السيد سالم عضو شرف
البلد : مصر عدد المساهمات : 361 نقاط : 849 تاريخ التسجيل : 22/10/2011
| موضوع: المعشوقة والعربي 2011-10-25, 20:15 | |
| المعشوقة والعربي
حلمي سالم (إلى إيمان بيضون) يلمسني وترٌ ، فأجاوبهُ يسلمني لامرأةٍ تطلبُ حصَتها من عمري فأُوَاخيها وتؤاخيني وتحاكي حالتها المخطوفة في تكويني
كنت أبادل منزلها بحنيني وهي على المفترق واقفةٌ ترقب وضع معابرها بعد هدوء الشهب الهيجانة وتراجع نبرة طفلتها البردانة: هل جرحتها اللحظات الصعبة وهي تفوت على الأجسام المقسومة جسمين؟ تتقصى عدد البطانيات على عدد البسمة ، تسأل: هل نامت نانا بعد سكوت المعزوفة؟ هل طـّير اولاد النبعة طياراتهم الورقية؟ هل عاد الحقل إلى خدين؟
كانت تعتكف على أضلاعي تقترح على بدني فتنتها. وتقول للحمي: حين تشارف أحصنة العربيِ صبابتها, سأحل على بطنك شعري, كي ألتم على جبهتك فضاءا يسكن في الهد بين.
أتاحت للمنزل أن يمشي نحو الراية, أن يذهب لبدايته في الأشياء الحية بين الرمشين. وكان فتىٍ في خفقته يسأل جارته: ماذا يجعل عشب الوادي أسلحة, ومضات النبع لظى يتراقص فوق صدور المدرعين بأرز شهواني, أو فوق صدور المدرعين براية سيف الصحراء؟ تجيب: الأرض المكسوة بسمائين.
العربي يميل على جثته كي يفصل فيها مصرعه عن طعنته يذهب نحو ملابسه ليعين مسرى الوردة بين تماسكها في القوس المشدود وبين تفتته ويمر: على الساحة يلمس وترا, ويعيد تكسره لصبيته وهي تراوده إذ يكتب في الرمل رسالته صوب الماء ويرسلها بجناح يمامته بين البيروتين.
- وماذا يجعل شرفات العشاق خنادق تتطاير منها أعضاء حبيبين انخطفا في أبهة مزيج الجسدين؟ - بلاد ببلادين. - فأين توافينا الموجة؟ - في قوقعة واحدة, لا في قوقعتين.
العربي يساقي في السهل مشيئته يتلمس حجرا بين الغيمة والغيمة يختصر مسيرته, يأخذ معشوقته قرب الخط الفاصل بين الوتر وخصم الوتر, يعري معصمها في المخبأ, ويقارن رغوتها بالبحر, يساوي بين القوات وبين أصابعها, ويلاعبها في راحته بالرمز, يزاوج عند كمائنه مادته في صورته حتى يكتشف مجال ربابته ومسار رصاصته, بين الأفقين.
طين, ولجين. معشوقته تختبر الشاطئ: هل يصلح كإطار لنشوب الوردة بين النهدين؟ وتختبر القارورة: هل يصلح هذا الغسق لأن يغدو نهرا بين الصحراوين؟
انقلبت شجرته ضد يديه فكانت تخفي في أفرعها مقصلة الفاشي وسكين الدموي وناب التجار الكامن في علم الماشين على كتفيه انقلبت في ليل شجرته ضد يديه استفتى معشوقته فأشارت بالقزح النائم في عينيه انفرد على جبل, وتملى فرسته كون أجوبة لسائل دمه المفضوح على رئتيه, أضاء بمنديل الأزمنة جاحيه, و ألقى جملته: سيكون على قلبي أن يفتح غرفته للأحصنة السهرانة. سيكون على كفي إعادة مدلول الوردة للعشاق, إعادة كرسي الشرفة لحديث المشتاقة ةالمشتاق, إعادة ترتيب الوقت لنزهة فقراء القرية, وإعادة سفح الجبل إلى ماعزه الهربانة. ألقى جملته: سيكون على مائي غسل الشجرة من تاريخ الشجرة, كي يعتدل الموج على شطين. - لماذا يرتحل الخفراء؟ - لأن المعزوفة ستجئ. - وماذا بين حنيني والبارودة؟ - وطن يرتجل ملامحه. - ماذا يصل الأغنية بحنجرة مغنيها؟ - سهم. - كيف ينظف عشاق قمصانهم الصيفية؟ - بمزيج بين القارب والموسيقى. كان فتى يطلب من جارته أن تمنحه مدنا تتلاءم مع حجم الكفين لكي يمكنه أن يمسحها في بشرة محبوبته, ويطابق في الشفتين, الشفتين. انجرف إلى الينبوع , يحاور معشوقته: حول أصول مزارعها, حول طعام العصفورة, حول الفرح الآسيان وراء مدامعها. تفلته المعشوقة في الظلمة حتى يستهدي في لجته بمواجعها, أو يستلهم في وحدته فطرته. يخفي في سترته ويحط على طرف المتراس عبارته, وإذا أطلق عند حدود المرسى ديكته, أيصرها بين النصفين: كانت تستقطر خبرتها في مزج الفكرة بالغزلان, وفي خلق القبلة من ضدين. - لمن الدبكة؟ - للعربي. - القبرة على طرف الجبل لمن؟ - للعربي. - على أنمل من كان طريق يفتح مغلقه؟ - أنملة العربي. - لأي فوانيس انخلعت أمكنة من حلكتها؟ - لفوانيس العربي. - لأي سماء ناعمة تكشف سيدة في رابية سرتها؟ - لسماء العربي. - لأي نساء القرية يخلع بحر خاتمه؟ - لامرأة العربي. - لماذا يحشو العربي بيارقه بالتوت؟ - لكي يطعم فقراء الله. - فكيف يعيش العربي؟ - على الخطوة بين الجوع وبين القوت. - وكيف يموت؟ - إذا انشق إلى شقين الملكوت. - فأين انفجرت تفاحته؟ - في سكين تلمع في مديتها الأولى بيروت وفي مديتها الأخرى بيروت. - فأين يجئ إليه التابوت؟ - على منطقة طرفاها: طين, ولجين.
الوردة ساهرة, والأنثى ليس تنام على مقطوعتها الليلية, تفضي بحقائقها للفلة والجندي, تغادر مكمنها تحت رذاذ الثلج الأحمر, تتحقق من أن الأشياء المحبوبة ما زالت في موضعها المحبوب: الصخرة عند الحمام على الجسر, الروشة وفتاة تأخذ خصر فتاها, الكتاب على مقهى "مودكا", و طلوع الجبل الصحو بأمسية الآحاد, الميرامية تقطفها يسرا عند السعديات, قلنسوة الدرزي على المختارة, وشرائط فيروز على البسطات, مواسير بنادق مشرعة وسط حقول الزهراني, نظارات هدى حوا وهي تتم بحثا عن: علم جمال الحرب العادلة, صلاة الشيعة في جمعات الذنب ومئذنة الشياح, الصبية يخفون سلاحا بمقابر صيدا, فوضى البالونات بليلة عيد الميلاد, كمين شيوعيين على المرفأ, قصة حب عابرة في دمعة تانيا, صور الشهداء على جدران الفاكهاني, وبقايا عاصمة تتراءى كالحلم الآتي بين ذهابين. الأشياء المحبوبة مقبلة, فيما بين الدانة ورسالتها, وهي تعيد مراجعة الأفئدة العطشانة إذ ينقصها ماء من عين الله لتكمل سيلولتها وتفيض على الطرقات المزروعة, بين السكتة والسكتة تهمس لي: هذي وشوشة يسكبها الجني على أذنين.
- فما شكل المعشوقة؟ - وشم في زند العربي. - وما زمن المعشوقة؟ - للمعشوقة وقت توصف فيه بمغزلها الرعوي, وتبدأ خطوتها فيه على الرمل فؤادا بوجيبين.
لم تك ضد الطائر حين انفلت وطار, ولا حين احترق, ولا حين انبعث رمادا ينبض بجناحين. - وكيف يجئ المحرومون؟ - على الفاتحة. - فماذا كسر المعشوقة؟ - طائرها. - حين انكشف جناحاه عن الرخ العرقي, يدف سواد الليل على جدولها, أو يسترشد بنقيض القمح على سنبلها, فانفلقت من زيتونة آخرها لربابة أولها, واتخذت للأفق رحابته المجهولة, ألق للكون سلامته المجهولة, بالأرز وبالماء الحي. - فما وطن الأنثى؟ - شباك مرفوع بيدين.
المقطوعة لا تختم سيرتها في اللوح, وعزف العربي بدايات, والعاشقة تؤسس سهرتها في أنحائي, وأنا أتراءى بين الأنقاض, نوافذ تخرج تدريجيا تدريجيا تدريجيا من طللين.
فبراير 1984 م.
* حلمي سالم . ** قصيدة ( المعشوقة والعربي ) العدد الحادي عشر من مجلة إضاءة ، مارس 1984، ص 13. والقصيدة مهداة إلى إيمان بيضون. |
|