أربع قصائد في وصف الذات
حفيف فكرة تهيم
كأنني ارتقبته يطل من إهابي
حمامة تسد كوة اغترابي
بليلة فتحت بابي
أذاع لي المسافر البطئ:
قماط ساعدي معاكس لخطوطكم على الخلاء
وشاهدي مؤهل بزهرة وحيدة
تخالف ابتدائكم بالانحلال في الرحيق.
قماط ساعدي: طريق.
كأنني انتظرته يفئ
رموز خضرة تشق في عطانة اللظى خرابي.
بليلة فتحت بابي
أطاع مهجتي المسافر البطئ
ليمنح الزمان لي لكي أتم للورى سؤالي:
ترى تسربت مع المسا صبية تشابه الحدود
تخبأت بأرزها الخفي أو تكللت بحلمها الثقيل
لتربط الخلاص في قميصها البليل؟
بليلة لمحته:
يهرول الفتى على ثرى بلاده مؤججا بصيرته
لينتقي مع الأسى المتاح جلوتين من جوى:
مدامع الزاحفين في القرى, وفتنته.
فلم يخص وردته
بغير بحة هزيلة وهام في ملاءة الفضاء.
تراه في غياهب السنا أضاء
أم تراه كان ملزما برقصة بهية مع ارتعاشة الثرى؟
له حفيف فكرة تهيم
له زمان قبرة
له اختيار بردتي دثاره,
أو اختيار برقه النقي ضد شمعتي المعفرة.
كأنني اقترحته على سرابي
وشلته أريج وهم استكان في ثيابي.
هل استقت دماي صوته يقول:
هذه المحركات نفي حضرتي,
فلا وجودكم لنبضتي لبوسها,
ولا سماؤكم تليق باحتضارتي,
تمرد الفتى علي
ومات في يدي.
جِسمان بجُثمان
(إلى ميدان الدقي)
في الميدان المشجوج, لمحته:
كان هو الناحل نفسه.
كان هو الهائم نفسه.
فندهته.
انخرط بعتمة درب كنت شبكت على شجرته أسمائي,
وشبكته.
انداح على غبشته الرفافه و فتبعته
اصطدمت في رض مكتوم رئتانا, فعرفته:
كان الشج عميقا بين العينين.
حين انحرف على صدري
ليقول: اذهب لترى الكون يفيض على شباك الأكوان
بنثار غموض الأنثى ونثار غموض التوت
لم يك يعرف أن دمائي في رؤياي
في ثقوب حياتي حدقات تبصر لتموت
وخطاي
مقل تتملى رفرفة الملكوت.
لما صار جبين بجبين,
لمح الجثة في الرؤيا, والرؤيا في حجم التابوت
والمشهد: جِسمان بجُثمان.
تتسع الدائرة على الغبشة وتضيق على الناي
وقريني حين انقسم على تجعيدة كفي
كان يري الكون اتكأ على أهدابي,
ويرى الأمكنة وقد صارت سكينا في جلبابي.
صرخ: الأمكنة استشرت في شريان قتيلي.
وأنا من تحت الأبنية همست:
الأمكنة هنيهاتي والطرقات سماي.
في الميدان المتخفي عن جسمي أبصرته
كان يعبئ سنواتي في جمجمةٍ مثقوبه
ويرتب أوردة صباه على قلبي,
كان زماني المغدور وقد صار مكاناً.
وعلى العتمة رئتان
ونزيف فضاح لدم مفتضحٍ
ينحدر على الجدران إلى أعلى.
ليت المكان كان خرقة ولا زمان
ليت المكان كان جغرافيا بلا ضلوع
أو كان دمية بلا ملامح انكسار وردة
تضيع إذ تضوع
} ليت المكان كان لا مكان{
ينحني على بلاده انحناءة
(إلى صلاح عدلي)
كأنه ينام في خصائص ابتدائه,
كأنه شبيه مائه,
أتى إليّ وهلة وغام في الغمامة,
استعان باضطرابه على خطاه, واستكن.
كان يستريح في الخراب من ضنا فؤاده الحيي,
فاستقر في طريقه على طريقة من الخطى تخص هيئة
الصلات بين عمره وبين أهله المبعثرين في فضائه.
انتمى لوردة تحط في الخفاء عطرها,
وعطرها على يدي,
تحت نخلة غفا, وقال:
هذه البلاد من ملامحي, وهذه القناطر الضلوع.
كان يختفي وراء ماءه
يستدير خلف حارس,
يغز في الجدار أنملا يبله بروحه,
فيسحب الفتاة من خلال كوة ويستقيم في شئونها,
يدس في غيومها اعترافه الوحيد: ياسمين.
هزه الجنود فاستدار في المساء داخلا نسيجه الطري,
واستطال عند رأس حارة,
وكان مثل قطنة: مجففا وناصعا,
يدق باب شرفتي,
فتحت: فوق مشبك الثياب كان رمزه يرف في هوائه,
وفوق سترتي البليلة الرسالة: الدمُ – البلادُ.
لم يكن سوى مناخه على جدار شرفتي,
و لا على يدي غير ريقه المراق.
واحدا سيبدأ الخليقة الأخيرةَ:
اكتفى بذاته,
اكتفى ببلدة بحجم طلعة الإله واستراح من ضنا الفؤاد.
هزه الجنود فانحنى ليكمل ابتناء بيته على دمائه,
وبان من خفائه,
السماء حولته لي: فراح يصهر الفضاء طفلة,
ويرصد المسافة التي ستفصل الشذى عن التويج,
أو تباعد الدى عن المضيعين فيه,
ثم راح في غمامة وحيدة يفكك الحياة عن غموضها,
يداعب الجنود وهو يرتقي سلالم القرنفل الندي,
كأنه ينام في خصائص ابتدائه
كأن موطنا يكن في ردائه
كأن يرب في طلوعه دواءه بدائه.
أحد لم يتبعني
(إلى حسن طلب)
لم يتبعني أحد , كنت أسير على شرياني
أفحص صفتي في ذاتي, وأعدل كوني بكياني.
لم يتبعني أحد, سرت وراء الهاجس مخطوفا,
يدلف بي في سرداب – أدلف في سرداب,
يترنح في السرداب على جسد أعتمه الغسق – فأترنح,
يشعل في الخطو سراجا رمزيا – أشعل رمزيا,
فيحط السرج على بطن المنطرحين وراء النافورات المعجونة
بحناجر تصرخ بالرؤيا المكتومة – فأحط
السرج على بطن المنطرحين,
فباغتني في المنحدر, التف علي وواجهني,
لكني كنت أفسر بعياني غيبي وأفسر غيبي بعياني.
(كانت تمضي
تبذر في الأشجار رمادا من ومضي
تتبدى عبر الحلكة كالأسرار,
ولكن بالسر الهارب لا تفضي
أرمق ساحلها المكشوف على بدني,
فتغض وتغضي
تمضي
تاركة بعضي مسكونا بوساوس بعضي)
قال الرجل: افرط عنقودك, ففرطت.
اقتاد خطاي إلى الدغل النابض, فانقدت.
فبسط على الأفرع شال امرأة مربوبا في طيب,
قال: تلفع, فتلفعت. تشمم, فتشممت:
كمن غبت,
كمن رحت وفي الحضرة جئت,
كمن نوديت ومن غير نداء لبيت,
القائل قال: استلق على المجمرة, فحاولت وما كدت,
اختلطت أكواني في أكواني.
ختم الرجل جبيني من ختم الدغل وشد الرسغين,
انخذلت قدماي على عشب ماس وعشب سوف يميس,
كمن نحفت بليل, فنحفت
وذوبت بكفين محنكتين فذبت
وخففت فطرت
وفي طيري حيى العارية وحياني.
انحل المعقود علي,
فمال الرجل إلي,
أشار إلى بيت خلف السهل, نظرت:
رأيت كياني منسوجا في شال امرأة مربوب في طيب,
والشال على كتف الجندي المقتول,
الجندي المقتول مقيم خنجره الصاحي في حلقي,
حلقي ينضح نخلا مجهولا في باحات البيت المشروخ,
البيت المشروخ صغير كالترعة في طيني,
والترعة في طيني تجري بالماء الدامغ تحت شقوق الروح بأبداني,
تذروني في أطراف النخل الممدودة,
لكن النخل يفتت صفتي في ذاتي ويبعثر كوني بكياني.
أحد لم يتبعني, كان رفيقي شرياني.
(84 – 85 – 1986)
حلمي سالم