1 ــ ترجمة الشيخ: علي ونيس بوزغيبة .
هذه ترجمة للشيخ الإنسان، والأب ، والمربي ، والمكافح، والفقيه، والقاضي والداعية، والمفتي، والمصلح، الذي عرفته مدينتي (بنغازي). إنه ابنها البار علي ونيس بوزغيبة .
أما إنسانيته فتتجلى في حبه للأعمال الخيرية المتعدية للآخرين ؛ولذلك يشارك في جل الأعمال التي تتعلق بالنفع العام ، وكذلك تبرز إنسانيته في دمعته التي لا تفارقه أبداً عندما تستفتيه أم قد عقها ابنها أو ابن قد عقه أباه، وطلبة العلم في بنغازي يعرفون قصة الفتاة التي انتحرت وكيف أثر ذلك في الشيخ الذي حاول بكل الوسائل دعمها وقد ناقش قضيتها في أحد البرامج المسموعة آنذاك في الإذاعة المحلية وغيرها من المواقف.
أما أبوته فهذه قد عاشها بوضوح رواد مسجد بوزغيبة القديم الذي شيّده والده في منطقتهم التي تعرف باسمهم "منطقة بوزغيبة" والذي أشرف الشيخ على تجديده وإعادة بنائه، فإن رواد هذا المسجد وطلبة العلم فيه يعرفون كيف كان الشيخ يدعم بعضهم بالمال الذي يمكنهم من إكمال المسيرة العلمية ، وكذلك حواراته مع الشباب الذين كانت لهم أفكار غير ناضجة كيف كان يحاور ويناظر، ويناقش بكل قدوة وحب وحنان من أجل الوصول بهم إلى بر الأمان رغم أن بعض هؤلاء الشباب كان يأخذهم العنفوان والحماس.
أما التربية في شخصيته فخير دليل عليها ذلك الجيل في مدينة بنغازي الذي تربى على خطبه المؤثرة الواقعية التي تعالج هموم الناس، ومشكلاتهم، وما أكثر ما سمعوا منه تلك الآية التي كانت محوراً في خطبه وأحاديثه إنها قوله تعالى: "ثم جعلناك على شريعة من أمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين" هذه الآية التي كان بعض الطلاب إذا كبّر الشيخ تكبيرة الإحرام قال لزميله متوقعاً ماذا سيقرأ الشيخ فيقول له: ثم جعلناك على شريعة من الأمر.
وكذلك تظهر تربيته في القدوة الحسنة التي كان يمثلها شيخنا الجليل، فقد كان يعيش الإسلام حياة لا حالة، وكان يحب الأذكار والاستغفار ويواظب عليهما ويجهر بالأذكار بعد الصلوات ليعلمها للناس وليحفظوها، وكعادته كانت الدموع لا تفارقه عند رواية مشاهد السيرة النبوية ومما يروى عن الشيخ أنه كان يقرأ دلائل الخيرات على شيخه وأستاذه مفتي برقة الشيخ "محمد الصفراني" في بيته، وقد أهديت للشيخ الصفراني غزالة صغيرة فلما أنهى الشيخ علي قراءته أقبلت الغزالة تقبل شفتي الشيخ وفمه. وهذا أمر سمعته من الشيخ مرة في سياق خاص وسمعه غيري من طلبة العلم من الشيخ ومن غيره، وحديث التربية والتزكية عند الشيخ علي بوزغيبة حديث لا تسعه هذه العجالة.
أما كفاحه فيتضح في طلبه للعلم فقد طلب العلم في سن متأخرة، فقد كان يعمل في أول حياته في مخبز لعائلته في أرض بوزغيبة، كان دائماً يذكر أن سبب بعض الآثار في يديه من سبب عمله في المخبز، وكان يحب أن يعمل أعماله بنفسه، وكان يركب الدراجة في ذلك الوقت ليصل إلى منزل شيخه محمد الصفراني الذي ذكر مرة في أحد دروسه أنه شرح لهم ما يبلغ ستين كتاباً من كتب العلم المختلفة، ولذلك كان الشيخ دائم الترحم على أستاذه العلامة الصفراني.
ومن الطرائف أن الشيخ علياً قال حفظت الجزرية في التجويد وأنا على الدراجة أرددها ذهاباً وإياباً حتى حفظتها، وكذلك من الكتب التي كان الشيخ يحب شرحها للناس متن ابن عاشر، وشرحه الصغير بحاشية ابن حمدون، وكانت للشيخ بصمته الخاصة في شرح هذه الكتب.
ومن أكبر مجالات كفاحه عمله في القضاء فقد كان يشعر بالمعاناة، والحمل الثقيل، فهو رجل صاحب عاطفة جياشة ، كيف يصبر على امتحان مهنة القضاء،! ومع ذلك حمدت سيرته فيه.
أما عن الإفتاء فلا نعرف في مدينتنا رجلاً قصده الناس للإفتاء مثل الشيخ علي ونيس بوزغيبة ، وكم كان يشكو من كثرة المستفتين أمام بيته وفي المسجد وفي كل مكان يأتيه.
أما إصلاحه ودعوته فخير مثال عليها تلك المعركة الضارية التي خاضها الشيخ ضد أعداء السنة من بعض المنتسبــين للقضاء أمثال صاحب كتاب البيان بالقرآن ، وبلادنا تعرف كيف انتصرت السنة على يديه، فقد شن حملة موفقة في الإعلام ، وعلى المنابر، وفي المحافل، على تلك العصبة التي أنكرت حجية السنة النبوية، حتى أذهب الله زبد هذه الشرذمة، وتفاصيل جهاده في نصرة السنة النبوية هو ومن معه من العلماء موضوع يحتاج إلى وقت لنفصله ولتعرفه الأجيال، والحمد لله الذي خلّص الله بلادنا من هذه الدعوة الخبيثة، فقد قال القضاء كلمته في مصادرة كتاب البيان بالقرآن، وجعله في مزبلة التاريخ ،وها نحن اليوم نحاول أن نذكر شيئاً من سيرة أشياخنا الكرام الأعلام، الذين عاشوا ورسالتهم نشر كتاب الله عز وجل وحفظ سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فكما أحيوا هذه الرسالة في القلوب ها نحن نؤرخ لشيء من ذكرهم، لنؤدي واجب شكرهم "فمن أرّخ مؤمناً فكأنما أحياه" فاللهم اجعلهم عندك أحياء يرزقون فرحين بما آتيتهم من فضلك ويستبشرون.
بقلمي