هيمنة الساق علي النص
فريضة
هذا الجسد ثلاثٌ وسبعون فرقة، وليس أجمل من النعوت فلا تبتعدْ عنها، حتى تنضجَ منذ البدء قدرتنا علي هتك الستائر حول فِراش بنت العم باعتباره فريضةً من فرائض التسليم.
حب الذات
تدوَّرت الجغرافيا في ستين يوما لأن في مصلحة المساحة موظفا قبَّل الحذاء من غير أن يكون حزبيا، بينما مدراؤه في مهنة المقياس فضّلوا أن تشرب الحزينةُ السُّلافةَ التي أهدرها الرجلُ في الكف من فرط حب الذات. بخصوص الغمّازتين في الخلف فلابد أن اللّه بعد فروغه من صلصاله غزَّ إصبعيه في كل فلقة، لتنشأ لنا هذه الهيسريا التي مرت عليها شفتان: السفلي سافلة لا تهمنا، والعليا هي الشأن كله، حيث الأخاديد التي تخّفت بها بنتُ عم تدوّرتْ عندها الجغرافيا، بما خلي موظفَ المساحة يوقن أن الدنيا غيرُ مختونة بعد أن عايش امرأةً تصرخ في شبيهها: اعقرني أيها الذئب ثلاثا وسبعين عقرةً، لأن كل فرقة تطالبني بحقها.
ماء الظَّهْر
الثغرةُ اتضحت حينما أكّد المشبوه أنها لم تسرق الخريرَ من كراسة الموجّه، ولم تغشَّ الممتحنَ لأن الخريرَ كان نزفَ الجسد.
هنا تيقّنتْ أن وصيةَ الأوصياء صادقةٌ، فقد رأته يرفع الأخريات وهو يهوي، ثم يسكب الماء عند أقدامهن من غير أن يجفّ ماءُ ظهره. حقا إنهم طاهرو الذيل، فالخريرُ ليس في ماء النهر.
أضرحة
كيف يفسّر لنا الشعبيون أن جارةً قطعت ستا وعشرين محطةً بدون القطعة التي تصون ماستَها من تراب العامرية؟ قد يرون هذا الجنوحَ علامةً علي أن الجازيةَ ضاقت بمائها تحت قطنها، وقد يربطونه بزيارة المعوزين للأضرحة، حيث يدفن العقيمون رءوسَهم، ويتاجرون في الأحجبة التي تفكُّ العمل.
مشكلة الندرة
في الرابعة من فجر كل ليلةٍ تساورني رغبة الكتابة عن مؤخرة حبيبي، لكنني أكبح هذه الرغبةَ خشيةَ التأثر بتشبيهات نجيب محفوظ كلما ثنت زبيدةُ جذعَها لالتقاط عباءة السيد. وأحذّر نفسي من الانقياد خلف رؤية أمرئ القيس عن الكفل الذي يرتج له الموقع، ومن تقليد مركزية المؤخرة في مخيلة الجماعة.
هكذا كنتُ أدرك في الرابعة من فجر كل ليلةٍ أن مؤخرةَ حبيبي تعكس مشكلةَ الندرة، وأن علي ألا أدوخَ من مشهد الدم الذي سال منها لحظةَ الهتك، حتى لا أستغرقَ في غمازتيها اللتين تُلمحان إلي ذكورةٍ ضمنيةٍ في أصابع الإله بعد النفخ في خاماته.
في الرابعة من فجر الليلة كان قراري: لا يموت المرءُ مرتين، سأكتب مؤخرةَ حبيبي واضعا نصبَ عينَّي غُفليةَ الأختام، ساعيا إلي اقتناص الشريحة التي تفصل بين برزخين، وما يولّده الاحتكاكُ بينهما من مفاهيمَ مستقبليةٍ. وطالما أن شاعرآً قبلي لم يخصّص نصّا عن المؤخرة أتخذه تراثا أبني عليه بالإضافة والحذف، فلا خيار لي سوي أن أجزَّ هذه المؤخرة، وأضعها علي الورق بديلا عن الكلام. وإذا ألقيتُ القصيدةَ في محفل، سأوجه الصفحة قبالة المتلقي مبتكرا طريقةً في الاتصال بين الفن والجمهور تردم هوةَ الغموض في التجريب، لقطع الطريق علي تأويل مؤخرة حبيبي بالوطن.
وجوديون
ما الذي جمعنا بهذا الرجيم؟ ربما اشتراكه في ثورة 48 عن طريق الخطأ، وانخراطه في كوميونةٍ لقتل زوج الأم. وكيف سنفهم التقاءَ صاحب الغثيان بالرجل الذي مات بالزهري؟ لم يكن اختياركِ للرجال الثلاثة عبثا: الشاذُ الذي لدغتْه أفعي، الملتزمُ الذي ضيعته الجزائر، والمزارعُ الذي غنجَ كالمومس. بهذا يمكن أن نعلل كثرةَ الكوابيس علي كورنيش المعادي، فما الذي أقحم الرمزيين في الواقعة؟ ربما هو: الوجودُ والعدم.
هدوء
تهدّئ رعشةَ الأجفان التي يهزمها المنظرُ الطبيعي، فإذا انكسر صوتها مع انكسار نافذةٍ مَرِضَ الأشقاءُ. وسَّعتْ ما بين ساقيها لكي تطيبَ الخواطرُ وتدركَ الذكرياتُ مهمتَها.
فجٌّ عميق
لا مهرب من أن تكون مضاجعةُ المريضات عملا من أعمال الحج، سيما إذا كان البلاط باردا بما يدلُّ علي أن شفطَ الأعضاء للأعضاءِ فصلٌ في التطوع.
تراث
لو أنني موسيقي لوقفتُ تحت إبطك أعزف علي الكَمَان جاعلا قوسَه يحفُّ منك بجانب الصدر، فإذا خرج أهلُ القري حاملين القرابين عاونتُهم علي اكتشاف الخصوصية التي يكنزونها في الرقص. بعدها يمكن أن أتركَ للأجيال اللحنَ كله. لستُ موسيقيا، لكنني أستطيع أن أحملكِ علي ذراعي محدّقا في حاجبيكِ الغليظينِ، مستأثرا بما في هذه الغلظة من حنان البدو.
الشّعرية
هاتان السّاقان شهيقان: شهيقٌ يهمس خذني، وشهيقٌ يصرخ: إنّا مفترقانِ. عمودان من الدّم المطلوق: الأول وردي شأنَ بكاراتِ الأغشية البكر، الأخرُ فيه من الجرح القاني: كيف سأشرب سِمَّانةَ ساقِ السيدة إذا لم أنعتْها بالأيطلِ والظبي وأهتف إنهما الملعوقانِ. الساقان سؤالانِ عميقانِ انتصبا ساريتْين، الساريتان بجمرهما المتأجّج تحترقانِ. الأم تقول: هما الفتنةُ تختبئان كسفّاحين، السَّفاحانِ بفن القنص عريقانِ، إذا كمِنا برهةَ ليلٍ، برهةَ ليلٍ أخري ينطلقانِ. هنا الساقانِ مثنَّي ربّ وهما المنّاحانِ الخّلاقانِ. الساقانِ مؤرجحتانِ بمشنقةٍ، وعلي الحْبل يضئ المشنوقانِ. فماذا يخسر أهلُ الكوكب إن جُرّحتا ومشتْ بقعٌ حتى الكاحل تشتجران وتعتنقانِ. وما قَدَري إن أُنهيتا بالشفتين الواقفُ في بابهما راعٍ أرِقًٌ في عينيه الحراّس الأرِقونَ وبينهما جنديان بصابون الركبة أَرِقانِ. فويحكَ من هيمنة الساقِ علي النصّ ومن هيمنة الوزن علي الخفقانِ. اكسرْ: فالساقان حوافٌ في هّواتٍ مفتوحات أو جيشانِ بعملاء الشهوة مخترَقان. اكسرْ فوراءَ الساقين عظامٌ تنخرها الرغبةُ ويرويها في الطلّ نشازٌ فوق نشازٍ يصطفقانِ. اكسرْ: فالساقان النثرُ المتوتُرُ وهما في العائلة الولدانِ العاقانِ. شهيقان احترقا فاحترق شهيقانِ. اكسْر: فالساقان إذ أُشربتا كلَّ ثلاثين نهارا طفْحَ الدم تصيران الشعريةَ إذ عُجنتْ بالطمث وإذ كُسرَ الُحقَّانِ. الأصدقُ قل:
ساقا حبيبتي تصطّكان إذا قّبلتُهما خلسةً بجوار بائعة الشاي.
ساقا حبيبتي مضمومتان تحت المائدة وإحدي السّمانتين أغلظُ،
وهي تشخبط بالرابيدو علي أصول البحث.
السوائل
هذا الجسد ثلاثٌ وسبعون فرقةً، كل فرقةٍ تناهض الأخري، وتزعم أنها الجديرةُ بتمثيل الانهيار. هكذا فارت السوائلُ علي نقوش بنتِ العم حتى لوّثت كفَّ الرجل الذي يدعك الدنيا علي جِلدها بالحَرف. اللئيمةُ المستقبليةُ رأتْه وحدَها.
(يناير 1997)