استخدام اللغة العربية في البرامج المحوسبة : اية استراتيجية ؟
عزالدين غازي
ضمن التحولات الجوهرية التي شهدتها الثورة اللسانية الحديثة والمعاصرة هي الانتقال من العناية بالمستويات اللسانية باعتبارها موضوعا خارجيا عن النسق المعرفي إلى العناية بالكفاية اللسانية لدى المتكلمين ، أي العناية بتلك الآلة الصورية التي تمكن من توليد عدد لامحدود من المتواليات التي تنتمي إلى لغة بشرية معينة. والغاية من هذا التطور في الوصف العلمي الدقيق هو بناء آلات ونماذج صورية عبارة عن خوارزميات تقوم بتحليل وتوليد البنيات اللسانية بالاستجابة للكفاية الطبيعية للمتلفظين نسقيا وبالانتساب إلى خصائص تجريبية هي من صميم النظرية اللسانية التي يقال عنها أنها أكثر تجريبية من العلوم التجريبية نفسه.ا
وإذا كانت اللسانيات على معظم اتجاهاتها وإطاراتها المنهجية والإبستيمولوجية والتصورية تتميز بغلبة النزعة الوصفية للظواهر اللغوية ومن ثم فهم خبايا عمل النظام اللغوي البشري في شخص و الأنحاء الصورية المتحكمة في السيرورة المعرفية واللغوية التي يضطلع بها الدماغ البشري ، إذا كانت كذلك ، فسيكون لها الوقع الكبير والأثر البالغ في تطوير التقنيات الحاسوبية بأنظمتها المعقدة ، عبر ما منحته أدوات الوصف المتقدمة والتي أبانت عن نجاعتها في علوم وتقنيات متعددة وفي توالد مستمر وتتمثل في محاكاة وتقييس ونمذجة للمخ البشري على مستوى الإدراك كما على مستوى الإبداع والإنجاز والتأويل والفهم ... وهذا ما أفضى إلى إقامة تعاون بين علماء اللسانيات ومهندسي المعلوميات حتى أضحى الحديث عن لسانيات تدعــى ب
:اللغة العربية والأنظمة المحوسبة
وما نروم إليه في هذه الورقة و في إطار تكنولوجيا اللغات الطبيعية هو طرح مناهج ديداكتيكية عامة تتوخى تقديم الأدوات اللسانية العربية وإعدادها لمعالجتها آليا هدفا نحو بناء أنظمة معلوماتية تساعد الإنسان على التعلم الذاتي بدون معلم من جهة، ومن جهة أخرى لتصبح العربية كأية لغة طبيعية أخرى قادرة على مستوى مناهجها البيداغوجية أن تساير ما يحصل الآن من تقدم متسارع لهندسة المعارف ولاسيما ما يقوم به الحاسوب في التربية والتعليم ،حيث انصهرت المسافة بين وسائل تكنولوجيا المرئيات و التكنولوجيا التفاعلية وبين المدرسة والبيت في تلقين المعرفة ونقلها عبر وسائط متعددة إلى أي مكان في العالم باعتباره قرية صغيرة .إن البرامج المحوسبة باللغة العربية تنطلق من هندسات مختلفة القضايا لكنها تعالج صميم النظام اللغوي الذي يعتبر نموذج الكفاية لدى المتكلم العربي، ولبلوغ هذا الهدف ابتدأ مصممو البرمجيات الخاصة بمنهجية التعلم بإنشاء مدقق إملائي وآخر نحوي وأسلوبي ومعالج للنصوص تلخيصا وتوثيقا ونظام التعرف على الحروف العربية ثم تحليل التراكيب اللغوية بداية بالمحلل الصرفي والمحلل التركيبي-الدلالي وصولا إلى المُولّف النصي وتوليده قصد أغراض تعليمية وترجمية آلية والتعرف الآلي على الكلام بمعالجة النظام الصوتي للغة العربية أصواتيا وصواتيا.معتمدا على بنوك ومكانز للمصطلحات والمعاجم اللغوية التي أصبحت العماد الرئيسي في كل عملية تعلمية ، ذلك أن هذا الأخير هو المنهج الأساسي في برامج تلقين اللغة للناطقين وغير الناطقين بها. لأن المعجم هو نموذج الكفاية والقدرة اللسانية عند كل متكلم إذ لا يمكن بحال من الأحوال تطوير آليات برمجيات التلقين المذكورة بدون اعتماد منهجية تتصف بالشمولية والواقعية تصف القدرة من حيث بعدها المعجمي والتركيبي والدلالي مغلفة في وسائل ديداكتيكية سريعة ومتطورة كآلة الحاسوب مثلا بعنصريه الصناعي والبرمجي وبأدواته التحليلية والتوليدية. وهذا ما يدخل في باب التعليم المبرمج بالحاسوب حيث ساهمت مجموعة من التقنيات المتطورة وخاصة الرمزية منها كأساليب الذكاء الاصطناعي على تطوير أنظمة التعلم المساعدة بالحاسوب < ACE>( Assisted Computer Education) .وهذا في اعتقادي محور يبدو من أهم الأهداف المتحكمة في منهجية اللسانيات الحاسوبية على اعتبار أن البرامج المحوسبة في تعليم اللغات يستفيد بشكل مباشر وسريع من الآلة الصورية للهندسة اللسانية.
: أهمية البرامج المحوسبة لتعليم اللغات في تطوير بيداغوجيا ومناهج تعليم اللغة العربية
ومن أهداف هذه البرامج ، إذن ، بناء إطار مفسر للمفاهيم الأساسية في استخدام الحاسوب كتقنية للتعليم والمعلومات .معتمدين على نظرية التعليم المبرمج التي تعتبر استمرارا لنظرية السلوكيين التربويين .وقد وجدت هذه النظرية في تقنية الحاسوب خير وسيلة لتوضيح مبادئها وطرائقها .
وإذا كان الحاسوب مصدرا للمعلومات فإنه وسيلة تعليمية وأداة لإدارة النظم التربوية المدرسية الأساسية ، كما أنه يستخدم في مراكز المعلومات والمكتبات لتنظيم وتخزين البيبليغرافيات والفهارس ومعالجة النصوص الوثائقية وهي كثيرة جدا وبلغات متعددة وباللغة العربية كذلك. وهناك أنظمة رهن إشارة المستعملين والمستفيدين في شبكة الإنترنت .
هذا ،ويفترض في كل عملية اتصالية أن تكون اللغة المستعملة مشتركة بين الطرفين المتحاورين .لذلك قامت العديد من الجهات العلمية والتجارية و كذلك في الوطن العربي وخارجه بمحاولة تعريب الأنظمة الآلية وعملت لحد الآن على حل الكثير من المشاكل التي تطرحها الحروف والنصوص العربية والنظام اللغوي للعربية بصفة عامة .
إن معالجة المعجم العربي آليا كتطبيقات حاسوبية في مجال البرامج التعليمية يبدو في اعتقادي أمرا أساسيا في كل نظام مبرمج نظرا لأهميته العلمية – المعرفية والتقنية – الحاسوبية .وسأحاول هنا طرح بعض القضايا الأساسية في التعليم المحوسب للعربية بوضع نظرة على معالجة المعجم العربي منطلقا من تصور يعتمد الكفاية قبل الصناعة على اعتبار أن الذاكرة المعجمية مرنة من حيث أنها تقوم بعمليات معرفية معقدة مثل تحليل وتوليد المداخل المعجمية ، وعلى الآلة كذلك أن تدمج عملها في إطار نمط طبيعي مستخدمة الأساليب المتطورة لما آلت إله تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي: وهي تقنيات رمزية استدلالية وحدسية في البحث وحل المشاكل.وتستفيد البرامج التعليمية الآلية من حيث الخبرة البشرية في هذا المجال معتمدة طرائق وأنماط التدريس كنظام الأسئلة والأجوبة ونظام المحاضرة بالشرح والتعليق والمحاكاة والممارسة والتدريب ، أي التدرج من السهل إلى الصعب إلى الاكتساب والتحصيل وتثبيت قواعد اللغة انطلاقا مما خزن من قواعد بيانات معرفية حول المعجم –التركيبي في ذاكرة النظام . وللإشارة هنا فإن أغلب الأنظمة المبرمجة للتعلم سواء كانت في برمجيات أو في الانترنيت فإنها تعتمد المعجم الآلي . مرجعيتنا هنا هو نموذج الكفاية المعجمية العربية الذي يعتمد نمطين صوريين مزودين في الدماغ البشري : الأول عادي يقبل مبدأ التوزيع التكاملي بين عناصره المؤلفة له وهذا مثال للمدخل المعجمي المتمثل في المفردة .وآخر يقوم على مبدأ لاتأليفي ، بمعنى أنه هو الذي يختار من يتألف معه من عناصر صورية ، فهو يتألف من أكثر من مفردة تفصل بينها بياضات < مثل : قضى زيد نحبه> فهذه البنية الاصطلاحية تعتمد على حساب دلالي لجميع عناصرها المؤلفة لها .وهذا ما أدى بنظرية المعجم- التركيبي المؤطرة نظريا بزيليغ هاريس ومنهجيا ب موريس كروس أن تعتبر الجملة وحدة صغرى للدلالة.وقد أثبتت التجربة اللسانية أن هذه البنيات المتلازمة ذات إنتاجية عالية في قدرة المتكلمين وفي جميع اللغات الطبيعية ومنها لغتنا العربية التي لا تختلف عنها في شيء .هذا ، ولتطوير أنظمة التعلم الآلي بات من الضروري اعتماد منهجية آلية تتوخى مساعدة البرنامج الديداكتيكي على تحسين أدائه بنسب أفضل من السابق بالارتكاز على متون أكثر امتدادا من حيث الكفاية .
إن حوسبة المعجم العربي كما مهد له في( الحناش 92 ). بغية إعداده كأداة لنظام التعلم . بمعالجة الجذور العربية باعتبارها ، صرفيا ، أصل كل اشتقاق مفرداتي كتوليد الأسماء أو الأفعال من الجذور . ثم معالجة المفردات البسيطة ومنها البسيطة المعربة و المفردات المركبة ومنها المركبة المعربة وذلك على غرار المعجم الآلي للغة الفرنسية ( سلبرشتاين 93 )
إن استخدام اللغة العربية في برامج التعليم بالحاسوب أصبح مسألة من الأهمية بمكان نظرا لما يحصل من تقدم سريع ومضاعف لتكنولوجيا المعرفة وهندستها .وقد أنجز في هذا الإطار باللغات الأجنبية ما يشجع عربيتنا الفصيحة في أن تصبح لغة العلم والمعرفة.( انظر مثلا أنظمة: كوادراتك ، صوفي ، فلاو ، سباد وغيرهم كثير )
لقد ضاعف استخدام الحاسوب في التعليم والتعلم من قدرات طرفي العملية التعلمية ، وساهم في تطوير التعليم المبرمج وتسريع خطواته .فقد صار بإمكاننا التحكم في الأخطاء وحساب النتائج الدقيقة بسرعة وتوفير التمارين على الدرس ...ويبقى اهتمامنا بالمنهجية التكنولوجية لتلقين العربية من صميم ثوابتنا الحضارية في الإفادة والاستفادة وتطوير الأنظمة باللغة العربية حتى يتسنى لنا تطويعها من أجل مسايرة التقدم التكنولوجي السريع.
( الورقة هي في الأصل مداخلة علمية ألقيت في ندوة بكلية علوم التربية بالرباط-المغرب)*