عبدالله بوقصة .عضو فعّال
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 30 نقاط : 66 تاريخ التسجيل : 28/05/2010 الموقع : جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: الجذور العربية للتداولية 2010-08-13, 23:54 | |
| - الجذور العربية للتداولية:
إن ما جاءت به التداولية ليس بالأمر الهين باعتبارها مبحثا لسانيا جديدا، و هي كمفهوم للممارسة الكلامية، تقوم بتحويل اللغة إلى كلام أو بما يسمى عملية التلفظ.
والهدف من ذلك إيصال رسالة ما إلى المخاطب بأسلوب حجاجي تأثيري. و هناك شروط لا بدّ أن تتوفر في صاحب الرسالة و في الرسالة نفسها، و كذا في المخاطب حتى يحدث نوع من التفاعل بين الأطراف جميعها و هذا ما وجدناه عند بعض العلماء العرب أمثال الجاحظ(255هـ).
و نحن إذ نقف أمام التداولية، فإننا نسجل من باب الإنصاف ما قدمه روادها على تعدد توجهاتهم و أهدافهم، إلا أننا و من قبيل عدم التنكر للذات نشير إلى أن جل مبادئ التداولية الحديثة حاضر في تراثنا العربي، و لو بمصطلحات مغايرة، و ذلك منذ بداية طلائع الدرس اللغوي مع سيبويه(180هـ) وصولاً إلى البلاغيين و النقاد المتأخرين.
فمبدأ القصدية الذي هو قمة الأدوات الإجرائية في التداولية نجد له أثرا بينًا عند سيبويه (180هـ) في معرض حديثه عن الأفعال المتعدية لمفعولين.(1) نحو: علمتُ الامتحان سهلا، أو ظننتُ الجو صحوًا، و هذا الحديث يقع تحت تسمية مستوى التعبير أو تداولية الدرجة الأولى، إذ يخضع الكلام في المقام الأول لمراد المتكلم حسب ما وقر عنده من حال المفعول به يقينًا و شكًا.. و تأخذ هذه الفكرة بعدًا نظريًا ضمن نظرية النظم للجرجاني(471هـ) في إلحاقه الألفاظ للمعاني، و ربطهما بمقاصد المستعملين عند حديثه عن ذكر المفعول به
و حذفه مثل: فلان يحل و يعقد.(2) و قد يذكر القصدية عند المتكلم تحت تسمية " معاني النفس".
و الأمر نفسه نجده عند الجاحظ(255هـ) الذي جعل من شروط التواصل الناجح أن يراعي المتكلم مخاطبه،" فلا يكلم سيد الأمة بكلام الأمة، و لا الملوك بكلام السوقة..."(1)
و قد نهل الجاحظ من وثيقة مشهورة في البلاغة هي صحيفة بشر بن المعتمر(220هـ) التي حث فيها على ضرورة الموازنة في الكلام بين أقدار المعاني و السامعين و الحالات... فالعبرة أن يعمد المتكلم إلى انتقاء ألفاظه و نظمها على ما يقتضيه مقصده و مبتغاه في الكلام مع مراعاة السامع، بل قد يغدوا هذا السامع معيار الكلام أحيانًا، مثلما يفهم من كلام أبي هلال العسكري(395هـ): " إذا كان الكلام قد جمع العذوبة.. و ورد على المعنى الثاقب قبله، و لم يرده، و على السمع المصيب و لم يمجه، و النفس تقبل اللطيف و تنبو عن الغليظ، و تقلق من الجاسي ( الصلب) البشع..."(2)
فمتى اجتمعت في النظم الذي يحركه القصد بلاغة اللفظ، و شرف المعنى و البعد عن الشذوذ كان له التأثير المرغوب في السامع، و يحفظ لنا التاريخ ضروبا لمثل هذا التأثير كقصة ربعي بن عامر مع ملك الفرس، و جعفر بن أبي طالب مع النجاشي.
إن محصلة عقد التواصل بين طرفي التداول أي التأثير هي الغاية في كل موقف. و قد ذكر حازم القرطاجني(684هـ) نموذجين للتأثير:
الأول: استعمال الإقناع و هي خاصية ملازمة للحجاج.
الثاني: استعمال التخييل الذي هو قوام الشعر و غاية هذين الاستعمالين متحدة و هي: "إعمال الحيلة في إلقاء الكلام من النفوس بمحل القبول للتأثير لمقتضاه، فكانت الصناعتان متوخيتين لأجل اتفاق المقصد و الغرض فيهما."(3)
و إذا رجعنا إلى بعض أهم الجوانب الواجب مراعاتها في التحليل التداولي، و هو الجانب غير اللغوي في التخاطب، فإننا نجد الجاحظ(255هـ) يكاد يحوز قصب السبق في الإشارة إليه، حينما انتبه إلى مختلف الوسائط التعبيرية غير اللغوية، حيث أرجع بيان الدلالة إلى خمسة أنماط تهمنا منها في هذا المقام الإشارة و النصبة.
و من أضرب الإشارة التي ذكرها الجاحظ " باليد و الرأس و بالحاجب و المنكب، إذا تباعد الشخصان، و بالثوب و السيف، و قد يتهدد رافع السوط و السيف فيكون ذلك زاجرًا
و مانعًا و رادعًا، و يكون وعيدًا و تحذيرًا..."(1)
أمّا النصبة فهي الحال المفصحة عن نفسها من غير واسطة اللفظ، و بناءًا على كلام الجاحظ ندرك بأنه كان عالمًا بشتى جوانب العملية التخاطبية.
هذا و من الشروط التي تتضمن نجاح العملية التواصلية لدى البلاغيين العرب، معرفة خصوصيات اللغة التي يتم بها التواصل.. فالتواصل الناجح السليم قائم على ركيزة أساسية هي السنن (اللغة المشتركة)، و هذا يعكس نظرة تراثية شمولية نوعية ارتقت إلى مستوى التنظير اللغوي الحديث الذي جعل الاشتراك على مستوى السنن بين المرسل و المرسل إليه ضرورة من ضرورات نجاح العملية التواصلية.(2)
و في ضوء هذه التجليات تظهر قيمة استخدام اللغة المشتركة، و لا مناص من إدراجها ضمن أولويات الخطاب الناجح.
و نسجل حضور أبعاد التخاطب عند لغوي عربي آخر هو ابن حني(392هـ) عندما أشار إلى أنه قد تحذف الصفة في مثل قولنا: كان و الله رجلا.
فالصفة المحذوفة غامضة و غموضها الدلالي نابع من انفتاح البنية على احتمالين متضادين: المدح أو الذم، لكن ابن جني يرى أن أداء لفظ الجلالة( الله) بزيادة مدّه أكثر مما يستحق، أو مما تتطلب قيمته الصوتية تؤدي دور الإفصاح عن معنى المدح. فكأنك قلت: كان و الله رجلا كريمًا.
و قد تقوم تقاسيم الوجه مقام الإدلاء أو التعبير في مثل قولهم: سألناه و كان إنسانا. فحينما يؤدي المتكلم هذه العبارة و الناقصة بنية و دلالة، و يقطب وجهه فكأنه يصفه بالبخل و اللؤم.
و كان للفقهاء و الأصوليين اليد الطولى في العناية بأطراف العملية التواصلية و أبعاد الكلام المختلفة، فاهتموا بها اهتماما فاق – لا محالة – اهتمام اللغويين ذلك لأن الأصوليين وجدوا في الحديث عن أطراف العملية التواصلية خدمة لمقاصدهم. و نظراً لعظم هذه الخدمة، انصب انشغال الأصوليين على أطراف الحكم الشرعي و هي:
أولا: الحاكم أو الشارع و هو الله تعالى.
ثانيا: الحكم و هو مضمون خطاب الله تعالى للمكلفين من عباده.
ثالثا: المحكوم فيه، أو الشأن المتعلق به الحكم.
رابعًا: المحكوم عليه، و هم المكلفون المتعلق الحكم بفعلهم.(1)
و في قضية القصد كونها من الأهمية بمكان في تبيان دلالة الكلام يميز أبو حامد الغزالي(505هـ) بين ضربين من الكلام: كلام لا يتلفظ به، فيظل حبيس الذات و طي الكتمان. و كلام منجز متحقق فعليا و دلالته ليست ذاتية، و قريب من هذا ما ذهب إليه ابن حزم و هو ما يصدق القول: إن الكلام هو القول المفيد بالقصد.(2)
و هذا القاضي عبد الجبار(415هـ) في كتابه المغني يزرع الدعامات الأساسية للكلام فيجعل القصد شرطًا أساسيًا ينبغي توافره في عملية الكلام بالعودة إلى مسألة المواضعة اللغوية.(1)، ذلك أنّ الكلام غير مؤهل للاحتواء على فائدة إلا و قد استوفى شرط المواضعة* عليه.
و لعلّ هذه الإشارات ليست كافية في عرض البعد التداولي عند العلماء العرب في تعاملهم مع النصوص و لكنها ترشد إلى حقيقة الاهتمام الموسّع لديهم، كما قد كانت بداية لطريق طويل لمن يريد أن يوسّع آفاق ابحث التداولي بشيء من التحليل و المقارنة بين نصوص التراث العربي و بين المقاربات التداولية الراهنة.
و خلاصة ما ننتهي إليه أن التداولية بمقولاتها و مفاهيمها الأساسية كسياق الحال، و غرض المتكلم، و إفادة السامع و مراعاة العلاقة بين أطراف الخطاب، و مفهوم الأفعال الكلامية يمكن أن تكون أداة من أدوات قراءة التراث العربي في شتى مناحيه و مفتاحا من مفاتيح فهمه.
|
|
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| |
عبدالله بوقصة .عضو فعّال
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 30 نقاط : 66 تاريخ التسجيل : 28/05/2010 الموقع : جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: شكر و تنويه 2010-08-20, 14:07 | |
| |
|
بر الايمان عضو نشيط
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 24 نقاط : 42 تاريخ التسجيل : 26/11/2010
| موضوع: رد: الجذور العربية للتداولية 2011-04-17, 19:53 | |
| |
|
عبيد السعيدي *
البلد : السعودية عدد المساهمات : 5 نقاط : 5 تاريخ التسجيل : 17/02/2011
| موضوع: رد: الجذور العربية للتداولية 2011-06-19, 13:30 | |
| ,,,
أحسنت , موضوع قيّم ..
تحياتي |
|