صباح الخير أيها المجرمون
طارت العصافيرُ من القفص
من هنا يبدأ اختبارُ مستوي الحضارة.
حبيبي يحطُّه الخِضر في عينيه
لأنه الحجابُ الذي تخفيه العذاري في السراويل
حتى ينزل الأطفال في هلّة الهلال.
أصفُ أحوالَ حبيبي بقولي:
الليالي مجروحةٌ بحبيبي
وسوف يأتي زمانٌ تسهر فيه الليالي طوالَ الليالي
لتطبيب جرح حبيبي الذي نكأتْه الليالي
أما رفعُ المقتِ عن لصوصِ الأعناق
فعائدٌ للمجروحين وحدهم إن شاءوا تهدئةَ الروع.
خمّنَ الحبيبُ أن ارتباكا لابدَ واقعٌ في وعي الآدميينَ
لو أن الأشجارَ لم تكن خضراءَ
أو أن الزملاءَ لم يكونوا بصّاصين.
صباحُ الخير يا شعراءَ العامية،
صباحُ الخير يا مستشاري النقض:
الهانمُ الحزينةُ التي كبّلها القومسيونجية
وضّيقوا خناقها بعمود الوفيات وابن حنبل
شوهدت فوق مُهْر السيد البدوي
حرةً ، مفتوحةَ العينين، تحارب الغزاةَ
سيفُها كان فوسفورا
وسرجُ حصانها قطيفةٌ من باكستان
وبين ساقيها نهرٌ من عسلٍ مصطفي
يحفُّها العشاقُ في ميمنةٍ والمريدون في ميسرةٍ،
كلٌ برمحٍ ورايةٍ وتفاحةٍ من آدم
وهي تنشد من غير صوت:
«كانت نارا صارت نورا
حجرٌ يصبح باللمس طيورا
فتصير الغمة فرَجا وسروراً»
طارت العصافيرُ من القفص
من هنا يبدأ اختبارُ مستوي الحضارة
لدينا حصّةٌ للنقاهة
نستطيع فيها أن ننتج المسّرةَ باكتفاءٍ ذاتي
فدودةُ القز غيرُ مضطرةٍ لماكينات
وأبوكِ يستطيع أن يشدَّ حفيده بيديه
بعد أن يطشَّ القرنُ وتبتلَ الشراشفُ
ويري وجهَ الحفيد مزيجا من ملامحه وملامحي.
صباحُ الخير يا مدهوشةً من كمية الشرّ،
صباحُ الخير يا مترجمةَ المعني إلي الشفع والوتر،
صباحُ الخير يا مختومًة بغير ختم النسر.
انصحوها أن ترحم الرجل الذي شبّهتْه براسبوتين
المصيدة في صندوق دولابها
فالمصيدةُ تحت فلقتيها علي مقعد الشرفة
المصيدةُ في الدولة.
تمشي كتاريخ،
تمشي كجغرافيا،
تمشي بخفةٍ لأن في قعرها أثقالا من الصّوان
لأن في اسمها انتقاصا من تراث البدو
لأن في ظَهرها شامةً تخاف إن تسقط إن بادرت بالبوح.
أوضّحُ التباسَ حبيبي بقولي:
رأيتك ِتفتحين الذراعين للعصافير تترك القفص
من هنا يبدأ اختبار مستوي الحضارة
ورأيتكِ تخلعين القميصَ والقبةَ السماوية
من هنا يبدأ السؤالُ: لماذا الناسُ لهم عيون؟
ورأيتكِ ترمينَ البياضَ
قبل أن توشوشي الودع
من هنا تقدمت ضارباتُ الرمل:
«قدّامكِ سكةُ سفر، وفتي من دمكِ يريدك في جهةٍ، وفتي مغتربٌ عن هذي الأرض يريدك في جهةِ، وعيونكِ تأكلها الحيرةُ: من تختارين؟ أري رزقا في يدكِ اليمني وأساورَ في يدكِ اليسري، لكن هناك غرابينْ علي الشجرة نعّابين. سيحرسكِ الستّار . أمامكِ دربُ السالم، في جانبه دربُ النادم، بعدهما دربُ الذاهب من غير إيابٍ، عند نهايته يتجلي سيدك أبو العباس المرسي جهّز ناقته للطيران، وبُردته لبني في لبني، فيما ثوبكِ أبيضُ في أبيضَ، قولي إن شاء اللّه، بياضكِ يا شابة».
صباحُ الخير يا معهد الصدر،
صباحُ الخير يا أهل تطبيع العلاقة،
صباحُ الخير يا رهينةَ المحبسين.
دوركِ إغراقُ راسبوتين في عَرق البلح
بعد تلقينه أسرارَ عبادِ شمس
لكي أسجّل نظرةَ حبيبي بقولي:
صانع عينيكِ ليس شريرا
حتى لو كانتا مصدرَ العذاب حين تهمسان:
جسدك خالٍ من نهش الأسنان
جسدكِ خالٍ من حفر الأظافر
جسدكِ ابن الطبيعة لا الاجتماع.
صانعُ العينين واجه صورته في البؤبؤين
فارتاب في دوافعه حين شكّل العلقَ
وراح يهمس: «في أي صورة ما شاء ركّبك».
ما مرّ يا حبيبي يعني أن اسم أمي
ينطلي عليك بعد الخروج من مدينة نصر
وما مرَّ يا حبيبي
يعني أنك ترقدين بين الكتابة والإيروتيكا
وإلا فما مغزي الرمال في الشّعر؟
وما مرَّ يا حبيبي
يعني أن هناك شخصا سوف يمشّط شعركِ المبلولَ بمذراةٍ،
وما مرّ يا حبيبي يعني أنه مرّ يا حبيبي،
ساعتها عرفتُ أن الفقرَ هو استخدامُ الفقر لإذلال الروح
كما علّمنا الحلاج،
ورأيتُ المسافةَ بين أصفر الثوب واستغاثة الخاصرة
برهانا علي جدل الطبيعة.
صباحُ الخير يا صحافة المعارضة
صباحُ الخير يا جعرانها علي أثينا السوداء،
صباحُ الخير يا ذاتَ النطاقين.
حين تزلُّ قدماكِ لحظةَ الهبوط من العجلة الحربية
سأحملكِ إلي غرفة إسعاف السندباد
وبينما يثبتون حولَ الكاحل الملتوي جبيرةً
سأحطُّ أحلامي كلها علي سّمانة الساق.
هكذا يا ست:
أسرفتُ في تأريخ الطريقة البيومية
لكي أسرّبَ رسالةً مؤداها:
«لي بين الضلوع دمٌ ولحمٌ»
وأسرفتُ في دراما بناء بيت الأهل
لكي أعطي انطباعا بأن الفواعليةَ بعضُ ماضي.
عولج الجرحُ بالمشارط والضماد
لكنّ قطْعَ الوريد ثانيةً ليس حرفةً صعبةً
كل ما هناك انتظارُ لحظةٍ
يكون فيها الماهرون في الاتزان علي الصراط
مشغولين بإلقاء الوصايا العشر:
كن رهنا للطاغوت فهذا أفضل للطاغوت.
احبس روحكَ في صندوقٍ من خزفٍ فالله كبيرُ الخزّافين.
اكبحْ جسدكَ عن جوهره نمنحْكَ الكينونة يوم الدينونة.
وجّه سعيكَ لتملُّق رؤساء إدارات الصحف القومية من أذناب السلطان.
كن محتاطا وحريصا فالجرأة والكرمُ هما من عمل الشيطان.
احنِ الهامةَ حتى تعبركَ العاصفةُ فخيرُ الهامات المحنيات.
المرأةُ عوراتٌ منثوراتٌ في درب الرجل الصالح.
تبّا للشَّعر المحلول يصير بوارجَ نارٍ حين تقوم الساعة.
لا تشربْ من ماء الغاوين: الشرعُ خصيمُ الشِعر.
القمعُ عمودُ التقوي.
هكذا يا ست:
عاينتُ فوق عظمة الحوض آثار الخياطة
فصحتُ: حينما يتكوّر الطفل في الأحشاء لن تكحتَه المغارف،
ولن نسمح بأن يرسلوه إلي الصرف الصحي
لأننا غير راغبين في تطعيم ماء الغسيل بالنّطف.
تمشي كقصة حب،
تمشي كواقعة في ضحي الإسلام،
تمشي كتعليم اللغة.
هناك منديل لم أمسح به ماء ذروتها بعد
هناك أدوات نفي لم نحركها في الدفاع عن النفس بعد
هناك عظام لم تصبح رميما لنحيي رميمها بعد.
يا حبيبي الذاكرة فحتٌ في القعر
بينما سؤالي: هل الجرّاحون مجروحون؟
يا حبيبي الخيرة فيما اختاره الله:
توقّعنا الكراهية ففاجأتنا المودّةُ
قدّرنا توجسّ المستريبين فلاقينا طيبة الطوايا
بدأنا برعبٍ عابرٍ وانتهينا برعبٍ مقيم.
تمشي كأطلال ناجي،
تمشي ككشفٍ لالتباسِ الحملة الفرنسية،
تمشي كمعضلةٍ في سبيلها للحل.
المرأة التي فكّرت أن تضربَ نهدها بمطواةٍ
لكي تنجو من دساتير الذَّكر
هي التي أخصُّها بتحية الصباح:
صباح الخير يا شريعةُ
صباحُ الخير يا حقوقُ
صباح الخير يا سدَّ الذرائع.
ستدلك الأمُّ علي جملةٍ تخلو من الماضي المرَّكب:
المجرمون مئة
أوّلهم فقيه الشرع
وآخرهم مزوّر الكونسولتو
وبينهما ثمانية وتسعون:
«المتكالبُ، والكذابُ، ومداحُ السلطة، خوّانُ الرفقة، والحابسُ مستقبلَ حسناء بقمقم غِلّ، والسمسار، ومدّخرُ عقارات خالية، حاجب محكمة الجيزة، والمتسلقُ، جرو السيدة الأولي، والمخبرُ، ومزيفُ فاتورةِ نور الشقة، محترفُ التليفزيون، وبيّاعُ الأحذية لأصحاب العمر، اللاعبُ بحسابات الهيئة، والمتواطئ مع تجار الأسمنت، المسعورُ علي جائزةٍ، والمغتابُ، ونهّازُ الفرص، الشّكاء ولا شكوي، القابضُ يده المغلولةَ للعنق، الواشي، ترزي قوانين الكبت، منفذّها، ومسوّغها للمكبوتين، الجابي، سائقُ تاكسي السهرة، مندوبُ الله علي الأرض، وكيل المرسيدس، والمتوفرُ في كل مناسبةٍ، ورفيقُ السوء، الحاكمُ إذ يطغي، والمحكومُ إذا قبلَ الطغيانَ، المفتي بالتكفير، مهندسُ مكتبة الأسرة، لصُّ الآثار المصرية، والموصي بجواز الصلح، المتصّورُ أن الحسنَ يساوي العهرَ، الراكعُ شكراً لهزيمة يونيو، وموظّفُ مال الفقراء، ومتصّدرُ كشفِ البركة، والإمعة، المرعوبُ من الآخر، قوّادُ الجرنال، المتشدقُ بالبسطاء، المتعلقُ بالمدراء، الدسّاسُ علي الشعراء، الواضعُ خدَّ كرامته تحت حذاء مطامحه، ومشوّه وجهِ الحق، حكيم الغبرة، ومدرس فلسفة القاهرة، الكنّازُ الأرصدةَ علي الأرصدة، الحاضرُ بالأجرة، والغائب بالأجرة، ومرابي الطائفة، المالكُ في ثوب ملاكٍ، والميكافيللي، المتظاهرُ، شارحُ عقدِ الإذعان، مدبّجُ تحريكِ السعر، ملفقُ فكر المستشرق في الصحف الصفراء، التابعُ، والمتبوعُ، المتسمّر عند الخلفِ الصالح، والمتشبهُ بالغير، الداعُر، والمتشاعرُ، ناكرُ منبته، واضعُ سمّ الوجبةِ لتلاميذ الفصل، المتصّنعُ، والمدهونُ بسمنٍ، والضغّان، المختلسُ، المتمسكُ بالعتمة، والكائدُ، ذو الوجهين، المستوزر، لص الكتب، ولص الروح، ولص العمر، ولص شباب الأنثي، غشّاش الشاي، ومعماري الأبنية المنهارة، ومحامي تجار العملة، والمتصابي، محتكر الضعة، ومتقاضي سمسرةً من أدباء القطر، ومحسوبُ المسئولين، المتحركُ بذكاءٍ، والموتورُ، الخائضُ حربَ مصالحه بشجاعةِ تيسٍ، والمشبوهُ، حليفُ المشبوهين، صغيرُ الفعل، صغيرُ النفس.
صباحُ الخير أيها المجرمون،
صباحُ الخير يا بنيانكم المرصوصَ يشدُّ بعضه بعضا،
صباحُ الخير يا عيونكم المقروحةَ من طول السهاد.
لستِ المهزومةَ يا بنتَ أستاذة النحو
طالما الفرقُ بين الفَراش والفِراش لم يدركه الآخرون
حتى يسوّقوا البضاعة التي يغلّفونها في المخبأ
بنجوى دعاءِ الوالدين.
طارت العصافيرُ من القفص
من هنا يبدأ اختبار مستوي الحضارة.
قد نفهم النقصَ في مخاليق الطين
قد نفهم كيف يصنع الفشل مقاولي أنفار
قد نفهم الصندوقَ الأسودَ في كل نفس
لكننا لن نستطيع أن نفهم:
لماذا يتبرع الطليعيون بالقتل؟
هكذا يا ست،
مطمئنا إلي أنكِ في أمانٍ أقول:
علي نهديكِ اسمُ النبي عدنان،
علي نهديكِ اسم النبي إبراهيم،
علي نهديكِ اسم يوسف.
وحين تسطع فيهما الأسماءُ سوف تستحيل
أغمادُ السيوف إلي مراودِ كحلٍ
والعبيدُ إلي مغرمينَ.
تمشي كمحتويات قصر الجوهرة،
تمشي كنقيضٍ للإنكشارية،
تمشي كمشّاءةٍ.
وأنا أصوّبُ نسبةَ أعضائها لأعضائي بقولي:
«عيناك عينا غريقْ
بعضُ انطفاءٍ فيهما، وفيهما بدءُ البريقْ
دمٌ مُراقٌ في يد، ودمٌ مريق».
طارت العصافيرُ من القفص
من هنا يبدأ اختبارُ مستوي الحضارة
وهؤلاء الذين لم يميزوا بين الكنايةِ والنكايةِ
سنعفيهم بقولنا: «أنتم الطلقاءُ»
حتى يناموا ليلةً قبل موعد الرقاد
ثم نمضي نوثّق الصلات بين النص والجنس
لكي يكون معني ما تقدم من سطور:
صباحُ الخير يا كتابةُ،
صباحُ الخير يا ختَمها المفترع،
صباحُ الخير يا جمهورية.
(1998- 1999)