السيد إبراهيم عضو نشيط
البلد : السويس ـ مصر عدد المساهمات : 22 نقاط : 64 تاريخ التسجيل : 28/01/2010 الموقع : https://www.facebook.com/profile.php?id=100000789262267 المهنة : مدير مالى
| موضوع: بركة بنت ثعلب : البقيـــــة من آل النبى السيد إبراهيم أحمد 2011-08-17, 10:56 | |
| نساء فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
3 ـ بركة بنت ثعلب : البقيـــــة من آل النبى
السيد إبراهيم أحمد
بمجرد نطق اسمها ( بركة ) حتى تحس فى نفسك ومن حولك بالبركة تعم المكان والزمان ، وكيف لا وهى التى صاحبت من كان بركة على أهله ومن حوله والناس أجمعين ؛ فقد صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل مولده وحتى بعد أن وُلِد إلى أن توفاه الله صلى الله عليه وسلم ، شاركته أفراحه وأحزانه ، غدواته وروحاته ، وحتى غزواته كانت معه وحوله ، أحبته بالقول ، وأحبته بالفعل فصدقت فى الاثنين .
إنها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمر ابن النعمان الحبشية جارية عبد الله بن عبد المطلب والد الرسول صلى الله عليه وسلم الذى مات بالمدينة وولده جنيناً لم يمر عليه فى أحشاء أمه سوى شهرين ، فآلت ميراثاً إلى ابنه محمد صلى الله عليه وسلم .
صاحبت بركة آمنة أم النبى صلى الله عليه وسلم فرحتها بزواجها من ذبيح مكة ابن عبد المطلب ، كما صاحبتها قلقها على غيابه وترقب عودته ، حتى فاجأهم الحزن الثقيل بنبأ وفاته غريباً بعيداً بيثرب التى تبعد عنهم فوق الخمسمائة من الكيلو مترات ، وكذلك صاحبتها رحلتها الأخيرة من مكة إلى المدينة بعد أن بلغ الطفل أعوامه الستة وأدرك أن له والداً توفى يافعاً لم يره ، وكانت بحق رحلة آمنة الأخيرة فى الحياة لتبدأ بعدها رحلتها الأولى إلى الآخرة ، وذلك بعد عودتهم من المدينة فى منطقة الأبْوَاء بين مكة والمدينة .
بدأت من الأبْوَاء رحلة بركة مع الرسول صلى الله عليه وسلم فاحتضنته بعد أن روعه فقد أمه الشابة التى ذبلت وراحت نضارتها سراعاً أمامه حنى طواها الثرى ، ليمضى بعدها ميمماً وجهه ووجهته حيث مكة وقد خلت حياته من أهم رفيقين لكل إنسان ، وكان من لطف الله به أن هيأ له رفيقاً فى هذه اللحظة معيناً وواسياً وحاضناً ، فبددت عنه الجزع والوحشة وهما شعورين قاتلين للرجل الشديد الناضج من الرجال ، فما بالك بطفل لم يبرأ بعد من ألم ولوعة وقوفه بقبر أبيه ، وفقده إلى الأبد ، وربما فى أعماقه شكر القدر أن ترك له أماً ثم إذا به يفاجىء برحيلها على بعد كيلوات من قبر أبيه ، فأى دور وجهد صعب وأى مهمة تلك التى قامت بها بركة لتهون على طفل هذا حاله المسافة الطويلة الباقية حتى يبلغا مشارف مكة .
احتضن الطفل اليتيم جده عبد المطلب الذى رق له وقدمه على أولاده ليهون عليه آلام فقد أبويه ، ولم يكن من فى الدار غرباء عليه فهالة زوج جده بنت عم أمه الراحلة ، وأعمامه حمزة والعباس ، وكانت هاله تحوطه بالكثير من الرعاية سواء كان ذلك بدافع منها أم بتوصية من عبد المطلب ذاته ، الذى كان رغم هيبته ووقاره لا يجلس على فراشه أحد من أبنائه مهابةً له وتوقيراً إلا حفيده محمد فقد كان يجلسه على فراشه حباً فيه ، وحدباً عليه ، ولطالما حاول أعمامه أن يؤخروه عن الفراش، فينهاهم عبد المطلب قائلاً: دعوا ابني هذا، فوالله إن له لشأنًا . ولم تكن بركة غائبة عن المشهد فقد كانت بجواره دائماً تخدمه وتواسيه، وكان جده دائماً ما يوصيها به عندما يغيب عنهم فى أعماله ويشدد عليها فى الاعتناء به وحسن رعايته ، والحق أن بركة لم تكن فى حاجة لمن يوصيها به فهو ابنها التى لم تلده ولما لا فقد كان يناديها بكل حب الابن : (يا أمّه) ، وكانت تجيبه وتهرع اليه بكل حنان واشفاق الأم . ظن الحفيد محمداً أن شبح الموت بعيداً عن دار جده وكانت بركة وأعمامه دائماً ما يسرقونه من أحزانه وذكريات يثرب الأليمة ورحلة العودة المريرة منها غير أنه لثمانى سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى الله عليه وسلم داهم الموت جده عبد المطلب بمكة، ورأي قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب دون غيره من الأعمام مع كونهم أيسر منه حالاً وذلك لأنه كان شقيقاً لعبدالله والد الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ إذ أمهما فاطمة بنت عمر بن عائذ، إلى كونه القائم مقام المطلب فى قريش. مضت الأيام فى بيت العم والطفل صار صبياً يرعى الغنم ، ثم عرف التجارة وأجادها ، وها نحن معه فى بيته مع السيدة خديجة رضى الله عنها التى أصبحت زوجاً له ، ولم يرض أن تظل جاريةً له وكيف وهو الذى يقول عنها : ’’ إنها أمى من بعد أمى’’ فأعتقها فى يوم زواجه لتحس معه بالفرحة وتكون حاضرةً بوصفها أمه بحق وهى حرة مختارة ، ورأت خديجة حب زوجها لبركة فأكرمتها بل تكفلت بتجهيزها عندما تقدم إليها عبيد بن زيد من بنى الحارث بن الخزرج الذى قدم مكة وأقام بها، ثم انتقل بزوجه إلى يثرب بلده فولدت له أيمن ، ثم مات عنها، فرجعت إلى مكة . دخل الإسلام دار خديجة فأسلمت و قد أسلمت أيضاً أم أيمن رضي الله عنها في أول العهد بالإسلام مع من أسلم من بيت النبي صلى الله عليه و سلم فكانت من السابقين الأولين وقد كانت رضي الله عنها من الذين هاجروا الهجرتين إلى الحبشة و إلى المدينة بعد ذلك .
ومن المؤكد أنها هاجرت إلى المدينة غير أن الحافظ قال: إنَّها لم تهاجر إلى الحبشة، ماتت في أول خلافة عثمان وهي غير بركة أم أيمن الحبشية، التي كانت مع أم حبيبة بالحبشة.
فبركة الحبشية التى كانت مع السيدة أم حبيبة كانت تكنى أم يوسف ، وفي كون أم أيمن هاجرت إلى أرض الحبشة قول فيه نظر فإنها كانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم وزوجها مولاه زيد بن حارثة والثابت أن زيد لم يهاجر إلى الحبشة ولا أحد ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك فظهر أن هذه الحبشية غير أم أيمن وإن وافقتها في الاسم،قال الأبي فى السيرة الحلبية : والمعروف أن الحبشية إنما هي بركة أخرى جارية أم حبيبة، قدمت معها من الحبشة، وكانت تكنى أم يوسف، كانت تخدم النبي أي وهي التي شربت بوله .
وهذا ما يؤكده عبد الرحمن كيلانى فى رده على الكاتب الإسرائيلى أرليتش هاغاى الذى تناول حدث هجرة المسلمين إلى الحبشة فى كتابه : ( أثيوبيا والشرق الأوسط )، فقال كيلانى : لقد احتوى الفصل الأول من كتاب إرليتش عدة أخطاء دينية وتاريخية ـ ولا عجب !! فعلى سبيل المثال يدعى المؤلف أن أم أيمن رضى الله عنها وقد كانت أمة حبشية أعتقها النبى صلى الله عليه وسلم ، كانت من ضمن الذين هاجروا إلى الحبشة فى الدفعة الأولى ، ولم يأت المؤلف بدليل على زعمه هذا . ومحمد بن إسحاق وغيره لم يدرجوها بين أسماء الذين هاجروا إلى الحبشة .
والمعلوم أن الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا من القرشيين ، ولن يجد من يستقصى أسماء من هاجروا من الصحابة اسم أحد من الموالى مع أنهم كانوا أصحاب الحظ الأوفر من التنكيل والتعذيب أكثر مما نال غيرهم ممن هم من أصحاب المنعة والنسب والمكانة فى قريش .
نخلص مما تقدم أن أم أيمن لازمت الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ، ولم تفارقه إلا حين انتقلت إلى يثرب مع زوجها الأول عبيد، وحين سبق صلى الله عليه وسلم بناته إلى المدينة مهاجراً ، وأما فراقها له بعد زواجها فما كان ليدعها تنتقل إلى بيت الزوجية دون زيارتها ،يدل على هذا ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول : ذهبت مع النبي صلى الله عليه و سلم الى أم أيمن نزورها فقربت له طعاماً أو شراباً فإما كان صائما و إما لم يرده فجعلت تخاصمه أي كل. (رواه مسلم) و في رواية فأقبلت تضاحكه و كان الرسول صلى الله عليه و سلم يبتسم لتصرفاتها ويهش لها .
حتى بعد زواجه من السيدة عائشة لم ينقطع عنها ولم تنقطع عنه صلى الله عليه وسلم وذلك فيما روته السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : شرب رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً و أم أيمن عنده فقالت : يا رسول الله اسقني ،فقلت لها : ألرسول الله صلى الله عليه و سلم تقولين هذا ؟ ، قالت : ما خدمته أكثر ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : "صدقت" فسقاها.
وهذا ولا شك ينبئنا عن مدى تلك الحميمية بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين حاضنته وأمه فيما كان يحب أن يناديها ، وكانت تعلم هى مالها من مكانة فى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمح لها بأن تضاحكه وتمازحه ، وتعلم بأنه لن يردها أو يعبس فى وجهها ، حتى أنها جاءت يوماً إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالت له : يا رسول الله احملني ، فقال صلى الله عليه و سلم : ’’أحملك على ولد الناقة’’ ، قالت : إنه لا يطيقني و لا أريده ، فقال صلى الله عليه و سلم : ’’ لا أحملك إلا عليه ’’ . و قد كان الرسول صلى الله عليه و سلم يمازحها صادقاً حيث أن كل الإبل صغيرها و كبيرها ولد النوق . وما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يغضبها أبداً ماروى عن أنس رضى الله عنه قال : كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات ، حتى افتتح قريظة والنضير ، وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كانوا أعطوه أو بعضه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطاه أم أيمن ، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي كذا ، وتقول : كلا والله ، حتى أعطاها عشرة أمثاله . ومما يستدل به من شرح النووى أن أم أيمن فهمت أن هبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها مؤبدة فتملك بها أصل الرقبة أى النخلات . فما كان من النبى صلى الله عليه وسلم إلا أن استطاب قلبها فى استرداد ذلك فما زال يزيدها في العوض حتى رضيت ، وكل هذا تبرع منه صلى الله عليه وسلم ، وإكرام لها لما لها من حق الحضانة والتربية وفرط جود النبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة حلمه وبره ، ومنـزلة أم أيمن عند النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الحافظ ابن حجر .
كانت دائماً بجواره وخلفه فى السراء والضراء ، أحبته حب الابن ، بل أكثر من ذلك بكثير ؛ فكانت مع بنتيه أم كلثوم وفاطمة بعد وفاة أمهما السيدة خديجة رضى الله عنها ، وحتى بعد أن ضم إليهما الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة سودة بنت زمعة ، وحين تزوجت فاطمة كانت ممن جهزها لعريسها وهى التى أنبأتنا عن جهاز الزهراء حين قالت : : ولّيت جهازها ، فكان فيما جهزتها به مرفقة من أدم ـ من جلد ـ حشوها ليف وبطحاء مفروش في بيتها.
و لما انتقلت السيدة زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنها إلى جوار ربها كانت أم أيمن ممن غسلنها ، ومعها السيدة سودة بنت زمعة ، و السيدة أم سلمة رضوان الله عليهن جميعاً . وحين لاكت بعض الألسن سيرة السيدة عائشة رضوان الله عليها فى حادثة الإفك ، لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم صدراً أحن وأحفظ من صدر أمه وبقية أهله ، وفعل كما يفعل الابن حين يضيق صدره و يريد أن يفرج عن نفسه بما يعتمل داخله فكانت أم أيمن ملاذه الآمن الحنون ، فطمأنته وصدقته الحديث حين سألها صلى الله عليه و سلم :’’ أي امرأة تعلمين عائشة ؟’’ ، قالت : حاشا سمعي و بصري أن أكون علمت أو ظننت بها إلا خيرا .ً
كما كانت معه بقلبها وعينيها حين غزا صلى الله عليه وسلم ؛ فشهدت معه بعض غزواته مثل أحد وذبت عنه السهام ، كما صاحبته فى خيبر . الصابرة المحتسبة عند ربها زوجها زيد فى غزوة مؤتة ، وابنها أيمن فى حنين ، ثم قصم ظهرها وناءت عن حمله فقدها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابنها الأول، وحبها الأكبر، والأثير لديها ، فبكته وبكته حتى أبكت من حولها حين قالت: حين قالوا الرسول أمسى فقيـدا ميتـا كان ذاك كل البـلاء وابكيا خير من رزئناه في الدنيـا ومن خصه بوحــي السماء بدموع غزيـرة منـك حتـى يقضي الله فيك خيـر القضـاء عن أنس رضى الله عنه قال : قال أبو بكر رضى الله عنه بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر : انطلق بنا إلى أم أيـمن نزورها كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يزورها ، فلما انتهينا إليها بكت ، فقالا لها : ما يبكيك ما عند الله خير لرسوله صلّى الله عليه وسلّم فقالت : ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلّى الله عليه وسلّم ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء ، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها .
إنها ( بركة ) التى بارك الله فى عمرها ، لتنعم بالقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعايشته بما لم تحظ به أمه التى أنجبته ، ( بركة) الشاهد على ميلاد وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم بأفراحها وأحزانها ، ودقائق أسرارها ، كما كانت الشاهد على وفاته صلى الله عليه وسلم ، لتلحق به فى خلافة عثمان رضى الله عنه وعنها فى أرجح الأقوال.
|
|
أحلام لسانية مشرف عام
البلد : السعودية عدد المساهمات : 1314 نقاط : 1860 تاريخ التسجيل : 24/05/2010 المهنة : أستاذة
| |