا يزال يحمل اسمه,
وعلى صفحة المخ: كارو وربطة البرسيم,
وأبي يغازلها خلف المنحل البلدي
تدخل الأخت بالشاي غبَّ انفكاك أزرار القميص,
فيداري افتضاحه بالحديث عن سماد الأرز,
وينتقي من جرابه هذه التوافقات:
كبقرة لوابة كانت تجئ/
تصف فوق أغصاني لعابها/
تخطو خطاها الحلوب/
وهي من قارورة نحاسية تشرب/
ثم تبخ في الأشياء ما تشرب/
وتنتفي في الهزيع/
فكنت حينها أمتلي فحيحا.
(دلالة الفحيح:
ينطوي على اللدغ,
ويعني الاحتضار والاحتضان,
ويشير – من ضمن – إلى نظام الري),
هكذا لازمته البقرة:
فمرة هي قراريط الجد:
همزة الوصل بين البذور والفأس, ومرة هي الشهوة
الخام إذا ترامت على الأسرة المساحات,
ومرة هي التي كان مستهلها:
"ألف لام ميم, ذلك الكتاب لا ريب".
(عشرون حولا ستكر
قبل أن تسترني بقرة في شرفة الأوديون):
شرفة الأوديون: مكان يعول عليه لأنه مؤنث,
(إرجع إلى بديلي).
تناولنا حلبة في صالة المحفل النسائي
وفوقنا الفصول تعطي لبعضها الرايات.
علقنا على ابيضاض السالفين,
ودسست بين أوراقها: دهاليزي والصيف,
(بكائيتي على رحيلها بعد رفع اللجوء,
بدايتها: للفحيح الغامض في قلبي
ونهايتها: أختفي في: لكم.
راجع: دهايزي. الريس- 1990)
زدنا حلبة وأوضحت:
خرجت من يدي بعد هبة الجائعين,
كأنني أردت اقتران النص بالسمن والغاز,
-عيناك مازالتا جميلتين.
-هل عذبوك في العبد لي؟
-أنت التي استطبت الوداع
-أزهرت مواخير: خطوة خطوة.
لم أسأل: أتذكرين رقصة: يا دلع دلع؟
لم تسأل: أما زال جرحك تحت ترمس الصدر؟
لذا رأيته تحت مجهر يكتب:
"الفتي: شعر صدره حديقة,
الفتاة: نهداها قاربان"
ما كل هذه النهود في الصفحات يا بن زاهية؟
(معاني المفردات:
الصيف ذو الوطء: جنون أوله ثقب إبرة,
و أخره: زلت.
رفع اللجوء: هارب من
الهاشميين في مصر
أعتقه الهاشميون.
هبة الجائعين: رجة الروح
العبدلي: مربع التوقيف في بلاد العرب).
هل كان مستطاعا:
أن يلتقي الهاشمي والهاشمي؟
أو أن يلتقي الشرع والشعر؟
ربما أسكره بوح الغنائيين بعد ذهاب البناة,
كان بوحه معلنا في الصحيفة التي سكها الضباط:
"أعود وزورقي تعب, طريد ماله شطآن
وأغنيتي بقايا نغمة دارت على الشباك والجدران
على العتبات وانجرحت مقاطعها
فماتت في دجى الدرب
حصانا ما له فارس
وكنت ظننت أني سيد الفرسان".
ربما سبق المحرر الإنشاد قائلا: رومانس,
الكاتب. نوفمبر 1974,
وفسر كثرة الشبابيك والنوافذ والشرفات, كما يلي:
حلم مغلولين بالبراح,
وقاموس حربيين.
ربما هذا هو الشهر الذي أقررت فيه:
أصبّن جسدي,
فتهكم أهل الحديد والبويات من حسية الفلاح,
(نواب جائعين لا جائعون),
ربما نزول النفس صوب النفس كان حرمة:
يا جميل انظر إليّ.
مساءُ:
اهتدى إلى خدن ترك الهندسات للفلسفة,
حدثه عن الهوى المحجوب والطبقات,
وأطلعه على مشكاته:
"الفلاحين بيغيروا الكتان بالكاكي
ويغيروا الكاكي بتوب الدم"
عشرون عاشوراء سوف تمحّي قبل أن أستميح سيدة:
ذهب الكتان والكاكي
و أنا أريد عينيك على أهبة البكاء.
كنت أطلب الغفران من سحابة
صرتها ثم خنتها (ويحه جروبي).
وسكبت لؤلؤها الذي صرته لي عند أقدام رقطاء,
(راجع: طائر الرذاذ
حيث نينوتي والكلية الحربية,
وحيث: كيف حال سيدي؟
ثم راجع: جسد الفراشة
حتى ترى:
حساس كالأشعة فوق البنفسجية,
ودافق كالأورطى,
كيف يلمس الريفيون كهرباء نازفة).
هكذا: دنيا الله ضيقة,
ربما أطاح المبدئي بوشم إذا فككته جاء:
"لا تعبري النهر ياطفلتي ياغزالة
رعبي وحلمي المكثف",
ثم طالبني بالتعاونيات: نحن سقينا الفولاذ,
فأدركت أن دنيا الله مخروم’,
واستعدت التجائي لريما:
ترى فؤادي الكذوب خلف رونق القناع.
شرح الرموز للقرّاء:
ذهاب البناة:28 سبتمبر 1970, ربما.
الخدن: وش مصر, ربما.
جروبي: مكان ودمع فاطمة, ربما.
المبدئي: شارطو الجمال بالنفع, ربما.
الوشم: راجع "النهر يلبس الأقنعة".
ويختم الإثبات بالنفي,
حتى يصير قص الحياة ولصقها
نورا.
حينذاك:
أقعد الشريان أباه عن تجارة الموالح,
وبكت أمه مصرع العجل الذي تبقى في الحظيرة,
(كانت تعج بالجواميس والماعز,
الشراشر, المذاود, البراذع, الروث, الغماء)
حينذاك:
كان ناس عند 101 يتقايضون,
وولاة يسحبون الروح من فقط,
وحينذاك:
كان الأمن في الحسين يصطاد الخناجر بملقاط.
طاف السؤال فوق الرأس:
كيف تصبح الكتابة الكَعثَبَ؟
حينذاك:
كان مغرما بمزج الرئم في الكرباج:
"ساخنة رئتاي وعاشقتي ساخنة,
والمهرة في يافا مترهلة الساقين,
ومقصلتي مقبلة. وعن اللعنة والطوفان
تكشفت الليلة. والليلة يتعرى فخذا
سيناء لتجار قدموا من كل أقاليم
النهش الشبقي".
من أين استجلب المهر والحصان والخيول؟
قلب "البيان" قبل الصلح واقترح:
كيف جرجرته غريزة الخبب؟
يخطفها السواد مني,
وفراج أعطى دماءه برهانا على المودة,
وجيه وشخصي وذو مزولة لا تخيب,
أخمن أن شعره المفروق تهدل قبل انخلاع السر,
أخمن أن صاحباته المعلقات من ياقاته,
تهادين في ضميره قبل أن يحشرج: بلادي.
يخطفها السواد مني
أنا الذي عيون بنت عبد الله في المقعد الأمامي
قد فرت بطني,
وقتها أتى كلام:
" لم يكن بيني وبيني سواي"
وحينما انكسرت المسافة التي تفصلني عني,
أيقنت أنني القتيل,
قلت للفتاة التي على الماء:
"وداعا يا فتاة على الماء".
السواد مني,
لأنني فررت من بصارة العائلة
بهلول 1975 أشقى بصيرته ووزع المنات,
قلت في البهو:
هل تجاوزت أمك الإنعاش؟
وكنت أعني ما أذاعه البهلول قبل عشرين:
"جسدك مثبوح في يافا, مثقوب
برصاص أطلق من فوهة بالقاهرة,
وجسدي مشبوح في الدلتا, مثقوب
من نفس الطلقة".
صنعت رجولة في طفولة:
تراءيت مقبلا من جبران بالليل,
وفي الضحى من عبد العزيز فهمي,
وتراءت مقبلة من القسام في الآصال
والغدو.
أتاحت رباطها للتلاميذ فانتشى البهلول,
أشَّر عبد الرحمن على البحر الميت,
حين أضافه العشاق للشفة العليا,فرمقته يخط في حافة المتون:
"الصهد يجري في عروقي ويصبح
المخاض موسمي, والصهد يلفحني
ويخرق الرئتين, يغرقني ويثمر
الأطفال من ضلوعي"
ليس هذا الصوت صوتي,
كيف وافق البهلول على هذا المضغ؟
وهي التي صنعت رجولة من طفولة.
رسم توضيحي لما فات:
البهو: بهو الرب.
جسدك مشبوح: عد إلى "مقدمة للغضب"
جبران: القائل: لكم لغتكم ولي لغتي.
عبد العزيز فهمي: صاحب المترو, وصاحب المنفى,
وإعداديتي.
القسام: 1936
عبد الرحمن: ابن عوف, أو ابن عمي, وربما فاحص المأثور والقناع, أو سليل بسيسو.
الصهد يجري: انظر "أنا أكتب الذكورة" التي بدؤها
"هذه الأمواج شارتي"
وختمها "إنني أكتب الآن تاريخا جديدا لشعبي".
البهلول: غامض ومغلق الدلالة.
- لماذا يذهب المحبون؟
- لأن السلام صعب.
الفصول تعطي لبعضها الرايات.
رأى القاعة في اكتمالها بالجند,
أمها في أول الصفوف تصغي إلي:
دثريني دثريني,
(المصدر: الأبيض المتوسط.
كتاب إضاءة 3.
رسوم عمر جهان.
القاهرة 1984)
وهي في ركنها تشد القوس بين لسانها ولساني.
سادة مرتبون يعلكون الأخوة ويعبرون الشدائد,
- لماذا يذهب المحبون؟
- لأن السلام صعب.
فلما جاءني المخاض قال لي قنديل:
لا تمكث في الأرض,
وحينما لم أمكث انفلقت على ركنها:
تشد القوس بين لسانها ولساني:
فجاء مكبر الأحياء:
"ينحت الأخضر من كتلة سديمية
فوقعة تختبي بها المدينة المحاصرة
الأخضر استحال جوهرة
يبدأ الحقل انتشاره بين مقلتي,
تبدأ المصاهرة",
هل تذكرت الأخضر الذي مجد الفخذين؟
قنديل: عليّ.
ينحت الأخضر: عِزّ.
(للمزيد من "تحولات الظل والضوء" عد إلى: "النصر":
"الجميل للجميلة
والمقلة الكحيلة
لصاحب العباءة الأصيلة
الشعر في الصدر غابة الوسامة
الثغر خاتم وفوق الخدِّ شامة
الفارس الجرئ لليمامة"
-لأن السلامَ صعب
-لماذا يذهب المحبون؟
* * * *
(1993)