قصة عربي كريم للحطيئة :
1-وطاوِي ثلاثٍ عاصبِ البَطْنِ مُرْمِلٍ ** ببيداءَ لم يَعْرِفْ بها ساكنٌ رسْمَا
2-أخي جَفْوَةٍ فيه من الإنْسِ وَحْشةٌ يرى** البؤسَ فيها منْ شراستِه نُعْمَى
3-وأفرد في شِعْبٍ عجوزاً إزاءَهــا ** ثلاثةُ أشباحٍ تخالُهُمُ بَهْمــــا
4-حُفاةٌ عُراةٌ ما اغْتَذَوْا خُبزَ مَلَّـــةٍ ** ولا عرفوا للبُرِّ، مذ خُلِقُوا طَعْمَا
5-رأى شبحاً وسْطَ الظلامِ فراعَـــهُ ** فلمَّا رأى ضيفاً تشمَّرَ و اهتمَّـا
6-فقال: هيا ربَّاه ضيفٌ ولا قِـــرَى** بحقِّكَ لا تَحْرِمْه تا الليلةَ اللحمـا
7-فقال ابنُه لَمَّا رآهُ بِحَيْــــــرَةٍ ** أيا أبتِ اذْبحنِي و يسَّرْ لهُ طُعْمَـا
8-ولا تعتذرْ بالعُدْمِ علَّ الذي تَــرَى ** يظُنَّ لنا مالا فيُوسِعُنا ذمَّــــا
9- فرَوَّى قليلاً ثمَّ أحْجَمَ بُرْهَــــةً ** و إنْ هُوَ لم يَذبَحْ فَتاهُ فَقَدْ هَمَّــا
10-فبيْنَا هُمَا عَنَّتْ على البُعْدِ عانـة ٌ** قد انتظمتْ مِنْ خلفِ مِسْحَلِها نَظْمَا
11-عِطَاشًا تريدُ الماءَ فانْسابَ نحوَها ** على أنَّه منها إلى دمِها أظْمَــا
12-فأمهلها حتى ترَوَّتْ عطاشُهــا ** فأرْسَلَ فيها من كِنانتِهِ سَهْمَــا
13-فخرَّتْ نَخُوصٌ ذاتُ جَحْشٍ سمينةٌ ** قد اكتنزَتْ لحماً وقد طُبِّقَتْ شَحْمَا
14-فيا بِشْرَهُ إذْ جَرَّها نحْوَ أهْلِـــهِ ** ويا بِشْرَهُمْ لمّا رأوْا كَلْمَهَا يَدْمَى
15-وباتَ أبوهُمْ من بشاشتِهِ أبـــاً ** لضيفهمُ والأُمُّ مِنْ بِشْرِهَا أُمَّــا
16-وباتُوا كِراماً قد قَضَوْا حَقَّ ضَيْفِهِمْ ** وماَغَرِموا غُرْماً وقدْ غَنِمُوا غُنْمَا
----------------------------------
الطاوي : الجائع – ثلاث : أي ثلاث ليال – عاصب البطن : من يشد الصائب على بطنه تسكينا للجوع ، والمعصوب : الجائع جدا – مرمل : فاقد الزاد فقير – البيداء : الصحراء التي يضل فيها ساكنها – الرسم : الأثر أو بقيته أو ما لا شخص له من الديار .
– الجفوة : الغلظة والشدة – الوحشة الهم والخوف – البؤس : شدة الحاجة – الشراسة : سوء الخلق – النعمى : النعمة .
– الشعب : الطريق في الجبل – إزاءها : بجوارها - الشبح : الشخص – تخالهم : تظنهم – البَهْم : جمع بَهمة وهي ولد الضأن والمعز والبقر .
– المَلَّة : الرماد الحار والجمر ، وخبز الملة : ما يخبز فيها – البُر : القمح . – راعه : أفزعه – تشمر : شمر عن ساعديه استعدادا لما يجب أن يفعله .
– هيا : حرف نداء – القِرى : ما يقدم للضيف من طعام وغيره – تا الليلة : هذه الليلة .
– طُعما : طعاما .
– العُدْم : الافتقار وفقدان المال – علَّ : لغة في (لعلَّ) .
– روَّى : تروى في الأمر بعد نظر وفكر – أحجم : كف ورجع هيبة وخوفا – بُرهة : زمانا .
- عنت : ظهرت – عانة : العانة يراد بها القطيع من حمر الوحش – انتظمت : مشت الواحدة تلو الأخرى – المِسْحَل : حمار الوحش يقود القطيع .
– انساب : جرى ومشى مسرعا .
– تروت : شربت – الكِنانة : جعبة السهام .
– خرت : سقطت صريعة – نَخوص : أتان وحشية لا لبن فيها – اكتنزت : امتلأت – طُبقت : أصبح شحمها لكثرته طبقة فوق طبقة .
- البِشْر : طلاقة الوجه والبشاشة - الكَلْم : الجرح – يَدْمَي : يخرج منه الدم . – الغُرْم : الخسارة – الغُنْم : مقابل الغُرْم .
-------------------------------------------
والحطيئة هو : جرول بن أوس بن مالك العبسي ، أبو ملكية ، الحطيئة ، لقب بالحطيئة لقربه من الأرض ، فإنه كان قصيراً. وهو من فحول الشعراء وفصحائهم ، وكان كثير الشر ، قليل الخير، بخيلاً ، قبيح المنظر ، رث الهيئة ، فاسد الدين ، وهو شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ، وأسلم ثم ارتد ، وكان هجاءاً عنيفاً ، لم يكد يسلم من لسانه أحد ، حتى إنه هجا أمه ، وأباه ، ونفسه . فقد رُوي أنه التمس يوماً إنساناً يهجوه ، فلم يجد ، فضاق عليه ذلك ، فقال :
أبت شفتاي اليوم إلاّ تكلما ** بشرٍّ فما أردي لمن أنا قائله
وأخذ يردد البيت ولا يرى إنساناً ، فاطلع في حوض ماء فرأى وجهه فيه فقال :
أرى لي وجهاً قبّح اللّه خلقه ** فقبّح من وجهٍ وقبح حامله
وهجا الزبرقان بن بدر بالأبيات التي منها:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فشكاه الزبرقان إلى عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - ، فأحضره عمر ، واستنشده ، وقال لحسان : أتراه هجاه ؟ قال : نعم ، فحبسه عمر في بئر ، فقال متوسلا :
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ ** زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمةٍ ** فاغفر عليك سلام اللّه يا عمـر
فأخرجه عمر وقال له : إياك وهجاء الناس ، قال : إذن تموت عيالي جوعاً ، هذا مكسبي ومنه معاشي . قال : إياك والمقذع ، قال : وما المقذع ؟ قال : أن تخاير بين الناس فتقول : فلان خير من فلان ، وآل فلان خير من آل فلان .... وقيل إن عمر لما أطلقه اشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم ، ليؤكد الحجة عليه . وقد توفي في حدود الثلاثين للهجرة .