إن الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بالخلق
والاختيار من المخلوقات؛فخلق السماوات سبعا، فاختار العليا منها، فجعلها مستقر
المقربين من ملائكته، ومن هذا اختياره من الملائكة المصطفين منهم على
سائرهم؛كجبريل،وميكائيل، وإسرافيل. وكذلك اختياره سبحانه للأنبياء من ولد آدم عليه
وعليهم الصلاة والسلام، وهم ألوف، واختار منهم أولي العزم من الرسل وهم الخمسة
المذكورون في سورة الأحزاب في قوله تعالى: ﴿ \^r;`AæoB]ZöFÌ^qö]Z]Aævöùæváö;`ö<<Eö`YEMöóEöj@]A÷~b]ZW#<]öEöEöù\öóEùæovöùæoÀpZöFÓ~EùÔÓsö÷YöF;`AæoêÒzpöbæoæyEùnæoPv÷YöFQ]A$Ó~ÓöFØsöÓB]ZöFÌ^qö]Z%&Aæo~b>óEöùIBZW#<]öEöEö³ùLBO Eöùöi]Zn(7) ﴾ [2].واختار
منهم الخليلين:إبراهيم ومحمدا صلى الله عليهما وآلهما وسلم. ومن هذا اختياره
سبحانه ولد إسماعيل من أجناس بني آدم، واختار من ولد إسماعيل محمندا.وكذلك اختار أصحابه من جملة العالمين، واختار أمته على سائر الأمم،
ومن هذا اختياره سبحانه وتعالى من الأماكن والبلاد خيرها وأشرفها، وهي البلد
الحرام، ومن هذا تفضيله بعض الأيام والشهور على بعض، فخير الأيام عند الله
يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، ومن خير الأيام عرفة؛ صيامه يكفر سنتين،
ومامن يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة، ولأنه سبحانه وتعالى يدنو
فيه من عباده، ثم يباهي ملائكته بأهل الموقف،وخير الأيام العشر[3].
وخيرية هذه الأيام تجعل المؤمن راغبا في مضاعفة أعمال الخير فيها، ودليله سنة خير
الخلق صلى الله عليه وسلم، فلنقرأ أحاديثه النفيسة في هذا المقام العظيم:ü عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، أن رسول الله قال:"أفضل
الدعاء دعاء عرفة، وأفضل ماقلت أنا والنبيون من قبلي:"لاإله إلا الله وحده
لاشريك له"[4].
فههنا حض على الدعاء والذكر.ü وعن طلحة بن عبيد الله بن كريز، أن رسول الله قال:"مارئي
الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولاأدحر، ولاأحقر، ولاأغيظ منه في يوم عرفة، وماذاك إلا
لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلامارئي يوم
بدر".قيل:ومارأى يوم بدر يارسول الله؟ قال:"أما أنه قد رأى جبريل يزع[5]
الملائكة"[6].
وهنا ترغيب في الحج وموقف عرفة.ü
وعن هنيدة بن خالد، عن امرأته، عن بعض أزواج
النبي،قالت: كان رسول اللهيصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل
شهر: أول اثنين من الشهر، والخميس[7].
وهنا دلالة على فضيلة الصوم في هذه الأيام ماعدا يوم العيد فالصوم فيه حرام.وعن
ابن عباس قال: قال رسول الله:"مامن
أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني أيام العشر،قالوا:
يارسول الله، ولاالجهاد في سبيل الله؟ قال:"ولا الجهاد في سبيل
الله"قال:"إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"[8].
وهنا دعوة للفعل الجميل وهل هناك فعل جميل سوى العمل الصالح؟ قال القرطبي:"وأما جمال الأفعال فهو
وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم""[9]. فضابط الفعل الجميل أن
يكون على وفق المصلحة ، بحيث يكون فعلا إما جالبا لمنفعة أو دافعا لمفسدة. من هنا
يمكن أن ندرج تعبير العمل الصالح بمفهومه الشامل في هذا المعنى.ويمكن أن
نفهم العمل الصالح في القرآن الكريم والسنة في
سياقات كثيرة وبعبارات تفيد ذلك من مثل:-
﴿ævöÓæobvæy÷]Aï÷pö]ZXvd³ù,BÓn]r]j;`Açf/@]A*hùÓnæo
LBùöi#<\ *gB]ZXæo öçóEöNNZöF;`A ævöùævEöùùöiö÷yb>j@]A(32)]æoPpö]ôEö÷y]Faö]óEæyÓ>j@¢A]æo$aöÓè<Eö³`Eföyj@]A÷lÓöYX>rQHçôEjB`YöFæùbvæy÷%&AA\^r;`BÓöYXù^qj@]A\ö]óEö÷EöÓYöF'bö]óEö÷EöÓYöFæo·æoÔ\qöÓn'böNZöF%&B\ö¹³çjæo¸~EöùÓ(33)[10]﴾[11].-
﴿höaZXæoùrBÓöYEöùm²çj>ApöajpöaZWÓöFçôEj@Hæù$bvæy÷%&Adu;`Aæv#<] ÷EöÎ{yj@]AaZk][söóEöÓöF¨$b~b]óEö÷EöÓYöFdu;`Aævö#<] ÷EöÎ{yj@]AæuB\öPv#<æyZöFøöçjLA³o.qöÓnLBóEöEö`YEöe (53) ﴾[12].-
﴿vöÓ æuB\ö .qöFPsböF]M[söùm>j@HùiùöiÓöYXaM[söùm>j@¢A$IBmöEöùÓÑùö÷Eö]j¢A.qöÓmÌÓöFb~ùöi]>j@H_cD³`EööN j@H+hÓÓm>j@]Aæobùöi#<fj@H'$böbmÓöYXØsÓöFævöFù^qjAæoæuobs.öö÷ÓöFøCBÓèö<öö³`Eföyj@]A÷~b]j¸_CA\^qöÓn$·qöFùq\{zbsÌööÓæo\«<E]×jØo£AÓpabtpöbYEöÓöF(10)﴾[13].جاء العيد مرتبطا بالحج وعرفات موسم اجتماع
المسلمين من مختلف أقطار العالم، مما يدل على عالميته لكل البشر. لقد كانت مكة
موطنا للكفر فأصبحت موطنا للإسلام وأكمل الله دينه:" Ó}÷pÓöEö>j@¢A .D>iÓÌö%&A ÷~.ö]j÷~.öö]óEöFùr .D÷Ó>öF%&Aæo ÷~.öö÷Eö]iÓn çôEöÓ÷mùZöF .DEROætæo b~.ö]jÓ~]:iö÷zø@H $LBóEöFùr bvÓÓöYXdsöa öÌO®H PYX»\ÓZ>Ó Ósö÷Eö]Zn ¾VùZöFBÓÑ]ôEöb À~>öF˲Pø du;`BÓöYX ]f/@]A¸tpöbYWö]Zn ¸~Eødt(4) "[14].
ولما تطهرت الأرض من الشرك والكفر وتم القضاء على الأعداء المتربصين بالإسلام؛ ولم
يعد لهم سلطان على المسلمين؛ توحد الناس على عقيدة التوحيد وتخلوا عن عصبياتهم
القبلية التي مزقتهم، وقطعت أوصالهم، وجعلتهم أشتاتا مستضعفين، فمن الله عليهم
بنعمة التأليف:" BæeöF%&B#<öÓöFævöFù^qj@]A>ApöaóEöÓAÓ§>ApöaZWöNFQH]f/@HdTöÓ©ùùöFBQZWöaF]æodvaFpöb]FN;`A~aôEZöF%&Aæoæupöbùöiö÷yöe(102)!﴿
ثمن﴾ >ApöbR]ôEö÷nAæoPh÷YEöÓ`YöFçf/@¢ALBmöEöùÓÑ]æo>A$pöaZXdsöæYWö]F>Aobs.öÌ^rAæo\DÓ÷mùZöFçf/@]A¨b~.öö÷Eö]iÓnÌ^r;`A¨b~aôEöóE.ö¶§,A\qö÷n%&AæVNj%&BÓöYXæv÷EöÓYöF÷~.ö`YöFpöaiöaZX~aôEö÷ÓöYEÌ%&BÓöYX¯ùöùôEöÓ÷möùóEö`YöF$LBZöFÔÓpö>Z;`A÷~aôEöóE.ö]oê]iÓnBæYW\{z¾Ósö÷YWbævö³ù`tB±öQóEj@]A~.ö\^qö]ZWZöF%&BÓöYX$Bæ>óEö³ù\çjü\^q\öbvö³`EöÓöYEöböFbf/@H¨b~.ö]j©ùöùôEö#<ÓöFAÓ§÷~.ööNiÓm]jæuo.qö]ôEö÷]F(103) "[15].
فكان العيد في الحج الأكبر احتفالا بنصرة الإسلام وعزة المسلمين ووجودهم كأمة قوية
مستقلة لها شخصيتها و حضارتها.و"العيد في نظر الإسلام ميقات زمني
يربط حاضر المسلمين بماضيهم المجيد، بما يوجب من الالتفات إلى ذلك المجد الذي يوقظ
الوعي في الشخصية الإسلامية، لإدراك السنن الإلهية التي أفضت إلى تحصيل ذلك المجد
العتيد"[16].إن عيد الأضحى يذكرنا بتضحيات السابقين من أجل
نصرة الإسلام، الإسلام الذي هو الدين الحق، وبما أنه الحق فإنه يستحق أن يعيش
الإنسان به وله. "إن عيد الأضحى يوحي بالتضحية والفداء، امتثالا لأمر الله
تعالى، وإخلاصا من لدن المكلف للمبدأ الذي آمن به، إذ كانت الأضحية فداء لإسماعيل الذي هم والده،
أبو الأنبياء، إبراهيم عليه السلام، بذبحه، فأذعن اسماعيل لأمر الله تعالى أبضا،
إذ قال:"ياأبت افعل ماتؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين " ولكن الله
تعالى ، قد تدارك اسماعيل الذي من نسله محمد بالفداء.
ويستخلص من هذا، أنه مامن أمة عزت فيها التضحيات الجسام، ولو بحياتها، بل وحياة
أغلى الكائنات في حياتها، إلا كان الفناء نصيبها. إن الرعيل الأول، قد عانى بصبر
وعناد، تجارب قاسية امتحن بها إيمانهم، فما خضعت، ولاذلت أعناقهم لقوة طاغية، أو
عدو متجبر، وذلك لأمرين:*
أولهما: أنهم كانوا يدافعون عن الحق الذي آمنوا
به، وملك عليهم أقطار نفوسهم، فضحوا بأغلى شيء لديهم، امتثالا لأمر ربهم.*
الثاني:أنهم آمنوا بحسن الجزاء في الدار
الآخرة، فكان المدد الإلهي اليقيني، عونا لهم، وراء الأخذ بالأسباب كاملة، لصدق
معتقدهم، وحقية مطلبهم، وسمو مقاصدهم، فأثابهم الله عزة في الدنيا، ونعيما مقيما
في الآخرة، وفاء بوعده سبحانه:" ævöÓæo êÉöYX÷o]A ©ùùqö÷öÓm`YöFævöù$çf/@]A"[17]"[18].إن الأيام العشر بما تحمله من أوقات عظيمة فيها
القربات الكثيرة، والمنازل الرفيعة كيوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر، لهي مناسبة
جميلة للمراجعة، وتقويم أداء الفرد لسلوكه، وتجديد للإسلام والإيمان في حياة
المسلم ومن معه. قال معروف الكرخي رضي الله تعالى عنه:"طلب الجنة بلا عمل ذنب
من الذنوب، وارتجاء الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، وارتجاء رحمة من لايطاع جهل
وحمق"[19].
[2] -الأحزاب:7.
[3] -زاد
المعاد لابن قيم الجوزية:13.بتصرف.
[4] -رواه الإمام مالك في الموطأ،كتاب
القرآن،باب ماجاء في الدعاء،حديث رقم255. وفي باب جامع الحج:442.[5] -يصفهم.[6] - رواه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الحج باب جامع الحج، حديث رقم441.[7] --سنن
أبي داود،كتاب الصيام،باب في صوم العشر،حديث رقم:2437.صححه الألباني.
[8] -سنن
أبي داود،كتاب الصيام،باب في صوم العشر،حديث رقم:2438.صححه الألباني.
[9] -الجامع لأحكام القرآن:9/71،70. [11] -
فصلت:33،32.
[12] -الإسراء:53.
[13] -فاطر:10.
[14] -المائدة:4.
[15] -آل
عمران:102،103.
[16] -دراسات
وبحوث في الفكر الإسلامي المعاصر للدكتور فتحي الدريني،طبع دار قتيبة،بيروت،طبعة
أولى:1408هـ-1988م.:2/833.
[17] -التوبة:112.
[18] -
دراسات وبحوث في الفكر الإسلامي المعاصر للدكتور فتحي الدريني،طبع دار
قتيبة،بيروت،طبعة أولى:1408هـ-1988م.:2/838،837.
[19] -غيث الواهب العلية في شرح الحكم
العطائية لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن عباد النقري الرندي المتوفى
سنة792هـ،طبع دار الكتب العلمية، طبعة أولى:1419هـ-1998م:116.