ذكر الدكتور عثمان سعدي، رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، أن الأمازيغية لهجة عربية، بدليل أن 90 في المائة من معجم أمازيغية الجزائر والمغرب الأقصى ذات جذور عربية، وأضاف أن هذه الحقيقية تم إثباتها في كتابه (معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية). ويظهر تقصّي العلاقة بين الأمازيغية والعربية علاقة أصالة وليست علاقة جوار مثل العلاقة بين الفارسية والعربية.
وأبرز الدكتور السعدي الذي كان يحاضر بالمركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر بالعاصمة الليبية طرابلس، وذلك في موضوع: "عروبة اللغة الأمازيغية – وأيديولوجية النزعة البربرية الاستعمارية"، أنه لم يثبت أن قال واحد قال بأنه أمازيغي وليس عربيا في الجزائر قبل سنة 1830، أي قبل دخول المستعمر الفرنسي المغرب العربي، أو طالب أحد ما باعتماد اللغة الأمازيغية بدل اللغة العربية.
وأضاف أن المصادر التاريخية التي تحدثت عن تاريخ المنطقة وقبل الإسلام أشارت أن اللغة التي كانت توجد بالمغرب العربي هي لغة فصحى عروبية مكتوبة وهي الكنعانية والفينيقية، محاطة بلهجات شفوية أمازيغية عروبية قحطانية، ولمدة سبعة عشر قرنا. وعندما جاء الإسلام حلت العدنانية التي نزل بها القرآن الكريم محل اللغة الكنعانية. واستمر المغاربة يتعاملون مع العربية كلغتهم وساهموا في تطويرها، مثل صاحب كتاب الأجرومية ابن أجرّوم العالم الأمازيغي من المغرب الأقصى المتوفى سنة 672 هـ؛ ومثل ابن معطي الزواوي المتوفى سنة 628 هـ الأمازيغي من بلاد القبائل، الذي نظم النحو العربي في ألف بيت، سابقا بقرن ابن مالك الذي توفي سنة 730 هـ والذي اعترف بفضله في السبق قائلا:
وتقتضي رضىً بغيـرِ سُخْـطِ فائـقـةً ألْفِيَّـةَ ابْنِ مُعْـطِ
وَهْـوَ بِسَبْقٍ حائِـزٌ تفضيـلاً مستوجِبٌ ثنـائِيَ الْجميـلا
ومثل البصيري الشاعر الأمازيغي من القبائل والذي ولد بمدينة دلّس وتوفي سن 695 هـ بالقاهرة، صاحب قصيدة البُردة المشهورة، التي نسج على منوالها العديد من الشعراء ومنهم شوقي.
وأوضح السعدي أن الأفكار التي تملأ اليوم رؤوس بعض المحسوبين على التيار الأمازيغي هي أكاذيب نشرها المستعمر الفرنسي بين البربر، فأوغلوا صدور البربر ضد العرب، لكن هذه السياسة فشلت. فراحوا ينشرون التنصير ويعلمون الجزائريين قهرا اللغة الفرنسية بدل العربية، لكن سياستهم هذه قاومها قادة القبائل (زواوة) الأشاوس.
وأشار المحاضر إلى عدد من لأمثلة التي عبرت فيها شخصيات فرنسية عن رؤية السياسة الفرنسية آنذاك، ومنها ما قاله "لوغلاي" المشرف على التعليم في الجزائر حين خاطب المعلمين الفرنسيين في بلاد القبائل في القرن التاسع عشر قائلا: "علموا كل شيء للبربر ما عدا العربية والإسلام". وكذا بما قاله الكاردينال لافيجري CH.M.Lavigerie في مؤتمر التبشير المسيحي الذي عقد سنة 1867 في بلاد القبائل: "إن رسالتنا تتمثل في أن ندمج البربر في حضارتنا التي كانت حضارة آبائهم، ينبغي وضع حد لإقامة هؤلاء البربر في قرآنهم، لا بد أن تعطيهم فرنسا الإنجيل، أو ترسلهم إلى الصحراء القاحلة، بعيدا عن العالم المتمدن".
وأضاف أنه من هنا أجبر الفرنسيون ملك المغرب سنة 1930 على إصدار الظهير البربري، وهو مرسوم ملكي يعترف فيه للبربر بأن لا تطبق عليهم الشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية، وإنما يطبق عليهم العرف البربري، فتصدى زعماء البربر أنفسهم عندما توجه شيوخ قبائل آيت موسى وزمّور إلى فاس، وأعلنوا أمام علماء جامع القرويين رفضهم للظهير البربري. كما قام الفرنسيون بتأسيس الأكاديمية البربرية بالمغرب، لإحياء اللغة البربرية كضرة للغة العربية، بالحروف اللاتينية، ووضع المستشرق الفرنسي "جود فري دي مونييه" مستشار التعليم في المغرب خطة مفصلة لهذا الغرض سنة 1914. وفي سنة 1929 أقامت الإدارة الفرنسية كلية بربرية في مدينة أزرو لإعداد حكام لتولي إدارة المناطق البربرية مبنية على التنكر للعروبة وصنع أحقاد بين البربر والعرب.
وأوضح السعدي أنه ينبغي التفريق بين البربرية Berberite والنزعة البربرية Berberisme، الأولي عنصر من عناصر تاريخنا كشمال إفريقيين، والثانية إيديولوجية صنعها الاستعمار الفرنسي لضرب الوحدة الوطنية، وصنع الفرقة بين العرب العدنانيين والأمازيغ القحطانيين.
وأضاف أن الحكام العامون الفرنسيون بالجزائر رأوا في تحريك النزعة البربرية داخل الجزار تعد الوسيلة الأنجع لضرب المقاومة الجزائرية، ولتلك الغاية انطلق بعضهم من معهد المعلمين ببوزريعة فنشروا منشورا هاجموا فيه العروبة، وانتقدوا مفهوم الوطنية المبنية على العروبة والإسلام، ورفعوا شعار الجزائر البربرية. وهي المؤامرة التي عرضها "ابن يوسف بن خدة" كتاب له فصل: (المؤامرة البربرية).
وأشار السعدي إلى أن السياسة الاستعمارية لم تنتهي، بل كانت تستشرف المستقبل، حتى أن الجنرال أندري P.J.Andre عضو أكاديمية العلوم الاستعمارية ألف كتاب سنة 1956، جاء فيه: "من المحتمل أن يأتي يوما تهب فيه الأمة المغربية البربرية لإحياء وعيها القديم بذاتها، وترفع فكرة الجمهورية البربرية، إذا سادت فكرة الدولة التيوقراطية العربية في المغرب الأقصى"... وتابع يقول: "إن المسألة البربرية في الجزائر مسألة قبائلية، فمنطقة القبائل أكثر انفتاحا على الحركات الخارجية من منطقة الأوراس.. ينبغي الإعداد للمستقبل لأن المسألة البربرية تطرح الآن (1956) في الجزائر وفي المغرب الأقصى".
وأضاف السعدي أنه ما أن استقلت الجزائر حتى راح الفرنسيون يعملون لتطبيق خطتهم البربرية، فأسسوا الأكاديمية البربرية سنة 1967 في جامعة باريس 8 فانسين، وقامت بإعداد العشرات من حاملي الماجستير والدكتوراه في اللغة البربرية، أشهرهم سليم شاكر، وربطتهم بأجهزة الاستخبارات الفرنسية، وراحت تعمل لصنع ضرة للعربية من البربرية تدخلان في صراع بينهما إبقاء لهيمنة اللغة الفرنسية على دول المغرب الأربع.
وفي المقابل أكد السعدي أن عددا من الفرنسيين الذين أحبوا الجزائر وتفاعلوا إيجابا مع دول المغرب العربي قد نبهوا إلى خطورة ما ترمي إليه السياسة الفرنسية بالمنطقة، حيث كتب جاك بيرك Jaques berque المستشرق الفرنسي يقول: "من الخطأ الكبير الاعتراف باللغة البربرية كلغة رسمية ثانية إلى جانب العربية من طرف بلدان المغرب العربي، ولا أعتقد بأن مطلب اللغة مشروع، لأنه سيؤدي في النهاية إلى تقسيم الولاء".
وأضاف أنه من هنا حاول البربريون نقل النزعة البربرية إلى منطقة الآوراس فصرح السعيد سعدي رئيس حزب التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية سنة 1990 قائلا: "قررت فتح الأوراس للبربرية"، وحشر المئات من شباب القبائل من مدينتي تيزيز وزو وبجاية موهما إياهم بالقيام بجولة في بلاد الشاوية؛ فتربص شباب الشاوية بقافلته فشتتوا أصحابها في الجبال، وهددوهم إن لم يعودوا من حيث أتوا، واختطفوا السعيد سعدي وزوجته، فلم يطلق سرحهما إلى بعد أن نطقا الشهادة داخل مسجد.
وفي جانب آخر من موضوع مداخلة الدكتور عثمان السعدي، فقد قال: "إن الأمازيغ البربر هاجروا قبل آلاف السنين من الجزيرة العربية مع بداية المرحلة الدفيئة الثالثة وزحف الجفاف على الجزيرة العربية بعد أن كانت تتمتع لمدة عشرين ألف سنة قبل هذا التاريخ بمناخ رطب شبيه بمناخ أوروبا الآن، بحيث كان يشقها نهران من الشمال إلى الجنوب. فتكونت أول حضارة بشرية بها على الزراعة وتدجين الحيوان، وعندما زحف الجفاف بالجزيرة العربية وذاب الجليد في أوروبا وشمال إفريقيا، انتقل الإنسان العربي بحضارته إلى وادي الرافدين، فوادي النيل بعد أن انحسرت المستنقعات في مجار بالأنهر الثلاثة، واستند السعدي في برهنه التاريخية بما قاله "ول ديوربانت" well Diorant: في كتابه الموسوعي قصة الحضارة "إن الحضارة وهي هنا زراعة الحبوب واستخدام الحيوانات المستأنسة قد ظهرت في العهود القديمة غير المدونة في بلاد العرب، ثم انتشرت منها في صورة مثلث ثقافي إلى ما بين النهرين (سومر وبابل وأشور)، وإلى مصر". وأضاف أنه من هنا وبطبيعة الحال انتقلت اللغة العربية وتفرعت إلى لهجات مرتبطة باللغة الأم بعد أن اكتسبت خصائص محلية. مؤكدا أن التاريخ سجل هجرة الكنعانيين الفينيقيين في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد للمغرب، وتكونت قرطاج التي هي كنعانية أمازيغية، وصارت اللغة الكنعانية الفصحى المكتوبة، محاطة بلهجات أمازيغية قحطانية شفوية، وفي ذلك يقول المستشرق الفرنسي "هنري باسيه" H.Basset "إن البونيقية وهي الفينيقية طبعاً لم تختف من المغرب إلا بعد دخول العرب، ومعنى هذا أن هذه اللغة بقيت قائمة هذه المدة سبعة عشر قرنا بالمغرب، وهو أمر عظيم"، كما دمر الرومان قرطاج سنة 146 ق.م، واستعمروا المغرب هم والوندال والبيزنطيون ثمانية قرون دون أن يؤثروا في الذات المغربية ولم يتركوا في الأمازيغية كلمة واحدة، لم يتركوا سوى حجارة صماء، بينما استمر العروبيون الأمازيغ يمارسون الثقافة الكنعانية باللغة الكنعانية المكتوبة. ويعبدون آلهة كنعان، ويستعملون لغة كنعان في دواوين دولهم.
وخلص الدكتور السعدي إلى التأكيد بأن اللغة الأمازيغية لغة مثل اللغات التي تفرعت عن اللغة العربية الأمّ قبل آلاف السنين، مثل الأكادية، والبابلية، والأشورية، والكنعانية التي نزلت بها التوراة، والآرامية التي نزل بها الإنجيل، والعدنانية التي نزل بها القرآن الكريم، والحميرية، وغيرها، وبذلك تكون الأمازيغية هي اللغة الوحيدة العروبية الباقية مستعملة شفويا.
واستدل السعدي على هذا انتماء الأمازيغية للغة العربية فعدة أمثلة منها: إن المرأة تسمى بالأمازيغية تامطّوث جذرها طمث، والطمث العادة الشهرية للمرأة، المرأة الطّامث التي عليها العادة الشهرية، وفي رأيي أن التسمية الأمازيغية هي التسمية الأولى بالعربية للمرأة، أي الكائن البشري الذي يحيض، قبل أن تتطور إلى اسم المرأة.
ويؤكد السعدي أن المستشرقين النزهاء مثل "جابريال كامبس" G.Camps في كتابه (البربر ذاكرة وهوية) يقول: "إن علماء الأجناس يؤكدون أن الجماعات البيضاء بشمال إفريقيا سواء كانت ناطقة بالبربرية أو بالعربية، تنحدر في معظمها من جماعات متوسطية، جاءت من الشرق في الألف الثامنة بل قبلها، وراحت تنتشر بهدوء بالمغرب والصحراء"، و يقول المؤرخ الفرنسي بوسكويه G.H.Bousquet: "وعلى كل حال يوجد ما يجعلنا نقتنع بأن عناصر مهمة من الحضارة البربرية، وبخاصة اللغة، أتت من آسيا الصغرى عن طريق منخفض مصر، في شكل قبائل تنقلت في شكل هجرات متتابعة". وأن المستشرق الألماني "أوتو روسلر" Otto Rossler الذي يسمى الأمازيغية النوميدية، يقول في كتابه (النوميديون أصلهم كتابتهم ولغتهم): "إن اللغة النوميدية ويقصد بها اللغة الامازيغية لغة سامية بمعني لغة عربية انفصلت عن اللغات السامية في المشرق في مرحلة مغرقة في القدم".
وأعلن الدكتور السعدي أن الشعراء الامازيغ اعتزوا بأصالتهم ونسبهم كثيراً وذكر العديد من الأشعار لكبار شعراء الأمازيغ الذين اعتزوا بأصلهم القحطاني اليماني، الحميري، فقال الشاعر الحسن بن رشيق المسيلي، المتوفى سنة 463 هـ، مادحا الأمير ابن باديس الصنهاجي:
يا ابن الأعزة من أكابر حمير وسلالة الأملاك من قحطان
وقال الشاعر ابن خميس التلمساني، المتوفى سنة 708 هـ، بأصله الحميري ، فيقول:
إذا انتسبت فإنني مـن دوحــة يتفيّأ الإنسان برد ظلالهــا
من حِمير من ذي رُعين من ذوي حَجْر من العظماء من أقيالها
وفي بيتين يفتخر شاعر أمازيغي طرقي بانتساب قبائل الطوارق الأمازيغ إلى حمير، فيقول:
قوم لهم شرف العلى من حميــر وإذا دعوا لمتونة فهمُ همــو
لمّا حووا عليـاء كل فضيلـــة غلب الحياء عليهم فتلثمــوا