قالــوا: اختلفت الآيات في عدد الملائكة النازلين في غزوة بدر
، ففي سورة الأنفال أنهم ألف
( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين)) (الأنفال: 9)، وفي سورة آل عمران أنهم ثلاثة آلاف (( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ )) (آل عمران: 124)، وفي الآية التي بعدها أصبحوا خمسة آلاف (( بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ )) (آل عمران: 125).
والجـواب: أما الخمسة الآلاف فجاء ذكرها في تعزية المسلمين في هزيمتهم في غزوة أُحد، فامتن الله على الصحابة بذكر مدد ملائكة بدر، وذكر لهم أن المشركين لو عادوا إليهم فإن الله سيمدهم بخمسة آلاف من الملائكة إذا صبروا على ما فيهم من الجراحات وثبتوا لقتالهم (( بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ )) (آل عمران: 124)، لكن الله منَّ على المسلمين بعد أن أظهروا الثبات وتجهزوا للقتال، فصرف عنهم المشركين، فلم يعودوا لقتالهم، ولم تتنزل الملائكة في أُحد لفوات الشـرط (( وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ ))
وقال بعض أهل العلم: بل كان هذا الوعد في بدر حين بلغ المسلمين أن كرز بن جابر الفهري يمد المشركين، فشق عليهم، فأنزل الله: (( أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ ` بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ )) (آل عمران: 125)، قال الشعبي: فبلغت كرز الهزيمة فلم يمد المشركين، ولم يمد الله المسلمين بالخمسة آلاف([1])، فهذا خبر الخمسة آلاف.
والحق أن الله أنزل من الملائكة يوم بدر ثلاثة آلاف، كما قال النبي لأصحابه قبل المعركة: (( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ )) (آل عمران: 124)، وقد نزل هؤلاء الملائكة بالترادف ألفاً بعد ألف، كما قال الله: (( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين)) (الأنفال: 9)، فقوله: - مُرْدِفِين - تعني: ردفهم غيرُهم ويَتْبَعهم ألوف أُخر مثلهم، فالترادف هو التتابع، والرادف: المتأخر، والمردف: المتقدم الذي أردف غيره([2]).
كتبه / الدكتور منقذ السقار
الهوامش
([1]) جامع البيان، الطبري (3/422).
([2]) انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (1/532)، والبحر المحيط، ابن حيان (8/307- 308)، ومفردات غريب القرآن ، الراغب الأصفهاني ، ص (193).