المقدس والمدنس وما بعد العولمة
د.غالب المسعودي
(إن غرامي لحبيبتي
يقفز على الشاطئ
وهناك في الظلام تمساح راقد
لكن انزل إلى الماء
ويشتد بأسي
ويكون الماء هو الأرض
وتحت قدمي سواء
فحبها يملا قلبي
وحبيبتي محفوفة بالرقى والتعاويذ)
من أغاني الحب الجميلة في الحضارة المصرية القديمة-بردية-
إن الحديث عن الخطاب المقدس في ثقافة ما وخصوصا في ثقافة العولمة وما بعدها لهو أمر مشكل عدا إننا لانمارس تنقيبا بهذا الخصوص ولذا سيكون هناك نوع من إثارة الأسئلة, ليتبين لنا ماهية المدنس ضمن هذا الخطاب وأول الأسئلة هل هناك من إشكال أو أزمة وما هي تداعيات هذه الأزمة وانعكاسها على الواقع الحضاري لمجموعة أثنية وهل هناك مفهوم حقيقي للسلطة ومصادرها.هناك خارطة دهاليزية للسلطة تعمل في الخفاء وهي مهيمنة إلا أنها غير محددة المفاهيم والتي تتكون من قوى محايثة في التأثير ومتباعدة في المجال يزيد من حدتها الصراعات والمواجهات الفوقية التي لا تنقطع وهذه هي القاعدة التي تحددها تلك القوى-السلطة- بحيث نكون في نهاية الأمر إمام منظومة قد نرى فيها تفاوتا أو أحيانا تناقضا يعزل بعضه عن بعض والنتيجة التالية لها هي تبلور استراتيجيات تمثل الهيمنة الاجتماعية مرتكزة على تفتيت المكان كحاضنة لزمان ما أو سلطة ما. فليست علاقات السلطة قصديه لأنها لاتصدر عن ذات فاعلة بل من هيمنة رمزية وتشبث بالمقدس وإدانة للمدنس والذي بحد ذاته هلامي المعنى وغائم في الدلالة,وبالتالي لابد أن تكون هناك مقاومة إما تلقائية منعزلة أو فاعلة وموحدة وحاضرة وفي كل مكان من شبكة السلطة والحقيقة أننا لا نفهم هذه الشبكة إلا من خلال الرسم البياني لفوكو انه خارطة ويرتبط باستخدام نوعي للشكلانية لتغطي الحقل الاجتماعي كله.
إننا نقرا الأخبار والوثائق والمعلومات ومن ضمنها الأدبيات التي تشكل في مجموعها لغة موجهة للوصول إلى أهداف من خلال استعمال وسائل منها التماثل والمراوغة ثم التشبيه وأخيرا تمييز وتحديد فعالية النظام الذي يحاول أن ينفي العمق الفكري ونفاذ الرؤية عن الأخر ويقود كل هذا إلى ما يتوافق مع رؤيته وهنا يبدأ مجددا بالبرهنة على صحة مقولاته ومصداقيتها بعد أن يوصم الأخر بالمدنس ويرتدي عباءة المقدس.وهنا لابد من معيار لكي لا يمارس هذا المتكأ –المنهج-0 فعاليته بشكل قاعدي,فالتصنيف محضر له في الذهن وان أردنا الغربلة والتمييز نجد أن النظام يشتغل بالضد وبالتالي تجري عملية تصفية ومن ثم يجري تصنيف آخر,ويتخذ هذا المجرى عملية نفس عملية التصنيف السابق من المقدس إلى المدنس من خلال تتابع خط منهجي اركيولوجي وهو النبش في الطبقات الأثرية التي تساند الخطاب واعتبارها ايجابية لحد ما إلى أن تتضح صورتها الحقيقية وهذا الفرز قد اتخذ طابعا انتقائيا لا يتفق مع المنهج الحفري لهذا التاريخ القاتم الذي لا ينطبق فيه الاسم على المسمى لان الخطاب مؤسساتي ومتذرعا بالسلطة سواء كانت رمزية أم مادية وهو بالتالي خطاب دوكماتي عقيم لكنه يقيم في حيز مختار من العقل المسيطر للمجموعة الاثنية وبهذا يبلغ اسما مخيفا بالأقل على المستوى الميثولوجي وذلك باستخدام العبارات الساحرة ونحن دائما عندما نصدر أحكامنا سواء على صعيد اللغة أو التاريخ نعتمد على مقياس استاتيكي وذلك سيشهد إنتاجية قليلة وهو ما يريده الأخر بالتحديد.ولكن الحامل لمفهوم الخطاب هو البرهان سواء في علاقات المفردات آو التناسق الداخلي بين العناصر والموازنة التطبيقية وان كان الخطاب يمنح درجة من العلم في تداولية مهيمنة وجهها العلني مشخصنا وفي بنيانها اللامرئي معنى السلطة وإنها كانت تمارس عزلا واقعيا يختزل كل ما يريد من اجل الحفاظ على سلامة منطقه الداخلي متلبسا مصداقية تاريخية ومعرفية هجينة وحتى وان كانت قائمة على التزييف واختراع مفاهيم كمفهوم العقوبة الضابطة والجزاء المصغر الذي يسهم في تعزيز المراقبة والمعاقبة الذاتية وهذه خاصية المجتمعات التأديبية التي يسكنها الرعب من كل تجديد.لان في مثل هذه المجتمعات تقتل إمكانية الكلام بغض النظر عن الكينونة سواء كانت فلسفة آو نظرة معرفية لأنها تريد أن تبقي الوضع على حاله متحركا في دائرة رسمت لا جل غاية محددة وهي إخراج تقنيات اغوائية لإكساب الخطاب المقدس جاذبية وسحرا وذلك يكشف لنا عن ابستمية تبدو حركية في ظاهرها لكنها تمارس سطوا مرة تلو المرة وتهمل مهمة التاريخ ولا تتحرك مواكبة البنيان الاقتصادي والاجتماعي والبعد الانطولوجي ولو أردنا التعامل لوجدناها تؤسس نصا أريد به بديلا عن الواقع بممارسة الإكراه ولي المفاهيم,.