خطر الدَّخَلِ على الثبات
الثبات قيمة عزيزة ، وما أحوجنا إليها في هذه الأيام ، وكم تأخذ بالألباب تلك الكلمات القرآنية "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً "(1) ،ولقد أعطانا ربنا سبحانه المنهج لنسلك سبل الثبات، فعلمنا ابتداء أنه منه وحده، فلابد أن نسأله سبحانه الثبات "ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"(2) "ربنا افرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين "(3) "يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك"، ولقد بيّـن ربنا سبحانه أن من أعظم أسلحة المؤمنين في ميادين الإصلاح والتغيير قيمة الثبات فقال: "يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون"(4) .
ثم زادنا بياناً وتبياناً لأسباب التمكين لقيمة الثبات في النفوس والعقول والأمم فوضّح لنا أن من أسباب الثبات هداية التاريخ أي التجربة والتفكر والتأمل فقال: "وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين"(5)، وكذلك من أهم أسباب الثبات التمسك بالقول الثابت والكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء فقال: "يثبت الله الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الاخرة"
ثم من أوثق عرى الثبات سنة التدرج وحسن العرض للخطاب شكلا ومضموناً ويتضح هذا من قوله تعالى :"وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً"(1)
وكذلك من أقوى أسباب الثبات الإنفاق وقيمة العطاء، فالقيم تتوالد ويكثّر بعضها بعضا يقول سبحانه:"ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فــآتت أكلها ضعفين"(2) .
ومن أرسخ أسباب الثبات قبول النصيحة والاستجابة العملية للوعظ والإرشاد قال تعالى: "ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً" (3)
وجُماع الأسباب يُرسَم في لوحة ثبات الأقدام "يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "(4) ومن لطائف التنزيل أنها جاءت في سورة سميت باسم محمد صلى الله عليه وسلم أو القتال، بعد أن ننصر الله ونكون أنصارا لله في إشارة إلى أن طاعة الله وطاعة رسوله والقتال في سبيله سبحانه هما مخ تلك الأقدام الثابتة.
لكن السؤال ما الذي يجعل الأقدام تزل بعد ثبوتها؟
لقد جاء الجواب في سورة صورة للشفاء المادي، إنها سورة النحل:" الذي يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس"(5) ، نعود إلى السؤال ما الذي يجعل الأقدام تزل بعد ثبوتها ؟ إنه الدَّخَل وما أدرىك ما الدخَل" إنه المفسدة والخيانة والخديعة واقرأ وتدبر وارتشف هذه الرشفة من العسل المصفى "ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى
من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون . ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم . ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون. ما عندكم ينفد وما عند الله باق وليجزين الذي صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "(1) فالدرس المستفاد في هذه الأيام أن نحذر الحذر كله من نقض الغَـزْل ، وذلك بالكلام الباطل، وبالفساد ، وبالأيْمان الباطلة والمكر والخديعة من أجل أن نعود بأزلام النظام المتورطين في الدماء وسرقة المال العام ، ومن أجل أن تكون جماعة أو قبيلة أو جهة أو حزب أربى من جماعة أو ... فالولاء للوطن ووطننا هو وطن المبادئ، والعقيدة ،والثوابت ،وليس من مصلحة الوطن أبدا، بل من الدَّخَلِ أن يتدخل هؤلاء في الدولة الوليدة الجديدة ، فحذار من نقض الغزل من بعد قوة ودماء من الشهداء وتضحيات جسام من كل الشرفاء.
فإياكم والدخل.
29/10/2011
ناصر العرفي